شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تمهيد
إن جميع الأحاديث النبوية تصلح لتطبيق معيار "التوازن" عليها، بل إن البيان النبوي هو النموذج الراقي الذي يجب أن يحتذيه الأديب المسلم في مجال الأدب الإسلامي، فهو النموذج الفريد الذي يمتع العقل بالمضامين التي يعرضها والقيم العليا التي يناقشها، بما فيها من توازن فريد، وفي نفس الوقت يغذي الإحساس الجمالي عند المتلقي بما فيه من روعة الأسلوب وجمال الشكل.
وموضوع التطبيق سينحصر في أقوال الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأما ما روي من أفعاله وصفاته الشريفة، فمع أنها من صميم السنة، ويجوز التأنس بها في هذه الدراسة إلا أنها ليست الهدف المتوخى في الدراسة الأدبية، بقيت مسألة تحتاج إلى توضيح:
ما موقفي من حديث تعددت أسانيده واختلفت بعض ألفاظه في سند عن سند؟ لأن هذه الدراسة قد تعتمد اللفظ والمعنى معاً في استنباط "التوازن" وفي تفسير الجمال للمتن.
ولعل الوقوف على أسباب الاختلاف بين الألفاظ في بعض الأسانيد يزيل هذا اللبس. وقد فصل "أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي البستي" في كتابه "غريب الحديث" (1) الكلام عن ذلك الاختلاف، ملخصه ما يأتي:
"إن اختلاف الألفاظ في المتن إما بتكرار البيان ليكون أوكد للسامع، وأدنى إلى فهم من هو أقل فقهاً، أو أقرب بالإسلام عهداً، وإما لأن من كان يجتمع بحضرته (صلى الله عليه وسلم) أخلاط من قبائل مختلفة.
وأياً ما كان سبب اختلاف بعض الألفاظ في رواية عن أخرى فالمعنى في الروايتين واحد، والبيان كما هو، وهذا كافٍ لحفظ سلامة المنهج.
أما الأحاديث التي انتخبتها فمادتها الآداب الاجتماعية، لأني أؤمن بأهمية التركيز على الآداب الاجتماعية في التصور الإسلامي وذلك لسببين: الأول: أني أعتقد أن النظام الأخلاقي في أية حضارة هو عنوانها، وثمرة نشاطها، ودليل حركتها، به يحكم لها أو عليها، وبدونه قد يصير التقدم الذي تحرزه في أي مضمار طاقة مدمرة تنسف كل ما يبنيه الإنسان، وتعيده إلى عصر طفولته الأولى، ويظهر التفاوت بين حضارة وأخرى بحسب ما يشتمل عليه كل منها من مبادىء صالحة شاملة كما يظهر هذا التفاوت من جانب آخر بحسب واضع هذا النظام.
فنظام وضعه فرد أو عُصْبة -مهما أوتوا حظاً من نبوغ- لا محالة محكوم بظروف عصرهم، ولا يتجرد من أهوائهم ولا يحيط بخفايا النفوس وتقلباتها، نظام كهذا لا يقارب نظاماً استمد من شرع الله، وبني عليه.
هذا الفارق الخطير أثراً ودلالة بين النظامين ينقلنا صعداً إلى آفاق الدلالة القرآنية في خطاب الله لرسوله: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (2) وإلى تأكيد الرسول (صلى الله عليه وسلم) للخطاب الرباني: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" (3) .
السبب الثاني: أن الآداب الاجتماعية أمس بالأدب رحماً ومادتها الينبوع الذي يستقى منه في الأصل، والتركيز على الآداب الاجتماعية من المنظور الإسلامي يقدم للأدب الإسلامي زاداً وفيراً وخاصة في مجال القصة.
إن هذه الآداب مجتمعة تنتهي بالمسلم إلى القوة، والقوة تنتهي به إلى الجمال، فـ "الخصائص المميزة للجمال هي القوة، والوفرة، والذكاء" (4) .
وهذه الخصائص نفسها أجدها من أهم مقومات الأدب الجميل: فالقوة تستمد من تلك الآداب، والوفرة تستمد من تنوعها واختلافها، والذكاء من تصرف الأديب الفنان بالمادة نفسها حيث يحول تلك الآداب من مجرد إرشادات جافة إلى فن جميل يمتع الذوق ويرقي الحس، مقتدياً في ذلك بالبيان النبوي.
وقد صنفت هذه الآداب في عدة محاور، أحسب أن منهج الإسلام في صياغة المسلم يتألف منها:
أ- التوازن في علاقة المسلم بالله منعكساً على آداب المسلم في ذاته.
ب - التوازن في علاقة المسلم بالآخرين.
جـ - التوبة والاستغفار.
وهذا المحور الأخير يمثل في تصوري الصيغة المتفردة المميزة لمنهج الإسلام في إعداد المسلم لأنه معرض في ممارسة أي من الآداب السابقة إلى شيء من الخلل وإذ ذاك تأتي التوبة بشروطها لتزيل هذا الخلل، وترده إلى "التوازن" المفقود، ويأتي معها الاستغفار استدامة لهذا "التوازن" أي أن الأحاديث الواردة في هذا المحور الأخير من مكملات "التوازن" المنشود.
 
طباعة
 القراءات :597  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 66 من 86
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .