شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تعريف علوم البلاغة
علوم البلاغة هي: ما اتفق عليه علماء البلاغة من تقسيمها إلى "علم البيان" و "علم البديع" و "علم المعاني".
وهذه العلوم هي مادة أي قول جميل، ولذلك دُرست من قبل البلاغيين ووضعت لها على قدر الإمكان قواعد وأصول، تعين الأديب على الإصابة في قوله، وتبعده عن الزلل.
وباستعراض كل فن من هذه الفنون الثلاثة، وما اشتمل عليه كل منها من أصول وقواعد فإن النظرة الدقيقة تهديني إلى استنباط قاعدة تصلح لتطبيقها في جميع تلك الفنون، وتقوم على محورين:
أ- أن "التوازن" معيار صحة وجمال لكل فن من فنون البلاغة.
ب- "التوازن" هو الذي يحكم استخدام كل فن على حدة أو مع غيره من الفنون ويؤكد ذلك "الخفاجي" بقوله: "فأما إذا تكرر التصريع في القصيدة فلست أراه مختاراً، وهو عندي يجري مجرى تكرر الترصيع والتجنيس والطباق وغير ذلك.. وإن هذه الأشياء إنما يحسن منها ما قل وجرى منها مجرى اللمعة واللمحة فأما إذا تواتر وتكرر فليس عندي ذلك مرضياً" (1) .
ولا أستبعد أن يكون هذا المعيار كامناً وراء بعض ما ذهب إليه "الآمدي" و "الجرجاني" في "الموازنة بين أبي تمام والبحتري" وفي "الوساطة بين المتنبي وخصومه" سواء كان ذلك صراحة أو ضمناً.
فالقضية أساساً كان محورها "التوازن" و "الاعتدال" في استخدام فنون البديع والبيان أو الإسراف فيه، فـ "التوازن" حسن مقبول والإسراف يخرج صاحبه إلى استرذال المتلقين.
وهذا "القاضي الجرجاني" يعترف بأن البديع عُرف في العصر الجاهلي، وكان حسناً مقبولاً، لكن إسراف المحدثين في استخدامه بين محسن ومسيء جعل معاصريهم يختلفون في قبول أشعارهم، أما القدماء "فقد كان يقع ذلك في قصائدهم، ويتفق لها في البيت على غير تعمد وقصد، فلما أفضى الشعر إلى المحدثين، ورأوا مواقع تلك الأبيات من الغرابة والحسن، وتميزها عن أخواتها في الرشاقة واللطف، تكلفوا الاحتذاء عليها فسموه البديع، فمن محسن ومسيء، ومحمود ومذموم، ومقتصد ومفرط" (2) .
بل إن "الجرجاني" يجعل السبب الرئيسي من نفور بعض الناس من بعض أشعار "أبي تمام"؛ هو إسرافه في استخدام فنون البلاغة. فيقول: "وربما كان ذلك سبباً لطمس المحاسن، كالذي نجده كثيراً في شعر "أبي تمام" فإنه حاول من بين المحدثين الاقتداء بالأوائل في كثير من ألفاظه، فحصل منه على توعير للفظ فقبح في غير موضع من شعره، فقال:
فكأنما هي في السماع جنادلٌ
وكأنما هي في القلوب كواكب
فتعسف ما أمكن، وتغلغل في التصعب كيف قدر، ثم لم يرض بذلك حتى أضاف إليه طلب البديع، فتحمله من كل وجه، وتوصل إليه بكل سبب ولم يرض بهاتين الخلتين حتى اجتلب المعاني الغامضة، وقصد الأغراض الخفية، فاحتمل فيها كل غث ثقيل، وأرصد لها الأفكار بكل سبيل، فصار هذا الجنس من شعره إذا قرع السمع لم يصل إلى القلب إلا بعد إتعاب الفكر، وكدّ الخاطر، والحمل على القريحة، فإن ظفر به فذلك من بعد العناء والمشقة وحين حسره الإعياء، وأوهن قوته الكلال. وتلك حال لا تَهَش فيها النفس للاستماع بحسن، أو الالتذاذ بمستظرف؛ وهذه جريرة التكلف" (3) .
ويفضي بي كلام "القاضي الجرجاني" إلى أن البديع في ذاته ليس منكراً قبيحاً، لكن القبح فيه يأتي من الإسراف والتوعر والتكلف، لأن هذه عقاب تفقد الكلام الجمال، وتحول دون وصوله إلى القلب.
بلوْت الوشائج القوية التي تصل معيار "التوازن" بعلوم البلاغة، وأنه ليس مقحماً عليها، بل هو ملحوظ في كل منها وإن لم يكن ظاهراً صريحاً في بعض الأحيان. ولكي أزيد القول تفصيلاً فإني أسوق شواهد لهذه الصلة من خلال بعض الفنون.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1367  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 42 من 86
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.