شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
3- العمل والحركة:
العمل أو الحركة هو النتيجة الطبيعية للإرادة، وهو يشمل حركة الأعضاء تجاه موقف معين. كما يشمل حركة القلب والفكر.
ولو تأملنا الكون لوجدنا كل ما فيه متحركاً، حتى الجماد.
قال تعالى: وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ الْسَّحاَبِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شيءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (1) ، وقوله: يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا (2) .
والمسلم مدعو إلى العمل وَقُلِ اعمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ (3) . فالمعرفة لا يعتد بها إلا أن تكون عملاً وحركةً وإرادةً -كما جاء سابقاً- فالعمل في الإسلام حياة واعية يقظى دائماً، يعيشها المسلم بواقعية بين حالتين متجاورتين لا يفتر التغالب بينهما. وهو مع ذلك مكلف بالعمل على حسب الاستطاعة، فلا يكلف بعمل فوق طاقته، ومع هذه المرونة في التكليف فلا يعفى أبداً عن العمل، يقول د. دراز: "وفي هذا الإطار يدعى كل فرد إلى ممارسة نشاطه، بأن يضع نفسه على درجة مناسبة العلو، في سلم القيم، تبعاً لطاقته المادية ومطامحه الأخلاقية، وبهذا يتضح معنى ذلك الحديث الصحيح الذي يقرر أن صحابة النبي (صلى الله عليه وسلم) كانوا يسافرون مع النبي، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم" (4) . وعلى ذلك فالسماحة لها أصل عقلي في القرآن.
إن المسلم في المفهوم الإسلامي، هو إنسان في عمل دائم فإن لم يكن يقوم بمجهود عضلي فقلبه وفكره يعملان دائماً. ويصور "ابن قيم الجوزية" حالة عمل القلب بالحرب فيقول: "وأحسن أحواله أن يكون في حرب، يدال له فيها مرة، ويدال عليه مرة، فإذا مات العبد موته الطبيعي: كانت بعده حياة روحه بتلك العلوم النافعة، والأعمال الصالحة والأحوال الفاضلة التي حصلت له بإماتة نفسه، فتكون حياته ها هنا على حسب موته الإرادي في هذه الدار" (5) إن الموت الإرادي بهذا المفهوم ما هو إلا عمل ومجاهدة النفس في كل وقت، لأن الإسلام لا يلغي وجود الشر ولكنه يطلب مقاومته على حسب الموقف. فواقعية الإسلام في الحياة تطلب من المسلمين أن يكونوا أشداء مع الأعداء وذلك في الجهاد. بمعنى أنهم يقاومون الشر بالشر، ألم يطلب الرسول (صلى الله عليه وسلم) من حسان بن ثابت أن يستهدي بأبي بكر الصديق (رضي الله عنه) ليدله على مثالب الكفار من قريش فيهجوهم بها؟.
"هذه الواقعية الإسلامية التي تجاور النقيضين في النفس الإنسانية، فالخير والشر لا يقوم "التوازن" في التصور الإسلامي على إلغائهما، أو إلغاء أحدهما؛ لأنه بإلغاء الطرفين يختفي الصراع والمقاومة، ويصير المرء منقاداً، وبإلغاء الشر تختفي البشرية في الإنسان، ويصير ملاكاً، وبإلغاء الخير يصير شيطاناً.
إن "التوازن" في المفهوم الإسلامي يقوم على الفطرة البشرية المتهيئة للنقيضين".
ويمكن أن يقال بعد ذلك: إن الأدب الجميل وراءه دائما نفس قوية، تتواثب فيها النزعات، وتتغالب الدوافع لكن الحرية المعقولة، واستشراف الجمال والحق يأذن لهذه ويحجب تلك في أداء مستوٍ خلاب، مع أنني لا أتصور نفساً هامدة كل الهمود، فالنفس الهامدة لا يمكن أن يصدر عنها أدب خصب قوي.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :882  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 16 من 86
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

سوانح وآراء

[في الأدب والأدباء: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج