شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الدكتور سعيد السريحي ))
البحث عن جينة الغلو
نخرج الليلة من شعر التكريم إلى نثر العلم. نخرج من مساءات عرفنا فيها الحق بالرجال إلى مساء نعرف فيه الرجال بالحق..
ولما لم يكن فيما وقفنا عليه من خلائق الرجال تجانفٌ عن الحق فلن يكون فيما سنقف عليه من الحق مساسٌ بأقدار الرجال.
أوطئ بكلماتي هذه لما سأبديه من رأي حول القضيّة التي عرض كاتب الكتاب متفقاً معه في الهدف ومختلفاً عنه في السبيل الموصل إليه، مطمئناً أن هذا الاختلاف لا يتعارض مع إكباره للدكتور سفر وثنائي على ما قدّمه في كتابه من جهد، واعتزازي به أستاذاً عرفنا له مكانته مذ كُنّا طلاباً نقعد مقاعد التلمذة.
* * *
تساءلت وأنا أعبر تقديم الكتاب عما إذا كُنا كما قال محمد السّماك كاتب المقدمة مجتمع الدين الواحد والثقافة الواحدة واللغة الواحدة والعنصر الواحد وتساءلت كذلك عما إذا كانت لا توجد في مجتمعنا تعددية دينية أو ثقافية أو عنصرية كما زعم صاحب التقديم؟..
وتساءلت بعد ذلك عن مشروعية أن أقدّم لمناقشة الكتاب بمناقشة مقدّمة ليست لكاتبه لولا أن تداركني خاطر يرى أن ذلك متصلٌ بما نحن فيه من حيث تناول التطرّف والغلو كظاهرة، والكتاب كدراسة لتلك الظاهرة في إطار السعي إلى إصلاح الذات ومواجهة الحقيقة.
غير أني قبل أن أزعم عدم صحة هذه الوحدانية التي اتكأ عليها الكاتب في المقدمة، أريد أن أدفع عنه بتبرئته من إصرها، فهي من المقولات التي كثر ترديدها ولاكتها الألسن حتى أوشكت أن تصبح من المسلَّمات التي قالت العرب في مثلها (لا يختلف حولها اثنان ولا تنتطح فيهما عنزتان).
ولنا أن نتساءل بحق هل نحن مجتمع دين واحد ولغة واحدة وثقافة واحدة وعنصر واحد؟ وهل مجتمعنا مبرأ من التعددّية الدينية أو الثقافية أو العنصرية؟
ولكي نصل إلى اتفاق جزئي أو تفاهم كلّي حول هذه المسألة علينا أن نسأل عما نعنيه بـ "مجتمعنا"؟
ولستُ أعتقد أن أحداً منكم يتوهم أننا حين نتحدث عن المجتمع إنما نتحدّث عن مجتمع نظري أو افتراضي لا يقوم إلا في أوهامنا..
(مجتمعنا) في حقيقة الأمر، وهذا ما نعتزّ به، هو هذا المجتمع الذي يتكوّن من خليط هائل وكبير تشارك فيه جاليات من جنسيات تنتمي إلى أكثر من ثمانين دولة من العالم لها مواطنوها الذين يقيمون بيننا ويشاركوننا في مناشط الحياة كافة، فهم زملاؤنا في العمل وجيراننا في السكن ورفاقنا في التنزّه، وشركاؤنا في بناء هذا الوطن والتمتع بخيراته، ولا يمكن أن نتحدّث عن مجتمعنا بمعزل عنهم أو بإخراجهم منه أو إقصائهم عنه.
فإذا كان ذلك هو مجتمعنا فهل يصح لأحد أن يزعم أننا مجتمع "أحادي"؟
وإذا تواطأنا قليلاً وسلّمنا بأننا نتحدّث عن مجتمع سعودي محض (وكأنما أشقاؤنا وأصدقاؤنا من الوافدين الذين يعيشون معنا يعيشون في كميونات وجينات مغلقة) إذا تواطأنا على التسليم بذلك المجتمع السعودي البحت جاز لنا، بعد ذلك، أن نتساءل: هل هو مجتمع المذهب الواحد والثقافة الواحدة؟
أليس منا السّني والشيعي والإسماعيلي؟
أليس بيننا من يتشدّد في الدين حتى يخرج منه خروج السهم من الرميّة، ومن يفرط في الدين حتى لا يبقى له منه غير ما هو مثبت في شهادة الميلاد؟
أليس فينا من تلقى تعليمه في جامعات الغرب ومن ليس يعرف من الغرب إلا أنه سلسلة من الخمارات وبيوت البغاء؟
أما "العنصر الواحد" الذي أشار إليه كاتب المقدّمة فلست أعرف ما عناه، فهل تراه يعني به "العرق العربي"؟
لو كان ذلك ما عناه فإن وجوه مجلسنا هذا تنكر عليه هذا الزعم.. ولعلّي لا أُتّهم بشعوبية إن قلتُ إن أكثر الشعوب تخلفاً هي تلك الشعوب التي يكوّنها عرق واحد فهي شعوب مغلقة على نفسها معزولة عن العالم، وأكثر الشعوب تقدماً هي تلك التي تختلط فيها الأعراق وتمتزج فيها الدماء تحت مظلة وطن واحد، وأخال أننا كذلك ولسنا كما زعم كاتب المقدمة وطن العنصر الواحد.
* * *
إذا كان ذلك كلّه كذلك وأزعمه بيناً فما الذي عندئذٍ يدفع بمقالة (الثقافة الواحدة) إلى أن تسود وتصبح مسلّمة لا تنتطح فيها عنزتان رغم أنها تهدّد بفناء القطيع كاملاً؟
في واقع الأمر هذه العبارة لا تصف واقعاً ولكنها تتطلّع إلى واقع تأمله وتحكم به وتتمناه وتخطط لإقامته وتنطلق تلك النظرة مما تتسم به من رفض للاختلاف ونفي للتعدّد.
إن القول بالثقافة الواحدة يؤسس لثقافة العنف التي لا ترى سوى نفسها وترفض أي تعدّد ثقافي يمكن له أن يثري المجتمع وبالتالي النظر إلى أي اختلاف على أنه مروق عن ثقافة الأمة.
إن نفي وجود التعددية -رغم شواهد وجودها- هو التعبير الأكثر وضوحاً عن النظرة الإقصائية وثقافة النفي التي تكمن فيها مأساتنا.
* * *
لعلّي، وقد وضع الدكتور سفر بيننا وبين كتابه هذه المقدّمة، لا أخرج عن مقتضى الحال إن دخلت إلى كتابه من هذه الثغرة التي تكمن فيها والتي تفضح لنا مسألة هامة وهي كيف يمكن للأفكار المؤسسة للغلو والتطرف أن تندس، دون قصد، في أكثر الكتب دعوة إلى الإصلاح؟
ولذا أزعم أن تناول قضية التطرّف والغلو والإرهاب لدينا لا تتأتّى من خلال الدخول إليها عبر زلزال الحادي عشر من سبتمبر بل باعتبارها إفرازاً لجينة ثقافية تندس سراً في ثنايا ثقافتنا وتفعل فعلها في صمت ثم تفاجئنا بعد أن يكون السوس قد بلغ العظم.
إن ما شهدته بلادنا من إرهاب جاء نتيجة لأفكار التطرّف والغلو لم يكن بحاجة إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما أعقبها ولا بحاجة إلى أمريكا وإسرائيل ليطلّ علينا برأسه.
لم تكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر وراء ما تلظينا به من فتنة جهيمان وحادثة احتلال الحرم.
ولم تكن أمريكا وممارساتها في المنطقة وراء انشقاق "الأخوان" على الملك عبد العزيز رحمه الله عند تأسيس المملكة.
إن علينا أن نعترف أن ثمة جينة للتطرف تندس في ثنايا ثقافتنا وتطلّ برأسها كلما شهدنا حقبة من الانفتاح على العالم ولو أننا تتبعنا المرّات الثلاث التي اكتوينا فيها بنار التطرّف لاكتشفنا تزامنها مع الانفتاح على العالم سواء عند تأسيس العلاقات السعودية بالخارج في عهد الملك عبد العزيز أو في عصرنا الراهن المتسم بثورة التقنية والاتصالات أو في عهد الملك خالد رحمه الله وما تزامن مع الطفرة من انفتاح على العالم في اتجاهين.
إنني أزعم أن ما شهدناه من أحداث كنا سنشهده سواء وقعت أحداث سبتمبر وما تبعها أو لم تقع وسواء احتل الأمريكيون أفغانستان والعراق أو لم يحتلوهما..
إن ما شهدناه عياناً بياناً من أحداث الإرهاب رآه رؤية البصيرة قبل أن يقع من وجدوا قرن الفتنة يطلّ في التطرّف الذي انسقنا إليه منذ عقدين من الزمن.. ولم تكن أحداث سبتمبر سوى حلقة في سلسلة لنا أن نراها نتاجاً إن جاز لغيرنا أن يراها سبباً.
لذا فإني أخشى ما أخشاه أن يفضي بنا الحديث عن أحداث سبتمبر في كتاب يتعرّض، في جوهره، إلى ظاهرة التطرّف والغلو إلى الانحراف عن الأسباب الحقيقية التي لا يمكن أن نصل إليها ما لم نبحث عميقاً في ثقافتنا وفي تاريخنا المحلّي الخاص عن جينة هذا التطرّف وما يفضي إليه من إرهاب.
أستاذي الكريم أعرب عن سعادتي بكتابكم متطلعاً أن تتفضل بأخذ كلامي على أنه الخطأ الذي يحتمل الصواب فقد قرأت كتابكم على أنه الصواب الذي يحتمل الخطأ.
لك تحياتي..
 
عريف الحفل: السادة والسيدات تشاركنا هذه الليلة أيضاً إحدى طالبات كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة الملك عبد العزيز في كلمة للطالبة سحر الحمراني.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :595  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 145 من 235
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.