شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عثمان الصَّالح.. المربِّي الصَّالح
هذا الرجل الكبير يجعلني أشعر في كل لقاء به أن الدنيا ما تزال بألف خير، وأن الأخيار ما يزالون يسكنون على هذه الأرض رغم اليباب، والسبخ، والقتامة، والظلام !!
وهو أحياناً يجعلني أسير ((الحيرة المفكِّرة))، حيرة لا أكتمكم أنها في بعض الأحيان تطيل التفكير، ((تفكير)) يذهب بي شرقاً وغرباً، يصعد بي جبالاً، ويهبط بي أودية، ويدفعني للسباحة في عمق الماء، وأتقافز كالطفل البريء الجاهل لكل شيء، والأجهل عن كل شيء، على ظهر زورق ملوَّن يتراكض على سطح نهر لا أجمل، ولا أعذب منه !!
يتملَّكني إحساس مدهش أنني أعيش الحياة ربيعا ندياً ((جميل المحيا رخيم الصوت)).
((والحيرة)) منبعها وينبوعها روح هذا الرجل الكبير بكل أبعاد كلمة ((كبير))، فهو كبير في أخلاقه، وفي خلقه، وفي تعامله مع الناس، والحياة، وعوادي الأيام، لا ينقصه الجاه، ولا المال، ولا المنصب، وهو من رواد التربية والتعليم في بلادنا منذ ما قبل أن يكون مديراً (لمعهد الأنجال بالرياض) حيث أستطاع بجهوده التي لا تعرف الكلل والملل وطموحه الذي لا تحده حدود، ولا تعرقله المثبطات والعوائق، أن يحقِّق له ولطلابه أولويات ليست في حقل ((التعليم)) فحسب، بل في مجال ((التربية)) من خلال النشاط ((اللاصفِّي))، صحافة، إذاعة، خطابة، شعراً، رحلات.. وغيرها من عناصر التربية التي لا تهتم ببناء عقل الطالب بالمعلومات فقط، بل بتكوين شخصيته، وتكاملها فكرياً، وسلوكياً واجتماعياً، للنظام، وتقديراً للضبط والانضباط !!
وما يزال رجل تربية وتعليم رغم تركه منصبه، أقول هذا الكلام لأنني في كل لقاء معه في أي مناسبة اجتماعية، وفي كل رحلة نترافق فيها معا أتعلَّمُ منه أشياء كثيرة، يرفدني بالطيبة الواعية، والتواضع النبيل، وينمِّي معنى الأبوة الحانية، وأبعاد السماحة، وجمال التسامح.
لا ينقصه المال لأن ربنا أكرمه بأن أغناه عن الناس، وعن اللهاث المهين لجمع المزيد منه، كما أكرمه بالأبناء العلماء المتعلمين البررة، أما المنصب أو الجاه فيكفيه منه أنه أستاذ لكوكبة من الأمراء، وشبان هذا البلد المعطاء، وهو اليوم واحد من رموز ((مجتمع الخير)) شخصية، وعلماً، وثقافة، والتزاماً في الدين، والمعاملة، فهو يعرف وليس مثله من يعرف أن الدين المعاملة وليس مجرد عبادات فحسب، أو طقوس أمام الناس.
وهو من حيث الأسرة، والنسب كريم المحتد، مشرق الجذور، باهر العطاء نفسياً واجتماعياً، وعملاً، وتعاملاً !!
وهو مع كل هذه الصفات الكريمة النبيلة التي تلعب بعقول البعض فتجعله يستخف بالآخرين، ويتعالى عليهم، مع كل هذه الصفات فإنك حين تقابله وتتعرَّف عليه شخصياً تكتشف أنه من الجواهر الكريمة، والناس معادن في عصر (( المتغيرات )) المجنونة وجيل (( الأنابيب )) !!
أما أنه حين يلقاك بهشاشة وبشاشة المسلم الكبير فإنك تسمع منه ما يسر خاطرك، ويريح نفسك، ويشعرك بأن سماءك تمطر بالغيث الرحيم، ويزرع الأمل في وجدانك فيعوِّضك عن كل جحود ـ وما أكثره بين الناس ـ تقابل به من الآخرين، وعن كل نكران ـ وما أشد كثرته بين الناس، ناس اليوم ـ تصطدم به فيوحش صدرك، ويسبِّب لك الضيق، وقد يدعوك أو يحسِّسك ببعض اليأس، ولولا الإيمان لأصبت بالإحباط والفاجعة والصدمة، واعتزال الناس والدنيا لتبقي على نفسك طمأنيتها، وما أسعد النفس المطمئنة الراضية المرضية، نسأل الله أن يجعلنا من أصحاب النفوس المطمئنة.
حين تتصل به هاتفياً لا يرد عنه سكرتير، أو أكثر من سكرتير ليوصلك به، أو يعتذر ـ إن لم يصدمك ويصدك بأنه مشغول، أو عنده اجتماع مهم ـ اللهم لا تشغلنا عن عبادك وحب عبادك وحب عمل الخير من أجلهم ناهيك بالأقرباء والأصدقاء، ولله في خلقه شؤون.
يأتيك صوته كنسمة (( الجنوب )) ونسيم أماسي (( نجد )) ، تفوح من كلماته (( فاغية )) الحجاز، و (( وزَّاب عسير )) و (( فل جيزان )) .
يأتيك صوته في تواضع يحدِّثك بنفسه، وتحدِّثه دون واسطة، ولا ((سكرتارية)) ولا ((سنترال)) وهو في منزله العامر وأثناء راحته.
وهو مع كل هذا التواضع ليس في حاجة إلى أحد، ولا ينقصه، شيء، لكنها الأخلاق الرفيعة، والخلق الكريم كأنه بهذا ـ يردِّد قول الشاعر:
فطالما استبعد الإنسان إحسان
إحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمو
فهل عرفتم هذا الرجل ؟
أنه الرجل الإنسان المسلم حبيبنا واستاذنا ومربينا وأحد الرموز ((المتلألئة)) والنجوم ((المتألقة)) أطال الله في عمره ولا حرمنا من أمثاله (الشيخ عثمان الصالح) حفظه الله، وشفاه من الحالة المرضية التي يمر بها.
أعترف أنني لم أقل كل ما أعرفه عنه عن قرب أعتز به، وتعامل أكثر اعتزازاً، لكنها كلمة ((عجلى)) متواضعة أشهد له بها ـ حقا إن شاء الله ـ ما دمت حياً، وأقولها قبل أن أموت، وبخاصة أنني أكتب هذه الكلمة ((العجلى)) من المستشفى ـ والأعمار بيد الله ـ (( يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة )).. الآية.. وحريص أن يسمعها وهو ما يزال حياً يملأ حياتنا بكل شيء جيد، ويعطِّرها بكل ما هو أجمل دون منٍ أو أذى.
وأرجو يا شيخي الحبيب الأب (عثمان الصالح) أن لا تكون كلمتي (( العجلى )) هذه قد أخجلت تواضعكم، وأقتحمت عليكم ـ عنوة عن صدق وحسن نية ـ سماحتكم وكراهيتكم للأضواء والإعلام، والذي يغفر لي هذه (( الفعلة )) أنني أقول الحق، وأنصر الحق، وأقول كلمة الحق، والله على ما أقول وكيل وشهيد.
ثم ماذا بعد ؟
أصمتُ مكرهاً. لأن الحديث عنكم، وعن أعمالكم الخيِّرة، ومواقفكم مع المحتاجين يطول، ويطول.
(من المستشفى الساعة 2 من يوم الخميس 11/11/1420هـ الشمس مشرقة في العروس ((جدة)) والبحر أمامي بصمته الرهيب !!).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :545  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 33 من 43
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثاني - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (2): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج