شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عبد العزيز الخويطر.. الأديب، الوزراء
حين أقول إنه ((أديب))، فهو من رموز الأدب في المملكة بأعماله التي تتصدر مكتباتنا دون توقف، وهو ملء السمع، والبصر. أديبٌ عربي أصيل من الطراز الرفيع، صاحب عبارة بليغة، بلاغة أسلوب، وجمال عبارة، وأسلوب بلاغة.
يعد من أصحاب الأساليب المميزة، المتفردة، بديباجة عربية لا عُجمة فيها، يذكِّرك بالزيَّات صاحب مجلة (( الرسالة )) ، والجاحظ، والهمداني، وعبد الحميد الكاتب، ولكن برؤى معاصرة. يعيش عصره، ومع هموم مجتمعه. يستمد من التراث ما يسقطه على قضايا العصر، فكأنه بهذا التوجه يمد جسراً بين الماضي والحاضر، ذلك لأن الماضي هو جذور الشجر الذي يموت بموت الجذور!!
لا يكتب من فراغ ليملأ فراغاً، جاد حتى في كتاباته ((الذاتية))، تدرك ذلك من كتابه (( أي بني )) ـ خمسة مجلدات ـ، وكتابه (( حاطب ليل ))، وكتابه ((دمعة حرَّى)) يحرص على التوثيق، وأمانه النقل العلمي، كما تجده في سفره ((إطلالة.. على التراث)) ـ 17 مجلداً ـ.
لا تجد فيما يكتبه حشواً، أو فضولاً في القول، أو تظاهراً بشمولية المعرفة، رغم أنه واسع المعرفة، مفتوح الأفق، قليل استعمال (( الترادف )) المكرور، مقتصد في العبارة، لأنه يميل إلى الجمل القصيرة، لكل مفردة عنده معناها ودلالتها (1) .
حين أشعر بحاجة إلى مفردات جديدة فصيحه ألجأ إلى كتبه، لأنني أجد فيها غايتي، فهو ((أستاذي)) غير المباشر، تعلمتُ منه أن أكتب ((الرئيسة))، و ((الرئيس)) عوضاً عن ((الرئيسية))، و ((الرئيسي)) كما هو سائد في صفوف جمهرة الكُتَّاب خطأ !!
لهذا أشعر حقيقة أثناء كتابة موضوعي هذا عنه بالخوف من الوقوع في خطأ عن جهل، أو تقليد، أو سرعة، أو نسيان، فالكمال لله وحده.. مستشهداً بقول الشاعر:
وما أنا إلاَّ من (( غُزَيَّة )) إن غَوَتْ
غويتُ، وإن تُرشد (( غُزَيَّة )) أرشدِِ
وحين أقول عنه إنه (( الوزارء )) فلأنه كان وزيراً لعدة وزارات، مثل وزارة المعارف، وزارة الصحة، وزارة التعليم العالي، وما يزال وزير دوله في مجلس الوزراء للثقة الكبيرة التي يحظي بها من قبل الدولة.
مما يثير إعجابي، واستغرابي هو قدرته على قراءة أسفار، ومجلدات التراث، واستقرائها، واستنتاج واستنباط ما تحتوي عليه من فكر، رغم مشاغله الكبيرة، ومسؤولياته المتعددة !!
وفي اعتقادي أن ((تنظيم الوقت)) هو المفتاح السحري للنجاح في العمل ـ أي عمل ـ وبالتنظيم نستطيع أن نحقِّق ما نطمح إليه مهما كانت صعوبته، والفوضى مضيعة للعمل، وتبديد للوقت.
هو أول من حصل على شهادة (( الدكتوراه )) في المملكة، وأول وكيل سعودي لجامعة، (( الملك سعود بالرياض )) دون أن يكون لها مدير.
محور موضوعنا هو ((الأديب الوزراء)) أستاذنا الدكتور ((عبد العزيز الخويطر))، عرفته شخصياً أول ما عرفته في الثمانينيات الهجرية بعد القرن الثالث عشر حين كان وكيلاً للجامعة.
سمعتُ عنه قبل هذا اللقاء أنه ((بيروقراطي)) روتيني، معقَّد في غير مرونة، وأنه شديد بحيث إذا اتخذ قراراً لا يتراجع عنه مهما كانت الظروف الطارئة، وكنتُ أعجب لعدم رده على ما يشاع عنه، ولا يحرص على الدفاع عن نفسه !!
كان لأحد أقاربي الدارسين في الجامعة مشكلة لها جانب إسلامي.. إنساني، تتمثَّل في أن أباه طاعن في السن، ومريض يحتاج إلى وجود شخص بجانبه في مدينة ((جدة)).. وهو يدرس ((منتظماً)) في الجامعة بالرياض ولم يكن أمامه إلا الدراسة ((منتسباً))، والدكتور، ((الخويطر)) لا يقر مبدأ ((الانتساب))، ويعارضه بشده، فما الحل ؟
ولأن الاشاعات، عن الدكتور ((الخويطر)) وشدته، وصرامة مواقفه، إلى جانب عدم وجود معرفة شخصية سابقة معه، فإن الطريق أمامي ستكون مسدودةً باشاعات ((شركة قالوا)) التي صورته لي أنه أحد المستحيلات التي وردت في أدبيات العربية، وهي (الغول، والعنقاء، والخل الوفي)!!
وفي ليلة فكَّرت طويلاً، فرأيتُ أنه من الخطأ الفادح أن يسلِّم، الإنسان أو يستسلم للاشاعات، أو كما أطلقتُ عليها ((شركة قالوا)) التي لا أعرف لها سجلاً تجارياً رسمياً، وأن الناس في كثير من الأحيان ـ إن لم يكن كل الأحيان ـ يظلمون البعض من خلال انطباعاتهم السطحية، في مواقف غير عاديه!!
ولم يدر بخلدي أن مربِّياً له هذه الصفات، فأفرغتُ ذاكرتي من كل ما سمعته أذناي، وكتبتُ رسالة رقيقة له، ولا أنكر أنني فكرَّت ملياً قبل الذهاب إليه، وفي كيفية الدخول إلى مكتبه، وكيف سيقابلني، وكم سكرتير سأمر عليه، وبخاصة أنني لم أخذ موعداً مسبقاً، وما شعوري لو جاءت النتيجة سلبية، ولا أحد غيره يمتلك حق اتخاذ القرار ؟
أسئلة متعدِّدة تداعت إلى ذهني، لكنني قلبتُ لها ((ظهرالمجن))، وغامرتُ، نعم شعرتُ أنني أغامر!! وفي الصباح ذهبتُ إلي مكتبه بالجامعة، أقدِّم قدماً، وأرجع أخرى!!
أول ما فوجئتُ به ـ باستغراب ـ وجود شخص واحدلا غيره هو مدير مكتبه، فأدخلني إلى مكتبه بكل بساطه، ودون ((بروتوكول))، فتبدَّد ترددي، بل تحوَّل إلى ((جرأة)) !!
حين دخلتُ عليه وقف، واستقبلني بكل لطف وتواضع، بعبارات كالعسل، وبعد السلام سلمته الرسالة، فطلب مني الجلوس، وانتظرتُ على مضض، وهو يقرأ الرسالة، في الوقت الذي كنت أقرأ تعابير وجهه، وأجول بعيني في مكتبه المتواضع، دون بهرجة، أو فخامة، تعكسان زهده في المظاهر البرَّاقة الزائغة وكما يقال (( المكان بالمكين )) !!
حمل قلمه للشرح على الرسالة رافعاً صوته الخفيض قائلاً: نحن نحب فعل الخير، وما دام الأمرمتعلق برضا الوالدين، فعلينا أن نشجِّع شبابنا، ونساعدهم على البر بوالديهم، وهو ما تأمرنا به شريعتنا السمحة، وكَتبَ بالموافقة، وحل المشكلة التي كانت على رأسي كجبل ((طويق)) في دقائق، فشكرته وأنا أرتعش فرحاً، وحزناً!! فَرحاً، بحل المشكلة، وتحقيق رغبة قريبي، وحزناً للانطباع الخاطئ عنه لدى البعض !! وخرجتُ من مكتبه مودِّعاً بعد أن شطبت ((شركة قالوا)) من ذاكرتي، وفصلتُ في نفسي كل العاملين فيها رؤساء، ومرؤوسين !!
هذا موقف من مواقف المتهم/ البريء!! والموقف الآخر الذي تعمقت من خلاله صلة الصداقة التي أعتز بها كان بمناسبة زيارة الأمير سلطان بن عبد العزيز، وزير الدفاع والطيران، والمفتش العام على رأس وفد من الوزراء المرافقين يمثلون لجنة التنسيق السعودي ـ اليمني إلى مدينة (( صنعاء ))
وبصفتي ـ يومذاك ـ سكرتيراً للشؤون الإعلاميه والصحافيه لوزير الإعلام الصديق العزيز الدكتور (( محمد عبد يماني )) فقد رافقته في هذه الزيارة، وكان في الوفد وزراء آخرين منهم صديقنا الكببير الدكتور ((عبد العزيز الخويطر))، وكان يومذاك ـ كما أتذكر وزيراً للمعارف تحول اسمها أخيراً إلى ((وزارة التربية والتعليم)) وكان يرافق كل وزير سكرتير، وبعضهم اثنان إلا صديقنا الدكتور ((الخويطر)) لم يأت معه أحد، وهذا يعكس ميزة من مزاياه في ميله إلى الزهد في المظاهر !!
لقد كنتُ أجتمع بالدكتور (الخويطر) بعد الانتهاء من العمل نتبادل أطراف الحديث في قضايا أدبية، وثقافيه ماتعة، لم يشعرني بمنصبه كوزير، بل كان ودوداً، لطيف المعشر، فأحببته، واحترمته، وأكبرته كثيراً، وقد منحني شهادة ((الدكتوراة الفخرية)) حين كتب عن بعض أعمالي القصصية باعجاب في الجزء الأول من كتابه ((أي بني)) ط (1)!!
والموقف الثالث كان بعد زيارة لي لمدينة جيزان حيث قابلت مديرمدرسة ابتدائيه حدَّثني عن سوء ظروفها، وأن المبنى المستأجر رغم صغره يضم طلاب مدرستين، وحين زرتُها حزنت لما شاهدته، لأنها في حالة سيئه، والطلبة في الفصل محشورين كالساردين لكثرتهم، إلى جانب أنعدام كل وسائل النشاطات المدرسية، ورغم أن مدير تعليم المنطقة تربطني به قرابة إلا أنني لم أذهب إليه لأنه على علم بذلك دون أن يتحرَّك لتغيير ظروف المدرسة السيئة !!
وحين عدتُ إلى الرياض اتصلتُ هاتفياً بالدكتور ((الخويطر)) في منزله بصفته وزير المعارف، ولم يكن وقتها موجوداً فتركتُ رقم هاتفي لدي مأمور ((السنترال))، ولا أنكر أنني شككت في اتصاله بي، إما لنسيان المأمور، وإما لأنه لا يجب الاتصالات الهاتفيه المنزلية، وكان شكي في غير محله، لأنه بعد مرور نصف ساعة جاءني صوته المتواضع كالجدول الرقراق لطفاً، وبعد أن شرحتُ له قضية المدرسة وهو صاغ، دون ملل، طَلَبَ مني أن أكتب له رسالة سرية بالتفاصيل لاتخاذ الاجراء المناسب، فماذا كانت النتيجه؟
لقد أرسل لجنة سرية من المسؤولين في الوزاره للتأكد من صحة ما حملته رسالتي، وأمرهم بالتوجه فوراً إلى المدرسة دون المرور بمدير التعليم، وتقديم تقرير متكامل من خلال مشاهدة الأوضاع على الطبيعة !!
وقد عرفتُ فيما بعد أن اللجنة كتبت في تقريرها أن ما قلته في رسالتي ليس صحيحاً فحسب، بل أقل من الواقع المتردي الذي تعيشه المدرستان، وطلابهما، فما كان منه إلا إصدار أمره بالإسراع في استئجارمبنى آخر مناسب، وفصل المدرستين عن بعضهما، مع التحقيق مع المسؤولين في القضية !!
ومن يومها أيقنت أن ما يتم من خلال العلاقات الشخصيه الإنسانيه، بالمسؤولين أفضل وأنجع مما يتم من خلال الكتابة في الصحف التي يصفها عادة المسؤولون (( البيروقراطيون )) أنه (( كلام جرائد )) ، حتى صارت هذه العبارة مثلاً من الأمثال السائده، والشائعة.. والله المستعان.
يتميز أستاذنا الكبير الدكتور ((الخويطر)) باخلاصه في عمله، وبرقي تعامله الإنساني الاجتماعي الحضاري، فهو يستجيب لأي دعوة لمناسبة فرح، حتى لو كان صاحب الفرح ليس ذا منصب، أو جاه، كما أنه يشارك أحزان من يعرفهم.
وهو دقيق، ومنظم بحيث إذا وعد بشئ لا ينساه رغم كثرة مشاغله، وجسامة مسؤولياته، وهذا ما جعله محبوباً من الجميع، وإذا أحب الله إنساناً حبَّب إليه خلقه، كما جاء في الحديث الشريف على صاحبه أفضل الصلاة، وأتم التسليم.
وهو في كل حياته يعد نموذجاً للإنسان (( الاستثنائي )) وقدوة فاضلة يحتذى بها، لا يعادي، ولا يعتدي، عرف عنه الحلم والأناة، والصبر في الشدائد، عف اللسان، آسر في حديثه، يأسو لا يجرح، عرف عنه حبه لعمل الخير، والسعي من أجل الخير، لأنه رجل من الأخيار.
وله دوره التاريخي في نهضتنا التعليمية التي عاصرها من البداية، ومارس التدريس الجامعي في مجال تخصصه الاكاديمي ((التاريخ))، وله دوره المؤثِّر في صياغة المناهج التعليمية.
ولد في مدينة (( عنيزة )) منطقة القصيم عام 1344هـ، حصل على ((الدكتوراه)) في التاريخ من جامعة (( لندن )) عام 1380هـ، عمل أول ما عمل أميناً عاماً لجامعة الملك سعود بالرياض، ثم وكيلاً لها (2) ، كما عمل رئيساً لديوان المراقبة العامة، وكما أشرنا تولى عدة وزارات، وهو الآن وزير دولة، وعضو في مجلس الوزراء.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :613  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 30 من 43
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج