عبد الله القرعاوي... إبن باريس نجد!! |
(خلوق)... باسم الوجه أبداً في وجوه الآخرين، لا يعرف الاساءة، ولا يجيد التقلُّب كما تملي عليه عوادي الزمان، وظروف الحياة المتقلِّبة، والمتلوِّنة، ومع ذلك يختزن في أعماقه أحزانه، يدفنها في أبار اعماقه!! |
(شاعر) مدنف.. يهتز طرباً عند سماعه جميل الشِّعر، وأعذبه، والأصل في الشعر العربي ((الغنائية)) بل الغناء، ((والإنشاد)) في القصيدة العربية هو ((الغائية)) والشعر وسيلتها، لهذا كانوا إذا أرادوا أن يسمَعَوا قصيدة من أحد الرواة لشاعر من الشعراء، يقولون ((أنشدنا)) من شعر الشاعر ((
عمر بن أبي ربيعة
)) كمثال.. ولا يقولون ((اسمعنا.. أو أرولنا))، ولهذا فقال الشاعر ((الزهاوي)): |
إذا الشعر لم يهززك عند (سماعه)
|
فليس خليقاً أن يقال له شعر
|
|
فقد أورد الشاعر لفظة ((السماع))، والسماع يطربه الغناء، والسماع للأذن، تسمع الشعر الجميل العذب فتطرب له، قبل أن تستعمل العقل للتفكير في جمالياته، وصوره البيانية، وسجعاته الطائرة. |
وهو، (ناثر) متواضع، قصيرة جُملة، على طريقة أجداده العرب ((ما قل ودل)). |
عرفته منذ أكثر من ثلاثين عاماً حين كنتُ مشرفاً على صفحات ((الأدب والثقافة)) في مجلة
((
اليمامة
)) الأسبوعية، كان يزورنا في المجلة فآنس شخصياً بوجوده لأنني أشعر أنه كان يتجاذب معي أطراف الأحاديث، وبخاصة في شؤون الأدب، وهموم الثقافة، فتخصصه في ((علم النفس)) حسب اعتقادي لم يصرفه عن عشق الأدب، بل علَّمه تخصصه معرفة النفس البشرية فتعامل معها بكل حساسية وشفافية فأحبه الناس، وأحببتهُ شخصياً، وكنتُ إذا ضاق صدري في العمل، وبالعمل، أذهب إليه في مكتبه بادارة ((مؤسسة اليمامة الصحافية))
((بالبطحاء)) حين كان مديراً عاماً لها، لأوسِّع صدري ـ كما يقولون في نجد ـ عنده من خلال الكلمة الطيبة، والأحاديث المريحة للنفس. |
وكان إذا زاره أحد الأدباء، أو الشعراء يهاتقني ليشعرني أن ((فلاناً)) من الشعراء، و ((علاَّناً)) من الأدباء لديه، ويرغب أن يتعرَّف عليَّ إذا كنت لا أعرفه أو يود أن يراني إذا كنتُ أعرفه لتجديد العهد، فأجدها فرصة مناسبة لاجراء لقاء مع هذا الأديب، أو الشاعر لنشره في الصفحات التي أشرف عليها، وكان يتكرَّم فيحضر مصوَّر المؤسسة. |
وهو، (إداري) لا يغلق باب مكتبه منذ أن كان مديراً عاماً لمركز التدريب المهني، مروراً بعمله مديراً عاماً لادارة
((
جامعة الملك سعود
))
، ومديراً عاماً لمؤسسة اليمامة الصحافية التي كان دوامه فيها مساء، لكنه بذل من الجهد حتى مكنَّ المؤسسة من امتلاك مطابع خاصة بها بعد أن كانت تطبع مطبوعاتها، وعلى رأسها جريدة ((الرياض)) اليومية.. ومجلة ((اليمامة)) الأسبوعية، في ((مطابع الرياض)) بحي ((المرقب))، ثم وكيلاً لوزارة الصناعة عند تأسيسها على يد صاحب كتاب
((
حكاية... في الإدارة
)) الصديق العزيز، الشاعر المبدع، والروائي، والأديب الساخر في ألمعية، الدكتور ((
غازي القصيبي
))، وأخيراً عضواً في ((مجلس الشورى)) الذي كان خاتمة المطاف. |
وقد استفاد من مشوار حياته حب الناس والمسؤولين، وقلَّ من يحب الموظفون رئيسهم في إدارة كل زمان ومكان، لأن صاحبنا لا يحمل في يده هراوة، أو عصاة، أو قلماً أحمراً، لكنه يحمل ((غصن زيتون)) للسلام، وعلى لسانه ((وردة)) تفوح بالطيب والطيبة، والكلمة الحسنة، كما استفاد لاجهاده نفسه في عمله، وخدمة الآخرين، مجموعة من أمراض ((الشيخوخة المبكِّرة))، فقد على أثرها بصره، إلى جانب ((الفشل الكلوي)) ومرض القلب، فلزم بيته كالمعري ((رهين محابسه المرضية))، شفاه الله، وما ذلك عليه سبحانه وتعالى بصعب وعزيز، فإذا أراد شيئاًً قال له كن فيكون. |
وحين أنشأتُ ((
دار الصافي للثقافة والنشر
))، حرصتُ على أن أطبع شيئاً من أعماله الشعرية، أو النثرية، وكعادته الطيبة لم يعتذر، ولم يتلكأ، فوعدني مرِّحباً ومباركاً بديوان شعر له وسمه بعنوان ((نَورة الخزامى))، وفوضعتهُ على قائة المكتب التي ستصدر، لأنني كنتُ أحرص على طبع كتب المؤلفين السعوديين في الدرجة الأولى، ليس من منطلق ((
الاقليمية
))، الممقوتة إلى نفسي، بل لأن الأدب السعودي لم يُخدم كما يجب أن يُخدم، وأهل الدار أولى بالخير والنَّفع، وكما قال حبيبنا المصطفى عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم
((
خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي
))
.
|
ولكن الاتفاق على طباعة وتوزيع ديوان ((نَورة الخزامى))، لم يتم، ولم يخرج إلى النور، ليس اختلافاً على شروط عقد مالي أو أدبي، وإنما لأن الدار توقفت عن النشر لضعف التمويل!! |
أكتبُ هنا عن الشاعر، الناثر، الإداري الإنسان الصديق الحبيب، ((ابن عنيزة)) باريس نجد كما أطلق عليها ((أمين الريحاني)) صاحب أشهر كتاب له وهو ((ملوك العرب)) إنه الأستاذ الكبير الرائد ـ والرائد لا يكذب أهله ـ (عبدالله حمد القرعاوي) بمناسبة المبادرة الكريمة التي قدَّمتها ((المجلة الثقافية)) لتكريمه في عدد خاص طُبخ، واعدت مائدته دون أن أعلم، فكان عتبي الهاتفي على ((العنيزي)) الآخر الصديق الودود (حمد عبدالله القاضي)/ أو (الشابي الصغير.. أو مسيمير) كما كان يوقع على موضوعاته في الماضي تواضعاً في احترام. |
والذي أعجبني في ((المجلة الثقافية)) ـ ولاأقولها تزلفاً ـ هو منهجها ((الوَسَطي)) المناهض للثلليه الطفولية، أو الانتماء لجوقة معينَّة من الكتَّاب، فنأت بنفسها عن ((الأدب الثللي السلطوي)) ان صح هذا التعبير. فاستقطبت كل الأقلام سواء كانت من أقلام ((قدامى المحاربين)) مثلي، ومثل الصديق (عبدالله الماجد).. أو غيرنا من المجايلين لنا. وفي الأخير ستكون هذه المجلة هي ((الكاسب)) الوحيد لكل الأقلام الظاهرة، والمتوارية ابتعاداً عن ((الهوقة)) الثللية، والانطواء تحت معطف واحد كمعطف ((جوجول)) القاص الروسي المعروف!! |
ويكفيها إعتزازاً أنها في عددها ((التاسع)) الصادر يوم الاثنين 26 صفر 1424هـ الموافق 28 من إبريل 2003م، أنها استقطبت أقلاماً لها وزنها الأدبي، وثقلها الثقافي، ومكانتها الرسمية، وشهرتها الاجتماعية، مثل الدكتور
((
الوزراء) الصديق الأديب الكبير (عبدالعزيز الخويطر)، والصديق الدكتور (الوزراء) الشاعر العربي المعاصر، والروائي الكبير (غازي القصيبي).
|
وإن كنت أنسى فلن أنس الصديق الإنسان ((المتواري)) خلف المسؤوليات الجسام في مجلس الوزراء الموقر، الأستاذ الكبير (عبدالعزيز بن عبدالله السالم)، وغيرهم من الأقلام المشرعة في أفق وسطنا الأدبي، والثقافي كالشموس والنجوم. |
فإذا كان الأستاذ الأديب العربي المشهور (أحمد حسن الزيَّات) رحمه الله قد استطاع أن يستقطب كل الأقلام ليس من مصر فحسب، بل من الوطن العربي، مشرقة، ومغربه للكتابة في مجلته المدرسة التي تخرَّج على صفحاتها عدد كبير من الأقلام العربية، هي مجلة (الرسالة) التي كانت منتدى ونادياً عربياً للفكر العربي الأصيل الذي لم يفسده فكرٌ منحرف!! |
فإذا كانت (الرسالة) كذلك فإنني أتمنى أن تكون (المجلة الثقافية) خير خلف لخير سلف، إذا قدِّر لها الاستمرار على منهجها الحالي. |
وحين أشير إلى الفكر المنحرف، أو الاستغراب، أو الاستشراق فإنني لا أدعو إلى الانغلاق، والتقوقع داخل شرفته
((
العروبة
))
، بل أدعو وأصر على دعوتي بكل ما أوتيت من قوة علي
((
الانفتاح
))
الواعي على الآخر، على شرط أن لا نكون أبواقاً، أو ببغاوات تردِّد ما لدى الآخر، أن ((نَنْفِتَح)) بعقولنا، ونفرز الغث من السمين، ونأخذ ما يناسبنا، وندع ما لا يناسبنا لا أن ((نَفتح)) أبوابنا، ونوافذنا ليتسلل منها الآخر كالإعصار، ويستولي كاللصوص على أجمل ما عندنا!! |
فأنا أدعو إلى ((الانفتاح))، الذي يثري ثقافتنا وأدبنا بالجديد الجيد في استقلال، لكنني ضد ((الفَتحْ)) الذي يشكَّل غزواً ثقافياً يفقدنا استقلالنا وهويتنا، وخصوصيتنا، وأصالتنا!! |
وفي هذا الخصوص يقول ((
غاندي
)) الزعيم رائد استقلال الهند يقول إذا لم أنس: ((إنني أفتح النوافذ للنسائم، لكنني أغلقها في وجه الأعاصير))، أو بما معناه نفهم من هذه العبارة أن ((الانفتاح)) على الآخر هو ((النسائم))، أما ((الفَتحْ)) فهو ((الاعصار)) الغازي الذي يجب أن نجابهه، ونغلق في وجهه أبوابنا ونوافذنا لنحافظ على ((هويتنا)) الخاصة المستقلة!! |
* * * |
|