شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عبد الله بن خميس رائد في أدب وصحافة نجد!!
من الأساتذة الروَّاد في أدبنا وثقافتنا وصحافتنا في منطقة ((نجد)) ومن أوائل من شجَّعني بنشر بعض أعمالي الأدبية في مجلته الثقافية الشهرية (الجزيرة) التي أنشاها عام 1379هـ الموافق 1960م في مدينة ((الرياض)) ومن تاريخ هذه النشأة لا نستبعد أنها أول مجلة ثقافية شهرية في منطقة (( نجد )) بالمملكة ـ وفوق كل ذي علم عليم ـ.
قلتُ إنه من أوائل الذين شجَّعوني بالنشر أدبياً في الوقت الذي كنتُ أدرس بالمرحلة المتوسطة في مدينتي الصغرية، وكان تشجيعه لي يومذاك كبيراًً، إذ كان يكتب على رأس موضوعاتي (( بقلم الأستاذ ))، وكانت كلمة ((أستاذ)) بالنسبة لي في تلك السن المبكِّرة كبيرة، ومسؤولية، وكان في الإمكان أن تملأ هذه ((الصفة الكبيرة)) نفسي بالغرور والغرور مقبرة المواهب، والقدرات، والملكات، إنه عملية (( وأد، واغتيال )) مبكِّرين، لكن أحمد الله أن صدى هذه الصفة في نفسي كان الشعور بالخجل، إلى جانب أنه كان حافزا ًلي على تكثيف قراءاتي، وتثقيف نفسي ثقافة ذاتية حتى أكون جديراً بهذه الصفة الكبيرة، وهذا فضل أعترف به لأستاذنا الكبير الرائد (عبدالله محمد بن خميس).. وقد عبرَّت عن هذا الفضل مع نفسي فقرأتُ له كتابه القيم (الأدب الشعبي في الجزيرة العربية )).. وتأثَّرتُ به فألَّفت كتيباً عن (( الأمثال الشعبية في المخلاف السليماني )) والمخلاف هو الاسم التاريخي لمنطقة جازان، وما جاورها، ثم قرأتُ كتابه (( شهر في دمشق )) يحسب على (أدب الرحلات).
وحين أنتقلتُ إلى الرياض عام 1387هـ ولم أتركها حتى تاريخه ـ وكما تعرفتُ على رموز الأدب والثقافة والصحافة أثناء إقامتي في جدة، وأقمتُ معهم علاقات صداقة متينة حضارية، رحم الله منهم من مات، وأطال الله عمر من يعيش منهم، قلت، كما أنني أقمتُ تلك العلاقات في جدة، كنتُ شديد الحرص على القيام بالدور نفسه في ((الرياض)) فنجحتُ بحمد الله، وكان من بينهم أستاذنا الرائد (عبدالله بن خميس) ولكن بعد توقف مجلته (الجزيرة) الشهرية التي كنتُ أحد كُتَّابها، بحيث أن الأستاذ (ابن خميس) نفسه لم ينس أسمي فذكره من بين عدد من كُتَّابها في أحد اللقاءات الصحافية التي أُجريت معه، وهذا ما سهَّل أمامي طريق التعرف عليه، وإقامة صداقة ود واحترام، ما تزال مستمرة إلى اليوم أطال الله عمره وشفاه من أمراض الشيخوخة.
وقد تحوَّلت (الجزيرة) إلى ((مؤسسة صحافية مساهمة))، بعد صدور نظام تحويل الصحف الفردية إلى مؤسسات صحافية مساهمة عام 1383هـ ـ إن لم تخني الذاكرة ـ فصدرت أول ما صدرت أسبوعية في شكل ((جريدة)) ثم تحوَّلت إلى جريدة ((يومية)) تصدر من خلال مؤسسة صحافية، وأصبحت اليوم في عهد رئيس تحريرها الحالي للمرة الثانية الصديق العزيز الأستاذ (خالد حمد المالك) الذي أعطاها من جهده، وفكره، ما جعلها تعد من جرائد ليس المملكة فحسب، بل الخليج، والوطن العربي الناجحة التي تحرص على قراءتها شرائح واسعة من القراء.
ولم يكتف بذلك بل أصدر أربعة ملاحق أسبوعياً، وهي ملاحق مستقلة عن الجريدة، وأختصاصيه هي (( مجلة الجزيرة )) ، و (( المجلة الثقافية )) ، و (( مجلة الإصدار )) (1) ، و (( مجلة العالم الرقمي ))، وهذه المجلات أو الملاحق تأخذ حجم الصحافة (( التابلويد ))، فالطموح الإنساني يسعى دائماً إلى الجديد، والتجدَّد، وصناعة المتغيرات في عصر لا تتوقف متغيراته، كأن الإنسان يسابق زمنه، متخطياً المألوف، والمعتاد، والرتابة!!
وأستاذنا (ابن خميس) خاض أكثر من معركة أدبية، أذكر منها معركته عن (( الفصحى والعامية )) كان الطرف الآخر فيها الأستاذ الصديق (( يحيى المعلمي )) تغمده الله بواسع رحمته، ومعركة دارت بيني وبينه حين أصدر كتابه المختارات الشعرية (الشوارد)، وقد أحتدَّ فيها عليَّ إعتسافاً ـ سامحه الله ـ كما قامت شبه معركة غير موضوعية بينه، وبين الأستاذ الصديق (عبدالله بن إدريس).
وأرجو أن يسامحني، وهو طريح الفراش الآن تقريباً، لأنني وجَّهتُ له رسالة حادَّة بتوقيع (( مسمار ))، رغم أنه رده عليَّ بأسلوب أكثر حدَّة تحت عنوان ((أي مسمار أنت؟)) إلا أنني أشعر بالندم اليوم لتلك الرسالة الشبابية، فلعله ـ إن شاء الله ـ يقرأ موضوعي هذا فيسامحني قبل أن ننتقل جميعاً إلى رحمة الخالق الذي سمَّي نفسه ((بالغفور)) و ((الغفَّار)) صفة للمبالغة في مغفرته، وهي ما نتشوق إليها جميعاً في الدنيا والآخرة.
ومرة دعانا لتناول طعام الغداء في مزرعته الخاصة (( عمورية )) استئناساً بمعركة ((عمورية)) الخالدة في التاريخ الإسلامي، هذه المعركة التي خلَّدها الشاعر العربي (أبو تمام) في قصيدته التي مطلعها:
السيف أصدق إنباء من الكتب
في حدِّه الحد بين الجدِّ واللعب
وهذه المزرعة تبعد عن مدينة ((الرياض)) (30 كم) تزيد، أو تنقص، ويومها وجَّهَ إليَّ شخصياً سؤالاً، لا أدري فيما إذا أراد منه إحراجي، أو إمتحان ثقافتي التراثية من منطلق أن ثقافته بداية، ونشأة ودراسة نظامية،، واستمرارية تراثية!! فهو لا يميل إلى الثقافة المعاصرة، ولغته العربية متينة، إلى حد أنه لا يتحدث مع الآخرين إلا بالفصحى، حتى مع عامل مزرعته، ومع سائق سيارته!! رغم احتفائه ((بالشعر النبطي)) باللهجة العامية الذي يحفظ الكثير من قصائده لمختلف شعرائه،، وله كتاب عن الشاعر النبطي (راشد الخلاوي) كما انه يرى في الشعر الحديث (شعر التفعيلة) نوعاً من الزندقة والمروق!!
سألني قائلاً: تستعملون أنتم في الجنوب حرف ((الشين)) كأن يقول الواحد منكم ((شأروح، أو شأكل، أو شأنام.. الخ))؟
رَدَدتُ عليه بتواضع ((لا يُفُتَى، ومالك في المدينة))!!
فرد عليَّ: يا بُني، قد يوجد في الجدول الصغير ما لا يوجد في البحر والمحيط!! رضيتُ في ضيافته أن أكون جدولاً صغيراً، وأن يكون هو بحراً أو محيطاً!!
قلت له سأرد على سؤالك من ناحيتين:
* الأولى: عن واقع، ومعايشه: فنحن نستعملها عوضاً عن ((سوف)) المستقبلية فنقول: سوف أروح، سوف آكل، سوف آنام، ويمكن أن تعني في المجال المستقبلي نفسه باستعمال حرف ((السين)) فقط، فنقول: سأروح، سأكل، سأنام!!
* الثانية: تاريخية، تراثية، فأنت تعرف (( الكَشْكَشَة )) في اللغة،، وأظنها ((كَشْكَشَة حِمْيَر))... ونعرف سيادة حضارة حمير القديمة في اليمن التي لا يستبعد أن تركت كَشْكَشَتْها لامتدادها على المنطقة، واستمرَّت إلى اليوم ومثلها كلمة ((أم)) التي تستعمل بدال ((أل)) التعريف فتقول ((أمسمن)) عوضاً عن ((السمن))، ((وأمعسل)) عوضاً عن ((العسل))، و ((أم)) مفردة ((حميرية)).. ويروى عنها حديث شريف لست متأكداًً من صحته.
ثم أردفتُ متسائلاً: هذا ما في الجدول الصغير، فماذا في البحر، أو المحيط؟
رَدَّ، وهو يبتسم في رضا: أهل مكة أدري بشعابها!!
وبهذا أنتهى نقاشنا.
والمعروف أن أستاذنا (ابن خميس) من مؤسسي (( النادي الأدبي بالرياض )) وقد جرى التصويت لانتخاب رئيس النادي بمنزله في شارع (( جرير )) بالرياض، وكنتُ من الحضور.
ولأستاذنا مجموعة من المؤلفات منها (( المجاز بين اليمامة والحجاز )).. وهو شاعر مطبوع يقوم ((معجمه الشعري)) على القصيدة العمودية الخليلية، ومفرادتها المعجمية الموغلة في القِدَم، بحكم ثقافته التراثية البحتة، وله ديوان مطبوع بعنوان (( على ربي اليمامة )) ، وأنشأ مطبعة خاصة به باسم (مطابع الفرزدق).
اسمه الكامل (عبد الله بن محمد راشد بن خميس)، من مواليد (الدرعية) عام 1339هـ والدرعية من مدن المملكة التاريخية التي شهدت حروباً ضروساً شرسة، ومدمرة)).
نال (( الثانوية العامة )) في (دار التوحيد بالطائف)، ثم حصل على (ليسانس كليتي الشريعة، واللغة العربية بمكة المكرمة)، تنقَّل في عدد من الوظائف الرسمية الحكومية منها (( وكيل وزارة المواصلات ))، وآخرها رئيس (( مصلحة المياه والصرف الصحي ))، ثم تفرَّغ بعدها للتأليف، والكتابة في الصحف والمجلات. والآن خلد للراحة بعد مشارفته على التسعين من عمره.
مثَّل المملكة مع آخرين في بعض مؤتمرات (( اتحاد الأدباء العرب )) وله مكتبة خاصة لا يقل عدد موجوداتها عن عشرة، آلاف كتاب، له علاقاته الخاصة مع بعض الأدباء العرب، وله تجربته الذاتية مع صحافة المملكة، نترك الحديث عنها له شخصياً للتوثيق... يقول:
((بدأ أول عمل لي صحفي حينما كنتُ طالباً في (دار التوحيد) بالطائف، وكنتُ مراسلاً لجريدة ((المدينة)) آنذاك،، أبعثُ إليها بأخبار الدار، وبأخبار النادي الأدبي فيها، ثم ما أقوم بوضعه من قصائد، ومقالات، وبحوث، تتواءم، ومداركي العلمية في ذلك الزمن، وكانت جريدة ((المدينة)) تنشر لي هذه الآثار، ويعظم سروري وإغتباطي، حينما أراها على صفحات الجريدة.
ثم نشأت علاقات صحفية بيني وبين جريدة (( البلاد السعودية )) ورئيس تحريها آنذاك الأستاذ (عبد الله عريف)، وبيني وبين جريدة ((أم القرى))، ورئيس تحريرها آنذاك (الطيب الساسي)، وبيني وبين مجلة (( المنهل )) ـ رئيس تحريرها عبدالقدوس الأنصاري ـ، وتطوَّرت هذه العلاقات حتى أخذتُ أوزِّع إنتاجي الأدبي طيلة ما أنا في عهد الدراسة.
وفي أخريات أيامي بكليتي الشريعة، واللغة، بمكة المكرمة، كان لا يوجد في ((الرياض)) آنذاك مطابع، وكان الأستاذ (حمد الجاسر) يبعث بمواد مجلته ((اليمامة)) إلىَّ في مكة المكرمة، لأقوم بالإشراف على طباعتها، وإخراجها مدة من الزمن، ومن هذا لم تزل الهواية الصحفية تلاحقني حتى قمت بإصدار مجلة (( الجزيرة )) .
ولا شك أن مجلة ((الجزيرة)) تصدَّرت محيطها آنذاك، وهو بعد لم يتشبَّع بروح الصحافة، ولم يروِّض نفسه عليها، ولم يجد الأقلام التي يمكن أن تعمل في حقل الصحافة ـ فات أستاذنا ابن خميس أن يذكر أن الصديق الأستاذ علي محمد العمير كانت له جهوده، وبصماته على المجلة متدرِّجاً في العمل فيها إلى أن أصبح مديراً لتحريرها، ومسؤولاً عنها مسؤولية كاملة، وهو الذي أدخل عنصر (( الصورة )) عليها ـ بدراية وجدارة وهواية، هذا إلى جانب التأخر ((الطباعي)) وغلاء الطباعة، وقصور الإمكانات، كل ذلك يجعل العمل في هذا الحقل عملاً شاقاً، ومضنياً، ومنه يتبيَّن ما يمكن أن يتعرَّض له صحفي يعمل في مثل هذه الظروف، وكانت المجلة تُطبع على (مطابع الرياض)، والكمية التي أطبعها آنذاك تطوَّرت من (3000) نسخة إلى (5000) نسخة)) (2) .
وعن ما حقَّقَه من مكاسب وراء إصداره المجلة، بصفته صاحب تجربة خاصة يقول: إذا كان المقصود (( المكاسب: المادية )) فحينما تعشّقت الصحافة، فاتني قد جعلتها جانباً، و إذا كان المقصود ((الناحية المعنوية))، فإنني أعتز بما قدَّمه قلمي الضعيف ـ هذا تواضع من أستاذنا ـ في مجالها، على أنني لا أنسى للصحافة فضلها حينما حملتني على مواصلة البحث، وعلى ملاحقة معرفتي برجال في حقل الصحافة ـ وفي رأينا فإن دور الصحافة لا يتوقف عند إقامة مثل هذه العلاقة كما يراها أستاذنا ابن خميس، بل يتعداه، إلى إقامة العلاقات ومد الجسور بين الكاتب، وشرائح القراء، وأغلب الكُتَّاب في البدايات ولدوا من رحم الصحافة، واشتهروا من خلالها في الشرق، والغرب أعتز بصداقتهم وبالتالي إلى تكوين ((ملكة)) صحيفة اعتز باضافتها إلى حصيلتي ((الثقافية)) في هذه الحياة)) (3) .
وعن علاقاته بكُتَّاب مجلته ((الجزيرة)) على وجه أخص، قال: ((الجزيرة))، آنذاك، الكهف لاذ بحماه الغث، والسمين، والبار، والعاق، فمن تتلمذ عليها من عق، ومنهم من اعتز بزمالته، وبتبريزه بالمجال الصحفي، والثقافي، وأحمل له كل إكبار، وإجلال، بقدر ما يحمل له مجتمعه، وهذه من النواحي التي أعتز بها، وقلت إنها ـ أي الصحافة ـ كانت من الأسباب التي خلقت لي زمالات، وصداقات اعتز بها وأعتد)) (4) .
وما قاله استاذنا (ابن خميس) يحدث في كل زمان، وكل مكان، إنها طبيعة النفس البشرية، واختلاف تربيتها، ومشاربها، ونزعاتها!!
وأود أن أذكرِّه بما قاله الشاعر المعاصر المعروف (اسماعيل صبري) في مجال العقوق، وهو قول فيه حكمه النفس الكبيرة التي تتسامى عن رد العقوق بمثله مع القدرة على الرد.. حيث قال:
إذا خانني خلٌ قديمٌ وعقَّني
وفوَّقتُ يوماً في مقاتله سهمي
تعرَّض طيف الود بيني وبينه
فكسرتُ سهمي وانثنيت ولم أرمٍ
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :605  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 24 من 43
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.