شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حمد القاضي.. ميزان نادر، بكفة واحدة!!
لم أره ثائراً، أو غاضباً، أو حتى عابساً!!
تفترش (( الابتسامة )) وجهه الصبوح، وتسكن (( الطيبة )) أعماقه، يتحاشى (( الإثارة )) ، وينأى عن (( التجريح )) ، لا يحب (( الغيبة، والبهت )) ، ويكره (( النميمة )) ، يقول (( الخير )) أو يصمت، لأنه يحب (( الخير )) للآخرين بسعادة، كما يحبه لنفسه، يفرح لمن يحقِّق نجاحاً، ويبادر لتهنئته من الأعماق، لأنه لا يعرف (( الحسد )) ، ولا يتعامل (( بالضغينة )) !!
لهذا لم يجانب الصواب الصديق ((الوضيء)) الناقد (عبدالله الماجد) حين وصفه بأنه (( أحد عصافير الجنة ))، وأنا أرى فيه أحد سكان (( المدينة الفاضلة )) التي تصوَّرها (( الفارابي ))، وحلم بها (( أفلاطون ))، وأفتقر إليها (( كولون ويلسون ))!!
إذا اشتركنا في ندوة أدبية أو صحافية يكون واحداً من فريق (( الحمائم ))، ليضعني شئت، أم أبيت مع فريق ((الصقور)) لتحقيق النجاح للندوة.
أعترفُ أن طبيعتي، وتكويني النفسي، ينزعان في الندوات إلى إثارة ((الحماسية)) في صفوف جمهور الندوة، رغبة مني في تفاعلهم، ومشاركتهم، على طريقة مسرح (( برخت )) الذي يجعل جمهور المتفرجين جزءَ من المسرحية، وهو أسلوب أشعر أنه يطرد ((الملل))، ولا يجلب ((النعاس)) للحضور، بل يجعلهم أكثر أندماجاً وتفاعلاً ويقظة، وحيوية!!
عرفتُه أول ما عرفته في نهاية الثمانينيات الهجرية بعد القرن الثالث عشر بعد انتقال عملي إلى مدينة (( الرياض )). وكان هو وقتها طالباً في (( كلية اللغة العربية )) حيث جاء من مدينته ((الباهرة / المبهرة))، بموقعها ((الجغرافي)) الاستراتيجي، ومكانتها بأهلها، وأدبائها، ومؤرخيها، وشعرائها.
إنها (( عنيزة )) التي قال عنها الرحالة ((أمين الريحاني)):
(( عنيزة، مليكة القصيم.. حصن الحرية، ومحط رجال أبناء الأمصار.. عنيزة قطب الذوق، والأدب، باريس نجد.. وهي أجمل من بارس إذا أشرفتَ عليها من (( الصفرا )) ـ مثل الصمان، أرض حصوية مجدبة شرقي عنيزة، وتعلوها مئتي قدم.. لأن ليس في بارس نخيل... وليس لباريس منطقة من ذهب (( النفود )) .. بل هي أجمل من باريس حين إشرافك عليها، لأنها صغيرة، وديعة، خلاَّبة بألوانها، كأنَّها صورة صوَّرها ((مانه)) ـ اسمه كلود مَانِه )) Manet Claud مصوَّر فرنسي ـ لقصة من قصص (( ألف ليلة وليلة ))، وكأنها لؤلؤة في صحن من الذهب، مطوّق بالأزورد!!
((بل قل إنها السكينة مجسَّدة، وقد بنت لها معبداً بين النخيل، زانته بافريز من ذهب الرمال، وكلَّلته بأكاليل من الإثل، فهي في مجوَّف من الأرض يحيط بها غاب من هذه الأشجار ليرد عنها رمال (( النفود )) التي تهدِّدها من الجهات الثلاث.. من الشمال، والغرب، والجنوب)).
ويضيف ((الريحاني)) قائلاً: قد تصغر عنيزة دون أهلها، وهم زهاء ثلاثين ألفاً، هذا الرقم الذي ذكره الريحاني كان أيام زياته لها قبل ثمانين عاماً أو يزيد تقريباً، أما اليوم فإن عنيزة تعد واحدة من كبريات مدن المملكة في عدد سكانها، واتساع مساحتها العمرانية، فلو زارها الريحاني اليوم لما عرفها ـ.
((النفود)) تقيدها فلا تستطيع التبسط والامتداد، فهي لذلك مزدحمة بالسكان، وأكثر أسواقها كالسراديب، لأنهم يبنون فوقها الجسور، وفوق الجسور البيوت، ولكن هناك سوقاً للتجارة كبيرة منيرة ـ رغم عدم وجود وسيلة الكهرباء للإنارة يومذاك ـ تدهشك بما فيها من الأشكال والألوان، فتذكِّرك بأمريكا، وبلاد الإنجليز!! وتنقلك إلى الهند واليابان!! وتسمعك اللغات الإنجليزية والفرنسية، والهندوستانية، ولهجات من العربية متعدِّدة، أعتقد أن الريحاني يقصد السلع المعروضة في السوق، ومصادر استيرادها ـ !!.
ولكي لا نطيل على القارئ فإننا سنكتفي بإيراد الفقرة التالية لعلاقتها بأهلها، وسلوكياتهم، ولأن صديقنا العزيز (حمد عبدالله القاضي) محور موضوعنا هذا يمثِّل نموذجاً رائعاً لأهلها، يقول الريحاني:
((وفي عنيزة أسر قديمة عريقة بالنسب، والفصل ـ ذكر منها أسرة صديقنا القاضي، وقد ساح آباؤها في البلدان القصية، والأمصار شرقاً، وغرباً، فزادتهم السياحة لطفاً، واتضاعاً، فرفعوا الضيافة إلى مقام تنتفح عنده أبواب البيوت والقلوب معاً.
((أجل، إن الغريب لينسى في هذه المدينة كونه غريباً، فسواء أكان مسلماً أم كافراً، موحِّداً، أم مشركاً، فهو يشعر هنا أنه بين أناس ألفو مثله، وألفو فوق ذلك إكرام الضيف أياً كان، فيستأنس أيما استئناس، ويلبِّي دعواتهم مسروراً شاكراً)) أنتهى (كتاب ملوك العرب ـ ج (2)، ص ص (606 ـ 607) ط (1) ـ دار الجيل ـ بيروت ـ لبنان ـ 1334هـ ـ 1924م).
ومدينة هذه صفاتها، وسكانها هذه أخلاقهم، لا يستغرب أن يكون صديقنا (القاضي) أحد أبنائها، وعصفوراً من عصافيرها، وواحدة من نخيلها.. وشجرة من إثلها!!
لقد جمعتني به صداقة تسمو على المصالح الدنيوية، لم يخدش مشاعري، واحتضنتُ مشاعره بين عينيَّ، صداقة لم تشبها شائبة، ولم تعكِّر صفوها عوادي الزمن، رغم أكثر من ثلاثه عقود، بل زادتها متانة، وزانتها جمالاً، فهو لا يمكن أن يكون إلا صديقاً، لأنه لا يتعامل بالعداء، ويؤثر عليه المودة، والحب، والاحترام، كأنه بهذا السلوك (( ميزان نادر بكفة واحدة )) تسكنها ((الطيبة))، ولا شيء غيرها، فهي عملته الوحدية، والفريدة التي يتعامل بها مع غيره، صغيراً كان أم كبيراً، فقيراً أم غنياً.
ولتجسيد علاقة الصداقة ببعض عمقها ونقائها، أنقل ما نشره عنا صديق الطرفين الكاتب الفلسطيني الراحل، مدير تحرير مجلة ((النهضة)) الكويتية (عبدالله الشيتي) تغمده الله بواسع رحمته، بعد أن أصبحتُ رئيساً لتحرير مجلة (الفيصل)، وأصبح صديقي (القاضي) رئيساً لتحرير (المجلة العربية)، قال (الشيتي) في مجلة ((النهضة)):
(( يعجبني التنافس الأخوي الشريف ـ لمصحلة القارئ العربي في النهاية ـ بين مجلتي (المجلة العربية)، و (الفيصل) الشهريتين الصادرتين في الرياض.. وهما متجهتان معاً في خدمة العلم والثقافة والأدب، شعره، ونثره، بكل حماسة، وعطاء متميِّز في هذا، الإطار، ويعجبني من رئيسي تحريرهما الزميلين الصديقين (حمد عبدالله القاضي) و (علوي طه الصافي)، أن كل واحد منهما يغدق على الآخر ـ في غيابه ـ من الأوصاف النبيلة، (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) ما يغدقه الأخ على أخيه، محبة، وثقة، إنه الرقي في التعامل، والنبل في التواصل.. والزبد يذهب جفاء )) .
وقد صدق الأخ ((الشيتي)) في كلمته، حيث قال كلاماً قليلاً أوجز فيه الكثير مما يجسِّد علاقتنا.
لقد جمعتنا صداقة ((الأدب )) وأكرم بها من صداقة، لأنها نعم ((المقتنى)) والزَّاد، والسلوك، كما جمعتنا (( الصحافة )) لأنها كانت ـ وما تزال ـ الوعاء الحاضن وللأدب بفنونه، وأجناسه.
كنا ((ثلة زاجلة)) نلتقي كل مساء (فهد العرابي الحارثي، أحمد الصالح ـ مسافر، عبدالله الماجد، كاتب هذه السطور، أسماعيل كتكت).
نجتمع في (( مطابع الرياض بالمرقب )) حيث تطبع جريدة (( الرياض )) اليومية، ومجلة (( اليمامة )) الأسبوعية اللتان تصدران عن (( مؤسسة اليمامة الصحافية )).. وكنتُ أعمل يومها بالمجلة متعاوناً مساء من بعد المغرب إلى الساعة التاسعة، أو العاشرة.
كنتُ أكتبُ رسائل إلى كبار أدباء المملكة ـ باسم مستعار ـ الذين اكتفوا بالسمعة، والشهرة دون أن يقدِّموا شيئاً، ودون أن يتفاعلوا مع جديد الأدب، كانت الساحة الأدبية كئيبة، مجرد خرابة تسكنها الخفافيش، وتكسوها شبكات ((عنكبوتية))، وكانت نفوس الأدباء الكبار تضيق بأي نقد من أي شخص، ناهيك بشاب مثلي يعد في رأيهم ((نَكِرَة))، ليس له أي موقع على خارطتهم ((الذاتية)) التي رسموها لأنفسهم، وكنا نحن الشباب ـ يومذاك ـ نشعر بالأسى والحزن إذا سافرنا إلى أي بلد عربي، فنجد أن الآخرين يجهلون حاضر الحركة الأدبية في بلادنا، وهم على حق، لأن الأشخاص المحسوبين على أنهم رموز أدبنا، لم يكن لديهم من الأعمال ما يستحق الاعتزاز به، كان الرمز الوحيد الذي يعرفونه، ونفاخر به هو علامتنا ووالدنا الراحل (حمد الجاسر) تغمده الله بواسع رحمته، لا نريد أن نتوسَّع في الحديث عن تلك المرحلة المصابة بالكساح، وكل أنواع الإعاقة، مرحلة كان ينظر فيها كبار أدبائنا إلى (( شعر التفعيلة )) ، على أنه نوع من (( الزندقة والمروق )) حيناً، ونوعاً من (( الكُفْر )) حيناً آخر!! ولكم أن تتصورا أي مستوى من التفكير الذي كان سائداً، مشكِّلاً مجموعة من القيود، والإحباطات، والحرب النفسية والاجتماعية.
كان أمام هذه ((الحدَّة)) من التفكير المتخلِّف علينا أن ننهض نحن الشباب على قلة عددنا، وضعف إمكاناتنا الاجتماعية، أمام مجموعة من ((الأصنام)) بتحطيم هذه الأصنام، وبالحدَّة نفسها، إن لم تكن أشد، وأشرس، لكن أسماءنا لم تكن معروفة، كما أن التقاليد الوهمية السائدة يستحيل أن تسمح لنا بتحريك ((البحيرة الراكدة))، و ((الصناديق المغلقة)) باحكام، وحراسة وهمية!!
معذرة إذا وجد القارئ أنني خرجتُ عن موضوعنا الرئيس، وإنما أردتُ من ذلك التمهيد لحكاية ((الرسائل الأدبية)) التي لم يكن أمامي إلا التوقيع عليها باسم مستعار فكان (( مسمار )) إسماً ومسمى هو الاسم المستعار المناسب لقرع ((الصناديق المغلقة))، وخلخلة كياناتها، وكشف مستورها الفارغ، وكان مسماراً حاداً، وصلباً، وجريئاً، ومقداماً لا يفله معدن، ولا تقف أمامه الأبواب، وهنا أتوقف للعودة إلى صديقنا (القاضي).
أعجبته فكرة ((الاسم المستعار)) فكان يكتب رومانسيته الهادئة الحالمة باسم (الشابي الصغير) لكن الملفت للنظر أن موضوعاته كانت تنشر مع صورته، مما يوحي للقارئ أن ((الشابي الصغير)) إسم حقيقي لا مستعار، ولأن ((مسمار)) أثار ضجة في المجتمع الراكد كالزوبعة فقد تلقَّى السِّهام من كل الجهات، بالفصيح وبالشعر النبطي، ومن الكابتات من رمته بسهم تحت توقيع (( مطرقة ))، وصديقنا (القاضي) كتب بتوقيع (( مسيمير ))، ولم يسلم ((مسمار)) من الهجوم حتى من بعض أصدقائه لجهلهم باسم الشخص الذي يقف خلف ((مسمار)) وبعضهم لم يتردَّد أمام شهرة ((مسمار)) أن يركب حمار الادعاء الأعرج ليوهم أصدقاءه بأنه ((مسمار))!!
مرة كُنَّا في رحلة صحراوية في عز الشتاء، وما أدراك ما الشتاء القارس في الصحراء!! وبخاصة لمن هو في مثل جسمي، وجسم الصديق (القاضي) اللذان يعدان من (( وزن الريشة ))، لقد كنا داخل الخيمة نرتعش تحت ملابسنا الصوفية دون أن نخلعها، إضافة إلى الأغطية الصوفية، ذلك لعدم وجود وسيلة تدفئة داخل الخمية، التي لم يدفؤني فيها إلا ظرف، وتنكيت صديقي (القاضي) الذي اكتشفتُ أن في أعماقه يختبئ شخص ظريف، محب للنكتة البريئة، غير الجارحة!!
كان معنا في الخيمة ثلاثة من الزملاء الصحافيين يجيدون لعبة (( البلوت ))، يبحثون عن رابع، وحين أكَّدت لهم صادقاً جهلي بها، تركوني، فأصرَّ أحدهم أن يشاركهم صديقي (القاضي) اللعب، فاعتذر بكل أدب ولطف، لكن هذا الزميل استخفَّ دمه فقلبها إلى استهتار حين سحب الغطاء الذي كان يتدثَّر به من شراسة شتاء الصحراء، فغضب ـ وكان على حق ـ غصباً لم أعهده فيه، وجلس جلسة النمر في وجه الزميل من ناحية، ولأنه لا يميل إلى هذا النوع من ((المزاح)) الذي يمس ((الكرامة)) من ناحية أخرى!! فأضطر الزميل إلى الإنسحاب، هذا هو الموقف الوحيد الذي رأيت فيه صديقي (القاضي) غاضباً، لكنه بعد دقائق عاد إلى طبيعته كأن شيئاً لم يكن، ولم يحدث!!
بعد حصوله على (البكالوريوس) في اللغة العربية، انتسب إلى (الأزهر) فنال شهادة (الماجستير)، وأنطلقت مواهبه، وتعدَّدَت مسؤولياته الكبيرة في مجتمعه، فهو اليوم رئيس تحرير (المجلة العربية) الشهرية الناجحة، وعضو (( مجلس الشورى ))، ونائب رئيس مجلس أمناء (( مركز الشيخ حمد الجاسر ))...
وأسهم في تقديم بعض البرامج التلفازية، أهمها برنامج (( رحلة الكلمة )) الذي أستضاف من خلاله كوكبة كريمة من الأدباء، والمؤرخين، والصحافيين والمفكرين.
وهو رغم مشاغله المتعددة ظل وفياً متوهجاً اجتماعياً بحضور أي مناسبة يُدعى إليها، ويشارك الآخرين أفراحهم، وأحزانهم.. ومن وفائه النادر أنه حين تركتُ جريدة ((الجزيرة)) بعد أن عملتُ فيها ((متعاوناً)) بضع سنوات، أشرفتُ خلالها على صفحتي الأدب والثقافة تحت عنوان (الأسبوع الأدبي) اللتين تسلمهما بعد تركي لهما إثر تعييني رئيساً لتحرير مجلة (الفيصل)، كتب ((كلمة وداع)) رقيقة نُشرت في أول عدد نزل اسمه عوضاً عن اسمي، وهو العدد رقم (1554) وتاريخ 21/7/1396 هـ الموافق 18/7/1976م، هذا نصها:
((من الصعب أن تودِّع عزيزاً عاش معنا، وسهر معنا، وكابد من أجل الكلمة الأدبية طويلاً، طويلاً.
وعندما نودِّع الزميل الأستاذ علوي طه الصافي.. نودِّعه باسم أسرة (( الجزيرة )) وباسم قراء الأدب في (( الجزيرة )) فوداعنا يضم في (( رايته )) التي نلوِّح بها لهذا الرجل الأسف على فراقه، والفرحة بالثقة التي نالها.
لقد عانى علوي كثيراً، وهو يعد صفحتي الأدب، وكم جلستُ إليه وهو يشكو مر الشكوى من عدم وجود سوق أدبية مشجعة لتقديم الانتاج الجيد الذي يبحث عنه القارئ!!
ومع كل هذا فلقد بذل العلوي الكثير، وحرص كل أسبوع على أن يقدِّم المادة الجيدة، قصة، وقصيدة، ودراسة، ومقالة، حتى رحل عن (( الجزيرة )) التي أحسُّ كأني بها تشعر أنها فقدت رافداً من روافدها القوية.
كان يسعى مع أشقائه من الروافد الأخرى لتشرق ((الجزيرة)) كل صباح تحمل ما يبحث عنه عشاقها، فتمنحهم حبها، ويمنحونها وفاءهم.
أخيراً، رغم الوداع ((فالجزيرة)) تفتخر أن تم اخيتار أحد أسرتها رئيساً لتحرير رصيفة جديدة نتوقع لها النجاح، ولزميلنا بالتوفيق!!
انتهت كلمة الوداع / الوفاء/ الرقيقة بقلم أديب أرق.
وحين أعيد نشر هذه الكلمة إنما أعيدها لأسباب هي:
* الأول: إن الصديق (القاضي) بهذه الكلمة التي أعتز بها، قد خالف ما هوسائد في شرقنا العربي في أكثر من موقع من مواقع العمل حيث يسعى (الخَلَف) دائباً على طمس حسنات (السلَّف، ومنجزاته، وجهوده، هذا إذا لم يسئ إليه، واتهامه باطلاً بما ليس فيه، جاعلاً من نفسه مجدِّداً، ومصحِّحاً لمسيرة (السَّلَف) التي يخلع عليها أوصاف ((الانتقاص))، ونعوت ((القصور))!!
* الثاني: لقد عملتُ في أكثر من جريدة، ومجلة، سنوات أطول من السنوات التي عملتُ خلالها في جريدة ((الجزيرة))، وبذلتُ جهوداً مضنية سواداً من ليل، وبياضاً من نهار، فكوفئت بالجحود، والنكران، والتجاهل، والنسيان كأن شيئاً لم يكن، ولم تكتب واحدة من هذه الجرائد والمجلات التي ((ذبحتُ)) في العمل بها ربيع أيامي، وأجهدتُ فكري وبصري، لم تكتب عني كلمة ((تعزية)) على الأقل، لا كلمة وفاء!!
لكنني لم أندم على شيء لشعوري بأنني في عملي كنتُ أرضي ضميري لأداء واجبي، إضافة إلى أن القراء لا ينسون، ورسائلهم تترى إلى اليوم على صندوق بريدي معطرة بالثناء والتقدير.
* الثالث: هذه الكلمة تجسِّد ما هية الوفاء عند صديقي (القاضي)، ورقيِّة. فهو لم يتحدَّث بلسانه، ولم يوقعها باسمه، وإنما جعلها كلمة وفاء من ((الجزيرة)) وعنها، وكل العاملين فيها من الزملاء الطيبين، وعلى رأسهم الصديق الأستاذ (خالد المالك) رئيس التحرير.. وهذا منتهى الوفاء والنبل!!
ومن عادة، وطبيعة صديقي (القاضي) انه لا يحب استقبال المكالمات الهاتفية بعد الساعة الثانية عشرة ليلاً، إلا إذا كان المتصل صديق الطرفين الإعلامي المعروف (منصور الخضيري)... ولله في خلقه شؤون.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :636  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 22 من 43
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .