سلطان بن سلمان رائد الفضاء العربي المسلم الأول |
فيه حيوية الشباب، وشباب الحيوية، يتميَّز بروح التحدي الإنسانية، والمغامرة العلمية!! |
حين تلقاه لا يشعرك بأنه أمير، وابن أمير، وحفيد الملك/ الأسطورة في التاريخ العربي المعاصر!! يحرص أن يزيل بينك وبينه كل الفروق الطبقية الاجتماعية.. والحواجز الرسمية، فتشعر أنك مع صديق تعرفه منذ سنوات. |
لا يتحدَّث من الدور العاشر، بل يحدِّثك، وهو بجوارك الند للند، لا ينتقي ألفاظه ليشعرك بتميزه عنك، وأنت لا تملك إلا أن تحترمه احتراماً ممزوجاً بعطر المشاعر النبيلة وسلوكيات النبلاء. |
يعطيك الفرصة كي تتحدث، وهو يسمع في وداعة الذين يعرفون أكثر مما تتحدث عنه!! لا يميل إلى المظاهر ((الارستقراطية))، ولا يتكلَّف الكلام، إنه من النوع الذي يجعلك تشعر أنك أخذت منه كل شيء، في الوقت الذي لو راجعت نفسك لوجدت أنك أخذت منه أقل القليل، يحترم سن وتجاريب من هو أكبر منه سناً. |
كان لقائي الأول به في مدينة
((
أبها
)) أثناء الاحتفال بعودته المكوكية الرائدة (G 51)، كان الصديق، أو العقد الفريد الأمير (خالد الفيصل) صاحب الفضل في هذا اللقاء الذي رسم بهذه المناسبة لوحة تشكيلية لابن عمه رائد الفضاء العربي المسلم الأول الأمير
((
سلطان بن سلمان بن عبد العزيز
))، مع قصيدة ((نبطية)) بعنوان ((يا ابن عمي)) وليتني أمتلك صورة منها لأنقلها للقارئ، لكن الصديق الأمير خالد الفيصل ضنين عليَّ بإهداء دواوينه رغم عمق العلاقة الطويلة التي تربطني به، ولكن ((لعل له عذراً وأنت تلوم))، و ((المحب للحبيب سموح)). |
كان هذا اللقاء الأول من أجل إجراء حوار مع سمو الرائد لمجلة ((الفيصل)) التي كنتُ أرأس تحريرها، والذي سوف أنقله إلى القارئ في نهاية هذا الموضوع للذكرى من ناحية، والتوثيق من ناحية أخرى!! |
وسلطان بن سلمان لم يكن وحده الرائد في هذه الرحلة الفضائية، بل كان معه أخوة من علماء المملكة، كان سموه حفياً بهم، يعرَّفهم بكل من يأتي للسلام عليه، وقد علمتُ فيما بعد أن أحدهم كان زميلاً لي في المرحلة الجامعية ببيروت، فدرس في كلية العلوم، وواصل دراسته في الخارج ليصبح واحداً من رموزنا العلمية التي يفاخر بها الوطن، واكتفيت أنا بليسانس الحقوق، وكلٌ ميسر لما خُلق له.
|
وكان اللقاء الثاني حين ذهب إلى مدينة
((
جيزان
))، وقد حرصتُ أن أكون أحد مستقبليه، إلا أنه لسوء الحظ تأخرت رحلتي، فأتصلتُ به هاتفياً لأخبره بما حدث لرحلتي مما يفوِّت عليَّ فرصة استقباله التي كنتُ حريصاً عليها، وبخاصة أن عدداً من زملاء الصحافة، والفنانين قد سبقوني، فأمر مندوب الخطوط السعودية لنلقي إلى الصالة الملكية، ومدرجها المحدد للطائرات الخاصة. |
وفعلاً، حين ذهبتُ وجدتُ مندوباً يستقبلني لأن الأمير الرائد كان ينتظرني في طائرة صغيرة خاصة كان يقودها شخصياً، وبعد أن أخذت الطائرة مجالها الجوي، فوجئتُ بالمضيف يطلب مني الانتقال إلى ((كابينة)) الطيارة حيث كان سموه، وبعد الترحيب قال لي سموه: إن قيادة الطائرات أكثر أماناً من قيادة السيارات!! وأخذ يشرح لي أشياء لم استوعب منها شيئاً، فقلتُ له لو كنتُ قائد طائرة لأحدثت كارثة!! ومكثنا نصف ساعة نتحدث في شؤون مختلفات، كان يكلمني كأنه يقود دراجة، وحين حان موعد الغداء شكرتُ لسموه عنايته، وعدتُ أدراجي إلى مقعدي حيث سعدتُ بالحديث مع العالم الأخ (عبد المحسن البَّسام) زميله في الرحلة العلمية الفضائية. |
وحين وصلنا مطار جيزان شعرتُ أن المدينة كلها جاءت لاستقباله بصورة جعلت المسؤولين والمواطنين يتدافعون دون نظام في مدرج المطار إلى باب الطائرة حيث نقف.. وكل مواطن كان يحمل عقداً من ((الفل)) ليضعه، على عنق الأمير الرائد الذي التفت إلى حيث كان يقف زميله العالم (البَّسام) فسحب مجموعة من عقود الفل ليضعها على رقبة البَّسام، ونالني شيء من هذه العقود، فأهل جيزان كرماء في مشاعرهم، ويحبون الضيف، ولايخلو منزل من منازلهم من ((ردايم)) (شجر) الفل الأبيض بياض قلوبهم، وصفاء سريرتهم. |
وأذكر في هذه الرحلة موقفاً طريفاً حدث أثناء الاحتفال، لا أدري فيما إذا كان سموه ما يزال يذكره. |
لقد مر طفل جيزاني على المنصة أمام الأمير سلطان الذي كان يمد ساقيه للراحة وحين مرَّ الطفل دفع بكل جرأة ساقي الأمير لأنها كانت تحولان دون سيره، وهو يقول للأمير ((وخِّر رجلك))!! فسأله الأمير بمودة وإعجاب بجرأته، ((ولماذا أوخِّر رجلي؟)) فأجاب الطفل دون تلعثم: لأسلِّم على ضيف جيزان أمير الفضاء)) فداعبه الأمير: ما اسم ضيف جيزان رائد الفضاء؟ رد الطفل متضايقاً من أسئلة الأمير، وعدم فسح الطريق له: يقولون إن اسمه سلطان بن سلمان، وقد فوجئ الطفل حين عرف أن الذي يكلمه هو نفسه الأمير سلطان بن سلمان رائد الفضاء، فما كان من سموه إلا أن عانق الطفل بمشاعر رقيقة غامرة، كفرحة العصفور بالوَشل، والرذاذ!! |
ومن مطالعة الحوار الإنساني المنشور هنا الذي أجريته معه، سوف يدرك القارئ أن سموه كان متحمساً لتأليف كتاب عن رحلته بعدة لغات، ولا أدري فيما إذا تحقَّق له تأليف هذا الكتاب العلمي التاريخي، أم أن شؤون المعوقين المشروع الانساني الخيري الكبير، وشؤون السياحة التي ينهض بمسؤولياتها قد شغلته عن إتمام مشروع الكتاب؟ سؤال أضعه أمام سموه، فالزمن يركض والأيام تلهث، والليالي تمر كالسحاب في عجلة من أمرها!! |
تكتفي بما أشرنا إليه من ذكريات وانطباعات، ونأتي إلى الحوار الذي أجريناه مع سموه لاشتماله على ما قد يثير فضول القارئ في غياب الكتاب الذي وعد بتأليفه، ولأن الحوار يشتمل على شيء من ذكريات رحلته العلمية، والإنسانية. |
س: لو لم تكن الأمير سلطان بن سلمان، أول رائد فضاء عربي مسلم، فمن تود أن تكون؟
|
ج: أود أن أكون ابن عائلة لها نفس طموحات عائلتي، أحب أن يكون لي أب مثل سلمان، ووالده مثل والدتي، وأخوان مثل أخواني، وأحب أن أكون مواطناً سعودياً كأي مواطن يتمتع، بما تمنحه له الدولة، مواطناً يخدم بلده في أي موقع من مواقع الخدمة. |
إن الإنسان حين يخدم بلده، ويلقى التقدير من وطنه، وأبناء وطنه لما قدَّمه، صدِّقني إن هذه أكبر جائزة، وأفضل شيء يحصل عليه الإنسان هو التقدير الذي يستحقه. |
س: هل فكَّرت في أي يوم من الأيام، أو في أي مرحلة من المراحل أن تكون أول رائد فضاء عربي مسلم؟
|
ج: حين بدأتُ أتعلَّم الطيران في الولايات المتحدة الأمريكية، كنتُ كأي طيار له أمنية بأن يصعد إلى الفضاء في يوم من الأيام، لم أفكِّر أن أكون أول رائد، وإنما فكَّرتُ كثيراً كأي طيار أن أصعد إلى الفضاء حين يأتي الوقت ـ بعد عمر طويل ـ الذي يكون فيه الصعود إلى الفضاء مثل صعود الطائرات أمراً عادياً. |
س: في لحظات فراغك في المركبة، ما الأمور التي كانت تخطر على ذهنك، سواء من الناحية العائلية، أو الوطن، أو أمور أخرى؟
|
ج: لقد كانت مرحلة ((
العزل الطبي
)) التي تسبق الصعود إلى المركبة، تعد مرحلة تأمل، وتفكير، ومراجعة حسابات، هذه الأمور نفسها تنتقل إلى المركبة، لا شك أن اليوم الأول الذي تكون فيه جاهزاً لأداء عملك في المركبة، تفكِّر بأن تستفيد من وقتك، وتسيطر على ظروفك الشخصية، وعلى عملية ((
التكيُّف
)) التي تمر بها، وبخاصة في الثلاثة أيام الأولى من الناحية الصحية، كذلك تواجهك أشياء جديدة تشاهدها، سيل من المعطيات الجديدة تراها، الآن ـ مثلاً ـ وأنا أجلس معك بعد فترة طويلة من عملية الاطلاق، لم أستطع بعد لملمة وجمع المعلومات التي في عقلي، وتحليلها للاستفادة منها!! كانت فترة أسبوع تبدو فترة قصيرة مثل ما أنا جالس معك الآن، لكن في الفضاء اليوم يمر طويلا، لأن اليوم (16) مرة شروق، وغروب، لهذا فأنت مشغول دائماً، لا يوجد لديك فراغ، وكنتُ كلما وجدتُ وقتاً قصيراً من الفراغ استغله في الصعود إلى الطابق العلوي للمركبة لمشاهدة الكرة الأرضية، والاستمتاع بما أشاهده من مناظر، وما من شك كنتُ أفكِّر في عائلتي وأصدقائي حين أكون لوحدي. |
س: ليلاً، أم نهاراً؟
|
ج: ليلاً، ونهاراً الليل (45) دقيقة، والنهار (45) دقيقة!! كنتُ أشاهد نصف الكرة الأرضية كاملاً مضيئاً باللون الأزرق حين تكون الشمس ساطعة، كذلك صندوق الشحن، كان مضيئاً، داخل المركبة يوجد ضوء الشمس، لكن المنطقة، أو باقي الفضاء يكون مظلماً. بحيث لا تستطيع أن ترى الشروق والغروب!! |
في الحقيقة كانت المناظر فوق ما يتخيله إنسان، أنا اقترحت أن يرى هذه المناظر شاعر يذهب إلى الفضاء ليرى ما رأيت، ويكتب قصيدة في وصف ما يرى، وقد رشَّحتُ الأمير (خالد الفيصل)، أعتقد أنه أكثر إنسان مرهف يمتلك الحس الشعري، والخيال، كانت فترة السبعة الأيام التي قضيتها في المركبة، في غرفة صغيرة، مساحتها لا تتعدى ثلاثة أمتار تضم سبعة أشخاص، كانت فترة طويلة جداً، إلى جانب النظام الذي تلتزم به، ويحتِّم عليك العيش في ظروف معينة. |
بعد هذه الفترة حين ترجع لأهلك ووطنك، وتحكي لهم عما شاهدت، وعن قصتك معهم، ومع الفضاء، تحتار في الكلام، ووصف ما رأيت، لقد حاولتُ وصف ما رأيت، لقد حاولتُ أن أصف ما شاهدته بقدر استطاعتي، لكنني لم أستطع اختيار الكلمات المناسبة!! |
وأتمنى بعد فترة إجازة أسبوعين، أو ثلاثة، أن أتفرغ لكتابة: الكتاب الذي سوف ننشره عن الرحلة، وهو كتاب أرجو أن يكون متكاملاً، ومزوداً بصور ومعلومات جديدة لم تنشر بعد (ونحن نسأل بعد مضي سنوات طويلة أين هذا الكتاب يا سمو الأمير؟). |
وهذا الكتاب سوف نخصصه لبعض النقابات العلمية على مستوى العالم العربي إن شاء الله، نأمل أن يكون مشرِّفاً، ويقدِّم للناس المعلومات التي يتطلعون إلى معرفتها، وأن يكون مستواه الفني الطباعي عالياً، وسوف يكون بأربع لغات هي (العربية، والإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية). |
س: هل فكرَّتَ في فشل التجربة مثلاً؟
|
ج: لقد كانت ((
فترة التدريب
)) قصيرة جداً، كانت بالنسبة لي شهران ونصف، مع أن المفروض أن تكون عاماً كاملاً تبدأ من قبول الشخص كمرشح، يهيأ في بلده للعملية، وجمع المعلومات عن الفضاء، ورحلات الفضاء، ثم يذهب بعد ذلك لوكالة الفضاء الأمريكية ليبدأ عملية التدريب. |
بالنسبة لنا كان تدريبنا، كما كانت مفاوضات التجارب العلمية والقيام بها إلى جانب التغطية الإعلامية، ومواجهتها في الخارج، كل هذه الأمور كانت عبئاً كبيراً علينا!! كذلك اهتمامنا من الناحية الصحية في الفترة القصيرة أمر مهم، كنا ننسى أنفسنا ونمضي من 16 ـ 17 ساعة في القراءة، والعمل!!
|
وكانت (ناسا) لها اختبارات طبية مستمرة، لأن أهم شيء أن تكون في حالة صحية جيدة جداً حتى تتمكن أن تكون ضمن الطاقم، والقضية ليست قضية ((إطلاق)) فقط، أو أي شيء آخر، القضية في كيفية المعيشة لمدة سبعة أيام داخل المركبة!! فالصحة الجسمية تؤثِّر على الحالة النفسية، وهو شيء يعرفه الأطباء، لأن الحالة الصحية تساعد على أداء عملك دون خلق أي مشاكل داخل المركبة، فقد حصل في رحلات فضاء سابقة، سواء في الولايات المتحدة، أو في روسيا، فبعض الرواد لم يستطيعوا احتمال المعيشة لفترة طويلة في المركبة، لهذا كان العبء كبيراً وطويلاً، وقد مرَّت تجربتنا بأربع مراحل استفدنا خلالها كثيراً من الخبرات وهي: |
* الأولى: ((
التدريب
)) في وكالة الفضاء الأمريكية، ومدى الاستفادة من هذا التدريب، كنا ـ الفريق العلمي السعودي ـ نحاول الاستفادة من عملية الاختلاط بمجموعة العلماء الأمريكيين، إلى جانب الاطلاع على الكتب، وطرق الإدارة، وقد استفدنا كثيراً من هذه الناحية، وكسبنا علاقات طيبة، ونحمد الله أننا كوَّنا قاعدة صلبة في وكالة الفضاء الأمريكية، وأقيم لنا توديع حافل لم نتصوَّره من قبل ((ناسا)) وعدد كبير من الأمريكيين!! كذلك كسبنا صداقات شخصية، كنا نتعشى عند بعض العلماء الأمريكيين، ويزوروننا في أماكننا، كان الارتباط بيننا وبينهم وثيقاً أكثر من غيرنا من الأجانب الذين كان ارتباطهم ضئيلاً، وقد ساعدنا أنا وصديقي (عبد المحسن البسَّام) أنه كانت لدينا خلفية طيبة عن الولايات المتحدة.. وكنا نعرف كيفية التعامل مع الجميع، وقد وجدوا أننا نعمل بالطريقة نفسها التي يعملون بها.. كنا معتدلين في طلباتنا، لا نطلب أشياء أكثر مما هو موجود.. كنا نحترم القوانين والأنظمة، ونعمل أكثر مما يعمل الآخرون، وكنا نؤدِّي عملنا في مناخ ودي فاحترمونا كثيراً، كما أن مكانة المملكة العربية السعودية عند الأمريكيين طيبة (كان هذا في الماضي، وقد تغيَّرت الأحوال بعد ما حدث في 11 سبتمبر 2001م)، وهو أمر مهم جداً، وأتذكر أنني ذكرتُ في المؤتمر الصحفي الأول أن الولايات المتحدة لها مصلحة كبيرة في نجاح مهمتنا، لأن أكثر رواد الفضاء السعوديين، والفريق العلمي السعودي، تلقوا تدريبهم فيها، ونجاحنا في حد ذاته برهان على نجاح التدريب العلمي الأمريكي، ومن ناحية أخرى فإن العالم الإسلامي سوف يرى الولايات المتحدة بنظرة جديدة في موضوع التعاون التقني، لهذا كان الأمريكيون أنفسهم حريصين على نجاح رحلتنا، وقد وفَّروا لنا جميع السبُل حتى أنهم غيَّروا بعض القوانين!! |
* وبعد ما أكملنا التدريب كتبتُ تقريراً متكاملاً طَلَبَتهُ مني الإدارة الأمريكية، وكذلك زميلي الفرنسي (باتريك بودري)، وقدَّمنا عدة مقترحات لتغيير برنامج تدريب خبراء الشحنة، وهذه المقترحات فيها تغيير كامل للبرنامج، وقد وضعتُ أنا وبعض الأخوان من الفريق العلمي السعودي برنامجاً اقترحنا فيه أشياء كثيرة، وقدَّمناه لرواد الفضاء الذين اجتمعنا بهم من الهند، واليابان، وأندونيسيا، والمكسيك، وقد سروا من هذه المقترحات التي سوف يستفيدون منها. |
* الثانية: وتأتي مرحلة
((
الحياة في المركبة
)) نفسها، كانت سبعة أيام كأنها سبع سنين، ليس لطولها فحسب، بل للمعلومات التي حصلنا عليها، والأشياء التي شاهدناها، إنني أعد السبعة أيام، أيام عمر كامل خارج عمري!! |
حقيقة أشعر أنني كبرتُ كثيراً خلال هذه الأيام لما شاهدته، وهذا يعمِّق الشعور في عظمة الله سبحانه وتعالى، وخلقه، كنتُ أقرأ ((القرآن الكريم)) خلال الربع، أو النصف ساعة، وأضع خطوطاً تحت الآيات التي أقرأها، ثم أنظر من شباك المركبة، وأشاهد عظمة الخالق مجسَّدة أمامي، لا تتصوَّر كيف كان للقرآن الكريم من أثر عظيم على نفسي، لقد كان اصطحاب القرآن معي أمراً عظيماً. |
* الثالثة: تجربة
((
المعيشة داخل المركبة
)) نفسها مع ستة أشخاص من ثلاث جنسيات مختلفة، كل واحد يعمل في مجال مختلف عن الآخر، وكل واحد له اختصاصه، لهذا كانت رحلة (ديسكفري G51) من أنجح، وأفضل رحلات الفضاء في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية!! |
كثيرون اعتقدوا بعدم استمرارها نظراً لوجود ثلاث جنسيات مختلفة فيها، لكن العكس كان صحيحاً، فقد كانت الحالة النفسية عالية جداً، وكان التعاون بين أفراد المركبة كبيراً جداً، وقد طُلب مني، ومن زميلي الفرنسي (باتريك بودري) أن نقوم بمهمات خارج نطاق تدريبنا، مهمات يُفترض أن يقوم بها أمريكيون بحكم حساسيتها الأمنية في المركبة نفسها، لقد طلبوا مني أنا شخصياً القيام بمهمة لها حساسية أمنية في المركبة ليس لسريتها فحسب، بل لتأثيرها وخطورتها على المركبة ككل!! منحونا صلاحيات شخصية، وكانوا يطلبون مني مساعدات كثيرة في أمور مهمة لا تحتاج إلى مجاملات، وقد عملنا كطاقم وأصدقاء، كنا جميعاً طيارين متعاونين دون مشاكل. |
* الرابعة: لم يكن أكثر الناس يعتقد بوجود فريق من العلماء السعوديين على هذا المستوى، وهذا ما شهدت به وكالة الفضاء الأمريكية، لقد اشتركنا ـ الفريق
العلمي السعودي ـ في مفاوضات التجارب العلمية، كانت مفاوضات عنيفة مع الوكالة، وكان تقدير العلماء في الوكالة كبيراً جداً، لقد ذهلوا بقدراتنا في وضع برنامج، وصيغة التجارب، وتدريبنا عليها، وتنفيذها واستخراج المعلومات منها في فترة لا تزيد عن شهرين تقريباً!! وهذا وحده يعطيك أروع مثل على
((
الاستعداد الفطري والعلمي
))
لدى علمائنا الذين لا تتعدى نسبتهم 5% من العلماء الموجودين في المملكة، وكل سنة يزداد هذا العدد، وتزداد المجموعات العلمية!!
|
ويوجد علماء عديدون في جميع أنحاء المملكة، وهم قادرون على القيام بهذه المهمة وأكبر منها، وهم ليسوا في ((
جامعة البترول والمعادن سابقاً
)) ـ حالياً ((
جامعة الملك فهد للبترول والمعادن
)) ومركز أبحاثها فقط، بل في جميع جامعات المملكة، وفي مركز العلوم والتكنولوجيا، لديهم قدرات وثقافة علمية ممتازة، فالفريق العلمي السعودي كان من بين أفراده علماء من (جامعة الملك فهد للبترول والمعادن)، ومن (مستشفى الملك فيصل في المنطقة الشرقية)، ومن مؤسسات ومنظمات علمية سعودية. |
ولا أنسى دهشة أحد الأصدقاء السعوديين المثقَّفين حين قال لي إنه لم يكن يعرف أنه يوجد بالمملكة مثل هذه المجموعة من العلماء السعوديين الذين استطاعوا تنفيذ برنامج علمي كهذا البرنامج في هذه الفترة القصيرة!! |
س: هل يمكن تقدير عدد العلماء السعوديين الاختصاصيين في مجال الفضاء؟
|
ج: الشيء الذي يجب أن نعرفه هو أن التجارب العلمية في وكالة الفضاء الأمريكية لا تحتاج إلى علماء معينين في تخصص واحد، بل تحتاج إلى صناعيين، رجال صناعة ومخترعين، لأن الفضاء سوف يكون فيه صناعات مختلفة في المستقبل، وهناك مُدن فضاء تُبْنَى، ونأمل أن تسهم المملكة، ليس عن طريق إرسال رواد فضاء من العلماء والعسكريين، أو غيرهم، بل المساهمة في ((
المدن الفضائية
))، و ((
الاستفادة من البيئة
)) التي يوفِّرها الفضاء، ((
بيئة انعدام الوزن
)) بحكم السرعة التي تسير بها المدن الفضائية، والمركبة. |
نأمل اشتراك المملكة في المستقبل عن طريق علمائها، وهذا ليس لمجرد الدعاية للمملكة كما يتصوَّر البعض، بل هي الحقيقة، لأن المملكة استطاعت بخططها التنموية تحقيق خطوات علمية كبيرة، وتأكد أنه لا يُعمل إلا ما يجب أن يُعمل، سواء كلف العمل ريالاً، أو مليوناً!! أقول هذا الكلام لأن إرسال رجال فضاء في المستقبل سوف يكون أمراً عادياً!!
|
س: شيء طبيعي أن يحلم الإنسان على الأرض. فهل حلمتَ في نومك، وأنت في المركبة.. وهل هناك اختلاف في أحلام الإنسان على الأرض، وأحلامه في الفضاء؟
|
ج: لم أحلم في الفضاء وأنا نائم، كنتُ أحلم وأنا في حالة الصحو، حلمتُ أحلاماً، وعيناي مفتوحتان، حلمتُ وأنا أشاهد من شباك المركبة منظر ((
الكرة الأرضية
))، ومنظر ((
شروق الشمس وغروبها
)) هذه المناظر كانت بالنسبة لي أحلاماً!! |
أما بالنسبة لأحلام النوم فقد كنا ننام بعد إرهاق وتعب شديدين، نتيجة العمل المتواصل (16 ـ 17) ساعة، فننام نوماً عميقاً لا أحلام خلاله. |
حلم واحد حلمته، لكن تفاصيله ضائعة مثل أشياء كثيرة يزدحم بها عقلي، وقد سألتُ باقي رواد الفضاء عن ذلك فأجابوني بأن عملية تذكر تفاصيل مشاهدتنا في الفضاء تتحقق بعد ستة شهور على الأقل (والآن مضت سنوات على هذا اللقاء.. فهل استطاع تذكر تفاصيل الحلم الذي كانت تفاصيله ضائعة لدى سموه؟) فأنا إلى الآن لا أشعر إنني نزلتُ من الفضاء، وإن شاء الله بعد زيارتي للولايات المتحدة، ومقابلة الرئيس الأمريكي (ريجان) ـ حينذاك ـ، و ((
نادي الصحافة الدولي
))، لإعداد دراسات تحليلية في الصحافة الأمريكية في نيويورك، وبعد المقابلة التليفزيونية، والراحة مع العائلة بعض الوقت، بعد هذا كله سوف أبدأ في كتابة الكتاب الذي أشرتُ إليه ضمن إجابتي السابقة على أحد أسئلتك، وسوف أعمل ملفاً واحداً يشمل جميع التغطيات التليفزيونية في خارج المملكة (في جميع دول العالم)، وفي داخل المملكة، وسوف نضعه في أشرطة منسَّقاً، ومرتباً، إضافة إلى التغطية الإعلامية التي تمَّت، وسوف نوزِّع منها على المهتمين، والأصدقاء لحفظها للأجيال القادمة لتكون مرجعاً (هل يعدنا سموه من أصدقائه فيزودنا بنسخة من هذه المشاريع، أم أن العمل فيها لماينته بعد؟) |
س: ما التغييرات التي أحْسَسْتَ بها، وأنت في المركبة بالنسبة للأكل والشرب، هل تغيَّر طعمها، أو أحسست ببعض تأثيرهما على المعدة مثلاً؟
|
ج: لدى بعض أفراد المركبة بحث عن تغيَّر طعم الأكل، بعضهم شعر بهذا التغيُّر، وهو تغير، بسيط، المطلوب في المركبة للشخص (2700) وحدة حرارية بحكم ما يبذله من مجهود عقلي وجسماني!! في المركبة تحس بعوارض تعب الفضاء مثل ((
الدوخة
))، و ((
الدوار
)) والشعور بأن رأسك منتفخ، والسوائل التي تصعد من أسفل الجسم إلى أعلاه، وتخسر 10% من السوائل تقريباً لعدم الحركة، وضيق المكان، كانت فترة حرجة نوعاً ما، لكن كنَّا نعمل، ونبلغ الألم!! |
أنا شخصياً كنتُ في اليوم الأول في المركبة صائماً، وتعبتُ كثيراً لفقدان السوائل من جسمي التي لا تعوَّض إلاَّ عن طريق شرب الماء، لقد أعطوا للروَّاد أدوية لمساعدتهم على مقاومة مثل هذه الأعراض، كما تساعدهم على النوم!! أنا شخصياً لا أحب الأدوية من صغري، وصمَّمْتُ على عدم استعمال أدوية إطلاقاً لأنني أردتُ أن أعيش التجربة بكل أبعادها الطيبة والسيئة.. بعض الزملاء أخذوا أدوية قبل الإنطلاق!! |
من أثار الرحلة التي ما زلتُ أحسها في بعض الأحيان أثناء نومي في سريري في المنزل، وصحوي من النوم ضوء مثل ضوء ((فلاش)) الكاميرا على جفوني، وهذا يرجع لمشاهدتي للشمس عند طلوعها، وكيفية تكوُّن ألوان ((الطَّيف)). |
كانت الأرض فوقنا طوال الوقت تقريباً، وكانت المركبة تطير على شكل عمودي، أو أفقي، أو على الخلف، أو إلى الأمام!! وكانت الشمس حين تطلع تتكوَّن مع طلوعها خطوطاً على شكل شبه نصف دائري بجميع الألوان البرتقالي، والأحمر، والأزرق، فالشمس تطلع بسرعة، مثل القنبلة تنفجر أمام عيني، هي ثوان لا يتصورها العقل!! |
س: هل يعني هذا أن الشمس كانت أقرب إليكم من الأرض؟
|
ج: بالعكس، لكن سرعتنا اتجاه الشرق، لأن طيراننا كان من الغرب إلى الشرق، ودوراتنا تطلع 28.5 درجة، ((
فوق خط الاستواء
)) جنوباً، كانت المركبة تسير دون أن تغيِّر مسارها، كانت تسير بخط مستقيم. |
س: هذا يعني أنك تنام على رأسك أحياناً؟
|
ج: في اليوم الثالث، نمتُ بشكل أن رأسي تحت، ورجلي فوق، لمدة ثمان ساعات، ويوجد فيلم كامل يجيب على هذه الأسئلة، فأنت تحس حين تمديديك أنها تطير في الهواء، وأنها مفصولة عنك، فلو لم تحرِّكها لما أحسست أن لك يداً!! وقد عشتُ نصف يوم وأنا أمشي على سقف المركبة، وزملائي الآخرون كل واحد يعيش بطريقته الخاصة، فمنهم من يمشي فوق، ومنهم من يمشي تحت!! |
لقد استعملتُ جميع الأجهزة مقلوبة، وأكلتُ طعامي مقلوباً، وقدَّمتُ ما هو مطلوب مني من أعمال مقلوباً!! في الأيام الأولى حين تشرب الماء تخشى أن يسقط الكأس من يدك، ولو فكَّرت في قلبها، وسقطت من يدك، فإن الماء يبقى داخل الكأس، كأنَّ الكأس مغلق، حتى الماء إذا ضغط على الكأس، فإن كرة من الماء تطلع من الكأس بحيث تستطيع أن تشربها، وهي في الهواء!! |
س: قلت في إجابتك إن الإنسان في المركبة يفقد سوائل، هل يعني هذا أنه يكون في حاجة إلى كمية كثيرة من السوائل لتعويض ما فقده؟
|
ج: نعم. |
س: أكثر من الأكل مثلاً؟
|
ج: في المركبة تحتاج إلى كمية من السوائل، لا أستطيع أن أقول لك عن عدد اللترات التي يحتاج إلى شربها كل فرد، كل ما أستطيع قوله إن أي سائل تشربه في المركبة، تتخلَّص منه بعد نصف ساعة!! |
س: كيف تتم عملية التخلص من السوائل، وعلى أي صورة من الصور مع ضيق المركبة؟
|
ج: بطريقة طبيعية حيث توجد ((دورة مياه)). |
س: وما حجم اتساع دورة المياه هذه لستة أشخاص، ولمدة سبعة أيام؟
|
ج: ظلت دورة المياه تعمل طوال الرحلة، بعكس رحلات المكوك السابقة التي كانت تتعطَّل عن العمل في اليوم الثاني من الرحلة فيضطر الروَّاد إلى التصرف بطريقة تلقائية. |
س: ما الطريقة التلقائية، وكيف تتم عملية التخلص مما تحتوي عليه دورة المياه من نفايات؟
|
ج: السوائل يُلقى بها خارج المركبة، أما غير السوائل فيحتفظ بها للعودة إلى الأرض، بالنسبة لجميع النفايات في المركبة كانت عملية علمية متفوقة!! |
حدث في اليوم السادس، أو السابع، أن النفايات كادت تطفح، والمخازن امتلأت، وكل شيء وصل إلى أعلى حده، فلو زادت الرحلة يوماً، أو يومين، فإنها سوف تكون مشكلة، وعملية صعبة!! |
س: لماذا لم يتم التخلص منها بالقائها خارج المركبة كالسوائل؟
|
ج: كان في الامكان عمل ذلك، لكنه لم يتم ذلك حفاظاً على البيئة الخارجية!! |
س: رفضك للأدوية المساعدة في المركبة، وعند الصعود، في الوقت الذي استعملها غيرك من زملاء الرحلة، مما قد يشكل خطراً عليك، أو يسبَّب مضاعفة من معاناتك، هل يمكن تفسير موقفك بأنه نوع من التحدي الذاتي، أو أنها الرغبة في إثبات قدرة الإنسان العربي المسلم على الاحتمال بصورة يتفوَّق فيها على الآخرين؟
|
ج: صدِّقني إنه لم يخطر ببالي شيء من هذا، لكن الإنسان يحاول القيام بدوره كاملاً، وأن يؤدِّي مهمته على الوجه المطلوب، كنَّا نحاول الاستفادة من كل ما صادفناه، وأن نعود بخبرة كبيرة، أنا كموظف كان المطلوب مني أن أقدِّم تقريراً متكاملاً، لهذا لم استعمل أدوية، أو أي شيء آخر، مع العلم أنهم كانوا ينصحوننا باستعمال الأدوية، ورئيسنا في البرنامج أيضاً كان ينصحنا بذلك!! |
س: عدم الاستماع لنصيحة رئيسكم في البرنامج ألا يعد خروجاً عما يمكن أن نسميه أوامر قيادية، ملزمة، يجب تنفيذها؟
|
ج: هي نصائح، وليست أوامر، أو تعليمات مُلزمة يجب الانصياع لها، لأن تأثيرها ليس له نتائج خطيرة على المركبة، أو الأمن، وأنا شخصياً فضَّلت أن أعود بتقرير متكامل، هذا التقرير الذي لن يتم إذا لم تكتب عن خبراتك الطبية، والصحية خلال رحلتك، ولن يتم ذلك في اعتقادي بشكل صحيح وموضوعي تحت تأثير الأدوية. |
وقد قدَّر الدكاترة السعوديين موقفي، وكتبتُ تقريراً مفصَّلاً، ودقيقاً، وأنا في المركبة، عُملتُ عليه أبحاث كثيرة، لم نفهم بعد لماذا تعب الفضاء، أو مرض الفضاء، وأهم الأسباب كان صعود السوائل التي كان يفرزها جسم الإنسان، من أسفل الجسم إلى أعلاه، إلى الرأس؟!! |
س: ولماذا تتصاعد السوائل التي يفرزها الجسم من الأسفل، إلى الأعلى، إلى الرأس، وليس العكس؟
|
ج: لعدم وجود جاذبية تضغط على الجسم إلى أسفل، حتى فقرات الظهر تتباعد فيطول جسم الإنسان، أنا زاد طولي 2.5 سم في الرحلة!! |
س: هل استمرت هذه الزيادة في طولك بعد العودة إلى الأرض، وجاذبية الأرض؟
|
ج: لم تستمر، بعد عودتك إلى الجاذبية بثلاث أو أربع ساعات تعود إلى طبيعتها، وقد عاد طولي إلى طبيعته. |
س: هل تتصوَّر أنه لو طالت الرحلة عن السبعة أيام، سوف يزيد طول الإنسان أكثر من 2.5 سم.
|
ج: الأمر يخضع للتجربة العلمية العملية، فالعلم لا يقوم على التصورات والتخمينات، والظنون. |
س: وبالنسبة للوزن، هل يزيد وزن الإنسان في الفضاء؟
|
ج: يحس الإنسان أنه ثقيل، وبعض الصور تحت الوجه كانت تنتفخ لأن السوائل تصعد إلى أعلى!! لهذا قبل الدخول إلى مجال الكرة الأرضية بتسع ساعات، رتَّبنا المركبة، وكان كل فرد من أفراد الطاقم قد ملأ أربع عُلب ماء (12) أوقية، وهذا شيء كان مقرَّراً، وقد شربناها لنعوَّض السوائل التي فقدناها في الرحلة، وحين تعود إلى الأرض لا تحس أنك شربتَ هذه الكمية من المياه كلها، لانها توزَّع أسفل الجسم بفعل ((الجاذبية)).. بعض الأفراد شعر بالدوخة فأعطوهم بدلة تُلبس على الرجلين مثل الطيار الحربي، للمحافظة على الدم بأعلى الجسم، حتى لا ينزل من الرأس!! |
س: هل تفكِّر بالصعود مرة ثانية إلى الفضاء؟
|
ج: لاشك، أفكِّر في هذا، وأتمنَى أن أقوم بدورة في الفضاء من الشمال إلى الجنوب، ومن الجنوب إلى الشمال، وتكون مدتها أطول قليلاً من الرحلة الأولى!! وأتمنى أن يصعد إلى الفضاء كثير من علمائنا، وطيَّارينا ليحصوا على خبرات علمية، وانطباعات متفرقة، لأن لكل شخص انطباعاته التي تختلف عن الآخر. |
س: هل كان لصفتك كأمير، وحفيد البطل الملك عبد العزيز أثرها في نظرة الآخرين إليك من جانب الذين من حولك؟
|
ج: ربما كان ذلك في البداية، لكنني كسرتُ هذا الحاجز من الأسبوع الأول بالاندماج معهم، والتكيف على عالمهم، وطباعهم، وطريقة حياتهم، دون أن أتخلَّى عن تقاليدي، وما يمس ديني. |
لقد كانوا يتوقعون أن آتي إليهم، ومعي حاشية، ومرتدياً الزي العربي كالبشت (العباءة)، وأستعمل سيارة فخمة ـ روزرايز مثلاً ـ وهذا ما لم يحدث!!
|
س: ما السؤال الذي لم تُسأله، وكنت تتمنى أن نسألك عنه؟
|
ج: لقد غطَّت الأسئلة كل شيء، وأجبتُ عليها جميعاً، أتمنى أن يتم حوار موسَّع عند بداية الدراسة في إحدى الجامعات، يهمني جداً أن أقابل طلبة الجامعة، وطلبة المدارس، لأنني أؤمن أن مستقبل الوطن في طلابه، وأتمنى أن أسمع (أسئلتهم، وأجيب عليها). |
س: ألم تتمن وجبة طعام معينة، وأنت في المركبة؟
|
ج: تمنيتُ وجبة سعودية معينة هي ((
الكبْسَة
)) وكذلك ((الهمبورجر)) وتحقَّقتْ هذه الأمنية أول يوم من عودتنا، حيث أكلتُ ((
الهمبورجر
)) في كاليفورنيا، وأكلتُ ((الكَبُسَة)) مساء في ((هيوستن)) وقد أعدَّها لي أخي فهد بن سلمان بنفسه.
|
في نهاية هذا الحوار الشيِّق ـ في رأيي الشخصي ـ أود أن أشير إلى نقطة مهمة، وهو أن هذا الحوار جاء بعد أن أُجْرِيت مع سموه لقاءات متعدَّدة في الصحافة والتلفازات، لهذا اشترط عليَّ أن لا أسأله سؤالاً سبق أن وُجِّه له، وكان اشتراطاً قاسياً، لأنني لم أطلع على كل اللقاءات التي أجريت معه، وبخاصة ما كان باللغة الإنجليزية التي يجيدها. |
ولأنه من شباب ((التحدي)) فقد كان عليَّ أن أثبت له أن روح التحدي ليس لها علاقة بالسن، وأن في إهاب من تخطوا مرحلة الشباب روحاً لا تقصر عن روح الشباب. |
لهذا حين سأله الصديق الكبير العزيز على نفسي الأمير (خالد الفيصل) الذي كان معنا بمشاعره أثناء إجراء الحوار عن انطباعه، رد عليه بالانجليزية (فانتاستيك) مما أثلج صدري. |
ونقطة أخرى فإن هذا الحوار يشكَّل جانباً من جوانب ذكريات رحلة سموه الفضائية الشخصية التي لم يكتبها بعد، أملاً في أن يجد فيها القارئ فائدة ((المتعة النفسية)) من ناحية و ((المتعة الذهنية)) من ناحية أخرى. |
* * * |
|