الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

كلامه عن التوبة

10 ـ ومضى في كلامنا ذكر التوبة، فأردت أن أبين لكم وجوهها، وإن كانت ليست مما سألتم عنه باسمه، لكن نسق ⁽¹⁾ الكلام اقتضى إثباتها؛ لأنها دخلت فيما سألتم مما يحط الكبائر؛ فاعلموا أن التوبة تكون على أربعة أضرب:

- أحدها: ما بين المرء وبين ربه تعالى من أعمال سوء عملها كالكبائر من الزنا وشرب الخمر وفعل قوم لوط والشرك وما أشبه ذلك؛ فالتوبة من هذا تكون بالإقلاع والندم والاستغفار وترك المعاودة بفعله وإضمار أن لا يعود بنيته؛ فإن فعل التائب من هذه الوجوه هذا الفعل سقط عنه بإجماع الأمة كلُّ ما فعل من ذلك بينه وبين ربه تعالى، وأيضاً فيمن أقيم عليه الحد مما ذكرنا ومات مسلماً كان ذلك كفارة لما فعل بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم ⁽²⁾.

- والضرب الثاني: من عطَّل فرائض الله عمداً حتى فات وقتها، فقد اختلف الناس؛ فقوم قالوا: يقضيها.. وقوم قالوا: لا سبيل إلى قضائها.. وبهذا نأخذ ⁽³⁾، لأن من فعل الشيء في غير الوقت الذي أمره الله أن يفعله فيه، فلم يفعل الشيء الذي أمره الله تعالى أن يفعله، وإنما فعل شيئاً آخر [253/أ]؛ وإذا لم يفعل ما أمر به فهو باق، وتوبة هذا عندنا الندم والإقلاع والإكثار من النوافل وفعل الخير كما جاء في الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن من لم يوف فرض صلاته جبر من تطوع إن وجد له ⁽⁴⁾.. فأما ما كان من هذا فرضاً في المال فليؤده متى أمكنه كالزكاة والكفارات؛ لأن الله عز وجل لم يحد لأحد وقت أداء الزكاة والكفارات حداً لا يتعدى كما حد عز وجل للصلاة حداً وللصيام وقتاً محدود الطرفين معلوم الأول والآخر ينقضي وقت كل ذلك بخروج أوله.

- والضرب الثالث: من امتحن بمظالم العباد: من أخذ أموالهم، وضرب أبشارهم، وقذف أعراضهم، وإخافتهم ظلماً، والإفساد عليهم: فالتوبة من هذه بالخروج عن المال المأخوذ بغير حقه، ورده إلى أصحابه أو إلى ورثتهم.. فأما أن يردها إلى الذين غصبها منهم بأعيانهم فقد سقط الإثم عنه يقيناً، وأما إن ردها إلى ورثتهم فقد سقط عنه إثم غصبه ما غصب عن الورثة أيضاً وبقي حق الموتى قبله؛ لأنه فعل ثان؛ فليكثر من فعل الخير ما أمكنه، فإن جهلوا فإلى إمام المسلمين إن كان لهم إمام عدل تجب طاعته، وإن لم يكن فلا بد من صرف المال إلى مصالح المسلمين؛ لأنه مال لا يعرف ربه، وليكثر مع ذلك من الخير ليجد أرباب المتاع ما يأخذون منه يوم القيامة؛ فليس إنصافه عمراً بمسقط عنه ظلم زيد.

وأما من تاب بزعمه وهو زام ⁽⁵⁾ يديه على ما ظلم فيه، أو على ما يدري أنه ظُلْمٌ بعينه بَيِّنٌ: فهذا مصرٌّ لا تائب، ولكنه ممسك عن الازدياد من الظلم كإنسان مصرٍّ على الزنا إلا أنه لا يزني.

وأما التوبة من ضرب إنسان فهو بأن يمكِّن الإنسان من نفسه ليقتص منه أو ليعفو، كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه اقتص من نفسه في ضربة بقضيب ⁽⁶⁾ فإن مات المضروب فموعدهما يوم يقتص للشاة الجمّاء ⁽⁷⁾ من الشاة القرناء، ولكن ليستكثر من فعل الخير ليجد من ظلم ما يأخذ وما يترك، وكذلك القول في سب الأعراض والإخافة. وأما الإفساد فالتوبة منه بالإقلاع والندم والإصلاح.

- والضرب الرابع: من امتحن بقتل النفس التي حرم الله تعالى، وهذا أصعب الذنوب مخرجاً؛ فقد جاء عن النبي [صلى الله عليه وسلم]: من استطاع أن لا يحول بينه وبين الجنة [253 ب] وقد عاينها وشم ريحها ملء محجم ⁽⁸⁾ من دم امرئٍ مسلم فليفعل ⁽⁹⁾ أو كلاماً هذا معناه؛ فمن ابتلي بهذه العظيمة فتوبته أن يُمكِّن ولي المقتول من دمه، فإن قتله فقد اقتص منه وانتصف، وإن عفا أو كثر قتلاه فليلزم الجهاد، وليتعرض للشهادة جهده؛ فما أرجوا أن يكفر عنه فعل شيءٍ غيرها. فإن اعترض معترض بالحديث الذي فيه: أن رجلاً قتل مئة ثم تاب أدخله الله الجنة ⁽¹⁰⁾ فلا حجة له فيه؛ لأن ذلك كان في الأمم الذين قبلنا.. هكذا نص الحديث المذكور، وكانت أحكام تلك الأمم بخلاف أحكامنا، قال الله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ⁽¹¹⁾ [سورة المائدة/48] وفي الحديث نفسه أن توبة ذلك القاتل كانت بأن خرج من قريته قرية السوء إلى قرية قوم صالحين، وهذا لا معنى له عندنا ولا في ديننا بإجماع الأمة، وقد كانت توبة بني إسرائيل بقتل أنفسهم ⁽¹²⁾، وهذا حرام عندنا وفي ديننا لا يحل ألبتة، ولعل ذلك القاتل المئة كان كافراً فآمن؛ فمحا إيمانه كل ما سلف له في كفره؛ فهذا أيضاً وجه ظاهر.

وأما التوبة في شريعتنا فإنما هي التبرؤ من الذنب، والخروج عنه بما أمكن، إلا الكافر والحربي، فإن توبته من كفره ومن كل ما قتل أو ظلم فإنما هو بالإسلام فقط واعتقاد العمل به وبشرائعه، وليس عليه فيما قتل من المسلمين في حال كفره إذا أسلم وسدد وأصلح والحمد لله رب العالمين.

فهذا جواب ما سألتم عنه وفقنا الله وإياكم للخير، وجعلنا في ديننا أخواناً على سرر متقابلين آمين، والحمد لله عدد خلقه ورضى نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام المسلمين وسلم تسليماً كثيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تمت رسالة التلخيص لوجوه التخليص.

* * *

[1]	نَسَقَ الدُّرَّ وغيره ونسَّقَه، ودُرٌّ منسوق ومنسَّقٌ، وكلام متناسق، وقد تناسق كلامه وجاء على نَسَقٍ ونظام، وثَغْرٌ نَسَقٌ، وقام القوم نسقاً، وغرستُ النخل نَسَقاً. ((أساس البلاغة)).
[2]	صحيح: أخرجه البخاري (18) في الإيمان: باب علامة الإيمان حب الأنصار و (3777) في المغازي: باب شهود الملائكة بدءاً من طريق شعيب، و (3679) في فضائل الصحابة: باب وفود الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبيعة العقبة، من طريق ابن أخي ابن شهاب (هو محمد بن عبد الله بن مسلم). وأخرجه في (التفسير) (4612) (الممتحنة): باب إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ [الممتحنة: 12] وفي الحدود (642): باب الحدود كفارة، ومسلم في الحدود (1709) باب الحدود كفارات لأهلها وعنه المصنف في (المحلى) (11/124) وأخرجه النسائي (7/161 ـ 162) والترمذي (1439) وأحمد (5/314) وابن الجارود (803) والحميدي (387) ومن طريقة أبو نعيم في (الحلية) (5/126) وأخرجه البيهقي (8/328) والطحاوي في (المشكل) (1/72 ـ 73) والشاشي في (المسند) (3/154 / 156، 157) من طريق سفيان بن عيينة.
	وأخرجه البخاري (6416) في الحدود: باب توبة السارق و (7030) في التوحيد: باب في المشيئة والإرادة، وعبد الرزاق (6/4 و 11/464) (21019) ومن طريقه مسلم (1709) (42) وأخرجه النسائي (7/148) وأحمد (5/320) من طريق معمر.
	وأخرجه البخاري في الأحكام (6787): باب بيعة النساء، والدارمي (2/220) من طريق يونس.
	وأخرجه النسائي (7/141 ـ 142) من طريق صالح. وأخرجه الشاشي في (المسند) (3/153) من طريق سفيان ـ هو أبو محمد أو أبو الحسن ثقة في غير الزهري.
	وأخرجه الشاشي أيضاً (3/155) من طريق شعيب بن أبي حمزة.
	كلهم عن ابن شهاب الزهري عن أبي إدريس عائذ بن عبد الله أن عبادة بن الصامت رضي الله عنه وكان شهد بدراً وهو من النقباء ليلة العقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه: بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروفٍ، فمن وفىَّ منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ون أصاب من ذلك شيئأً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك. اللفظ للبخاري في روايته الأولى، والباقون بنحوه، قال: الترمذي حديث حسن صحيح.
	وفي رواية الحميدي: قال سفيان: كنا عند الزهري فلما حدث بهذا الحديث أشار إليَّ أبو بكر الهذلي أن احفظه فكتبته.
	وأخرجه النسائي (7/142) من طريق الحارث بن فضيل عن ابن شهاب عن عبادة ولم يذكر ابن إدريس. وأخرجه البخاري (3680) في فضائل الصحابة: باب وفود الأنصار، عن قتيبة، و (6479) في الديات: باب قول الله تعالى: وَمَنْ أَحْيَاهَا عن عبد الله بن يوسف، كلاهما عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن الصنابحي عن عبادة.
	وأخرجه مسلم (1709) (43) وعنه المصنف (1/42 و 11/124) من طريق هشيم وأحمد (5/320) من طريق شعبة، كلاهما عن خالد عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن عبادة.
	قال الترمذي: وفي الباب عن علي وجرير بن عبد الله وخزيمة بن ثابت.
	وقال الشافعي: لم أسمع في هذا الباب أن الحدود تكون كفارة لأهلها شيئاً أحسن من هذا الحديث وأحب لمن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن يستر على نفسه ويتوب فيما بينه وبين ربه، وكذلك روي عن أبي بكر وعمر أنهما أمرا رجلاً أن يستر على نفسه.
	قلت: هو أبو اليسر بن عمرو الأنصاري. انظر (تفسير الطبري) (12/137) والترمذي (3115).
[3]	إن أردتَ أن تستوفي هذه المسألة فعليك بـ ((المحلى)) (2/235 ـ 244).
[4]	تقدم انظر الحديث (30).
[5]	زَمَّ الشيءَ يزُمُّهُ زمَّاً فانْزَمَّ: شَدَّه
[6]	صحيح: أخرجه أبو داود (5224) وعنه البيهقي (7/102) وأخرجه الطبراني (1/ رقم 556) عن عمرو بن عون عن خالد عن حصين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد بن حضير رجل من الأنصار قال: بينما هو يحدث القوم وكان فيه مزاح، بينا يضحكهم فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم في خاصرته بعود، فقال: أصبرني. فقال: اصطبر. قال: إن عليك قميصاً وليس عليّ قميص، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم عنه قميصه، فاحتضنه وجعل يُقبِّل كشحه قال: إنما أردت هذا يا رسول الله.
	قلت: رجاله ثقات رجال الشيخين. وخالد هو ابن عبد الله الواسطي، وحصين هو ابن عبد الرحمن السلمي.
	قال البيهقي: قوله: أصبرني يريد أقدني من نفسك، وقوله (اصطبر) معناه: استقد.
	وأخرجه الحاكم (3/72) من طريق ورقاء، وأخرجه أيضاً هو والبيهقي (8/49) من طريق جرير. وأخرجه الطبراني (1/ رقم 557) من طريق أبي جعفر الرازي، ثلاثتهم عن حصين به. قال: أوجعتني، قال: ((اقتص)).
	صححه الحاكم ووافقه الذهبي.
	وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري أخرجه أحمد (3/28) ومن طريقه المزي في (تهذيب الكمال) (19/269) عن هارون، هو ابن معروف.
	والنسائي (8/32) عن وهب بن بيان، والبيهقي (8/48) من طريق بحر بن نصر، ثلاثتهم عن عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله، عن عبيدة بن مسافع عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم شيئاً أقبل رجل فأكب عليه فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرجون كان معه فخرج الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعال فاستقد. قال: بل عفوت يا رسول الله. قلت: رجاله كلهم ثقات غير عبيدة بن مسافع، قال الحافظ في (التقريب): مقبول.
	وتابع عمرو بن الحارث يحيى ـ هو ابن أيوب ـ عن بكير به. أخرجه النسائي عقبه. وفي الباب عن عمر بن الخطاب عند أحمد (1/41) والنسائي (8/34) والبيهقي (8/48 و 9/42) وسعيد بن منصور (134) ((طبعة دار الصميعي)) وأبو يعلى (196)، وابن سعد (1/374 ـ 375) (الطبقات)، والبزار في (المسند) (1/406 ـ 407). وسواد بن عمرو عند البيهقي (8/48) وعطية بن بسر عند أبي نعيم في (الحلية) (6/137)، وابن عمر عند أبي يعلى (5754) قال الهيثمي في (المجمع) (6/292) رواه أبو يعلى وفيه الوليد بن محمد الموقري وهو متروك.
	وأورده الحافظ في (المطالب العالية) (2068) وعزاه لأبي يعلى. وفي الباب أيضاً عن عبد الله ابن بجير الخزاعي. عند الطبراني قال الهيثمي: ورجاله ثقات وانظر (كشف الخفاء) (2/52 ـ 53) وتذكرة الموضوعات (186) ومصنف عبد الرزاق (9/469).
[7]	وردت في بعض النسخ (الجلحاء).
[8]	المحجم والمحجمة: الآلة التي يمص بها موضع الحجامة.
[9]	لا يصح مرفوعاً أخرجه عبد الرزاق في (المصنف) (18250) ومن طريقه الطبراني في (الكبير) (1660) عن الثوري عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن جندب بن عبد الله قال: جلست إليه في إمارة المصعب فقال: إن هؤلاء القوم قد ولغوا في دمائهم، وتحانقوا على الدنيا، وتطاولوا في البنيان، وإني أقسم بالله لا يأتي عليكم إلا يسير حتى يكون الجمل الضابط، والحملان والقتب، أحب إلى أحدكم من الدسكرة العظيمة، تعلمون أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحولن بين أحدكم وبين الجنة ـ وهو يرى بابها ـ ملء كفٍ من دم امرىءٍ مسلم اهراقه بغير حله، ألا من صلى الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشىء.
	عند الطبراني تحالفوا على الدنيا و الحبلان و القتب.
	و الدسكرة: بناء على هيئة القصر، فيه منازل وبيوت للحشم والخدم.
	وأخرجه الطبراني عقبه (1661) من طريق عنبسة عن إسماعيل بن مسلم به.
	قال الهيثمي في (مجمع الزوائد) (7/300 ـ 301) رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح
	قلت: إسماعيل بن مسلم هو المكي أبو إسحاق كان من أهل البصرة ثم سكن مكة، قال ابن خلفون: أجمعوا على أنه ضعيف، وعند بعضهم متروك الحديث.
	وقال الحافظ في (التقريب): ضعيف الحديث.
	والحسن وسفيان وصفهما النسائي وغيره بالتدليس، وقد عنعنا، وذكرهما الحافظ في المرتبة الثانية من طبقات المدلسين، وذكر عن البخاري قوله في الأخير: ما أقل تدليسه. وأخرجه الطبراني في (الكبير) (1162) والأوسط (8495) من طريقين عن أبي عوانة عن قتادة عن الحسن به، وفيه ((كأنما يذبح دجاجة)) قال الهيثمي في (المجمع) (7/300) رواه الطبراني في الأوسط والكبير ورجاله رجال الصحيح.
	قلت: قتادة مشهور بالتدليس وقد عنعنه. وقد رواه عن جندب مباشرة من طريق أبي عوانة عنه عند ابن أبي عاصم في ((الديات)) (ص 30).
	وأخرج البخاري في الأحكام (6733) باب من شاق شق الله عليه، حدثنا إسحاق الواسطي، حدثنا خالد عن الجريري عن طريف أبي تميمة قال: شهدت صفوان، وجندباً وأصحابه، وهو يوصيهم فقالوا: هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً؟ قال سمعته يقول: من سمَّع سمَّع الله به يوم القيامة، قال: ومن شاق شق الله عليه يوم القيامة. فقالوا: أوصنا، فقال: إن أول ما ينتن من الإنسان بطنه، فمن استطاع أن لا يأكل إلا طيباً فليفعل، ومن استطاع أن لا يحال بينه وبين الجنة بملء كفٍ من دم اهراقه فليفعل.
	قلت لأبي عبد الله: من يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، جندب؟ قال: نعم جندب.
	قلت: أبو عبد الله هو البخاري، والسَّائل الفربري.
	وأخرجه الطبراني (1681) من طريق الأعمش عن أبي تميمة به نحوه أطول من هذا. قلت: هو موقوف كما ترى وقد نبه عليه جماعة كالزيلعي قال في (نصب الراية) (4/327): من قول جندب، وقال الحافظ في (الفتح) (13/130) بعد أن عزا حديث جندب المرفوع إلى الطبراني: وهذا لو لم يرد مصرحاً برفعه لكان في حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال بالرأي، وهو وعيد شديد لقتل المسلم بغير حق.
	قلت: وأخرجه ابن أبي عاصم في ((الديات)) (32) من طريق الأعمش به مرفوعاً لكن في سنده هشام بن عمار وهو ضعيف وعلي بن سليمان الكلبي قال أبو حاتم: ما أرى بحديثه بأساً، صالح الحديث ليس بالمشهور.
	قلت: وفي الباب عن بريرة مولاة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما.
	أخرجه الخطيب في (تاريخ بغداد) (14/29) وابن عدي في (الكامل) (3/293) والعقيلي في (الضعفاء) (3/106) وابن عبد البر في (الاستيعاب) (4/1795) من طريق عبد الخالق بن زيد بن واقد عن أبيه عن عبد الملك بن مروان قال كنت أجالس بريرة فقالت لي: إن فيك خصالاً خليق أن تلي الأمر فإن وليته فاتق الدماء فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الرجل ليدفع عن باب الجنة بعد أن ينظر إليها بملء محجمةٍ من دم امرىءٍ مسلم أراقه السياق للخطيب ونسبه ابن الأثير في (أسد الغابة) (5/410) لابن منده وأبي نعيم.
	وقال الهيثمي في (المجمع) (7/30): رواه الطبراني وفيه عبد الخالق بن زيد بن واقد وهو ضعيف.
	قلت: قال البخاري وأبو حاتم منكر الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن حبان: يروي المناكير عن المشاهير التي إذا سمعها المستمع شهد أنها مقلوبة أو معمولة لا يجوز الاحتجاج به. وذكره الدارقطني في المناكير. وعبد الملك بن مروان فيه ما فيه.
	قال العقيلي عقب الخبر: وقد روي بهذا الإسناد نحو هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسنادٍ أصلح من هذا ليس عن بريرة.
	وقع في (تاريخ الخطيب) و (ضعفاء العقيلي): بريدة وفي (البداية والنهاية) (9/67): بريدة بن الحصيب، وطبعة دار الكتب العلمية (للبداية والنهاية) لا يعول عليها لكثرة ما فيها من التحريف.
[10]	صحيح أخرجه البخاري (3283) في الأنبياء: باب حديث الغار، ومسلم (2766) (48) في التوبة: باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله. من طريق محمد بن أبي عدي، وأخرجه مسلم (2766) (47) وأبو نعيم في (الحلية) (3/102) وأبو يعلى في (المسند) (2/ رقم 1033) عن عبيد الله بن معاذ العنبري عن أبيه.
	كلاهما عن شعبة عن قتادة عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنساناً، ثم خرج يسأل، فأتى راهباً فسأله فقال له: هل من توبة؟ قال: لا، فقتله، فجعل يسأل، فقال له رجل: ائت قرية كذا وكذا، فأدركه الموت، فَنَاءَ بصدره نحوها، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فأوحى الله إلى هذه أن تقربي، وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي، وقال قيسوا ما بينهما، فَوُجِدَ إلى هذه أقرب بشير فغفر له. اللفظ للبخاري.
	وأخرجه مسلم (2766) (46) من طريق محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة به.
	وأخرجه ابن ماجه (2622) وأحمد (3/20، 72) عن يزيد بن هارون عن همام بن يحيى عن قتادة به.
	وأخرجه أبو يعلى (2/ رقم 1356) حدثنا زهير حدثنا عفان حدثنا همام حدثنا قتادة به.
	قلت: قتادة موصوف بالتدليس، وقد صرح بالتحديث عند أبي يعلى (2/ رقم 1356) فانتفت هذه الشبهة بحمد الله تعالى.
[11]	انظر (الإحكام في أصول الأحكام) للمصنف رحمه الله تعالى رحمة واسعة (5/160 ـ 187).
[12]	قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [سورة البقرة / الآية 54] انظر تفسير ابن كثير (1/95 ـ 96).