شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( الحوار بين المحتفى به والجمهور ))
بدأ الحوار بسؤال من الأستاذ عزيز ضياء يقول فيه:
- قيام الدكتور التركي بتحقيق هذا المرجع الفخم من مراجع الفقه وهو كتاب "المغني" لابن قدامة يجعل طالب العلم يتطلع إلى عمل لا يستغني عنه، ليس فقط الكبار بل أيضاً المشتغلون بما يسمى المحاماة أو الوكالة الشرعية عن أصحاب القضايا الحقوقية وغيرها من القضايا التي يعيشها المجتمع الإسلامي في المملكة وفي العالم العربي، هذا العمل هو تقنين هذا الفكر في مرجع يُسهل على القاضي والمحامي وصاحب القضية أن يتعامل مع الفقه على ضوء ما يجده مجموعاً في هذا التقنين، فهل يرى الدكتور التركي أن هذا العمل يمكن أن يوجد، والدكتور التركي يذكر بالطبع أن القضاء في عهد الدولة العثمانية قد وضع تقنيناً للشريعة الإسلامية فيما يعرف باسم "مجلة الأحكام" فما الذي يمنع من وجود مثل هذا العمل في العالم العربي.
- أما السؤال الثاني من الأستاذ خالد محمد باطرني، وهو صحفي يعمل بجريدة (المدينة المنورة) ونصه: معالي الدكتور لعلكم قرأتم وتابعتم القضية التي طرحتها جريدة المدينة المنورة وتابعتها الصحف المحلية، والتي تتصل بفكرة إقامة جامعات أهلية تهتم بالتخصصات الفنية والتقنية، وتتيح اختيارات إضافية للطلاب، وتشكل رافداً من روافد العلم، تتكامل مع الروافد الجارية وتعطي البديل المحلي لأبناء الجاليات المقيمة، وقد طرحت جريدة (المدينة) أيضاً فكرة الاستعانة بإدارة جامعات دولية معروفة كجامعة هارفرد مثلاً أو الجامعة الأمريكية بفروعها القائمة في عدد من الدول العربية، ويتم تنسيق المناهج بحيث تتضمن المناهج العربية والإسلامية وتحت إشراف وزارة التعليم العالي ودعم الدولة وتمويل الصناديق الحكومية والقطاع الخاص.
- سؤالنا نوجهه للدكتور عبد الله والدكتور راشد والدكتور محمد عبده يماني، الذي يسعدنا وجودهم جميعاً معنا الليلة وبما اكتسبوه من خبرات علمية وأكاديمية وإدارية جامعية هو: كيف ترون - أصحاب المعالي - من واقع خبرتكم في إدارة الجامعات فرص نجاح مثل هذا المشروع والشروط التي يُفترض توافرها لتأسيس هذا النجاح، وسؤالنا للأستاذ عبد المقصود خوجه: متى ستتحقق بادرتكم مشكورين باستضافة ندوة لمناقشة هذه الفكرة تضم نخبة من رجال الجامعات والأعمال والصحافة والفكر والجهات ذات الصلة؟
 
ثم سؤال من الأستاذ منصور عطار يقول فيه:
- أنشأت جامعتكم معاهد في طوكيو وجاكرتا وجيبوتي وغيرها وأثمرت ثمراً يانعاً كبيراً لخدمة الإسلام والمسلمين في أدنى الأرض وأقصاها، ألا ترون أنه من الأفضل إنشاء مزيد من هذه المعاهد في أماكن أخرى من العالم؟ للإحاطة، فإنه بإمكاني ترتيب مكان في بريطانيا لإقامة معهد صغير على نفس المنهج الذي أقيمت به المعاهد الآنفة، وشكراً.
 
وسؤال مقدم من الأستاذ صالح متعب الغامدي نصه:
- معالي الدكتور عبد الله عبد المحسن التركي، التقيت بنا ونحن طلاب في جامعة مانشستر ببريطانيا لتبحث معنا ما يعاني منه الطلاب السعوديون المبتعثون. سؤالي: هل ترى معاليكم أن جولاتك المكوكية السنوية في أقطار العالم قد نجحت في مهمتك، خاصة وأن بعض مطالبنا في ذلك الوقت لم تر النور، وشكراً.
ومن الأستاذ عبد الرؤوف ناجي السؤال التالي:
- معالي الدكتور: يلاحظ مؤخراً التلميح، سواء عبر الصحف أو المجالس الخاصة من بعض الكتاب أن الطالب الجامعي، سواء المتخرج أو الذي لا زال على مقاعد الدراسة، يضعف مستواه العلمي، ما هو السبب الرئيسي في رأي معاليكم؟
 
ويقدم السيد سليمان يونس سلامة السؤال الآتي:
- كيف يمكن لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية المساهمة في نشر الدعوة الإسلامية في العالم إضافة لما تقدمه مملكتنا الحبيبة في هذا المضمار؟
 
أما الأستاذ أحمد عبد العاطي أحمد فقد جاء سؤاله على النحو التالي:
- معالي الدكتور: ورد على لسان معالي الدكتور محمد عبده يماني أن هناك غزواً فكرياً في المناهج التعليمية، ويبدو لي أننا نعيش غزواً فكرياً في كل شيء في حياتنا، فأين دور الداعية الإسلامي.
- ما هي الوسيلة المُثلى لإخراج مجتمع يعرف الحق فيتبعه؟ وما رأي معاليكم في دور الدعاة اليوم؟
 
ويسأل الأستاذ عبد العزيز التميمي قائلاً:
- احتضنت جامعة الإمام محمد بن سعود مؤتمراً لتاريخ الملك عبد العزيز، غير أننا لم نر حتى الآن شيئاً من البحوث والمحاضرات التي ألقيت، تُرى هل هناك نية لطباعة هذه المحاضرات للاستفادة منها؟
 
ومن الأستاذ محمد علي دولة جاء السؤال التالي:
- معالي الدكتور: إن من اهتمام جامعتكم واهتماماتكم الخاصة العناية بموضوع إعادة كتابة التاريخ الإسلامي، فما هي الخطوات والأعمال التي قامت بها جامعتكم والتي ستقوم بها في هذا المجال؟
 
أما الأستاذ يوسف العارف فقد كان سؤاله هو:
- عفواً، مشكلة واقتراح: فئة كبيرة من موظفي الدولة في المجال التعليمي وغيره يرغبون في استكمال دراساتهم العليا (ماجستير ودكتوراة) ويصطدمون بروتين إداري في جامعاتنا وهو شرط التفرغ الكلي، والموظف كما تعرفون مرتبط بأهل وأسرة ومستقبل هذا الموظف يُجبره على اختيار أحد طريقين أولاً: أن يُلغي هذه الرغبة ويتوقف أو أن يتجه إلى الجامعات العربية خارج المملكة فيتعب ويخسر ويشقى، الاقتراح أن يفتح مجال التفرغ الجزئي لموظفي الدولة في سلك التعليم وغيره لمرحلة الدكتوراة خاصة والماجستير عامة.
- أن يُقبل الموظف في الدراسات العليا برسوم مالية رمزية فيدرس في بلده وبين أهله وما يدفعه من رسوم يفيد الجامعة والبلد السعودي.
 
كما أن هناك سؤالاً من علي محمد الشهري هو:
- تنتشر حالياً ظاهرة ما يسمى الشريط الإسلامي، وعند الاستماع إلى تلك الأشرطة يلاحظ عدم توثيقها علمياً، بالإضافة إلى إنها تخلق بلبلة في الآراء والأفكار خاصة لدى الشباب، وأيضاً تصرفهم عن قراءة الكتب الموثقة علمياً، ما هو رأي معاليكم نحو وضع ضوابط لمثل هذه الظواهر؟ لأن المادة العلمية هي أمانة، وأيضاً الأجيال هم أمانة، لئلا تتسع شقة الخلاف وتزداد بأمور فرعية أنتم أعلم بمدى الخلافات السابقة فيها.
 
ويجيب الدكتور عبد الله عبد المحسن التركي على الأسئلة واحداً بعد الآخر قائلاً:
- بسم الله الرحمن الرحيم، هذا تحقيق أو مقابلة صحفية أو إعلامية، هذا الذي أشكو منه حقيقة فيما يتعلق بمثل هذا اللقاء، وهذا ما أختلف مع أخي فيه، مع تقديري لرأي الأستاذ عبد المقصود خوجه في هذا الأمر، أنا لا شك أقدر كل التقدير هذا الجهد وهذا الاهتمام منه ومن الإخوة الذين أيضاً يحضرون ويواظبون على حضور هذه اللقاءات، لكن العفوية التي أشار إليها، ومطارحة القضايا ودخول عدد من الناس من الحاضرين في إبداء الرأي، وحتى نظام الجلسة هذا يختلف تماماً مع الواقع الذي نعيشه، يختلف تماماً، أنا كان تصوري إذا جئنا لبيت أخينا نجد إما جلسة عربية وأناساً جالسين بعضهم مع بعض إذا كان لي كلمة خاصة مع الدكتور يماني فيمكنني التحدث معه قليلاً، ثم نرجع مع البقية ونتكلم، بمعنى أن يكون فيها لقاء مفتوح بشكل أخوي، دون أن يكون منظماً بهذه الكيفية، لكننا نخرج من الجامعة، ونهرب أحياناً من الذين يتابعون الإنسان بالأسئلة الصحفية أو الأسئلة الإعلامية.
- ونعود في قضايا هامة فهذا هو عين العمل المعروف، أولا يصعب علي أن أعلق أو أن أجيب على أستاذنا الفاضل الأستاذ عزيز ضياء فهو على كل حال في هذه المجالات من المدركين لأبعادها ولأهميتها ولآثارها، نحن نعلم أن الفقه الإسلامي الذي بين أيدينا والذي تركه لنا الفقهاء المسلمون هو تقنين، هو آراء، فرق بين الشريعة الإسلامية التي نزلت في كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بينها وبين آراء الفقهاء أو العلماء، نعم المجتهد أو الفقيه حينما يبحث بالطرق الصحيحة ويصل إلى قناعة بأن هذا الرأي هو الرأي الشرعي فهو حكم الله سبحانه وتعالى في حقه وفي حق من يقلده أو يتبعه، لكن قد يكون الرأي الصحيح خلاف هذا القول أو خلاف هذا الرأي، والدراسات الفقهية التي بين أيدينا والتي تركها السلف الصالح والعلماء، منها ما دُوِّن على أساس مذهبي ومنها ما دُوِّن على أساس اجتهادي، ومنها الشرح لمختصر، مثلاً كتاب "المغني" أو كتاب "الُمحلّى" لابن حزم والكثير من الكتب والموسوعات الفقهية تعتبر دراسة في الشريعة الإسلامية، دراسة يعرف فيها الذي بحث أو درس آراء العلماء ووجهة نظرهم، ويرجح ويوازن، ويستدل ويصل إلى رأي شرعي يختاره في القضية التي اتجه إليها، هذا الرأي الذي اختاره ومال إليه، يُعتبر بالنسبة إليه تدوين وتخصيص، فلو جئنا مثلاً لكتاب "المغني" لابن قُدامة، أو "الفتاوى" لابن تيمية رحمه الله، وأراد الإنسان أن يستخرج هذه الاختيارات أو هذه المختارات أو هذه الأقوال الراجحة، لخرج بمدوَّنة تنسب إلى هذا الرجل. الدولة كدولة في مجال الاجتهاد وخاصة في مجال المعاملات، في الفقه الجنائي، في الشركات، في الأبواب غير أبواب العبادة حينما تكون القضية اجتهادية، والأقوال لها مستند من الوجهة الشرعية، للحاكم أن يختار رأياً من هذه الآراء ويتبناها، وتتبناها الدولة، وبالتالي ترى من المصلحة الحكم بهذا الرأي وبهذا القول. ورأي الحاكم في هذه القضايا يرفع الخلاف، هذا أيضاً نوع من أنواع التقنين، أو نوع من أنواع اختيار قول من الأقوال، الإنسان حينما يرجع للتاريخ الإسلامي في عهوده الأولى ويجد العلماء المتمكنين من معرفة الحكم الشرعي والحكم به، لا يجد هناك حاجة ماسة إلى مسألة تحديد القضايا أو تقنينها وإلزام القضاة وإلزام من يحكم بهذا الأمر، لأن الحاكم أو القاضي في درجة متمكنة من معرفة الحكم الشرعي بطرقه وأساليبه الصحيحة، لكن حينما يغلب على الناس التقليد أو الأخذ من كتب المذاهب أو آراء الفقهاء، فهنا قد تكون المصلحة في أن يتم تحديد كتب لهؤلاء القضاة أو لهؤلاء الذين يتولون الحكم بين الناس أو اختيار آراء معينة في هذه القضية، كما نرى مثلاً في الشفعة، وخاصة شفعة الجوار، أشياء كثيرة من أحكامها يختلف الفقهاء فيها، فقد تتبنى الدولة المسلمة قولاً مُعيناً أو رأياً مُعيناً، وبالتالي يلتزم به الحكام ويلتزم به القضاة.
- لو نظرنا مثلاً إلى المجامع الفقهية القائمة في العالم الإِسلامي لوجدنا أن الدراسات الشرعية أو أن المجتهدين أو أن العلماء الذين لديهم قدرة وتمكّن في أن يحددوا، خاصة في القضايا المستحدَثة، الرأيَ الراجح أو الرأي الذي يُعتمد عليه قلة.
- على كل حال، مسألة التقنين في رأيي الذي أتجه إليه، أومن خلال الدراسة في هذا المجال أنه يجب علينا قبل مسألة التقنين توجيه الدارسين في المجالات الشرعية وخاصة الذين يدرسون لتولي القضاء، ينبغي توجيههم إلى قضايا محددة، تتقارب آراؤهم فيها، حينما توجد مجلات تختص بالقضايا المشتركة وتدرس فيها القضايا التي فيها خلاف وتحتاج إلى بحث وإلى تمحيص وإلى تقارب في الرأي، تُهَيَّأ لهم الأبحاث، تُهَيَّأ لهم المجلات، تُهيّأ لهم الدراسات وبالتالي يكون عند الناس تقارب في معرفة الحكم الشرعي الذي سيتجهون إليه أو يطبقونه.
- إذا توافر للناس القدرة على الصياغة الفقهية السليمة التي مرت بمراجعة وبدراسة وببحث، فلا مانع إطلاقاً من أنهم يحددون قضايا يتجهون فيها إلى هذا الأمر.
- إذا رأينا الآن الموسوعات الفقهية التي مرت، مثلاً الموسوعة الفقهية في الكويت أو موسوعات سبقت في سوريا أو الموسوعة الفقهية في مصر أو محاولات كثيرة، نجد أن الموسوعة الفقهية رغم ما يُبذل فيها من جهد يأتي من يتعقبها، وهي تعمل تجارب ثم بعد سنوات ترجع عن كثير من الدراسات التي توصلت إليها، فقضية التقنين التي تستعجل فيها فئة أو جماعة أو تستعجل الجهات المختصة لوضع مواد الفقه على شكل مُقنن هذا له نتائج وله آثار سلبية، إضافة إلى أنه يحول بين هؤلاء الدارسين وبين كتب الفقه الأصيلة التي فيها الدليل وفيها المناقشة وفيها البحث، والمسألة على كل حال من المسائل التي طُرحت، وقدم فيها رسائل، وقُدم فيها دراسات، وقد نبدأ بمسألة ما يُسمى بالتقريب الفقهي، نأتي للفقه الحنبلي ونحدد القواعد الأساسية فيه ونحدد القضايا التي ينبغي أن تكون واضحة لدى القاضي ولدى الدارس في هذا المجال، ثم بعد ذلك تأتي المرحلة التالية، المرحلة الأخرى التي يتفق القادة ويتفق العلماء فيها على رأي معين.
- أما موضوع الجامعات الأهلية فإنّه يمكن للدكتور راشد أو الأخوة أن يتحدثوا فيه، أما رأيي الخاص بالنسبة للمملكة العربية السعودية فإن الحاجة ليست ماسّة لمثل هذا النوع من الجامعات، لأن التعليم في المملكة مرتبط بأهداف، هذه الأهداف محددة بما يتعلق بقضايانا الداخلية في المملكة العربية السعودية أو القضايا العربية أو الإِسلامية بشكل عام، وبالتالي الجامعات ليست المشكلة فيها استيعاب الطلاب، المشكلة الأساسية هي توجيه الدارسين وتوجيه الطلاب إلى مجالات الأمة في حاجة إليها أكثر، يعني هذا الأمر هو الذي ينبغي أن نهتم به، قبل أن نهتم باستيعاب جميع الدارسين، حينما يلتحق جميع الطلاب الذين يتخرجون من المرحلة الثانوية في الجامعة، وبعد ذلك ينتهون من المرحلة الجامعية، وهناك مجالات في حاجة إليهم أكثر من هذه الدراسة التي درسوها، تصبح هناك إشكالات كبيرة، فالجامعة الأهلية حتى الآن بالنسبة للمملكة العربية السعودية لا أتصور أن هناك حاجة قائمة لها في الوقت الحاضر، وإذا رأى الإنسان تخصصات يُؤمل وينبغي أن يُوجه الدارسون إليها نجد أنها تستوعب الأعداد الكبيرة من الطلاب.
- ثم هناك المجالات المهنية حينما نبحث في الشرق أو في الغرب أو في كثير من الأماكن نجد الطلاب الذين يتجهون إلى الجامعات هم فئة معينة من الطلاب ليس كل الدارسين، وليس كل الذين تخرجوا في المرحلة الثانوية، وإذا قارنا بين التعليم الجامعي في المملكة وبين الدراسات الجامعية في الدول الأخرى نجد أن بالمملكة سبع جامعات، وفيها العديد من الكليات المتخصصة، كليات للبنين وكليات للبنات، وكليات متوسطة في حين نجد أن الدول الأخرى التي تكون أكثر سُكَّاناً من سُكان المملكة لا يوجد فيها هذا العدد الكبير من الجامعات، ولا يوجد فيها هذا العدد الكبير من الكليات.
- المعاهد الخارجية للجامعة لا أريد أن أتحدث عنها كثيراً، لكنني أقول: هي إسهام المملكة العربية السعودية فيما يتعلق بتعليم أبناء المسلمين اللغة العربية والعلوم الإِسلامية في مناطقهم وقد فُتحت في أماكن في حاجة ماسّة إليها، في أندونيسيا، في موريتانيا، في جيبوتي، في مناطق تحتاج إلى هذه المعاهد أو تتصل أيضاً بتعليم أبناء الجاليات الإِسلامية كما هو الحاصل الآن في معهد سيُفتتح قريباً إن شاء الله في أمريكا، والمعاهد أيضاً كثيرة في غير الجامعة، ولا تكاد تجد دولة أو مجتمعاً إلا وفيه عدد من الكليات وعدد من المعاهد في هذا المجال.
- أما الجولات التي أشار إليها الأخ صالح الغامدي فأنا أولاً ليس الهدف منها حل مشكلة طالب من الطلاب أو حتى مجموعة، أو مشكلة إدارية أو مشكلة مالية، إن الأهداف الأساسية لتلك الجولات هي أن يلتقي الإِنسان بالطلاب السعوديين في بلاد أجنبية ويبحث معهم ويتعرف على مشكلاتهم ويثير بعض القضايا الفكرية، بعض القضايا الدينية، يرد على استفساراتهم في مجالات متعددة، وأعتقد الآن على ما فيها من ضعف من خلال رؤيتنا أنها قد حققت أشياء كثيرة، وأذكر في عدد من الأندية السعودية التي أقيمت في بريطانيا وفي أمريكا وفي مجالات كثيرة يجد الإنسان أن هناك نتائج لمثل هذه اللقاءات، وهي لقاءات لم يتفرد بها إنسان دون غيره، كل من ذهب من مديري الجامعات أو من المسؤولين الكبار، من العلماء لأية منطقة فيها شباب من المملكة يدرسون فإنه يجتمع بهم ويتحدث إليهم ويتحدثون إليه ويسمع منهم وينقل ما عندهم من آراء للمسؤولين هنا، ويرى الإنسان أن هناك أشياء أيضاً تحققت حتى في المجال الإِداري أو المجال المالي وإن لم يكن هذا هو الهدف.
- الطالب الجامعي وضعف مستواه العلمي، طبعاً المسألة لا تؤخذ حُكماً عاماً بهذه الكيفية، وأنا قرأت منذ أيام في إحدى الجرائد، ربما في (المدينة) كلمة عن ضعف الطلاب وضعف المستوى العلمي في الجامعة، لكن الكاتب لم يخصص جامعة دون أخرى، الجامعات السعودية مستواها العلمي من خلال الموازنة بينها وبين الجامعات في البلاد العربية والبلاد الإِسلامية تكاد، والحمد لله، تكون في الصف الأول، ويعرف الإِنسان هذا حينما يقرأ الرسائل الجامعية التي تُقدم لجامعات إسلامية وعربية وفي الجامعات السعودية، يعرف هذا من خلال الأساتذة لأن في المملكة خيرة الأساتذة العرب والأساتذة المسلمين. لأن المملكة مناخ توفر فيه أشياء لا توجد في الدول الأخرى أو المجتمعات الأخرى، يعرف الإِنسان المستوى حينما تكون هناك مسابقات أو منافسات أو دراسات مشتركة، هذا هو الميزان فيما يتعلق بضعف المستوى العلمي أما أن يقول الإِنسان هذا الكلام لأنه يوازن في اللغة العربية بين الدارسين فيما مضى والدارسين في الوقت الحاضر، أو يوازن بين العلماء فيما مضى وبين العلماء في الوقت الحاضر، لا شك أن الحالة تختلف والمجتمع كله تغير، وهذا الضعف ليس مقتصراً على الجامعة فقط ولكنه في المراحل كلها، الدارس في المرحلة الابتدائية أو الذي يتخرج من المرحلة الابتدائية من ثلاثين سنة عندي أفضل من الذي يتخرج من المرحلة الثانوية في الوقت الحاضر، فيه قوة في اللغة العربية، في إدراكه، في حسن كتابته، في اهتمامه، لكن هذا لا تُلام فيه المدرسة أو الوسائل التربوية، لكن المجتمع كله تغير، هل الصناعة الآن في المجالات التي كانت موجودة سابقاً مثل الصناعة من حيث الجودة في الوقت الحاضر، القضية - مسألة الضعف - هي مسألة نسبية وليست مقتصرة على المجال التعليمي فقط والإِنسان لا شك أنه عندما يُقَدَّم التعليم يجد أن هناك نقصاً وهناك ضعفاً، لكن أسباب الضعف متعددة، والمسألة أكبر من أن يقال: والله فيه ضعف علمي أو مستوى التعليم ضعيف.
- الكلمة التي أشار إليها وذكرها الأستاذ الدكتور محمد عبده يماني في مسألة الغزو الفكري في المناهج وفي غيرها، أنا قلت: الحالة لدينا في المملكة أسلم بكثير من المجتمعات الأخرى نتيجة لأوضاعنا الدينية، الاجتماعية، السياسية.. إلخ. لكن لا ينبغي أن يقال: أين الدعاة؟ صحيح أن الدعوة إلى الله بحاجة إلى تخصيص وفي حاجة إلى أسلوب وفي حاجة إلى قدرات وفي حاجة إلى إمكانات مادية وإمكانات معنوية، وإذا أُفسح المجال لها، وهُيئت لها الإِمكانات وهُيئ لها الدعاة إلى الله التهيئة الصحيحة، انزاحت كثير من المشكلات وابتعد الغزو الفكري لأن الغزو الفكري هو مثل الإِناء، إذا كان الإِناء فارغاً سُيملأ، وإذا كان الإِناء ممتلئاً فلن يكون هناك مجال للغزو الفكري. ولذلك قصة الدعوة إلى الله وتهيئة الدعاة، أنا أعتقد أن الأمة وأن المجتمعات الإسلامية في حاجة إلى عدد من الدعاة وإلى عدد من العلماء أكثر من عدد الأطباء وأكثر من عدد المهندسين، مع الأسف نسمع أحياناً أنه يقال: لماذا نُكثر من الكليات الشرعية، لماذا نُكثر من تأهيل الدعاة، لماذا لا نركز ونكثف الكليات الطبية والكليات الهندسية؟ أنا ممكن أستورد مهندساً من أمريكا، أو من أوروبا، أو طبيباً من أية دولة من دول العالم، لكن لا أستطيع أن أحضر لمجتمع مسلم داعية أو أستورد إنساناً يعلم الناس الدين أو يحكم بينهم بالشريعة، فالأمة في حاجة إلى الدعاة وفي حاجة إلى القضاة وفي حاجة إلى الموجهين في المجال الشرعي أكثر من حاجتها إلى المهندسين وإلى الأطباء، رغم أن تلك من الفروض اللازمة على الأمة الإسلامية أن توفرها، ونحن في حاجة إلى هذه التخصصات كلها، لكن لا زلنا في حاجة إلى الدعاة المتخصصين.
- من جهة أخرى أوافق الأخ السائل على أن بعض الدعاة ينفرون من الدعوة إلى الله لأنهم يركزون على جانب الوعيد، وإساءة الظن بالناس، والبحث عن القضايا التي تهتم بالسلبيات في حين أن الدعوة تحتاج إلى تيسير. تحتاج إلى تبصير، تحتاج إلى إنسان "بشروا، ولا تنفروا، يسّروا ولا تعسّروا"، هذا الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالأمة الإِسلامية هي أمة دعوة، وأمة تيسير وبشارة، والإِنسان في حاجة إلى من يفتح له طريق الخير. فالدعوة إلى الله أمر من الأمور العظيمة، ولا شك أن الأمة الإِسلامية، سواء على مستوى الدول أم على مستوى الشعوب، مقصرة في هذا الجانب، مقصرة تقصيراً كبيراً، ولا يمكن أن ينهض المسلمون إلا بدعاة لديهم العلم ولديهم الفقه ولديهم البصيرة.
- نرى الآن كثيراً من الإشكالات التي تقع نتيجة حماس وعاطفة بعض الشباب أو الاتجاهات الإسلامية، إنها لم تُرشد بالعلم ولم تُرشد بالفقه، ولم تُرشد بالبصيرة، والأمر يتطلب تضافر الجهود ويتطلب الكثير من التعاون.
- على كل حال فالمسألة مسألة فكرية ومسألة دينية ومسألة اجتماعية لا نقول إن الأشرطة لا ينبغي أن تُسْتَعمل، الأشرطة أسلوب ووسيلة مناسبة، لكن الذين يسجلون توجيهاتهم أو نصائحهم أو يدعون إلى الله من خلال الشريط ينبغي أن يضع في نفسه أكثر من اعتبار: فعليه أن يعرف من يُخاطب؟ أي أن يعرف المستويات الفكرية والثقافية والاجتماعية المخاطبة، وليس من شك في أن الشريط سيذهب إلى امرأة، إلى طفل، إلى رجل مثقف، وإلى جاهل، إلى متعلم، وإلى كبير، وإلى صغير، وقد يخطئ الداعية في التقدير إذا وجه حديثه إلى فئة مُعينة، وخرج من قدرته ومن استطاعته بعد انتشاره، ولذلك لا بد أن يراعي الإِنسان في هذه المسجَّلات أن تكون مما يُجمع الناس عليه أو يتفقون جميعاً عليه، أو مما لا يحدث على الأقل خلافاً وفتناً ومشكلات.
- مؤتمر تاريخ الملك عبد العزيز: أولاً قُدِّمت فيه أبحاث نعتبرها أبحاثاً رائعة وأبحاثاً مبتكرة في المجال السياسي، في المجال الإداري، في المجال الاجتماعي، وفي المجال الديني، تهيَّأ لعدد من الباحثين أن يطلعوا على وثائق مهمة عن تاريخ الملك عبد العزيز، والأبحاث التي قُدمت بعد تنقيحها وترتيبها هي الآن مهيأة للطبع، وأطمئن الأخ الذي أثار هذا الموضوع أو سأل عنه، بأنها الآن بالفعل دخلت خمسة مجلدات كاملة في المطبعة، فيما يتعلق بالنص العربي، أما النصوص الأخرى كالنص الإِنجليزي والفرنسي أو الألماني فهي أيضاً في مراحلها الأخيرة إن شاء الله، وذلك فيما يتعلق بالترجمة وتقديمها لمن هو في حاجة إليها، لكن الذي يهمنا وتسعى الجامعة إليه وقد صدر عن المؤتمر قرار به، هو إيجاد موسوعة كاملة عن تاريخ الملك عبد العزيز وتاريخ المملكة العربية السعودية، موسوعة تحصر كل الدراسات وكل الأحداث سواء في المجال السياسي، في المجال العسكري، في المجال الاجتماعي، وهذا الموضوع يتطلب جهداً ويتطلب وقتاً ونرجو إن شاء الله أن تصل الجامعة مع غيرها من المؤسسات المتعاونة في هذا المجال إلى نتيجة في هذا الأمر.
- أما إعادة كتابة التاريخ الإِسلامي فهذا أيضاً من الأخطاء التي يتحدث الناس عنها، هل يمكن أن تعاد كتابة التاريخ الإِسلامي؟ لا يمكن أن تُعاد، التاريخ الإسلامي كُتب، هذه الأخطاء الشائعة التي يتناقلها الناس. لكن قد تكون لنا نظرة في تقويم التاريخ الإسلامي، في فحص التاريخ الإسلامي في أخذ العبرة واستجلاء العبرة من التاريخ الإسلامي، انظر إلى التاريخ الإسلامي: تاريخ الأمويين تاريخ ناصع تاريخ مكّن للدولة الإسلامية وللأمة الإسلامية وللأمة العربية تمكيناً لا نظير له، نجد هناك من يشوه هذا التاريخ ومن يشوه الأمويين ويتكلم عنهم، نعم نُبين الحق، كلٌ يؤخذ من قوله ويُرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعصمة لدينا نحن المسلمين للأنبياء، وحسب، حتى الصحابة اختلفوا وكان بعضهم أقرب للحق من بعض، ونحن لا نزكي التاريخ الأموي ولا نزكي التاريخ العباسي أو التاريخ العثماني، أو أيّ تاريخ من تاريخ المسلمين تزكية كاملة تامة، لكن نقول هذا هو الوعاء الذي حفظ لنا الإسلام والذي نقل الإسلام.
- كنت ذات مرة في إحدى الدول الإسلامية في ملتقى فكري ضخم ووقف رجل من أبناء تلك الدولة وتكلم في بعض الحكام الأمويين قال فيهم الشعر وشتمهم، فسألته: من نقل الإِسلام لك في هذه البلدة؟ أليس الأمويون هم الذين جاؤوا ونقلوا بجهادهم مع بقية المسلمين الإسلام ونشروه إلى هذه الأماكن؟ من الناس من يريد أن يلغي التاريخ الإِسلامي، كله، ويقول الإِسلام كان في عهـد الرسول صلى الله عليه وسلم، ويمكن استمر شيء بسيط منه في عهد بعض الخلفاء الراشدين، ثم انقطع الإِسلام كله، ويريدون أن يأتوا بإسلام جديد.
- هذا دور المسلمين وهذا دور المفكرين، عليهم أن يصححوا هذه الأفكار إن كانت من مُستشرق ينوي الإِساءة للإسلام والمسلمين أو من حاقد على المسلمين أومن إنسان يتظاهر بالإسلام وهو غير مسلم، نُصحح ونُقوم ونُبين ما ينبغي للمسلمين أن يفعلوه تجاه تاريخهم، يحترمون الشخصيات الإسلامية سواء كانت شخصيات سياسية أم شخصيات فكرية، وهذا لا يعني تزكيتهم في كل أعمالهم وأقوالهم. كيف نأخذ العبرة من تاريخ المسلمين في عزتهم في قوتهم فلا نقول يُعاد كتابة التاريخ الإسلامي ولكن نُقوّم وننقّح ونضع معالم للمؤرخين وللدارسين في الوقت الحاضر. من أجل أن تكون نظرتهم صائبة تجاه تاريخنا الإسلامي.
- وآخر ندوة عقدت، لعل بعض الإخوة سمع بها، ندوة في مصر في جامعة الزقازيق عن كتابة التاريخ الإسلامي، وكان أيضاً الاتجاه موجهاً إلى الباحثين وإلى المؤرخين وإلى الدارسين في الدراسات التاريخية إلى تأصيل النظرة للتاريخ الإسلامي واستجلاء العبرة من تاريخ المسلمين، وإذا كان هناك منعطفات سيئة أو تغليب جانب على جانب فعلينا أن نبدأ المسيرة الصحيحة، أما إعادة كتابة التاريخ فهذا كلام نظري ليس عملياً، وحتى الأفكار أو المشاريع التي قدمت في هذا المجال، نذكر في الكويت كان عندهم مشروع لإِعادة كتابة التاريخ الإسلامي، ودرس هذا في مجالات متعددة لكن تبين أنه غير صحيح، نعم، كيف أعرض السيرة النبوية للجيل الجديد للشباب للأطفال، كيف أستخرج القصة الإسلامية من تاريخنا الإسلامي؟ كيف أنقل البطولات الإسلامية في صورة صحيحة لشبابنا ولمجتمعنا؟ كيف أخرج النساء اللائي جاهدن وكان لهن قدم صدق في التاريخ الإسلامي في عهد الصحابة أو في العهود الأخرى للأمة الحاضرة، هذا مطلوب، ندعو الآن الكتاب، ندعو الشعراء أن يتباروا في نقل السيرة النبوية للأمة الإسلامية ندعو أصحاب القصة لأن يكتبوا، وما أكثر القصص التي يمكن أن يُعبر عنها بأساليب متعددة.
- حينما تكلمنا وبدأنا وأنا أذكر في كلية اللغة، لما أشار أستاذنا الفاضل الأستاذ الأميري للدكتور عبد الرحمن الباشا رحمه الله، كنا نعمل جميعاً بكلية اللغة، وكان رحمه الله من المهتمين بالأدب الإسلامي وبالشعر الإسلامي، وكانت البداية لدينا في الكلية على شكل أبحاث للطلاب ثم دراسات لبعض المتخصصين، ثم ندوات في أن يؤخذ من السيرة النبوية من سيرة الخلفاء الراشدين، من الفتوحات الإسلامية، تُستخلص القصة التي بها ملامح أدبية، يُستخلص الشعر الذي يتجه اتجاهاً إسلامياً أصيلاً، ندعو الأدباء أن يعالجوا المشكلات والقضايا التي توجد في مجتمعاتهم من خلال الرؤية الإسلامية في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي سيرة الصحابة رضوان الله عليهم. هذا أمر مطلوب، لكن لا يُسمى إعادة كتابة.
- أما الجانب الدبلوماسي - وما أحوجنا إليه -، فإن ثقافتنا الإسلامية متعددة الجوانب، لو جئنا الآن في الثقافة الدبلوماسية، كيف ترد التحية؟ كيف نخاطب الناس بألقابهم؟ الرسول صلى الله عليه وسلم حينما خاطب عظيم الروم أو عظيم أي دولة من الدول أو أي ملك، كان يقول عظيم كذا، يقال عظيم الروم فهذا فن دبلوماسي، وقولوا للناس حُسناً هذه آية للناس، أي ناس، ممكن أن تستفيد الأمة الإسلامية في علاقاتها الدبلوماسية من هذا الأمر، أيضاً كون الآيات القرآنية تنص أن الناس من أصل واحد. وبالتالي الأصل الإنساني يجمع الأمة كلها، هذا مبدأ يستفاد منه في المجال الدبلوماسي، يُذكر عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال معنى الكلام - وإن لم أكن أحفظ النص -: إن أي إنسان يسلم عليك رد عليه ولو كان مجوسياً، فالدراسات الدبلوماسية يمكن أن تستخرج من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن سيرة الصحابة والدولة الإِسلامية قواعد عظيمة للتعامل الدبلوماسي دون أن يُخدش الإِسلام، إن تعاملي مع غير المسلمين لا يعني أن أتنازل عن الثوابت، وأن أتنازل عن القيم، وأن أتنازل عن الأحكام الشرعية.
- إن دراسة التراث الإسلامي وما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم يمكن أن يخرج الناس منه بأشياء عظيمة هائلة في مجالات متعددة، حتى الشعر العربي وهو مكون من مكونات ثقافتنا، لقد أثر الإسلام في الشعراء والأدباء، فنقلوا قيم الإسلام وتوجهات الإسلام في هذا الشعر وفي هذا الأدب، لو أراد الإنسان أن يدرس اتجاهات الشعراء والأدباء في العهود الإسلامية لخرج أيضاً بثروة هائلة من القيم، والمعاني، عزة النفس، احترام الآخرين، الإيثار، الكرم، المحافظة على الأسرة، التعاون على الخير، الإقدام في الحروب، وعدم التردد والخوف والخَوَر، كل هذا موجود في كتاب الله، في سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، موجود في سيرة السلف الصالح، موجود في أدبنا، لكن ينبغي أن تُستخرج حتى نركز على المضمون والمحتوى ولا ننظر للشكل فقط، لأن الشكل وإن كان مهمّاً، حتى في الجمال فالشكل مهم، لكن المضمون والقيم والمحتوى هو الأساس، وكل أوجه وجوانب الثقافة الإسلامية العربية كلها فيها الخير الكثير، وهي سجل لتاريخنا الإسلامي العربي الفكري بشكل كامل، وعلينا أن ننتقي المفيد من ذلك.
- يعني هل ننظر لتاريخ الفكر الإسلامي أو حتى تاريخ الأدب لدى المسلمين من كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، هل نأتي لأبي نواس ونجري قصائده وأعماله على بقية الأدباء والشعراء، هل نأتي بالمتنبي ونأخذ عدداً من الأبيات التي بالغ فيها مبالغة زائدة فيما يتعلق بنفسه أو ممدوحه أو كذا؟ لا هذه خطرات بشرية تحصل لكل إنسان، لكن إذا رأى الإنسان الثروة الهائلة في المجالات الأخرى، فعلينا أن نرجع إلى التاريخ، نرجع إلى الأدب، نرجع إلى الفقه، حتى الفقه، ما أكثر ما هو موجود في كتب الفقه وهو يحتاج إلى غربلة، حتى التفسير، إن كتب التفسير مملوءة بالإسرائيليات، والحديث فيه الوضاعون والذين كذبوا والذين لفّقوا، القضية لا تتعلق بالتاريخ وحده ولكن بهذه العلوم كلها وعلى العقل البصير الذي يريد الخير لأمته أن ينتقي، وأن يُؤصّل، وأن يقدم ما يرى أنه الحق.
- أيضاً فإن باب النصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، داخل في المجال الفكري، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس قضية احتساب أو قضية أن الإنسان يمنع فلاناً عن كذا فقط، ولكن فيما لو رأيته أخطأ في جانب فكري فعليك أن تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وتقدم له النصيحة، وعلى المسلمين أن يحسن بعضهم الظن في بعض وأن تكون هناك رحابة صدر، كل إنسان يخطئ ويُرد عليه، ويتبين الخطأ ويرجع إلى الصواب، فإذا كتب الإنسان في التاريخ أو كتب الإنسان في الأدب أو كان لديه رؤية عليها ملاحظة يجب على الآخرين أن يبادروا بالمناقشة، كان السلف الصالح في المسجد الواحد، عدد من الحلقات وبعضهم يرد على بعض ويناقش بعضهم بعضاً، هناك سعة صدر، مع احترام متبادل، وقد لا أتطرق إلى أدب الخلاف أو أسباب الخلاف لأن رسالتي في الماجستير خاصة باختلاف العلماء، لذلك لن أتحدث في هذا الموضوع كثيراً، لكن القضية تمس جانباً فكرياً وحياة اجتماعية نعيشها.
- اسمحوا لي أن أقول: إنها أزمة تصور وأزمة أخلاق أحياناً، قد أختلف مع الإنسان وليكن الخلاف، لكن أرد عليه بأدب وأحسن الظن به، وأبين له وجهة الحق، ويبقى أخاً لي في الإِسلام، وكم من إنسان يعتبر نفسه عالماً وتفوته أشياء، ولا تبرز القيادات الفكرية والقيادات العلمية التي تنتفع منها الأمة إلا من خلال المناقشات، لكن بهدوء، حينما نأتي لابن كثير، لابن قدامة، هل من حقي بعد ثمانمائة سنة أن أناقش ابن قدامة وأقول لا، ينبغي لنا اختيار هذا الرأي؟ ليس من حقي هذا الأمر، هو اختار هذا الرأي، نعم إن كان الأمر خطيراً فنبين وجهة النظر التي نعتقد أنها صحيحة ونتركها، لكن تُعلق عليه وتناقشه أو تأتي لأي إنسان كتب وقدَّم واجتهد، يأتي إنسان ويتعقب "سيد قطب" رحمه الله في كتابه، نعم إذا كان القصد والهدف من التعقيب أن تبين للناس أن فلاناً أخطأ، فهو ما ادعى لنفسه العصمة، وكل إنسان تفوته أشياء كثيرة، لكن يبقى الود ويبقى التعاون ويبقى أن الناس جميعاً يهدفون إلى قضية أساسية.
- الخلاصة أن من كتب التاريخ ومن كَتب الفقه ومن كَتب التفسير مدارس واتجاهات نشأت بناءاً على مؤثرات وفي بيئات معينة، وعلى الإنسان أن ينشد الحق دائماً، والحق هو الأقرب إذا لم يتفق نصاً مع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فما كان أقرب إليهما وإلى الأصول التي استنبطت منهما، فهو الأقرب إلى الحق.
- ما أدري هل بقي شيء أو نقف عند هذا الحد؟
 
هنا تدخل الشيخ محمد علي الصابوني فقال:
- بقي سؤال شفهي؛ إذا لم يُسمح لي به سأُضرِب عن الطعام. مقدم إلى سعادة الدكتور، وهذا ختامه إن شاء الله، بسم الله الرحمن الرحيم، بالملح نصلح الطعام، والعلماء هم ملح الأمة وملح الطعام للأمة، فإذا فَسد العلماء لا قدّر الله، فَسد كُلُّ الطعام، ونحن نعلم أن العلم لا وطن له بل هو ثروة إنسانية لجميع الأمم في جميع الأزمان والدهور والعلماء كما أخبرنا سيدنا رسول الله هم ورثة الأنبياء، فأنا أسأل معالي الدكتور لا على أساس أنه مدير للجامعة وإنما على أساس أنه داعية من دعاة الإِسلام وأنه عالم من علماء الإِسلام لا يقبل لنفسه أن تجرح كرامة العلماء، فاليوم نجد من أبنائنا من يتجرأ على العلماء المتقدمين من أمثال إمام الحديث أو أمير المؤمنين في الحديث ابن حجر العسقلاني، أو الإِمام النووي أو غيرهما، وقد أخرجت جامعة الإِمام ابن سعود رسالة تنتقد فيها كتابي، وهذا حق لا أعترض عليه، ولكن هذا لم يكن من شخص مختص، لأنه بغير تبصر طعن بالسلف الصالح: ابن عباس وشيخ الإِسلام ابن تيمية، والحافظ ابن كثير، وكثير منهم بدون معرفة، وليس متخصصاً، يقول نعوذ بالله من عمى البصيرة في حين أن هذا الرأي الذي استعاذ منه هو رأيٌ لابن عباس ويؤيده في ذلك ابن تيمية، فأنا أسأل معالي الدكتور: هل يجوز أن يُتعرض لتجريح كرامة العلماء، ويُخرَج كتاب بُني على هذه الرسالة التي خرجت من جامعة الإِمام يتناول فيه شخصاً خدم كتاب الله عز وجل ما يقرب من أربعين سنة؟. يقول فيه بألفاظ رشيقة لطيفة تنم عن أدب كريم: فهل سمعت بمفسر كذَّاب لا يدري السُّنة ولا يحفظ الكتاب، قليل الرشاد، كثير الفساد، لا يأمن صاحبه، مبتلى، مراء مُنافق.. أيجوز شرعاً أن يُفعل مثل هذا؟ إذا أخطأت أنا راجعوني، قولوا هذا خطأ، كل ما أوردته في كتابي "صفوة التفاسير" هي أقوال علماء السلف، حبر الأمة ترجمان القرآن عبد الله ابن عباس سُئل عن آية الساق:يوم يكشف عن سـاق فقال هو يوم القيامة يوم كرب وشدة وهول. وقال للسائل: ألم تسمع قول الشاعر:
قد شمرت عن ساقها فشدُّوا
وجدَّت الحرب بنا فجدُّوا (1)
 
- وجاء ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى في الجزء السادس فقال: اختلف العلماء في هذه الآية والصحيح أنها ليست من آيات الصفات، ولو فرضنا أن مذهب أو رأي ابن تيمية خطأ أو رأي ابن عباس خطأ، هل يجوز أن يُقال عنهم أنهم عمي البصيرة، وهل هذا يرضي الله أو يرضي رسول الله؟ وهل هذا من الدعوة الحكيمة، وهل يظن أنه هو فقط العالم وأن رأيه هو السديد؟ وأسأل الله أن يغفر لي ويغفر له ويتوب علينا جميعاً، إنه سميع مجيب الدعوات.
 
ويرد الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي على سؤال الشيخ محمد علي الصابوني بقوله:
- أولاً إذا أراد الإنسان أن يحكم على قضية فلا بد أن يكون لديه تصور كامل عنها، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وأنا حتى الآن لم أقرأ هذا الكتاب الذي أشار إليه أخونا الأستاذ محمد علي الصابوني، لم أقرأ هذا الكتاب ولم أقرأ الكتاب أيضاً الذي رد عليه صاحبه، لكني أتصور أنه من خلال المبدأ الشرعي الإسلامي الصحيح، أن الإنسان إذا ألف أو كتب فقد عرض فكره على الآخرين، وبالتالي سيكون معرضاً للنقد معرضاً للرد ومعرضاً للملاحظة، نعم يجب أن يكون بين العلماء أدب وحسن ظن وهذا تحدثت عنه كثيراً في هذا المجال وتحدث عنه غيري، ولكن لا ينبغي للإنسان أن يغضب إذا رُدَّ عليه، وحتى تعرف وجهة نظر الرأي الآخر، هل هو مصيب أو غير مصيب، لا بد أن نتتبع هذه القضايا، لو كان الذي كتب هذا المؤلف موجوداً لعرفنا وجهة نظر كل إنسان وصار بينهم شيء من المناظرة أو شيء من المناقشة ليتضح الموقف الصحيح في هذا الأمر، وإذا كان الأخ الصابوني يعتقد أن كلامه هو الصحيح في هذا المجال، فلماذا لا يُبيِّن هذا الأمر ويرد بكتاب مثل ما رد عليه ذاك، أو ينشر في صحيفة أو يطلب أيضاً مناقشة الموضوع مع صاحب الشأن، لكنه يتكلم بحماس عن إنسان غير موجود، أنا من الصعب علي أن أقول ذاك على حق أو أن الأخ الصابوني على حق. ثم إن كون الإنسان يتحمس لنفسه أمر غير مستساغ، لو اتهم الإنسان رأيه، لقال ربما إنني أخطأت وأن هذا الرجل أصاب جزاه الله خيراً، وأن كلامه صحيح، وسآخذ منه الصحيح، أو إن لم يكن صحيحاً سأتركه، والمبدأ الإسلامي أن الإنسان إذا رأى أن الأمر مجرد لدد وخصومة وجدل ونقاش فقد كان العلماء ينأون بأنفسهم عن هذا الأمر، حتى أن العالم من الأئمة الكبار إذا شعر من طالب العلم سؤالاً يتضمن امتحاناً، أو تقعراً، واستمراء في اللدد والجدال والخصومة كانوا لا يجيبون عليه، وتقشعر أبدانهم ونفوسهم من المخاصمة.
- وكثرة الرد والمناقشة والمماحكة ما جاءت إلا من المعتزلة ومن الفرق الكلامية التي تأثرت بمناهج غير إسلامية، العالم الصحيح يُبدي وجهة نظر، فإذا رُدَّ عليه إن كان هذا الرد يمس كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه يثأر لدين الله ويُبين الحق، فقط، أما ما يتصل به كشخص، فإن كان يريد أن يأخذ جزاءه في الدنيا فإنه يشتم من شتمه، وإن تكلم عليه شخص كلاماً سيتكلم أيضاً هو مثله، وهذا ليس بمنهج العلماء إطلاقاً، وأنا أربأ بنفسي وبإخواني أن يسلكوا هذا المسلك.
- لكني أقول: إن المسألة أوسع من هذا وكم من إنسان رُدَّ عليه، وكم من إنسان نوقش، فالإمام ابن حزم رحمه الله من أوسع الناس علماً، ومن أخصبهم فكراً، وإذا قرأ الإنسان ما كتبه يعجب من قدراته، ومع ذلك فإن له لساناً سليطاً، والذين يقرؤون له كثيراً يتأثرون به.
- وأقول لكم قصة تألمت لها كثيراً، ففي مرة من المرات قديماً في إحدى المكتبات دخلت فقال لي صاحب المكتبة أنا عندي كتاب المحلّى لابن حزم معروض للبيع وأعطاني أحد أجزائه وفتشت فيه فوجدت أن صاحب المكتبة قد وضع خطاً بقلم الرصاص تحت كل كلمة مما يدل على أنه قرأه كلمة كلمة، فوجدت عند ذكر الإِمام ابن حزم رحمه الله رأياً للإِمام أبي حنيفة رحمه الله والرأي طبعاً يختلف مع توجه ابن حزم ولا يرتاح له إطلاقاً، صاحبنا هذا الذي قرأ هذا الكتاب وتأثُراً منه بابن حزم بأسلوبه، كتب كلمة بقلم الرصاص عن أبي حنيفة يصعب علي حتى أن أنطقها.
- والحقيقة أن التاريخ الإسلامي مملوء وفيه كثير من هذه الأشياء فبالنسبة للأستاذ الصابوني إن كان يعتقد أنه على حق، وأن هذا النقد الذي وُجه إليه يمس الدين ويمس مصلحة أساسية، فكم من الطرق والوسائل يستطيع أن يبين رأيه فيها ويخرج من هذا الإشكال، وإن كان يمسه كشخص فأنا أنصحه أن يسكت ويحتسب، أنصحه نصيحة، كما أنصح نفسي أنا، لو تعرّض لي أحدهم، وعرفت أن هذا التعرض كله ذاتي، واللهِ لن أرد عليه، الشيء الثاني أن هذا اللقاء ليس لمثل هذه الأمور.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :671  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 156 من 196
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.