دعوى عبد الناصر أسقطها وقف الحرمين |
|
• غاب المنصب وعبء الكرسي في طي الذكرى.. وحضر الشعر سيداً يركض في وجدانه ويملأ وقت فراغه بأحلى وأجمل ما تمنحه الحياة بعد الستين.
|
ولأن حياة كل أديب ليست بالضرورة مخيرة بين أن يعيش عالة على الأدب بالطول والعرض أو حياة الضيق والكرب.. وبين أن يعيش الأدب نفسه عالة على الأديب حتى النهاية.. فإن أديبنا الشاعر الأستاذ علي حسن أبو العلا المولود في مكة المكرمة عام 1343هـ ومنذ نعومة أظفاره اختاره الأدب وحتى بعد إحالته في مجاله بطاقة وحيوية وهمة وكأنه من خلال نشاط منتداه الأدبي وتفاعله مع المعطيات الأدبية والإعلامية والاجتماعية والإنسانية في الساحة يؤكد بقوة أن الحياة فعلياً تبدأ بعد الستين، وسر تفوق علي أبو العلا في الأدب الذي يعيش عالة عليه وبروزه كشاعر متميز ورصين فذلك لأنه بمثابة مؤسسة أعمال كاملة ومتحركة أو هو بالأصح عبارة عن "مجموعة إنسان" مع الاعتذار لشاعرنا الأمير خالد الفيصل ولمغنيها فنان العرب محمد عبده.. ولا تتمثل تلك الأعمال فقط في الدواوين الشعرية الثلاثة وهي "بكاء الزهر" و"سطور على اليم" و"سطور فوق السحاب" وله كتاب نثري عنوانه "من الزوايا وللتاريخ" بل هناك مجموعة من الأعمال الأخرى التي مارس أدوارها وظيفياً وإنسانياً بدءاً بوزارة المالية ثم الداخلية والتي كان قطاع البلديات تابعاً لها انتدب خلالها رئيساً مكلفاً لبلدية جدة ثم مستشاراً إدارياً بديوان إمارة منطقة مكة المكرمة فسكرتيراً للجنة الحج العليا ومدير عام الحقوق ثم وكيلاً مساعداً لإمارة منطقة مكة المكرمة وكان أيضاً عضواً في المجلس البلدي ثم رئيساً للمجلس البلدي وعضو الجمعية الخيرية في مكة المكرمة وعضو صندوق البر في مكة وعضو لجنة السجناء المعسرين وهو أيضاً رئيس الهيئة العليا للمطوفين في وزارة الحج منذ عام 1388هـ وعضو المبرة الخيرية ورئيس مؤسسة مطوفي حجاج الدول العربية عام 1405هـ ثم استقال فضلاً عن كونه مطوفاً بالوراثة ورئيس لجنة توزيع الأراضي لمنطقة المشاعر المقدسة لمدة 25 سنة. |
في مستهل لقائي معه في منتداه الأدبي بمكة المكرمة وهو لم يزل في طور النقاهة.. فيما تبدو على ملامحه إرادة التحدي لطرد ما تبقّى من ذيول الإعياء.. سألته: |
مجموعة إنسان الشاعر |
• المتقاعد علي أبو العلا نموذج صالح لـ "مجموعة إنسان" الذي قدم عبر مراحل حياته قبل تركه العمل الوظيفي الشيء الكثير.. فيما لا يزال نبعاً ثراً للعطاء.. لو قدر له ترتيب مجموعة أعماله بحسب أولوياتها فكيف يرتبها؟
|
الواقع أن الأدب هو شغلي الشاغل ومصدر إلهامي الشعري.. ففيه أجد الراحة والمتعة وأستثمر من خلاله وقت الفراغ داخل هذا المنتدى الذي يرتاده العديد من الأدباء والعلماء والمثقفين.. وكما تعرف لي نشاط صحفي بجانب ما أكتب من شعر وأدعى للمشاركة في منتديات وأمسيات أدبية في الخارج وبالأخص في مصر وتونس. |
إحياء عين زبيدة |
• ومن أين انبعثت فكرة هذا المنتدى؟
|
الحقيقة كان الحديث في هذا بدأ مع الأستاذ عبد المقصود خوجه بجدة وكان السؤال: لماذا لا يكون في مكة منتدى فرحب وقال أنا أول من يشجع.. وكان تكريم خوجه نفسه أول قص لشريط المنتدى في دار أفراح البصنوي بمكة باعتباره الذي فتح التكريم لرجال العلم والأدب.. وبعدها كرمنا معالي الأستاذ حسن آل الشيخ - رحمه الله - والدكتور إبراهيم العواجي وآخر من كرم كان باشراحيل والمعلمي ويحيى توفيق وبعد ذلك أقمنا منتديات رتبها لنا مركز أبحاث الحج فألقيت محاضرات عن عين زبيدة ومحاضرة للدكتور أبو رزيزة عن "عين زبيدة" أيضاً قدم فيها عرضاً شيقاً عن إمكانية إحياء المشروع من جديد وقد تلقّى دعماً من صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز لأجل أن يبرز مشروع عين زبيدة ونسأل الله أن يوفقه لتعود إلى ما كانت عليه في الماضي حيث إنها كانت تسير من وادي النعمان إلى عرفات إلى داخل مكة وكانت تصعد الجبال وتنزل دون الاستعانة بوسائل الدفع الحديث المعمول بها في دفع المياه. |
وآخر ندوة كانت عن أوقات الحرمين الشريفين حضرها بعض أعضاء مجلس الأوقاف وكان الحوار شيقاً جداً. |
المدرسة منبت الأدب |
• وكيف نمت بذرة الأدب في الشاعر أبي العلا؟
|
أولاً التعليم، فمع التعليم برزت هوايات الشعر والأدب في مدرسة تحضير البعثات وفي ندوة كانت أسبوعية يشترك فيها الطلبة من دفعتنا أمثال عبد الله حبابي ويحيى المعلمي من الذين كانوا في البعثات وهم زملاء وقد كانت لهم نشاطات بدأت من عهد الدراسة وبروزاً بالكتابة في الصحف وفي الشعر والأدب. |
وكان الأستاذ إبراهيم فودة - رحمه الله - من الذين يلقون محاضرات ونصوصاً شعرية وأدبية وفي كل فصل من الفصول يبرز فيه طلبة من الطلاب في ناحية من نواحي الشعر أو القصة أو الأدب. |
والأستاذ المكلف يبرز تقريراً لمدير البعثات الأستاذ أحمد العربي - رحمه الله - وكان يلاقي الدعم الكافي من المدرسين والأساتذة ومن رجال الدولة في ذلك الوقت ومن مجلس الشورى ممثلاً في الشيخ أحمد إبراهيم الغزاوي وكانوا يقيمون حفلات أسبوعية، وفي إحدى المرات أذكر أن تحضير البعثات استضافت طلاب البعثة العراقية، وكنا نقتبس من الشعر الذي كان يلقى في هذه المناسبات ونحفظ الأبيات الشعرية التي تلقى في هذه المناسبات ولا تزال في ذاكرتنا إلى الآن. |
وأذكر أن مهرجاناً كبيراً أقيم في قلعة جبل هندي تكريماً لأعضاء وفد الكشافة العراقي الزائر حضرها جمع من كبار الشخصيات ومنهم مدير المعارف العام والسيد أحمد العربي ومما أذكره أن طالباً عراقياً ألقى قصيدة عن قضية فلسطين ما زلت أذكر منها أبياتاً: |
حياة وما هذي الحياة سوى الحرب |
يفوز بمعناها أولو السيف والكتب |
|
ومنها: |
وإني رأيت العلم أقرب غايتي |
لمن رام مجداً دونه مطلع الشهب |
|
إلى أن يقول: |
فلسطين إذا ما ضامك ظالمُ |
فدون أسياف خلق من ذنب |
|
وهذه الأبيات كانت تبث فينا الحماس والروح لقضية فلسطين وقضية العرب والشعر، ومن ضمن تلك الحفلات حفلة حضرها الملك فيصل - رحمه الله - وكان هو النائب العام لمكة المكرمة وكان يكرم الطلبة خريجي مدرسة البعثات وهم أول دفعة ذهبوا إلى مصر منهم د. حسن نصيف وحامد هرساني وأيضاً السيد عبد الله يحيى الجفري والملك فيصل رحمه الله أراد أن يكرم هؤلاء الطلبة وكان عدد الطلبة المتخرجين من المملكة الابتدائية والثانوية 69 طالباً وكان ترتيبي العاشر في هذا العدد حصلت يومها على مجموعة كتب هدية بمناسبة حصولي على الترتيب العاشر وهذا عام 1359 وفي هذا الحفل ألقيت قصائد من ضمنها قصيدة الشيخ أحمد الغزاوي يقول فيها: |
فجره ثم ضحاهناشئ يهوى الحياة
إلى أن يقول: |
حفلكم هذا صباح يحمد القوم سراه |
من بنى مدرسة أغلق السجن وراه |
|
وكذلك القصيدة للسيد حسن شطا ألقاها نيابة عنه حسن نصيف لأن إلقاءه كان جيداً والقصيدة جيدة وأعجب بها الملك فيصل لدرجة أنه بعد إلقاء القصيدة أخرج ساعته الذهبية وأعطاها لحسن نصيف وكانت القصيدة تقول: |
فريدة من بنات الفكر والأدب |
إن ملها القلب بات الليل في طرب |
سألتها وسمات العطف ظاهرة |
ماذا تريدين؟ قالت: فيصل العرب |
أن سار في الجيش عاد الجيش منتصرا |
وباء أعداؤه بالذل والعطب |
أو أشرقت في سما التاريخ صفحته |
زها بها التاج من تيه ومن عجب |
|
• المجتمع المكي في تلك الفترة هل كان كله يميل لتذوق الأدب؟
|
المدارس كانت دائماً تغذي الشباب بالشعر والقصص في مختلف المجالات وإذا برز طالب من الطلاب تشجعه المدرسة وتقدمه في الحفلات والمؤتمرات. |
• هل ميلك الأدبي كان يستحوذ على كل أوقاتك؟ أم كانت هناك هوايات أخرى؟
|
نعم ما كان لي أي نشاط آخر إلا في الحفلات وكنا نتنافس نحن والزملاء في المدارس وفي الحارة على الحفلات والأدب. شاعر الفلاح.. سباك الشعر. |
• في مرحلة مبكرة.. كيف اكتشفتم موهبة الشعر لديكم؟
|
كان الأمير عبد الله الفيصل يأتي دوماً لمدرسة تحضير البعثات وكان الأستاذ محمد حسين زيدان وبعض الأدباء يأتون معه ويزورونا في كل عصرية وكان عندنا مباريات فوق القلعة، وكانت هناك مباراة بين المعهدين، مدرسة تحضير البعثات والمعهد السعودي العلمي في كرة القدم ومفروض أن يكون هناك كأس يسلمه الأمير عبد الله الفيصل للفائزين. |
وأعد لهذا الأمر، ومن حينها بدأت أرجع إلى الكتب وأريد أن أعمل قصيدة لشاعر من الشعراء يكون فيها تكريم الشباب وكانت أول محاولة قلت فيها: |
حيي بأكرم منطق وبيان |
زين الشباب ونخبة الفتيان |
|
وقد أعجب بالقصيدة الأستاذ محمد حسين زيدان وشد على يدي مع الأمير عبد الله الفيصل وكانت هي أول قصيدة من إنتاجي وأول من أعد لي القصيدة الأستاذ عبد الله بلخير وكان يسمى شاعر الفلاح في تلك الأيام ونحن نعجب به وكان يدرس في الجامعة الأمريكية في لبنان وعندما يأتي ننتظره أمام باب البيت. |
• طيب.. أنت تخرجت من مدرسة تحضير البعثات فإلى أين اتجهت؟
|
عام 62هـ كانت الحرب العالمية الثانية على أشدها واضطررت لترك المدرسة بسبب ظروف عمي "ولي أمر البيت" حيث كان يسافر إلى تونس والجزائر للبيع والشراء وفي عودته يحضر معه كهرمانات وسبحاً بعد مروره على مصر هذا عمله، ففي سنة هتلر والحرب العالمية الثانية خسر عمي كل البضائع لأنه كان يأخذ ديناً من مصر ويذهب إلى تونس والجزائر لشراء حاجاته ثم يرجع إلى مصر عبر البحر.. أما هذه المرة فقد خسر خسارة كبيرة لدرجة أنه هرب عن طريق ليبيا إلى مصر وما إن وصل البيت حتى باع كل ما عنده واضطررت في أول السنة أن أخرج من "مدرسة البعثات" على الرغم من أن السيد أحمد العربي والسيد طاهر الدباغ - رحمهما الله - حاولا إقناعي بتخصيص راتب لي يسد حاجة العائلة والبيت بدلاً من ترك المدرسة وأخيراً اضطررت أن أنزل وأشتغل بستمائة وستين قرشاً. |
محضر اللجنة.. أسقط الدعوى |
• وأين كانت أول شغلة؟
|
في مصلحة الطرق في وزارة المالية وبهذه المناسبة أذكر حادثة مرت علي عندما التحقت بإمارة مكة وكلفت بتوزيع أراضي منى واستمررت في هذا العمل مدة 25 سنة فوجئنا بعد أيام وعندما كانت العلاقات متوترة في ذلك الوقت بين مصر والسعودية بسبب الحرب الأهلية في اليمن انزعج الملك فيصل من مطلب غريب لعبد الناصر يريد من خلاله تعويض الحكومة المصرية ما دفعته مقابل إنشاء أول طريق أسفلتي يربط بين مكة المكرمة وعرفات وما بين جدة ومكة في حين كنت سكرتيراً للجنة التي تسلمت الطريق فذهبت للأمير مشعل بن عبد العزيز وقلت له يا سيدي أنا كنت يومها سكرتيراً للجنة التي سلمت الطريق عندما كنت أعمل في وزارة المواصلات ومشروع الأسفلت لم تنفق عليه الحكومة المصرية.. قال لي كيف؟ قلت له هذا أقيم على حساب نفقة أوقاف الحرمين وهذا مدوَّن في محضر اللجنة نفسه وأؤكد أن جميع هذه المبالغ صرفت من ربح أوقاف الحرمين الشريفين.. وبالفعل انتهت القضية عند هذا الحد. |
• قلت إن عمك هو الذي تولى رعايتك أين كان الوالد؟
|
الوالد توفي وأنا عمري سنة.. ووالدتي تحت عناد الأسرة مع بعضها تزوجت فتولت عمتي تربيتي إلى أن حضرتها الوفاة فعهدتني إلى عمي (ابن عم أبي) أبو سراج أبو العلا وبموجب صك شرعي أصبح الوصي عليّ.. |
• الملك فيصل: الرفق بالإنسان قبل الحيوان.. |
• عبد الله بلخير: الورشة الأولى لصناعة الشعراء.. |
• أحمد غزاوي: من بنى مدرسة أغلق السجن وراه |
• د. حسن نصيف: انتزع ساعة من معصم الفيصل.. |
لليتم أكثر من أب |
• يعني حالة اليتم وإفلاس العمل لم تساعدك على الاستمرار في الدراسة؟ |
أجل قبل الوظيفة السيد طاهر الدباغ تبناني هو الآخر عنده في البيت وخصص لي وظيفة في داره وكان وعائلته يطلعون في الصيفية إلى الطائف وكنت أنا أرث الطوافة يعني تشجيع.. وأضيف لك شيئاً عنه رحمه الله أنه كان في المعارف وحاول أن يعطيني شيئاً من مجلس المعارف لمساعدتنا على استكمال المسيرة.. ولكن الحمد لله.. |
• وأين يذهب دخل الطوافة؟
|
لا.. أصلاً ما كانت عوائد الطوافة تغطي احتياجات الأسرة - الطوافة كانت بالبركة.. وأي حاجة.. ولكن تحسن وضعها عندما رفع جلالة الملك عبد العزيز - رحمه الله - "الجعل" الذي يعطيه الحاج من جنيه ذهب إلى أن أصبح خمسين ريالاً بعد أن كان الحاج يعطي "جبن" "زيتون" و "فلوس" أي شيء، هذا قبل الملك عبد العزيز الذي وضع "الجعل" وهذا النظام ونتيجة لهذا كان عمي ينمي موارده في المغرب والجزائر وكان لديه دكاكين يغذيها أول العام ثم يسافر وقد تضرر كثيراً عندما سقطت العملة الفرنسية فأصبح الفرنك الفرنسي الذي كانت قيمته تساوي حوالى مائتين أو ثلاثمائة جنيه ذهب في ذاك الوقت صارت مائتين أو ثلاثمائة فرنك علشان كده انذبحت.. |
• طبعاً العم أبو سراج عندما يسافر كان يروج طبعاً للطوافة؟
|
فعلاً.. |
• هل أطلت البقاء في وظيفتك بوزارة المالية؟
|
تقريباً 7 سنوات من عام 62 إلى عام 74 صدر تشكيل وزاري وصار الأمير عبد الله الفيصل وزير داخلية، هذا على أيام جلالة الملك سعود بعد وفاة جلالة الملك عبد العزيز - رحمه الله -. |
• وكيف كانت ظروف نقلك إلى موظف في الداخلية؟
|
أعلنوا عن وظائف وتقدمت للامتحان ونجحت في وظائف وزارة الداخلية للشؤون الإدارية في مكة حيث كان الشيخ محمد عايش مديرها العام ونائبه الأستاذ حسين عرب أما وزيرها فكان الأمير عبد الله الفيصل.. تدرجت في وظائف الوزارة على مدى ثماني سنوات من محرر حتى وصلت إلى وظيفة مساعد مدير شعبة الحقوق الإدارية ووقتها ظهر نظام الموظفين الجديد الذي ألزم الموظف الذي ليس لديه شهادة جامعية أن يدخل امتحان الوظيفة فاجتزت الامتحان بنجاح وصرت مدير شعبة الشؤون الإدارية لغاية عام 81هـ حيث عين الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز وزيراً للداخلية وبعده الأمير فيصل بن تركي إلى أن جاء الملك فهد - حفظه الله - وزيراً لها فانتدبت رئيساً لبلدية جدة فمكثت فيها سنة وثلاثة أشهر بالانتداب وهي أطول فترة تعطى لموظف في الدولة لأن أي موظف حكومي لا تزيد مدة انتدابه نظاماً على ثلاثة أشهر. |
|