شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
قصَة قصيرة عيد وأم مثالية؟! (1)
أذنت طلقات المدافع بدخول شهر الصوم. فاستقبله الأطفال كعادتهم بالبشر والفرحة. وانتظم أطفال الحي في حلقات اللعب والتسلية.. وأخذوا يروون لبعضهم ما ينتظر كل واحد من وسائل الفرحة.. هذا يصف الحلوى التي أحضرها والده.. وذاك يصف المكسرات.. وآخرون يسابقون بعضهم البعض في ترديد ما سيلاقونه كل يوم من أصناف الطعام والحلوى.
وفي زاوية على انفراد جلس ثلاثة أطفال منعزلين.. يستمعون إلى أقوال زملائهم.. ولا يشاركونهم ولا يخوضون معهم في الحديث، وإن كانت ملامحهم وقسمات وجوههم.. ينعكس منها مدى الانفعالات النفسية التي لبستهم ثم أخذ الثلاثة يتهامسون فيما بينهم.. ونحن ماذا أعدت لنا أمنا؟ حتى نشارك هؤلاء ونعدد مثلهم.. هيا بنا.. لنذهب إلى أمنا.. نسألها ونعود لنخبرهم.
ودخل الثلاثة على أمهم يتراكضون وسألوها: أماه.. هذا رمضان والأطفال كلهم يفخرون بما لديهم من حلوى.. ومأكولات.. ولعب.. وكانت الأسرة تستقبل رمضانها الأول بعد وفاة عميدها، والد الأطفال.. تحاملت الأم على نفسها.. وتذكرت زوجها والد الأطفال.. وسقطت من عينيها دمعة.. لمحها الأطفال.. فوجموا وعادوا يسألونها فيم تبكين يا أماه ألأنك لم تحضري لنا الحلوى.. الأسواق فاتحة بالليل.. هات الدراهم لنذهب ونشتري بأنفسنا.
وكانت الأم قد أعدت لطلبات الأطفال في هذا الشهر ما كان قد عوَّدهم به أبوهم.. لئلا يشعروا بالألم.. ولئلا يتحسروا بين الأطفال.. فأخرجت لهم أصناف الحلوى والمأكولات.. وأوضحت لهم البرنامج المعدّ في أيام الشهر فاستبشروا.. وعادوا إلى زملائهم يشاركونهم الفرحة.. ويعددون ما يحددونه مثلهم.. خرجوا يضحكون.. وتركوا أمهم باكية.. لقد فقدت زوجها وخلَّف أطفاله الخمسة لم يتعد أكبرهم سن السادسة.. وبقيت هي وأطفالها لا عائل لهم غيرها.
أخذت تفكر في حالتها وحال هؤلاء الأولاد.. إن ما يتقاضونه من راتب عن تقاعد عائلهم لا يكفيهم لمصروف أيام محدودة من الشهر.. وهذا رمضان الأول بعد وفاته قد أظلهم.. إنها في حيرة.. كيف تملك الشجاعة لتدخل الفرحة إلى نفوس أولادها.. وهل تستطيع أن تمثل دور الأب كاملاً.. لقد أخذت تحدِّث نفسها.. وتستجمع قواها لترسم طريق السعادة.. لهؤلاء الأطفال إنهم ثمرة حياتها.. وأمل وجودها إنها تفكر في العيش السعيد لهم بطريق الكسب الحلال وبينما هي تفكر.. إذ طرق الباب طارق.. إنها عجوز قريبة لهم.. أتت للتهنئة برمضان، وقد قطعت بزيارتها لذة تفكير أم الأولاد.. وانشغلت معها في أحاديث مما يدور عادة بين النساء كانت العجوز تحمل ربطة.. فيها أصناف من الأقمشة.. أخذت تعرضها على ربة البيت.. وذكرت أنها كانت تحملها لتذهب بها إلى خياطة.. كلَّّّفها بهذه المهمة جيران لها.. هنا تذكرت ربة البيت أنها تجيد الخياطة.. وقد تعلمتها.. لماذا لا تطلب من الزائرة أن تقوم هي بالعمل.. عرضت عليها ذلك.. فوافقت وأخذت تذرع القماش.. لتعرف مدى كفايته للمقاس المطلوب.. لم تحدد الأجر المطلوب.. ووعدت العجوز بالحضور بعد ثلاثة أيام لتسلُّم القماش جاهزاً.. واستأذنت العجوز وخرجت وبدأت الأم من توِّها عمل التفصيل.. غمرتها فرحة.. لأنها حصلت على عمل شريف قد يقوم ما تجنيه من دخل عنه بسدِّ أود الأولاد.. وخصوصاً في شهر رمضان.. ولكن كيف تحصل على مزيد من العمل؟ جعلت تردد بينها وبين نفسها.. إنها ستكلف العجوز بهذه المهمة ستحدد لها ربحاً عن كل قطعة.. إن العجوز لها معارفها الكثيرون من سراة البلدة وأثريائها وهي خير من يقوم بالدعاية لها..
انتهى الأطفال من تعبهم.. ودخلوا على أمهم.. فعاودها التفكير الأول بشأنهم.. برنامج الأكل.. واللعب.. ثم في نهاية رمضان ملابس العيد.. قدرت المبلغ الكبير بالنسبة إليها الذي سيغطي هذه المصاريف.. وتوجهت إلى الله.. أن يعينها.. لإسعاد أولادها.. لإدخال الفرحة إلى قلوبهم.. لإعانتها على حمل هذا العبء.
وفي الموعد المحدد حضرت العجوز لتسُّلم القماش.. وحملته إلى أصحابه جاهزاً ولشد ما أدهشهم جودة التفصيل.. وحسن الخياطة دفعوا للعجوز ثمن الخياطة كما كان مقرراً ومعروفاً بالنسبة إلى كل قطعة.. وسمع بهذا جيرانهم وأقاربهم ودفعتهم هذه السمعة إلى أن يبعث كل منهم بما لديه من قماش إلى العجوز وكانت تحمله إلى الأم الكادحة.. كانت تقضي يومها في ترتيب أمور بيتها وأولادها تهيئ لهم الطعام.. وتغسل الملابس.. وتنظف الأماكن وفي المساء.. في الليل عندما ينام الأطفال.. تركع على مكينة الخياطة تعمل جاهدة.. وهي مسرورة.. إن في عملها سعادة لها ولأولادها لكنها تعود فتفكر في العيد.. مطالب العيد.. إنها لا تطمع في فستان لها.. ولا فيما تطمع فيه مثيلاتها ممن هن في ريعان الشباب.. من حلي أو متاع.. لكن الأطفال الأولاد سعادتهم.. فرحتهم حتى لا يحسوا بالفارق..
كانت تودعهم كل ليلة قبل نومهم وتحكي لهم قصة لتسليتهم.. وكانت قصصها لهم مثار تعليقاتهم.. لأنها تروي لهم نماذج عن حسن المعاشرة.. والصبر ومعاملة الناس.. وفي ليلة كانت تسترسل فيها كعادتها في سرد قصة وكانت عن فرحة الأولاد في العيد.. إذا بها تتذكر واقعها وواقع أولادها.. وذلك حينما بادرها أحد أولادها قائلاً أما نحن يا أماه فعندما نلبس ملابس العيد لا يأخذنا الغرور على زملائنا الأطفال.. سنشارك الفقراء الفرحة ونقاسمهم الحلوى.. لقد تذكرت أنها لم تبدأ في اختيار الملابس لهم. لأنها ليس لديها قدرة. إن ما جمعته قد بددته أيام رمضان في حدود التقشف.
وكل يوم يمر في رمضان يزيد من تفكيرها في العيد.. الناس يستقبلون أخباره بالفرحة والبهجة.. وهي تسرح بأفكارها عبر الأفق.. تستلهم من الله الرحمة..
وفي العشرين من رمضان.. حمل إليها البريد خطاباً من أختها.. تذكر فيه أنها قادمة إليها من البلدة التي تقيم فيها ومعها أطفالها لتقضي أيام العيد معها.. فرحت ووجمت في آن.. فرحت بقدوم أختها ووجمت لأنها لا تملك المصاريف للقيام بواجب الضيافة لأختها.. وزادها هذا التفكير قلقاً وحيرة..
ووصلت الأخت ومعها زوجها وأولادها.. وفي حقائبهم قطع القماش وأصناف الحلوى.. ومطالب العيد.. لقد تذكرهم الموسرون من أهلهم.. وجمعوا فيما بينهم مبالغ قضوا منها بعض المطالب لهؤلاء اليتامى من الأطفال.. ودخلت الأخت ودخلت معها الفرحة للأولاد وللأم.. فقماش العيد وهدايا العيد.. والنقود التي تسلمتها الأم كهدية من أجل العيد.. وكانت الفرحة.. باللقاء وبالخير وبالعيد السعيد..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :918  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 313 من 414
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.