شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لجَان الصلح.. (1)
افتقد مجتمعنا الكثير من المحاسن والخصال الحميدة.. والتي كان ينعم في ظلها بالإخاء والتراحم.. ومن ضمن ما افتقدناه "مجالس الصلح" في الأحياء والقرى ومن بين الأسر والعائلات.. حيث كانت هذه المجالس تعقد كمحاكم أهلية يترأسها العقلاء المشهود لهم بالحكمة والاتزان ولا أبالغ إذا قلت إن هذه المجالس كانت تفرض نفسها فرضاً للتدخل في حل ما يعترض المجتمع من مشاكل وتصدر أحكامها التي كانت التقاليد تلزم المحكوم عليه بتنفيذها.. وقد يصل الأمر إلى الجزاء النقدي.. ورد الاعتبار بالاعتراف بالخطأ بأن يمشي المخطئ إلى خصمه في بيته.. يطلب السماح ويقدم له رضوة "ذبيحة أو ذبائح بعلفها" وهذا في حالة الخصام أو المضاربة أو التعدي باللسان بما لا يليق.. وكثيراً ما كانت لمجالس الصلح هذه جولات في إنهاء المشاكل العائلية بين الأخوان والشركاء والأزواج.. ولم تقتصر جهود رجال هذه المجالس على تقريب وجهات النظر وإزالة الرواسب والأحقاد.. بل كانت تتعدى ذلك إلى مساهمتهم مادياً إذا احتاج الأمر ذلك.. فكان هؤلاء الرجال يدفعون في جيوبهم ويجمعون أو يفرضون على الموسرين المساهمة في جمع مبالغ لإطلاق سراح معسر عجز عن تسديد ديونه.. أو دفع دية بعد التوفيق بالصلح مع أسرة المجني عليه.. وكانت الدوائر الحكومية والجهات الشرعية هي المرجع الأخير للأمور التي لا مناص من حلها إلا بطريق الحاكم الشرعي. أو الحاكم الإداري حتى لقد كان العيب أن يلجأ الفرد للشكاوى ومراجعة المحاكم قبل أن يرجع إلى كباره لعرض مشكلته لحلِّها بالصلح "والصلح سيد الأحكام".
من أجل ذلك فكر سمو الأمير مشعل بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة في بعث هذه العادة الحميدة التي امتدحها القرآن الكريم لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (النساء: 114) فاختار من ذوي الرأي والكفاءة والخبرة والنزاهة من أبناء البلاد مجموعة توسَّم فيهم الخير وذلك لكي يقوموا من جانبهم بمهام الصلح والإصلاح وحل المشاكل قبل أن تصل الحكومة والمحاكم.. ووعد سموُّه بأنه سيقبل أي قرار أو حل بالإصلاح يرتضيه الطرفان المتنازعان ويكون في هذا الحل إنهاء لمراجعات أو معاملات تشغل الدوائر الحكومية.. وذلك عدا ما يحتاج حلُّه إلى حكم شرعي.
ولكن مع الأسف فسر البعض أن هذه اللجان مهماتها رسمية أو شبه رسمية وأنها ستعرض عليها معاملات تدور في المكاتب الحكومية.. وهذا أمر غير معقول.. فقد قصد سمو الأمير أن يعمل كل عضو في حل ما يصادفه من مشاكل بطريق الصلح شرط أن لا يتعارض هذا الحل مع حكم الشرع.
أعود فأقول ما أحوجنا إلى الصلح والإصلاح.. وما أحوجنا إلى الرجوع إلى ماضي مجالس الصلح فمجتمعنا اليوم ينقصه من يبصره إلى الخير وإلى الرشاد وإلى إزالة الأحقاد وفق الله العاملين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :663  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 304 من 414
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.