(( الحوار بين الضيف والحضور ))
|
ثم أعلن الأستاذ عدنان صعيدي عن بدء الحوار مع الضيف بعد أن رَحَّب بالضيوف الأعزاء الذين قدموا مع الأستاذ محمد عبد الله الحميِّد وهم الأساتذة: أحمد مطاعن، نائب رئيس نادي أبها الثقافي الأدبي، والأستاذ علي عبد الله مهدي، والأستاذ محمد زايد الألمعي. |
وكان المحاور الأول هو الأستاذ مصطفى عطار حيث طرح ثلاثة أسئلة سبقتها كلمة ترحيبية منه للضيف جاء فيها: |
- بسم الله الرحمن الرحيم. أعتقد أن الإخوة الذين رحبوا بالضيف الكريم كفونا مؤونة ذلك، أو أنهم قلّلوا من الشعور بالذنب بأننا لم نعط هؤلاء الإخوة الكرام حقهم من الترحيب والتكريم، ولكن ما يقوم به البعض يسقط عن الباقين، ويكفي أن نُردد مع الشاعر الذي قال، وأعتقد أنه كان يعني أهل أبها: |
وإني لعبد الضيف ما دام ثاوياً |
وما شيمة لي مثلها تشبه العبدا
(1)
|
|
|
- وإذا حَلَلْت بأبها فكل من تلقاه يرحب بالجملة المعروفة "مرحباً ألف" وكثير منهم وأنت ضيف للنادي أو للدولة يدعوك لداره ليستضيفك، نرحب بهم مع الإخوة الكرام ونتوجه بثلاثة أسئلة لسعادة الأخ الكريم المربي الأديب محمد عبد الله الحميِّد: |
|
السؤال الأول: |
- كرئيس لنادي أبها، أنت ترى في كل محفل، سواء في خارج المملكة أو في داخلها وأقربها في المربد، سأل كثير من الأدباء، أدباء الأقطار العربية الذين اشتركوا، سألوا عن الأدب السعودي وعن المؤلفات السعودية، وهذا الكلام كرره الأستاذ عباس محمود العقاد حينما جاء عام ألف وثلاثمائة وخمسة وستين هجرية لمرافقة الملك عبد العزيز لزيارة القاهرة، وكرره الدكتور طه حسين حينما جاء هنا عام 1373 هجرية، والأستاذ محمد سعيد طيب حين كان في المرحلة الثانوية، اتصل به مدير المدرسة رحمة الله عليه الأستاذ محمد فدا وطلب منه بناءاً على طلب جاءه من معالي الشيخ محمد سرور الصبان الذي تلقى طلباً من الدكتور طه حسين يطلب فيه مجموعة من كتب الأدباء السعوديين، فالأستاذ الحميِّد وبعض أعضاء نادي جدة الموجودين هنا مع رئيسهم الفاضل الشيخ الكبير عبد الفتاح أبي مدين نريد أن نسألهم: ما دورهم في إيصال أدبنا إلى خارج الحدود وخاصة أن مستودعات النوادي فيها كثير من الكتب ودور النشر كتهامة وغيرها أيضاً فيها كثير من الكتب والمؤلفات التي أعتقد أنها تشرّف كثيرة وحبذا لو أنها ذهبت إلى خارج الحدود. |
أما السؤال الثاني فهو: |
- كتابك، الذي أصدرته عن افتراءات الصليبي وقلت في المقدمة أنك ترجو من الأكاديميين السعوديين والعلماء أن يؤلفوا ويعملوا على ترجمة ما يؤلفون في دحض افتراءات الصليبي، وأعتقد أن مجموعة المقالات والمقدمة التي عملتها، والمقالات التي كتبتها ونشرت بعضاً منها في جريدة "الشرق الأوسط أو ما كتبه الشيخ حمد الجاسر وبعض الإخوة من الجامعة الأمريكية في بيروت وغيرها، هذا الكتاب بالإمكان ترجمته وإرساله إلى مختلف أنحاء دور النشر والجهات المهتمة بما زعمه الصليبي. |
أما السؤال الثالث فهو: |
- رغبة الحضور في التعرف على نشاط مركز الملك فهد الثقافي - قرية المفتاحة التشكيلية التي تحولت إلى مركز ثقافي - وتبرع خادم الحرمين الشريفين بتكملة هذا المركز وتعزيز نشاطه، ونكرر ترحيبنا بكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
|
ويرد الأستاذ محمد عبد الله الحميد على أسئلة الأستاذ مصطفى عطار قائلاً: |
- شكراً لسعادة الأستاذ مصطفى عطار وهو زميل قديم جديد، كنت وإياه نتقاسم المسؤولية في التعليم ونَحمل هم الكلمة في الوقت الحاضر. |
- قضية عدم انتشار الكتاب السعودي في العالم العربي يسبقها قضية عدم انتشار الكتاب السعودي داخل المملكة، نحن نعاني من هذه المشكلة وجرّبنا عدداً من دور التوزيع ومع الأسف كانت تجربتنا سيئة، إلا مع دار الخزندار التي لم نجد أفضل منها في الوقت الحاضر، فهي ملتزمة بتوزيع كتاب نادي أبها أو إصداراته، لكن تظل أمامنا وأمام الأندية الأخرى مشكلات في الحقيقة تتمثل في النقل البريدي والشحن الجوي، وهذه قضايا مكلفة مادياً بالنسبة للنوادي الأدبية والإِمكانات المادية محدودة، ولعلي أذكر في هذا المجال أننا في إحدى الإصدارات وكانت تضم ثلاثة كتب وزعناها في دول مجلس التعاون الخليجي وفي مصر وسوريا وبعض الأماكن، وكانت النتيجة أننا تحملنا أو حملنا ميزانية النادي أكثر من خمسين ألف ريال ثمناً للنقل البريدي، مع أن الإرساليات كانت أقل من العدد المحدود، فما بالكم لو أردنا أن نوسع دائرة التوزيع فهذه الحقيقة مشكلة قائمة، وحاولنا أن نتغلب عليها، ولكننا - وللأسف - حتى الآن لم نصل إلى نتيجة، فالواقع نحن نلمس هذه المشكلة وأنه لا بد من التواصل مع العالم العربي، ولا بد من محاولة التغلب على العقبات التي تحول دون انتشار الكتاب السعودي، فالمفروض أن نبدأ بداخل المملكة لأن هناك في الواقع مدناً في المملكة زرتها ولم أر أثراً فيها للكتب التي تصدر من أبها أو بعض الكتب في المدن الأخرى وأرجو أن تتضافر الجهود، سواء الجهات الشاحنة أو في البريد والخطوط السعودية وغيرها وأن تسهل العملية حتى نستطيع أن نتغلب عليها. |
- أما ردي على السؤال الثاني حول كتاب الرد على افتراءات الصليبي، فأنتم تعرفون أن كمال الصليبي أستاذ في الجامعة اللبنانية وطلع علينا بنظرية هي في الواقع مشبوهة، وأصدر كتاباً تُرجم إلى ست لغات ومُلئ بالأخطاء التي لا يستعصي إدراكها حتى على غير المطلع، لأنه حشاها بأخطاء ومغالطات، الله أعلم بالدوافع إليها، لكن من الظاهر أن هناك أيادي مشبوهة، وطبعاً على رأسها الصهيونية العالمية. إن هذا الكتاب أُنفقت عليه مبالغ طائلة لا تطيقها ميزانية أستاذ في الجامعة، وترجم إلى عدة لغات وانتشر في كل أنحاء العالم. ثم كان هناك مشاركة بسيطة من نادي أبها في استجلاء الحقيقة أو لفت النظر إلى تلك المغالطات والمشاركة في الرد عليه استجابة لمقـال نشرته" الشرق الأوسط "في حينه لأساتذة كبار منهم الشيخ حمد الجاسر والشيخ زيدان، وغيرهما من أعلامنا في المملكة ومن المفكرين في العالم العربي أيضاً، وكانت ردوداً جيدة في الواقع، وأنا أشارك صديقي العزيز الأستاذ مصطفى عطار في أن هذا الكتاب يجب أن يترجم وأن يكون هناك جهود من المختصين خاصة في الجغرافية التاريخية من أساتذتنا في الجامعات أن يتصدَّوا لقراءة الكتاب قراءة علمية والرد عليه لأن فيه مغالطات كثيرة جداً، ولأنه يريد أن يثبت أن التوراة نشأت في الجزيرة العربية إبتداءاً من الطائف وحتى حدودنا مع اليمن الشمالي، وكلها ترهات وأشياء مشبوهة. |
- وأنا أقول إن هذا الكتاب الذي أصدرته هو جهد متواضع جمعته وتولى إصداره نادي أبها وبذل النادي جهده في توزيعه، وقد عرضنا على جهات معينة لها القدرة إن شاء الله في أن تدعم هذا العمل في ترجمته إلى اللغات التي صدر بها كتاب الصليبي الأصل، فنرجو أن نوفق في هذا، ولا زالت الجهود مبذولة من أجل هذه الغاية. |
- بالنسبة لقرية المفتاح التشكيلية، فهذه القرية - كما قرأتم أو شاهد بعضكم - تعتبر الأولى من نوعها في العالم العربي من حيث اهتمامها بالفن التشكيلي ومن حيث التصميم ومن حيث الأشياء التي عُمِلت، وكانت في الواقع معلَماً بارزاً في ملتقى أبها الثقافي الذي عُقد في العام الماضي لأول مرة، ونحمد الله فقد كانت أصداء الملتقى مبكرة ومشجعة، حيث أمر خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ليلة الافتتاح بأن تُطور هذه القرية وعلى نفقته الخاصة، بحيث تكون نواة أو مركزاً ثقافياً كبيراً، وقد عمل سمو الأمير خالد الفيصل أمير منطقة عسير بالتوجيه الكريم الذي أصدر إليه على إعداد المخططات والتصاميم كمركز متكامل، ومما يسعدنا أن نذيعه بينكم في هذه الليلة - لأنه ليس سراً - أن من الأشياء التي سيشتمل عليها هذا المركز فندقاً مصغراً، فيه وسائل الراحة للأديب الذي يفِد إلى هنا من أي بلد في المملكة، وحتى من العالم العربي أيضاً، وسيطلق على هذا النزل اسم "نزل الأديب"، أو شيئاً من هذا القبيل، وسيكون بإمكان الأديب السكن فيه بأجر مخفض وبحول الله تعالى الآن المخططات جاهزة وأعتقد أنها إن شاء الله نالت موافقة رائد العلم والمعرفة الملك فهد حفظه الله، وقد عرضت عليه مؤخراً ووافق عليها، وسيُبدأ إن شاء الله في طرح المناقصة، هذا المشروع في الواقع هو خدمة للمفكرين والأدباء في كل المملكة وفي كافة أنحاء الوطن العربي، وشكراً. |
|
ثم يطلب الأستاذ شكيب الأموي.. الكلمة فيقول: |
- بسم الله الرحمن الرحيم، سادتي وإخواني، سوف لا أتحدث عن المحتفى به، فهو أمامكم بشحمه ولحمه، بل سأحدثكم، وطبعاً باقتضاب شديد، عن معرفتي بوالد المحتفى به التي بدأت منذ أكثر من ربع قرن، فمعرفتي بالمحتفى به، تلك الدوحة الطيبة منذ ذلك الحين. |
- كنت قد كتبت في جريدة "البلاد" في العدد (305) عن مغامرة ركوب فرس جامح ورطني بها إذ ذاك مصطفى وهبي وعبد العزيز بن معمر، وكان المقال بعنوان "الخيل والليل والبيداء"، وذكرت فيها أيضاً عن مغامرة ركوب فرس أخرى في لندن في يوم من أيام 1947م أي منذ اثنتين وأربعين سنة فيما يدعى بـ "فوكس هنتنج داي" أي يوم صيد الثعلب، في الجبال والأحراش والوديان والأدغال والمنعرجات لاصطياد ثعلب هارب أو مختبئ أو متثعلب يركب في طلبه القوم خيولهم بألبستهم التقليدية من نبلاء ونبيلات يركضون وراء نهج البوق، ومهما قذفت الخيول براكبيها، فإنهم يظلون يطاردونه، إلى أن يظفروا به أو يعودوا وهم يعضون أصابعهم ندماً وحسرة على الوقت والجهد اللذين بذلوهما دون أن يكسبوا من وراء ذلك شيئاً، وعرجت في ذلك المقال على عنترة وامرىء القيس وما قال القدماء في الخيل والفروسية، وكيف كانت الخيول من أحب الأشياء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أقسم الله بالخيل والعاديات ضبحاً، فالموريات قدحاً، فالمغيرات صبحاً، فأثرن به نقعاً.. وكيف أن العالم كله يُباهي بالفرس العربي.. إلى آخره. |
- عقب على ذلك المقال الطويل العريض، الأستاذ الجليل عبد الله الحميِّد وأثار به بعض النقاط المهمة جداً، ورددت أنا على التعقيب بمقال طويل عريض تحت عنوان "فخاض غمارها وشرى وباعا" في جريدة الندوة في 1337 و 1338هـ. كل هذا مثبت بكتاب لي طُبع في لبنان في مطبعة الشرق الأوسط للتصدير، وقد نفدت الطبعة. وأمامكم الآن 44 صفحة من المراسلات والمساجلات مع والد هذا الشبل الذي هو من ذلك الأسد، والسلام عليكم. |
|
ثم تعطى الكلمة للدكتور عبد الله المعطاني الذي قال: |
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، طلب مني الأستاذ عبد المقصود خوجه أن أتحدث وطلبُ الكريم أمرٌ.. وحينما نتقهقر نحن الذين في قوافل الشباب عن الحديث في مثل هذه الأمسية فلأننا نأبى التقدم على الشيوخ، فهذه الأمسية في تصوري يُقدم فيها الشيوخ ويتحدث فيها الشيوخ، ورُبينا على أن نقدر شيوخنا وعلى أن نقدم شيوخنا، وشيء آخر أعجب له وهو أن أجدادنا العرب الذين كانوا يناقشون الساعات الطوال والأيام الطوال كانوا لا يملُّون ولا ينتهون من هذا النقاش، ونحن قد أنهكنا، ففي ليلة البارحة في نادي جدة نقاش، وفي الجامعة اليوم مع الدكتور حمادي صمود نقاش آخر، وفي بيت الأستاذ أبي مدين أيضاً، وكذا في أمسية الأستاذ عبد المقصود، ولا نعلم ماذا يتم بعد ذلك من زحام هذه النقاشات. |
- ألتقط تحية أحيي بها الأستاذ محمد عبد الله الحميِّد، وأيضاً أودّ أن أحييه تحية من نوع آخر وهي محاورة الأستاذ محمد عبد الله الحميِّد، ففي تصوري أن تكريم العالم في نقاشه، وتكريم الأديب في محاورته، ولقد أعجبت بكثير من الشمائل التي أطلقت على الأستاذ الحميِّد، ولو لم يكن هو محلاً لهذه الشمائل لما اتفق هؤلاء القوم الذين تعددت أصواتهم لتكريم هذا الرجل. ولكني وقفت أو أثارتني كلمة "الوسطية" فلم أستطع أن أجد لها مكاناً علمياً في حيِّزي الضيق جداً، وعدت إلى التراث فوجدتها، لعلها "النظرة التوفيقية" التي قال بها ابن قتيبة في كتابه "الشعر والشعراء" وليعذرني الأستاذ الحميِّد لأن النظرات التوفيقية، أو النظرات الوسطية إذا حلا لكم أن تطلقوا عليها ذلك، قد جَنَت كثيراً على الفكر في تصوري، لأنها تأخذ شيئاً من المجاملة أو تأخذ شيئاً من إرضاء الجانبين، وهنا لا نجد للفكر صوتاً فاعلاً. فحينما تحدث ابن قتيبة عن الشعر الحديث والشعر القديم حاول أن يتحدث بحديث فيه شيء من العمومية، وفيه شيء من إرضاء الطرفين، وبعد كل البعد عن النص، وخاصة حينما جعل الشعر متعلقاً بطرفي الأخذ والمعنى، الحديث يطول حول الوسطية ولكني لا أريدها، وإنما أريد في العالِم أن يقف موقفاً واضحاً، إما قبولاً وإما رفضاً، ولعل المجال في المستقبل يكون متسعاً لمناقشة الوسطية مناقشة علمية. |
- أما النقطة الثانية فهي الكتاب السعودي، الكتاب السعودي لا يحتاج إلى من يسوّقه إذا وصل هذا الكتاب، سواء في الماضي أو في الحاضر أو في المستقبل، إذا وصل المؤلف السعودي إلى إنتاج المعرفة، وليس إلى استملاق المعرفة، سوف يرفع نفسه أمام أعين الآخرين، وسوف يفرض نفسه في الساحات كما فُرضت هذه الكتب علينا من خارج المملكة، وإنا لنلهث مسرعين إلى اقتناص الكتاب الذي يخرج، سواء في مصر أو في تونس أو في المغرب، حينما نجد أن لهذا الكتاب قيمة كبيرة في نفوسنا، لا سيما وأن وسائل الاتصال صارت الآن ميسرة وسهلة، لذلك أضع استفهاماً آخر أمام هذه المؤلفات، إذا كانت في الواقع قد وصلت فليست بحاجة إلى تسويق، وإذا لم تصل فعلينا أن نعيد النظر في مثل هذه المؤلفات. |
- النقطة الأخيرة التي أود أن أضيفها هو حديث الأستاذ الحميِّد عن بحث الصليبي أو عن كتاب الصليبي، هناك بحث قام به أستاذ متخصص من جامعة الملك عبد العزيز كلية الآداب، وهو البروفسور عبد المنعم عن كتاب الصليبي، وذهب إلى أبها، ولعله قد قابل الأستاذ الحميِّد أو لم يقابله، لا أعلم ولكن حينما كنت وكيلاً للكلية كان قد أخذ إذناً من الجامعة وقدم بحثاً موثقاً وجميلاً تجدونه في العدد السابق من مجلة كلية الآداب وعلينا أن نعود إليه، وأطمئن الأستاذ الحميِّد بأن الأكاديميين لم يُغفِلوا هذه الملاحظة. |
- أُحييه وأحيِّي أريج الجنوب، وأحيِّي الأستاذ عبد المقصود خوجه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
|
ويعلق الأستاذ محمد عبد الله الحميّد على كلمة الدكتور المعطاني بقوله: |
- شكراً للدكتور عبد الله على ما أفضل به، وأرجو أن يسمح لي بتعليق بسيط على ما أثاره بالنسبة للوسطية كما أفهمها أننا (أمة وسطاً)، ولكن العالم الآن أصبح قرية واحدة كما تعرفون، لن نستطيع أن نتقوقع داخل هذا البلد، لا بد أن نحتك بمعارف الآخرين وبثقافاتهم ولا بد أن نتفاعل مع كل ما يحيط بنا من وسائل إعلامية، فلا شك أننا في هذا المجتمع الفاضل لا بد أن نكون محصّنين ضد أي غزو فكري على أجيالنا القادمة، ولا يستبعد أن تكون هنالك أصوات شاذة، ولا بد أن يكون هناك من يتطرف في أقصى اليمين ومن يتطرف في أقصى اليسار، ولكي نصل إلى غاياتنا فلا بد من انتهاز هذه الوسطية في أن نلتقي عند نقطة واحدة أو عندما يخدم مجتمعنا ويخدم ديننا ويخدم رسالتنا، فهذا ما أعنيه، أنا لست متخصصاً فيما تفضلتم فيه في الواقع، ولكني كمسؤول أو كمشارك في المسؤولية عن مؤسسة ثقافية مهما كان دورها، فإن علينا ألا ننحاز إلى اليمين أو اليسار في مسارنا الثقافي وأن نأخذ بالأفضل دائماً، فلا بأس أن نقرأ وأن نسمع وأن نشارك، ولكن علينا في النتيجة أن نأخذ الشيء الحسن ونرفض غيره، وهذا ما عنيته. |
- بالنسبة مرة أخرى للتسويق، في الواقع أنا معك يا دكتور في أن البضاعة الجيدة تفرض نفسها، أنا أفهم أو أشتمُّ من كلامك أن مستوى الكتاب السعودي يجب أن يرتفع إلى مستوى الكتاب الذي يُطلب ويُبحث عنه، لا أن نبحث عمن يقرأ كتابنا، هذا شيء وارد وأرجو أن نصل أو نكون قد وصلنا إلى بعض هذا الشيء أو نحرص عليه في المستقبل، أي الارتفاع بمستوى الكتاب الذي يصدر من المؤسسات الثقافية ومن الأندية الأدبية، ولكن لا بد أيضاً من تسهيل وسائل اتصال الكتاب لا بد أيضاً من أن تقوم دور التوزيع أيضاً بدور جيد في إيصال الكتاب سواء في الداخل أو في الخارج. |
- بالنسبة للبحث الذي تفضلت وأشرت إليه المتعلق بالرد على افتراءات الصليبي، أنا قرأته في الواقع غير أن الدكتور الذي شارك في إعداد هذا البحث، يظل دون مستوى الموضوع ككل، وأتمنى أن يساهم بقية الإخوان وهم كُثر إن شاء الله وفيهم البركة في الرد على الصليبي بأسلوب علمي وأنا وجميع زملائي في النادي نقدم خدماتنا لمن يريد أن يتفضل ويأتي إلى المنطقة للبحث وسنشاركه بكل ما نستطيع من جهد، وشكراً يا دكتور. |
|
ويشارك الأستاذ أحمد الشيباني بتعليق له على "الوسطية" فيقول: |
- لا شك أن الدكتور الكريم يعرف أن من الثوابت التاريخية، الوسطية، وهي في الواقع الاستمرارية التاريخية، فالبشرية لا تتقدم بقفزات متقطعة بل تتقدم بخط سير متواصل، أضف إلى ذلك أن الإسلام بالذات شدد على أننا أمة وسطاً وعظمة الإسلام تتجلى أيضاً في ذلك، إذا أخذنا اليهودية نجدها مادية محضة، لا تتحدث عن الروحانية مطلقاً، وإذا أخذنا المسيحية نجدها روحية محضة لا تأتي على ذكر الجسد إطلاقاً بل تعتبر الحياة على هذه الأرض هي مرحلة انتقال إلى العالم الآخر، وجاء الإسلام فأقام ذلك التواصل الرائع بين المادية اليهودية وبين الروحانية المسيحية. |
- ولذلك نرى الآن العالم بأكمله يتطلع إلى ذاك النظام الذي يستطيع أن يقيم ذلك التوازن العادل والصحيح بين المادة والروح ولننظر الآن يا دكتور معطاني ماذا يحدث في الكتلة الشرقية، "ماركس" ذهب كما تريد إلى الحد الأقصى، لا شك أنك قرأت الآن ما صرح به جورباتشوف أمس من أن الرأسمالية أيضاً تمر بمحنة، هناك من يسمى "بالحداثيين" وأعرف أن الحداثة كلمة قد استهلكت أو قد دفنت في مقابر، ليس عليها حتى سؤال ولكن إذا كان لنا من دور كعرب ومسلمين فدورنا هو الوسط والوسطية لأنها تعني الاستمرارية التاريخية، لماذا؟ لأن للتاريخ سوابق، وما هو أهم سابق للتاريخ؟ هو الإنسان، لذلك يا دكتور أحب أن أعلق على كلامك. |
- كذلك يقتضي الموقف أن أقول كلمة للأخ رئيس نادي أبها الأدبي، لقد دعاني ذات يوم لإلقاء محاضرة هناك وأودّ أن أقرر بكل ضمير وعقلانية أن هذا الرجل يسخر ويسخر كافة طاقات النادي لخدمة الفكر ولا يحاول، ولم يحاول - كما عرفت - تسخير طاقات الفكر لخدمة مذهبية مترنحة أو تمزق مرتجل. |
|
ثم تعطى الكلمة للأستاذ عبد الفتاح أبي مدين حيث يقول: |
- بسم الله الرحمن الرحيم. قبلت بغبطة وسرور عذر أخي وصديقي رئيس النادي الأدبي بأبها عن عدم مشاركته، والحق أنه رجل ودود كريم والكلمة التي لم أكملها في الماضي، وأن الضيوف الذين يأتون إلى نادي جدة هم ضيوف نادي أبها ونادي الرياض، ونادي المدينة، ونادي القصيم، ونادي جازان، ونادي الطائف، ونادي مكة، هم ضيوف البلد، والعجيب أننا في القرى وفي الريف نجد التفافاً كبيراً حول الضيف، لكن المدينة أثرت في طباعنا مع الأسف، لا سيما ونحن في المدن الكبرى، قبلت عذر أخي، ولكن ما هي أعذار الآخرين؟ أقول للأستاذ مصطفى عطار، طبعاً عهد طه حسين وعهد العقاد في البحث عن مؤلفاتنا لم يكن لنا مؤلفات يومئذ، فنحن معذورون، واليوم ليس لنا عذر لكن ينبغي أن نسعى ونوصل ما استطعنا من هذه المؤلفات إلى الآخرين، وأريد أن أصحح تاريخ مجيء الدكتور طه حسين فقد جاء في جمادى الآخرة عام ألف وثلاثمائة وأربعة وسبعين، الموافق يناير ألف وتسعمائة وخمسة وخمسين، وليعذرني الأستاذ مصطفى. |
- والسؤال الذي أوجهه لأخي الأستاذ محمد عبد الله الحميِّد عن مهرجان أبها، فقد سعدت، وإن لم أحضر هذا المهرجان في العام الماضي بما وصلني من دعوة وما قرأت عنه، وهي بداية جيدة ينبغي أن تستثمر كل الاستثمار، وينبغي أن تنمو كل النمو، وينبغي أن يتوسع هذا المهرجان لأن يكون مهرجاناً صيفياً في كل سنة، وينبغي أن يُعدّ له مبكراً وأن يُشعر الناس الذين ينبغي أن يشاركوا أو يدعوا إلى أن يشاركوا، أن يُشعروا في وقت مبكر، ينبغي أن تكون هناك برمجة، نحن لا نحاسبهم على السنة الأولى فهي تجربة، ولكن من الآن أعتقد أن السنة الثانية والثالثة وما بعدها ينبغي أن يكون هناك برنامج مُهيأ قبل الوقت بستة أشهر على الأقل، ليُشعر المشاركون لكي يستعدّوا ويعدّوا، وأريد وأرجو أن يكون التوقيت أيضاً متأخراً بعض التأخير، ولا أعني بعد بدء الدراسة ولكن أعني أن يكون قبل بدء الدراسة بعشرة أيام أو بخمسة عشرة يوماً حتى يكون الناس قد عادوا من إجازاتهم ولكي يشارك في هذا المهرجان أكبر عدد ممكن، والأستاذ الحميِّد رجل فعّال في هذا المهرجان، أرجو أن يكون له من التنظيم ومن التبكير ومن التوقيت ما هو جدير به، لتصبح أبها في الصيف هي مقصدنا الذي نسعى إليه في مجال الأدب وفي مجال الفكر وننعم بمناخها الجميل. شكراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
|
ويرد الأستاذ محمد الحميّد على كلمة الأستاذ عبد الفتاح أبي مدين بالكلمة التالية: |
- شكراً لأستاذنا وزميلنا الكبير مرة أخرى، بالنسبة للملتقى العربي الثقافي إذا كنا نريد أن ننسب الفضل إلى أهله فهذا الملتقى ثمرة من ثمار جهود الأمير الأديب الفنان، وهو مَن تعرفون: الأمير خالد الفيصل، وقد جاء هذا الملتقى في الواقع استمراراً لكلمته التي ألقاها حينما كان ضيفاً في العام الماضي في مثل هذه الأيام في حفل جائزة التفوق العلمي بالمنطقة الشرقية والذي رعاه صاحب السمو الملكي أمير المنطقة الأمير محمد بن فهد وقد حضر أكثركم ذلك اللقاء وألقى ما سميته في حينه "بيان الشرقية"، ذلك البيان الأدبي الرائع والذي وضع النقط فيه على الحروف، وأوضح رأيه فيه صريحاً فيما يدور على الساحة من صراعات لا أقول عنها صراعات وإنما اختلاف في وجهات النظر في قديم الأدب وجديده، وفي المحافظة على الطابع القديم أو الحرص على الشكل الجديد، فالرجل قال: إنه ليس ضد التجديد وليس ضد التحديث وإنما هو مع كل جديد يخدم ديننا ولغتنا وقيمنا وأدبنا، وهو مع ذلك ضد التغيير، أو ضد الأيديولوجية التي لسنا بحاجة إليها ولدينا ما يكفينا ونحمد الله، ومن هنا كان هذا اللقاء أو هذا الملتقى استمراراً أو تنفيذاً عملياً لما تضمنته تلك الكلمة، وبالفعل قد نُظم بشكله أو بوضعه الذي رأيتم أو سمعتم عنه، واستقطبت فيه كل الأصوات وكانت كل الفعاليات - ولله الحمد - قد أدت أغراضها وكان الملتقى بكل المقاييس ناجحاً بجهود من شارك فيه وكلهم في الواقع من صفوة مثقّفي المملكة، سواء بالحضور أو بالمشاركة. |
- وقد يكون هناك نقد أو ما يؤخذ على ذلك الملتقى أنه لم يُدع إليه كل المثقفين، وهذا شيء مستحيل، إن دعوة كل المثقفين في موسم واحد شيء صعب، وخاصة أن المملكة الآن ونحمد الله تزخر بالعلماء والأدباء والمفكرين والمبدعين، فمن الصعوبة بمكان أن تجمع كل هذا الحشد في مكان واحد وفي وقت واحد، وإنما هذا الملتقى وبمشيئة الله سيستمر وسيكون لكل سنة ضيوفها ومشاركوها وسَيأتي دور من لم يُدع في العام الماضي، إلى الحضور إن شاء الله في الملتقيات القادمة، وسيكون هناك حضور وتفاعل وتأثير في هذا الملتقى. |
- ونحن نستفيد بأفكاركم جميعاً وبأفكار كل مثقف، ونحن وأقصد زملائي في لجنة التنشيط السياحي قد وزعنا استبانة إذا صح التعبير لغوياً، في الصحف لإبداء الرأي في هذا الملتقى، للوقوف على رأي المثقفين، وأنا أشكر الأستاذ عبد الفتاح لملاحظاته القيمة التي هي موضع تقدير في الواقع، وسأنقلها بكل أمانة لإخواني في لجنة التنشيط السياحي، وأريد أن أوضح أن هذا الملتقى هو بجهود ذاتية من اللجنة القائمة بالتنشيط السياحي، ومهما يكن فهي جهود محدودة، ولكننا نأمل إن شاء الله بمشاركتكم جميعاً وبدعمكم حتى ولو بالفكرة وبالرأي، أن نقدم كل عام ما يحقق الهدف الذي نصبو إلى تحقيقه، فنحن أسرة واحدة، وهدفنا واحد، وشكراً. |
|
ثم يتحدث الأستاذ نبيه عبد القدوس الأنصاري صاحب مجلة المنهل فيقول: |
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ليس هذا سؤالاً، ولكنه كلمة شكر وكلمة عرفان وتقدير للمحتفى به الأستاذ محمد عبد الله الحميّد، لست من أهل هذا المقام، وأستميحكم العذر في حضوري فأشغلكم بحديثي المقتضب. الأستاذ محمد عبد الله الحميِّد رجل فاعل كما قال الأخ عبد الله الخشرمي: إنك تحس بأنه أخ لك وصديق ومساوٍ لك في عمرك أيّاً كان، عرفته في الحقيقة عندما كنت في ملتقى أبها الثقافي ومن قبل جلست معه بعد الساعة الثانية عشرة ليلاً وعلى مائدة العشاء، ودعوته للعشاء لغرض في نفسي فاستجاب بكرم ولطف، وجلسنا نتحدث مباشرة في الملتقى وفيما تركه عندي من صدى جيد، ينمّ عن القدرة والعظمة والحجم الكبير المتوازي الذي أطلقه سمو الأمير خالد الفيصل بفعاليات لجنة الملتقى وأهل عسير وأبها عموماً وقلت له: إن "المنهل" يعتزم إصدار عدد عن "الإبداع والمبدعون" ويزاوج فيه نادي أبها الأدبي بتوجيه من سمو الأمير خالد الفيصل فرحب بهذه الفكرة وكنت قبيل سُويعة أو دقائق من هذه الجلسة المباركة قد أعددت المنهج السريع لهذا العدد كتصور فوري وقرأته عليه، وكان بعض الإخوان ومنهم الدكتور ابن حسين موجوداً فإذا بالرجل يفرح كثيراً ويقول: مرحباً ومرحباً ألف، فليكن هذا العدد وجئت إلى جدة، ونهجت هذا العدد بالأسلوب الذي يتفق ومسيرة "المنهل" وتاريخها، وقدمته إليه، وقدمه إلى سمو الأمير خالد الفيصل ووافق عليه على أن يصدر المنهل عدداً متخصصاً في رمضان كل عام من أعداد "المنهل". أما فعاليات الأستاذ الحميّد واستقطابه للعديد من الشخصيات - كما قال الأستاذ الشيباني - فإنها جديرة بأن تُقدر له، وأن تُسجل له. |
- وما دمنا في حدود العتاب، فإني أعتب على الأستاذ عبد الفتاح أبي مدين، هذا العتاب يتلخص في أني ذات يوم من الأيام وفي دارة الأستاذ عبد المقصود خوجه طلبت من الأستاذ عبد الفتاح أبي مدين، أن يصدر النادي كتاباً عن مخطوطات عبد القدوس الأنصاري، وعبد القدوس الأنصاري معروف لديكم، فقال لي: إن هذا الكتاب يحتاج أو هذه المخطوطة تحتاج إلى أن تعرض على لجنة لدراستها، ثم، ثم، ثم، ترسلها اللجنة إلى ناقد ثم إلى.. وما إلى ذلك. فشكرته وأخذت نفسي جانباً، هذا ولقد دفعني إلى توجيه هذا العتاب إلى الأستاذ أبي مدين عتابه في عدم حضور الأستاذ محمد عبد الله الحميد الندوة التي أقامها نادي جدة الموفق الميمون الطالع، وأرجو أن يُصفّى به ما في نفسي عن هذا الموقف، لأننا في مجال حُب وفي ضيافة كريم، وفي جمع أنتم الصدارة فيه وأنتم الأسّ والمنهج له، وشكراً لكم. |
(( تعليق الأستاذ العمري ))
|
ثم يتحدث الأستاذ محمد العُمري معلقاً على الوسطية قائلاً: |
- بسم الله الرحمن الرحيم، وأسعد الله مساءكم جميعاً، الذي أريد أن أقوله إن الوسطية - وقد أثار الدكتور المعطاني في ذهني ما أريد أن أقوله الآن - إن الوسطية تكون في الفاعلية أو في حركة الفعل الإنساني في داخل طبيعتنا ولا تكون مجالاً في القيمة، ونحن إذا أمعنا النظر في قانون البلاغة العربية على وجه التحديد، فإننا سنجده مرادفاً أو موازياً لمسألة القيمة، تلك التي تُفضي إلى اللبَّة الحسيّة أو الفكرية للقيمة الفنية في الأدب، مسألة القيمة على وجه التحديد تتجلى بصورة أشد في المسألة الأدبية، فنحن في الأدب بإزاء شعر أو لا شعر، وبإزاء فن أو لا فن. |
- مسألة الحداثة التي أشار إليها أستاذي الكريم الأستاذ الكبير أحمد الشيباني أريد أن أقول: إن الحداثة ليست عندنا شِرعة ولا مِنهاجاً، فلنا شرعتنا ولنا منهاجنا الذي لا يمكن أن نُفرط فيه، الحداثة هي أن نجترح الصورة الأدبية الجديدة، تلك هي الحداثة، والحداثة زمنية وليست وقتية بمعنى أنها لا يمكن أن تذوب في الزمن، ألسنا نجد في قول المتنبي في بيتين له: |
طوى الجزيرة حتى جاءني خبرٌ |
فزعت منه بآمالي إلى الكذب
(2)
|
حتى إذا صِدقُه لم يُبق لي أملاً |
شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي |
|
- تلك حداثة؟ فالحداثة في الصورة الفنية وحسب، ويجب ألا تستحيل الحداثة الفنية في الأدب إلى خرافة، ذلك ما لا نبغيه، وأشكر لكم استماعكم، والسلام عليكم ورحمة الله. |
|
(( كلمة الأستاذ محمد الأسمري ))
|
ثم تعطى الكلمة للأستاذ محمد ناصر الأسمري حيث قال: |
- مرة أخرى، في الواقع هناك نقطتان أريد أن أدلي بدلوي فيهما؛ أولاهما موجهة إلى نادي أبها الأدبي وهي الرغبة في أن يكون الملتقى القادم متنوعاً، بحيث لا يقتصر على الشعر والأدب والكلام المنمق الجميل، أما الثانية فعن الوسطية أو الحداثية أو الاستشراقية، إلى آخر القائمة. نريد أن نسمع من علماء النبات تجاربهم وأبحاثهم، نريد أن نسمع من علماء النفس عن تجاربهم في هذا البلد، وعن طبيعة النفس البشرية في الجزيرة العربية، نريد أن نسمع من كافة المتخصصين حتى يكون ملتقى ثقافي بحق وحقيقة، لا أن نقصر أمورنا في الشعريات والجماليات.. إلى آخره. وأستميح أخي الدكتور المعطاني عذراً وأنا معجب بكتاباته في أن أقرر أن الوسطية هي ما يسمى حديثاً في نظرية المسؤولية الاجتماعية، (سوشل رسبونسبلتي ثيوري) وهي التي تقرر إلى أي حد يمكن أن تكون الحرية الشخصية مؤثرة في صنع القرار، وشكراً جزيلاً. |
|
ثم يوجه الأستاذ يوسف العارف سؤالاً إلى المحتفى به قائلاً: |
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله مساءكم جميعاً، أعتقد أن أستاذنا عبد المقصود خوجه ليس في حاجة إلى شكرنا وثنائنا، لأن ما يقوم به أكبر من كل ثناء وتقدير. |
- أما أستاذنا محمد عبد الله الحميّد فما جئت في هذه الليلة إلا لأتعرف عليه، وكنت أعرفه سابقاً نصاً نقرؤه في الصحف والكتب، وأعرفه سابقاً مكالمات هاتفية بيننا، وأعرفه صورة في الصحافة أو في التلفزة، ولكنني الليلة عرفته شخصياً وأعتز بهذه المعرفة. |
- لعل سؤالي أو مداخلتي تدور حول نقطتين: |
- الأولى: مجلة "بيادر" يا أستاذنا بدأت قوية ولكنها في مرحلتها الثانية بدأت تنزل شيئاً قليلاً، وهذا يدعونا إلى أن نتساءل عن السبب؟، ثم ألا تعتقد أن المجلة التي تصدر عن الجمعية العربية السعودية "المركز الرئيسي" والمسماة "التوباد" أليست سبباً في هبوط مجلة "بيادر"؟ |
|
- ثم ألا يكون من ضمن الأمور التي نرفع بها مستوى "بيادر" أن تظل مجلة أو أن تصبح مجلة عن كل الأندية الأدبية ولا تقتصر على نادي أبها الأدبي، مرة واحدة. |
|
- والثانية: موضوع الصليبي.. محمد كمال الصليبي، إذ يبدو لي أن الرد عليه فرادى لا يكفي وأعتقد أن المهرجان الصيفي الذي يتم في نادي أبها الأدبي أو في الملتقى الصيفي يكون فرصة قوية لاستقطاب المؤرخين والأثريين والجغرافيين في ندوة عامة تفيد هذا الموضوع، ولعلها تخرج بنتائج جيدة. |
|
- هذا ما أردت أن أقوله، وشكراً لكم، والسلام عليكم ورحمة الله. |
|
ويرد الأستاذ محمد عبد الله الحميد على ذلك بقوله: |
- شكراً للأستاذ يوسف العارف، وهو معروف وله صلة بالتاريخ أيضاً، ويشارك في نشاطات نادي أبها وأعتبره من الأعضاء العاملين البارزين حقيقة وإن كان في جدة. |
|
- بالنسبة لـ "بيادر" في الحقيقة هذا جهد متواضع أسهم به نادي أبها الأدبي للإجابة على سؤال يتردد كثيراً بالمجالس الخاصة وفي الصحف وفي بعض الملتقيات: هناك سؤال دائماً يطرحه إخوتنا المثقفون يقولون أليس لدينا مجلة إبداعية متخصصة؟ أليس لدينا كذا؟ وعلى ضوء الأسئلة المتكررة قال زملائي في النادي: لماذا لا نبادر بإيجاد شيء من هذا، وفعلاً أعلن عن هذا الجهد في حينه، واستكتبنا من استكتبنا من مثقفين ومثقفات، ونشرنا في الصحف وطالبنا بكل وسيلة أن يتفضل كل مبدع أو مبدعة بما تجود به القريحة، واعتبرنا ذلك "بيادراً"، لأن البيدر هو مرادف لاسم الجرين عندنا في الجنوب أو مكان غرس الثمرة ولقد صدر العدد الأول فعلاً بعد أن غُربل ونُخل وقُدم أحسنه، ثم صدر العدد الثاني، ثم العدد الثالث، ولم نستغل هذا الملف أو هذه المجلة لاستعراض عضلات العاملين في النادي، ولو فتشنا محتويات الأعداد الثلاثة التي صدرت لما وجدنا جهداً من إنتاج العاملين في النادي إلا الشيء اليسير، بل تركنا المجال مفتوحاً لكل المبدعين في أنحاء المملكة، سواء من السعوديين أو من المقيمين أو من أي بلد عربي، مع الأسف الشديد هذا هو الحاصل، ولعل ذاكرتي قد أدركها الوهن، فما عدت أذكر تلك الأبيات الشعرية التي أنشدتها المرأة العربية لزوجها أبي حمزة حين هجرها، لأنها لم تلد له إلاَّ البنات فقالت: |
ما لأبي حمزة لا يأتينا |
يظل في البيت الذي يلينا |
غضبان ألا نلد البنينا |
تالله ما ذلك في أيدينا |
وإنما نأخذ ما أعطينا |
|
|
إلى آخر قولها في تلك الأرجوزة: |
ونحن كالأرض لزارعينا |
ننبت ما قد زرعوه فينا |
|
|
- وأنا أقول هذه بضاعتنا موجودة، والتي قُدمت إلينا واستخلصناها، ثم لا تنس يا عزيزي أن هناك بعض النصوص لا تصل إلى درجة الجودة المطلوبة، قصد من نشرها تشجيع المواهب الناشئة. |
|
وعلى أي حال لم تخلُ "البيادر" من أشياء جيدة، ففيها بعض المحاضرات التي ألقاها في النادي أساطين في الفكر مثل الدكتور هدّارة. |
|
- وأعتقد أن العدد الأول من "بيادر" كان فيه شيء من الشعر الحر، فأُخذ على "بيادر" أن هذا حداثي صرف وأن نادي أبها يحتوي الحداثة ويحارب الأصالة، ولكن صدقوني ما كان الاتجاه، لا في العدد الأول ولا في الثاني ولا في الثالث، وإنما هذا المنتقى وهذا الموجود وليس هناك تفضيل جانب على آخر، بالعكس أنا أتمنى على كل منبر ثقافي، سواء كان نادياً أدبياً أو صحيفة أو مجلة أو مؤسسة ثقافية لها صلة بالجمهور، أن تتقي الله ربها في ما تقدم للناس وتأخذ العصا من الوسط، لا من أطرافها. |
|
- وإن كنا نحن ضد التسطيح وضد الإبتار، أي لا بد أن نحاول أو بالأحرى أن نحرص على أن يصدر عن هذه المؤسسات الفكر الجيد والصورة المشرقة للفكر السعودي المتميز، فالصحف ما شاء الله نشرت في العدد الأول إشادةَ وإطراءَ بعض الاتجاهات، والعدد الثاني حينما جاء بين بين خفت الأصوات من حواليه، بل هوجم أما العدد الثالث فلم يذكره أحد، لا بخير ولا بشر، وهذا شيء طيب يعني نحمد الله عليه أن وصلنا إلى هذه المرحلة، وأما العدد الرابع فالله أعلم بما سيلقاه، وعلى كل حال أعود وأكرر أن حياة "البيادر" أو غيرها حتى "التوباد" أيضاً تُعاني يا أخي مما عانت منه "بيادر" هوجمت والآن لها مدة متوقفة، يعني لا بد من وجود العطاء، لا يمكن أن ننتظر من النادي أو أية جهة أن تصنع أدباً للناس، لا نملك مصنعاً لذلك، وإنما يتوقف ذلك على المثقفين أنفسهم، وعلى تفاعلهم وعطائهم، فإذا لم يقدموا شيئاً فماذا نعمل؟ لعل تجربة "المنهل" الرائدة لمدة خمسين عاماً وما يعانونه في هذا الصدد، من حيث صعوبة إصدار العدد لتوقفه على الشيء الجيد الذي يصل، وشكراً لكم. |
(( قصيدة لشاعر طيبة ))
|
ثم يلقي شاعر طيبة الأستاذ الصابوني قصيدة بدأها بقوله: |
- بسم الله الرحمن الرحيم، المحمود الله جلَّ جلالُه، والمُصلَّى عليه محمد وآله، والمدعو له الإسلام ورجالُه، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واهتدى بهديه، إلى يوم الدين، وبعد. آخر قصائدي في أبها: |
هلاَّ رأيتَ جمالَ أبها مرةً |
هلاَّ شهدت روائع الآثارِ |
حيث الطبيعة في مفاتن حُسنها |
حيث البهاء ومُتعة الأنظار |
حيث الحدائق في ليالي عرسها |
حيث الجمال يموجُ بالأسرار |
أنَّى التفت ترى الجمال مجسداً |
مهوى الأحبّة مجمع السُّمار |
أبها.. وما أبهى جمال ربوعها |
كم حركت في القلب من أوتار |
فترى البهاء يفيض في جنباتها |
ويُجرُّ ذيل التيه والإِكبار |
تلك الجبال الشاهقات شواهد |
والغيم جلَّلها كعقد إزار |
وتراه عانقها عناق مُتيم |
والغيثُ يبكيها بدمع جاري |
حيث الضبابُ يلفها في بُرده |
لا تَستبين جمالها بنهار |
بينا يكُون الجُّو فيها صاحياً |
فإذا بها غُمرت من الأمطار |
تلك المناظرُ كم زهت في روعةٍ |
شرك الخواطر مُتعة الأَبصار |
تلك النسائم إذ تهب عليلةً |
تحكي برقتها ندى الأزهار |
لله أيام بأبها حلوة |
مَرَّت بنا كنسائم الأسحار |
فكأنها حلم يُداعب خاطري |
أو فكرة جالت من الأفكار |
تلك السماء تزينت بكواكب |
ويريك بهجتها سنا الأقمار |
تلك النجوم لآلىء منظومة |
تبدو روائعها لعين الساري |
يقضي بها المصطاف أسعد وقته |
فكأنه بالشام في آذار |
يتمتعون بحسنها وجمالها |
يقضون فيها أجمل الأوطار |
أما لياليها فسحر كلُها |
وتضج بالأضواء والأنوار |
تلك المروج الخضر ملء نواظري |
فواحة بالطيب كالنوار |
تلك الزهور على اختلاف فنونها |
رفت عليك بنفحها المعطار |
من كل زاهرة تسر عيوننا |
عبثت بهن يد النسيم الساري |
روِّح بأبها النفس من آلامها |
واهجم على اللذات دون وقار |
متِّع فؤادك من جمالِ رياضها |
إن الجمال يزيد في الأعمار |
جَلَّ الذي خلق الجمال وصاغه |
من كل فن رائع مختار |
هذا الجمال وما حوى من بهجة |
ينبيك عن صنع العظيم الباري |
كانت لنا أيام في أجوائها |
مع صفوة الأحباب والسُّمَّار |
متمتعين بسحرها وجمالها |
نلهو ونجني أطيب الأثمار |
"مقصود" إنك للقلوب مسرّة |
كرَّمت آل الفضل والآثار |
حيِّ الحُميِّد فهو تِرب فاضل |
من صفوة الأحباب والأخيار |
خلُق أرق من النسيم لطافة |
وشمائل في رقة الأزهار |
إني لأشكركم على تكريمه |
شكر الرياض لوابل ثرار |
خفَّ الكرام للاحتفاء وكلهم |
شوقاً إليك برقّة الإيثار |
في حفلة التكريم تكريم الأُلى |
نالوا من العلياء كل فخار |
|
|
(( كلمة الدكتور محمود زيني ))
|
ثم يلقي الدكتور محمود زيني كلمة قال فيها: |
- بسم الله أحمدك يا ربي، وأصلي وأسلم على خاتم أنبيائك ورسلك سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين، وعلى صحابته الكرام الميامين. |
- أيها الإخوة: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. في الواقع إن نفسي تاقت إلى أن أكرم مع الإخوة الأخ الكريم الأستاذ محمد عبد الله الحميّد، إذا كان هناك أخ كريم جاء من الرياض وإخوة جاءوا من الجنوب، وحقق الوسطية الأستاذ عبد المقصود خوجه في هذا الاحتفال والتكريم، فإذا كانت عروس البحر الأحمر رمت بأحضانها إلى رُبَى نجد من قبل في الأمسيات السابقة فإن عروس البحر على يده ترمي بأحضانها إلى جنوب الجزيرة وإلى رُباها، وإلى أبها البهية الطيبة، ولذلك أشكر الأستاذ عبد المقصود خوجه، وأحمد الله على أن وُجد عندنا هذا النادي الكريم الذي كنا نحن في الستينات عندما كنا في مصر، كانت نفوسنا تتوق إلى مثل هذه الملتقيات، وكانت المملكة بها بعض المنتديات الصغيرة، أو في بعض المناطق ما يُسمى "بالمركاز". |
- وأحب أن أطمئن الأستاذ عبد الفتاح أبا مدين إلى أن أدب السعودية، أو الأدب العربي في السعودية كان معروفاً حتى في الستينات لطه حسين. والأستاذ عباس العقاد، لقد قام الأستاذ عبد الله عبد الجبار خلال إقامته في مصر بفتح نادٍ هناك يُعرّف بهذا الأدب السعودي، وبهؤلاء الأدباء، وعُرف الأدب السعودي في لبنان، عرفه مارون عبود وكتب عنه في المختبر، وقال كلمات صريحة، تقوم من هذا الأدب وتدعو له بأن يستقيم عوده، وأن يستوي على ساقيه، لذلك فإن احتفال الأستاذ عبد المقصود بهؤلاء الرجال إنما يعيد إلينا ما كان غير موجود عندنا. |
- لقد أصبح في المملكة منتديات كثيرة ويأتي في مقدَّمها منتدى الأستاذ عبد المقصود خوجه، جزاه الله خيراً، فقد عرفت الأستاذ المحتفى به الأستاذ محمد عبد الله الحميد، عندما كنا ننهض بأعباء الأندية الأدبية، التقيت معه في القصيم في أول مؤتمر للأندية الأدبية نيابة عن الأستاذ الأديب إبراهيم فودة، فكنت مشاركاً عن نادي مكة الثقافي، والتقيت معه في الرياض في المؤتمر الثاني، واحتضن هذه الأندية وهذا المؤتمر الأستاذ الحميّد، وأثبت حبه للأدب ولرجال الأدب وكان الملتقى الثالث عنده، وقد أشار إليه الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين، والواقع أن جهود هذا الرجل جهود كبيرة، يُحمد عليها ونسأله الوسطية فيما يعمل في بيادره، لأن البيادر لم تُبق للثوابت في بعض الأحيان شيئاً، ونريده أن يختار كذلك لشعراء أبها من التقليديين إن كان هناك من التقليديين، والواقع أن الوسطية هي دَين علينا وقد وُسمنا بهذه الوسطية: وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيداً وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وشكراً لكم. |
|
|