شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
رأي عبد العزيز في تجمع البلاد الإسلامية (1)
إن الجهود المشكورة التي بذلها وما زال يبذلها جلالة الملك فيصل المعظم لجمع شتات المسلمين وتوحيد ضامنهم ما هي إلا تكملة للمرحلة التي بدأها المغفور له جلالة الملك عبد العزيز طيب الله ثراه. فلقد عاش أيامه عاملاً ومناضلاً من أجل رفعة شأن بلاده وأمته وفي جمع شتات أبناء هذه الجزيرة العربية.. ولقد بذل الكثير وضحى بكل جهده ووقته لتوحيد أجزاء هذه المملكة المترامية الأطراف حتى استتب الأمن فيها ورفعت عليها راية التوحيد خفاقة وأصبحنا نعيش هذه الحقبة في أمن وارف الظلال واستقرار هو مضرب الأمثال بين الأمم والشعوب فنعمت هذه البلاد بالنهضة العظيمة التي تعهَّدها من بعده جلالة الفيصل باني الأمجاد.
ومن ثمرات هذه الجهود الخيرة برزت إلى الوجود فكرة التضامن الإسلامي التي ظلت الدعوة إليها سنوات وسنوات لم تتحقق إلا بعد أن بذل لها الفيصل هذه الجهود فقام حفظه الله بالدعوة الصادقة وتحمَّل المشاق في السفر والتجوال في مختلف الأقطار الإسلامية في وقت أصبح فيه العالم الإسلامي في أمس الحاجة إلى الوحدة الإسلامية وإلى التضامن من أجل رفعة الإسلام والمسلمين ومقابلة للدعايات الهدامة والمبادئ المستوردة التي تهدف إلى محاربة مبادئ الإسلام السمحة.. وانتهاك حرمة مقدساته وكان حريق المسجد الأقصى بمثابة ناقوس يشعر المسلمين وينبههم إلى الأخطار التي تحدق بهم وبمقدساتهم.
وكانت مواسم الحج في عهد عبد العزيز أشبه بمؤتمرات إسلامية يجتمع فيها جلالته بقادة المسلمين وزعمائهم وأولي الرأي فيهم يتحدث إليهم عن أمور المسلمين ويطلب إليهم العمل الجاد من أجل رفعة شأنهم.. وكان رحمه الله يفتح صدره لتقبُّل آرائهم ومقترحاتهم ما كان منها يتعلق بالإصلاحات في أراضي الحرمين الشريفين بخاصة.. أو ما يتصل بتقوية الروابط لجمع كلمتهم وتوحيد شتاتهم.
ولقد دار حديث بين جلالته رحمه الله والدكتور محمد حسين هيكل رحمه الله وهو أحد زعماء مصر ممن تقلد مناصب عدة وزارات فيها قبل أربعين عاماً وكان رئيساً لحزب من أكبر الأحزاب في مصر آنذاك. وفي هذا الحديث طلب الدكتور هيكل من جلالته العمل على تعاون المسلمين ورفعة شأن الأماكن المقدسة فقال عبد العزيز "نحن ها هنا في هذه البلاد بفضل الله لا بإرادتنا نحن فالقرآن في رقابنا، وسيوفنا في جنوبنا، وأكبر ما نغتبط له أن تجتمع كلمة المسلمين فالمسلمون أكثرهم عرب. بل كلهم عرب. واجتماع الكلمة هو أول واجب على الدول الإسلامية" فقال الدكتور هيكل: "نحن المسلمين نحرص على أن تكون مكة من الدول الإسلامية كجنيف من الدول الأوروبية".
إنها أمانٍ تحققت اليوم وهذه سكرتارية الدول اليوم وهذه سكرتارية الدول الإسلامية بفضل جهود الفيصل تبرز حقيقة واقعة وتحدد مقرّها في جدة ثغر مكة الباسم ثم قال الدكتور هيكل "يسعدني أن يتصل هذا العمل في توثيق أواصر المودة بين هذه البلاد العربية العربية والإسلامية المتجاورة فأجابه الملك عبد العزيز: "اسمع يا أخي! إن هذا الكلام الذي نقوله حسن وهذه البلاد العربية والإسلامية المتجاورة ترتبط منذ مئات السنين بروابط قوية إذا تعهدها من يعنيه أمرها ازدادت متانة وقوة.. وليس أحب إلي من أن تتحد هذه البلاد كلها في أغراضها مع بقاء كل منها محتفظاً بكيان سياسي له وحده الخيار في تغييره لكنني أقول لك: إن الدعوة إلى هذه الوحدة لا يجوز الاعتماد فيها على الحكومات.. فنحن مرتبطون مع أسلافنا بماض له فينا أثر لا نستطيع الفكاك منه. ونحن مرتبطون كذلك باعتبارات سياسية لها عندنا وزنها.. فأما الرجال الذين يؤمنون بفكرة ويهبون لها حياتهم لا يبتغون من ورائها حكماً ولا سلطاناً.. وإنما يريدون لها أن تتحقق بأكثر أمرهم أن يصلوا إلى غايتهم.. وفكرة الإخاء الإسلامي فكرة سامية بلا ريب من غير حاجة إلى سند لها.. وإني لأرجو لك ولأمثالك ممن يدعون إليها التوفيق والنجاح".
كان هذا رأي عبد العزيز في فكرة الإخاء الإسلامي.. وهو ما طبقه ونفذه جلالة الفيصل حيث برزت المؤتمرات الإسلامية موحدة في هدفها الأسمى وهو خدمة الإسلام والمسلمين دون الالتفات إلى النزعات السياسية.. أو التعرض للسياسات ونظم الحكم المحلية المختلفة في البلاد العربية والإسلامية. فنجحت ولله الحمد وانتظم المؤتمرون يخططون ويعملون يداً واحدة بعيداً عن السياسة وبعيدة عن أجواء النظم الحاكمة.. هدفها جمع الكلمة.. وصيانة المقدسات.. ورفع الظلم.. وإقرار السلام.. ومناهضة التيارات والدعايات الهدامة التي تستهدف النيل من المسلمين.
وفي هذا يقول الدكتور هيكل رحمه الله. "والفكرة الإسلامية المبنية على التوحيد في الإيمان بالله تنزع في ظلال حرية الفكر إلى وحدة الإنسانية، وحدة أساسها الإخاء والمحبة.. فالمؤمنون في مشارق الأرض ومغاربها أخوة متحابون بنور الله بينهم.. وهم لذلك أمة واحدة تحيتها السلام.. وغايتها السلام. وهذه الفكرة الإسلامية تخالف ما يدعو إليه عالمنا الحاضر من تقديس القوميات وتصوير الأمم وحدات متنافسة تحكم أسباب الدمار بينها فيما تتنافس عليه.
ولقد تأثرنا معشر أمم الشرق بهذه الفكرة القومية واندفعنا ننفخ فيها روح القوة نحسب أنا نستطيع أن نقف في وجه من طغى علينا وأذانا. على أن التوحيد الذي أضاء بنوره أرواح آبائنا قد أورثنا من فضل الله سلامة في الفطرة هدتنا إلى تصور الخطر.. والحياة المعنوية هي قوام الوجود الإنساني للأفراد والشعوب. لذلك لم يكن لنا مفر من العودة إلى تاريخنا نلتمس فيه مقومات الحياة المعنوية من جمودنا المذل.. ولنتقي الخطر الذي دفعت الفكرة القومية إليه فأدامت فيه الخصومة بسبب الحياة المادية".
هذه بعض أقوال مفكر إسلامي دبجها قلمه قبل خمسة وثلاثين عاماً عندما قابل الملك عبد العزيز رحمه الله. ولعلها اليوم تبدو وكأنها كتبت في هذا العصر الذي تتضارب فيه التيارات.. وترتفع فيه الشعارات لهدم الإسلام ليس إلا.. لكن الإسلام سيتم الله به النور وينقشع الديجور.. وترتفع راية التوحيد خفاقة.. وسيعمل أبناء هذه البلاد التي انبعث منها نور الإسلام بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم.. لاستعادة أمجاد الإسلام.. وأنها لتباشير الخير بأمجاد جديدة بدأ الفيصل بوضع بذورها.. بمساعي جلالته من أجل التضامن والوحدة الإسلامية.. فمرحى بهذا الفجر الصادق وليوفق الله المسلمين لما فيه خيرهم. ورفعة شأنهم واستعادة أراضيهم ومقدساتهم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1725  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 290 من 414
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأربعون

[( شعر ): 2000]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج