الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

عمارة المسجد الحرام في نقاش مع الشباب ⁽¹⁾

.. قلت لأخواني الشباب بعد أن اقتضبت في شرحي لهم عن تاريخ بناء الكعبة. هل وقفتم على تاريخ عمارة المسجد الحرام؟ فأجاب أحدهم بأن المؤلفات القديمة والحديثة وكتب التاريخ متعددة ولم نجد مؤلفاً حديثاً يتضمن خلاصة يتمكن القارئ من الخروج منها بفائدة ومعرفة قلت بلى.. فإن الأستاذ محمد طاهر الكردي قد ألف كتيباً حوى جميع ما ورد في كتب التاريخ عن عمارة الكعبة والمسجد الحرام.. ثم إنه وإن كانت كتب التاريخ وما ألفه الرحالة الذين وفدوا في القرون الأخيرة للحج ودراسة الآثار الإسلامية متعددة ومتنوعة وفي مجلدات.. فأين أنتم وأقصد الشباب بعامة.. من قراءتها ثم البحث والتمحيص لمعرفة أصدق المراجع.. أين أنتم من تاريخ بلادكم وهي من أحفل بلاد الله بالمآثر والآثار. فالجزيرة العربية مهد الحضارات وموطن القداسات وبلاد الأنبياء. ومنازل الوحي جمعت الأمجاد من عهد آدم إلى عهد محمد صلوات الله وسلامه عليه.. وأنجبت الأبطال من العرب على مر التاريخ.. فكان منهم الشعراء ومنهم الكرماء ومنهم الأوفياء ثم جاء الإسلام.. فكان منهم القادة الذين اعتز بهم الإسلام.. وأن في دراسة تاريخكم غذاء يكفيكم ويملأ فراغكم بدلاً من الكتب السخيفة والمؤلفات الفجة.. والقصص المثيرة الخليعة.. ثم ما أجمل أن تقوم في كل مدرسة جماعة تنظم الرحلات لدراسة الآثار الإسلامية والعربية أثناء العطلة الدراسية.. وما أكثر ما ستقف عليه.. والكشافة في المقدمة. لأن من أهم ما يجب أن يعرفه الكشاف العربي السعودي تاريخ بلاده.. وأماكن الآثار الإسلامية فيها.

فقاطعني آخر وقال: لا يكفي أن تضع اللوم وحده على الشباب.. فإن على الكتَّاب وحملة الأقلام والمؤلفين واجباً في هذا المضمار.. أن منهم من انصرف إلى الكتابة في الصحف.. ومنهم من اقتصر على تأليف القصص ودواوين الشعر.. ولا نقول إنه ينقصهم شيء يجعلهم ينصرفون بكليتهم عن تأليف كتب للشباب وللكشافة وللوافدين تجمع أهم المعلومات من أصدق المراجع.. وتخرجها في أسلوب سهل.. وشرح مبسط.. والشعراء أيضاً بإمكانهم عمل روايات شعرية كالتي ألفها أحمد شوقي عن "قيس وليلى" و "عنترة" ففيها تاريخ وفيها تشويق وفيها تعريف لأهم المواقع والمدن الأثرية. والإذاعة يمكنها أن تخصص جوائز للقصص والتمثيليات التي تنفرد في مغزاها بتخليد تاريخ أمجادنا.. وآثار الجزيرة العربية الإسلامية وغيرها.

وفي المراحل الابتدائية والمتوسطة حبذا لو تقتصر دراسة التاريخ على الآثار الإسلامية وتاريخ الجزيرة العربية والغزوات وظهور الإسلام بحيث تعنى وزارة المعارف بتخصيص مؤلفات تجمع المفيد المحبب لعقول النشء.

قلت ذلك واجب الشباب.. وهذا واجب لا يقل أهمية عنه وسأنقل بأمانة مقترحاتكم وهي بلا شك ستكون موضع العناية من الكتاب والأدباء والشعراء والإذاعة ووزارة المعارف.

ورجعنا للكلام عن تاريخ عمارة المسجد الحرام.. فذكرت لهم ملخصاً عما ورد في كتاب "منزل الوحي" عنها حيث قال المؤلف: -

"على عهد عمر بن الخطاب امتد الفتح الإسلامي وكثر الذين يشهدون الحج.. وضاق الفضاء المحيط بالبيت بهم حين الصلاة.. عند ذلك اشترى عمر دوراً حول الكعبة وهدمها وأدخلها في حرمها وأحاطها بجدار قصير.. ولقد أبى بعضهم يومئذٍ أن ينزل على إرادة عمر فأجلاهم عن دورهم ووضع لهم ثمناً في خزانة الكعبة.

ثم حذا عثمان حذو عمر وأضاف إلى الكعبة دوراً اشتراها.. وكان عمر قد أحاط المسجد بجدار لا يرتفع إلى قامة الرجل.. ويذكر بعضهم أن عمر وضع على الجدار مصابيح تضيء بالليل المكان الذي يصلّون فيه العشاء.. أما قبل عمر فلم تكن ثمة مصابيح.

ثم في سنة (أربع وستين من الهجرة) اشترى عبد الله بن الزبير دوراً وسع بها المسجد ولم يزد على أن أحاط الزيادة بجدار المسجد. وفي عهد عبد الملك بن مروان أمر فرفعت جدار المسجد وسقف بخشب الساج الداكن اللون المتين.. ثم زاد الوليد بن عبد الملك في عمل أبيه فنقضه ووسع المسجد وزخرف الساج ونقل إليه أساطين الرخام وزخرف أبواب المسجد "بالفسيفساء".

وفي عهد العباسيين أصدر ثاني خلفائهم أبو جعفر المنصور أمره إلى واليه على مكة فزاد في المسجد الحرام وجعله ضعف ما كان عليه.. وزينه بالذهب والنقوش وبنى مئذنتين "بنى بهم" وأتم ذلك فيما بين سنة (137) و 140 هجرية ثم زاد المهدي بعد أبيه المنصور ما جعل المسجد في ما كان عليه قبل توسيع جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله يضيف إلى المسجد بعد زيادة المهدي غير إضافتين جزئيتين في عهد الناصر والمقتدر من العباسيين على أن عمارته جددت مرات. وآخر عمارة صرف عليها السلطان سليم من سلاطين آل عثمان خمسة وخمسين ألفاً من الجنيهات عدا مائة ألف من الذهب الإبريز وهي العمارة التي جرت توسعتها في عهد الحكومة العربية السعودية سدد الله خطاها.