آليْتُ أَنْ أكْتُمَ أنَّتي بفُؤَادِي |
وَلِظُلْم غَيْري.. لا أَكُونُ البَادِي |
فَلقَدْ خَبَرْتُ النَّاسَ في أَوْضَاعِهمْ |
وَبَذَلْتُ.. لَكِنْ قَد جَنيتُ تَعَادِي |
وَلَقِيتُ مِنْ كَيدِ الحَسُودِ وظُلْمِهِ |
فَمَشَيْتُ.. لَكنْ فَوْقَ شَوكِ قَتادِ |
عَاشَرْتُ أَقواماً سَعِدْتُ بودِّهِمْ |
زَمناً وَفُزتُ بصُحْبَةِ الأَمْجادِ |
وَبقيتُ عُمري لا أَزالُ أُحبُّهُمْ |
وَبهمْ وَمنهُمْ كَمْ لَقيتُ أَيادِي |
وَإذا مَضَى مِنْهُم لِرحمةِ رَبِّهِ |
فَرْدٌ، خَلَوْتُ لِحُرْقَتي وسُهادِي |
مِنْ بعدِهمْ أَنَا كَالغَريق بوحْدَتِي |
دَأَبي الوَفَاءُ لِموطِني وَودَادي |
وَلمنْ لَهُ فَضلٌ عليَّ.. وَكانَ لي |
عَوناً بلغْتُ بما يُنيلُ مُرادِي |
أشتاقُ أيَّامي الخَوالي بينهُمْ |
إذْ كَانَ في صَفْوي بهَا إسْعادِي |
وأُسَائِلُ الزَهْرَ.. الكَواكِبَ.. عَلَّهَا |
تَروي لَنَا عن سَامِر أو نَادي |
في الصيفِ إذْ كانتْ لَيَالي أُنسِهمْ |
في نُخبةٍ من أَكْرَم الأَجْوادِ |
يشدونَ بالغَزَل البَريء قَصَائِداً |
أَو يَطْربونَ لِعَازفٍ أَوْ شَادِي |
تِلْكَ المجَالِسُ أَيْنَ مِني ظِلُّهَا |
في فَجْر أيَّامي.. وَفي أعْيَادي |
مِنْهَا اقَتَبستُ سَنَا الثَّقَافَةِ والحِجَى |
وَعَرفْتُ دَرْبَ مَعِيشَتي وَرَشَادي |
في مَكَّةٍ.. في الطائِفِ المأْنُوس في |
عَرفات.. أَوْ عِنْدَ الغَدير الغَادِي |
أو في الجمُوم.. إذْ الريَاضُ كَثيرةٌ |
تحتَ النّخيل وفي فِجَاج الوَادي |
في الزَاهِر المعْشَابِ.. في جَنَبَاتِهِ |
أو في (رُبى الخَرَّار) أو أجْيَادِ |
إنْ قُلتَ هُمْ (آباءُ).. دَلَّكَ عَطْفُهُمْ |
أَوْ إخْوَةٌ هُمْ مِنْ دَم الأَجْدَادِ |
كَانَ التآخِي والتَّعاطُفُ دَأْبَهُمْ |
يَلْقاكَ كُلٌّ لِلمودةِ صَادي |
هَذا المشِيبُ أَطلَّ.. تَوَّجَ مَفْرقِي |
مَنْ لي برجعةِ مَفرقِي لِسوادِ |
هُوَ كَالنَّذيرِ لِصَبْوَتِي وفُتُوَّتِي |
بعدَ الشَّبَاب وَصِحَّةِ الأجْسَادِ |
خُذْ مِنْ زَمَانِكَ في الشَّبَابِ روَاءَهُ |
واسْعَدْ بزَهْر العُمْر قَبْلَ نَفَادِ |
إنْ كَانَ في عَقْل الشُيوخ رَجَاحَةٌ |
فَهْي الثُمالةُ بعدَ طُول جهَادِ |
أو كَانَ في إدْراكِهمْ مَا يُرْتَجى |
مِنْ حِكْمَةٍ وَبَصِيرةٍ وسَدادِ |
فَمَصائِرُ الأيَّام تَترُكُ في الفَتَى |
عَزْماً بهِ يَغْدُو مِنْ الرُّوَّادِ |
* * * |