شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
قراءة سريعة في ديوان سطور على اليمّ
علي أبو العلا.. شاعر مناسبات.. ولكن؟!
بقلم: محمد أحمد الحساني
"سطور على اليمّ".. اسم الديوان الثاني للأستاذ علي أبو العلا حيث سبق أن صدر للشاعر ديوان عنوانه "بكاء الزهر".
ويعتبر الشاعر أبو العلا بصفة عامة "شاعر مناسبات" وهو لا ينكر هذا عن نفسه بل إنه يرى أن الشعر كله مناسبات وأن الحياة كلها مناسبات سواء كانت مناسبات خاصة أو عامة دينية أو عاطفية أو وطنية وأن لكل قصيدة تولد في نفس أيّ شاعر على وجه الأرض مناسبة وموقفاً جعل الشعر يتدفق على لسانه ونحن معه أيضاً في أن الشاعر إذا قال الشعر في أية مناسبة تملَّكت عليه فكره وروحه فإنه سيعطي شعراً صادقاً حياً بغض النظر عن مستوى الشاعر من الناحية الفنية. المهم هو ألا يتكلَّف الشاعر - أيّ شاعر - النظم في المناسبات بدافع المجاملة أو غيرها فيكون شعره نظماً بارداً.
عنصر الصدق إذا توافر في العمل الفني فإنه يؤثر في المتلقي ما لم يعرفه الناس... هو أنه شاعر.. وجداني.. رقيق.
فالمسألة إذاً ليست في أن شعر المناسبات هو شعر فيه عيب ومنقصة وإنما الأمر يتصل بالشاعر نفسه؛ فإذا تدفق بالشعر في المناسبات صادقاً منفعلاً بالحدث فإن شعره سيكون مؤثراً فيمن حوله والعكس صحيح؟!
ويرى الشاعر علي أبو العلا أن شعر المناسبات يمكن أن يُسهم في البناء والإصلاح ويضرب لذلك مثلاً بأمير الشعراء الشاعر العبقري أحمد شوقي - يَرحمه الله - الذي كان في زيارة لتركيا فرأى الجسر الواصل بين ضفتيّ البسفور وما هو عليه من حال، فلما وصل إلى الوالي العثماني أنشده هذه الأبيات التي كانت وراء إصلاح الجسر:
أمير المؤمنين.. رأيت جسراً
أمر على الصراط ولا عليه
له خشب يجوع السوس فيه
وتمضي الفأر لا تأوي إليه
ولا يتكلف المنشار.. فيه
سوى مرّ العظيم بساعديه
ويَبْلى نعل من يمشي عليه
قبل النعل يدمي إخمصيه
وكم قد جاهد الحيوان فيه
وخلّف في الهزيمة حافريه
ولعل الشاعر أبو العلا قد رأى في شوقي قدوة له فكانت قصيدته التي ذكر فيها حاجة مكة المكرمة إلى جامعة مؤكداً بذلك المطالبات الصحفية والشعبية الموجهة إلى ولاة الأمر حيث ألقى تلك القصيدة بين يديّ جلالة الملك خالد - يرحمه الله - وبحضور جلالة الملك فهد - حَفظه الله -؛ وكان التوفيق يومها حليف الشاعر في تلك المناسبة التي أقيمت بمكة المكرمة.. فقد أراد الله أن يكون له الفوز بإعلان الموافقة على إنشاء جامعة أم القرى فور إلقاء قصيدته، حيث همس جلالة الملك خالد - طيّب الله ثراه - في أذن أخيه ووليّ عهده "آنذاك" جلالة الملك فهد بالموافقة على إعلان قيام جامعة أم القرى. وفي تلك القصيدة يقول الشاعر:
إنا نبثك ما نريد فأنت من
لبى المطالب.. والجواب قبول
نحتاج جامعة تضم معاهداً
في قلب مكة تزدهي وتنيل
طلاب مكة والضواحي والقرى
شتى العلوم ورأسها التنزيل
مما تقدَّم نخرج بنتيجة هي أن الشعر هو الشعر وأن كونه يقال في مناسبة فهذا لا يعيبه لأن الحياة مناسبات ومواقف وإنما الأمر يتوقف على مستوى صدق الشاعر عندما ينظم قصيدته وكذا الأمر بالنسبة إلى الكاتب أو الصحفي، فإذا توافر عنصر الصدق فإن العمل الفني يؤثر فيمن يتلقاه والعكس لما ذكرناه آنفاً صحيح !!
والآن دعونا نتصفح ديوان "سطور على اليمّ" فالديوان من القطع المتوسط ويقع في 330 صفحة، وهو من مطبوعات نادي مكة الثقافي وقد أُخرج إخراجاً جيداً وقدَّم له بتحية عاطرة الأستاذ الرائد والمفكر العربي المسلم الكبير أحمد عبد الغفور عطار. وتضمّن كذلك خاطرة أدبية جميلة بقلم الأستاذ الأديب محمد أحمد مشهور الحداد سبق أن نشرها عن شعر أبي العلا في جريدة الندوة عام 1404هـ ضمن دراسة نشرت في حينه عن بعض الشعراء المكيين.
وقد وجدنا أن الشاعر "أبا العلا" قد قسَّم ديوانه إلى أقسام فجعل قسماً للاجتماعيات والسياسة وقسماً ثانياً للوجدانيات وثالثاً للمراثي وفي نهاية الديوان جعل باباً لمن أسهموا في الكتابة عن الشاعر أو له وذكر منهم الشاعر أحمد إبراهيم الغزاوي والشاعر الكبير حسين عرب والأستاذ الكبير عثمان صالح والشاعر المصري العملاق أحمد رامي الذي ظهرت صورته مع "شاعرنا" خلال وجود الأول في الأراضي المقدَّسة وبجوار الصورة رسالة رقيقة مؤرّخة بعام 1965م يشكر فيها الشاعر المصري "شاعرنا" ويبدي إعجابه بشعره حيث نظم أبو العلا قصيدة يُحيّي فيها شاعر الشباب منها الأبيات التالية:
رجع ألحانك العذاب
خلّد الحب.. والشباب
وصف الشوق.. والهوى
وصدى الوصل.. والعتاب
قد كفى اللحن "ذكريات"
تعبر الأفق.. كالسحاب
ثم يقول أبو العلا لصديقه "رامي" بمناسبة وجوده في المدينة المنورة:
دع حديث الهوى هنا
واطلب الأجر.. والثواب
واقصد المسجد.. الذي
نشر الحق.. والصواب
قف.. تلمس مواقفاً
حمت الدين.. بالحراب
بين "أُحد" وخندقٍ
وعلى السفح.. والهضاب
وتذكَّر.. بذي قبا
"طلع البدر" والركاب
* * *
أبو العلا.. وشعر الحكمة
ومن خلال قصائد المناسبات بجميع فنونها نجد الشاعر أبو العلا يُضمّن قصائده أبيات حكمة.. نختار منها هذه الأبيات على سبيل المثال حيث يقول في إحدى قصائده:
إذا العدل استقر فكل أرض
أمان لا تخف فيها اغترابا
وما ضرّ المكارم حين تلقى
مزاعم جاحدٍ.. ورؤىً كذابا
ويقول في قصيدة أخرى:
إنما الحُبّ.. بلا تضحيةٍ
كسرابٍ لاح أو طيفٍ عبر
ويهون المال للذكرى وهل
يخلُد الإنسان.. إلا بالذِكر
وفي قصيدة جميلة عنوانها "الإنسان على دروب الحياة" يصوغ الشاعر رأيه في هذه الأبيات المشعَّة بالحكمة:
نروح صباحاً.. ونغدو مساءً
نصارع أحلام ماضٍ.. وآت
فلا المال يشبع أطماعنا
ولا العزّ والجاه والمعطيات
ونُعطى البنات فنبغي البنين
ونُعطى البنين.. فنبغي البنات
فإن خصّنا الله بالحُسنين
شكونا الكثير من الضائقات
وإن عضّنا الدهر ضِقنا به
وإن بسم الحظ كنا الطغاة
وتمضي الحياة بنا فجأة
على غرّة في عميق السبات
ونصحو وقد فات من عمرنا
زمان التشبث بالأمنيات
ويستطرد الشاعر قائلاً:
وكم من أخٍ سرني قوله
وكان سراباً حوته.. الفلاة
يكيلُ ليَ المدح إن كان لي
ثراء ويلبسني المعجزات
وإن ضاع جاهي وقلّ ثرائي
تفنَّن في الذمِّ.. والشائعات
ويقول في قصيدة عنوانها "وفاء الصحب":
فكن ما شئت واقتحم المعالي
ولكن طبعك الطبع الحبيب
وعاشر في معاشك دون حقد
فشرّ الناس في الدنيا الغضيب
وما تعطيه من حلم وعطف
تجده غداً وظنّك لا يخيب !
فكم مرّت بدهرِك من عظات
يقلب أمرها الفطن اللبيب
هي الدنيا... وما فيها بقاء
سوى الإحسان بعدك يا غريب !
أبو العلا والشعر الإسلاميّ
وقد لاحظنا أن الشاعر قد ضمَّن معظم قصائد الديوان روحه الإسلامية العالية فهو دائم الحديث عن واقع المسلمين والعرب.. ودائم الثناء على الإسلام وأهله وعلى رسول هذه الأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.. مسجلاً بريشته المواقف الإسلامية الخالدة تسجيلاً أميناً صادقاً.. داعياً المسلمين إلى وجوب العودة إلى التضامن وإلى تعاليم الإسلام الخالدة حتى يتمكنوا من تحرير المقدسات والدفاع عن الحُرُمات.
لقد كتب الشاعر - على سبيل المثال - قصيدة بل ملحمة يبلغ عدد أبياتها حوالي ثمانين بيتاً عنوانها "ومضة على جبال النور" تحدث فيها عن سيّد البشر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم منذ ولادته حتى بلوغ الإسلام مكانته من المنعة والعزة في طيبة الطيبة وابتداء الفتوح الإسلامية شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً.
الوجه الآخر للشاعر؟!
أما ما لم يعرفه الناس عن الشاعر أو على الأقل قراء الصحف والمجلات الأدبية لِعزوفه عن نشره لأسباب لا نعرفها - فهو أن علي أبو العلا شاعر وجدانيّ رقيق فقد ضمَّن ديوانه هذا الذي بين أيدينا 28 قصيدة جعل لها باباً أو قسماً أسماه "الوجدانيات". ولكي نؤكد ما قلناه عن رقة الشاعر وإجادته للغزل إلى حد ما على الرغم من عدم نشره لهذا الإنتاج الجيد، نقدم للقراء نماذج لبعض ما حواه الديوان من أبيات ومقطوعات شعرية جميلة، ففي قصيدة عنوانها "أغنية حب" يقول الشاعر:
لا الشعر يشفي غليلي لا.. ولا الوتر
إني لعينيك بل للحب.. أعتذر
حاولت وصفك فاستعصى الخيال معي
يا من سعدت بها تزهو بها الصور
جزائر الكحل في عينيك.. تجذبني
ماذا أقول؟! وقلبي بات ينتظر
ومن قصيدة عنوانها "حنانيك" نقتطف هذه الأبيات:
ترفّق فإني نقيّ الضمير
وقلبي المعنّى.. رقيق الشعور
ونفسي التي بعتها راضياً
تحن إليك.. حنين الطيور
كلمة أخيرة
هذه القراءة السريعة لديوان "سطور على اليم" أكّدت لنا أن علي أبو العلا يسكنه شاعر متمكن.. مطبوع، حال دون انطلاقه إلى آفاق أرحب كان من الممكن أن نقدمه إلى قرائه في صورة أبهى وأجمل لولا ظروف عمله الإدارية وانشغاله عن الشعر حتى إنه لم يمنحه من وقته إلا القليل ومع ذلك فإن هذا العطاء يستحق التحية.. وأملنا أن نرى الديوان الثالث للشاعر وقد نقل لنا فيه خلاصة تجاربه في الحياة بعد أن يكون قد تخلّص من أعماله الرسمية التي تلتهم جلّ وقته في الوقت الراهن لأن ما قدمه حتى الآن في ديوانه على الرغم من مشاغله وبُعده عن الحياة الأدبية يُبشّر بأنه يستطيع أن يعطي أكثر وهو ما نأمل أن يكون.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1164  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 113 من 414
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثاني - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (2): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج