شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الدكتور فهد العرابي الحارثي ))
ثم أعطيت الكلمة للدكتور فهد العرابي الحارثي رئيس تحرير مجلة اليمامة قال:
- بسم الله الرحمن الرحيم. إنني أصل للتو من الرياض من أجل الأستاذ الدكتور منصور الحازمي ومن أجل أن ألتقي بهذه الوجوه الكريمة وما كنت أود أن كتب كلمة بهذه المناسبة؛ كنت أود أن أقولها ارتجالاً، لهذا فإنني أود أن تعذروني لأي اضطراب يأتي على هذه الكلمة، وهي بالتأكيد ستأتي مختلفة عن كل الكلمات التي استمعتم إليها، أولاً لأننا اعتدنا أن نداعب الدكتور منصور في الكلية، وثانياً لأني كتبتها في ظروف نفسية غير طبيعية.
- أقول: نتذكر جيداً الآن ذلك الجيل الأول من الأكاديميين السعوديين يوم كان الدكتور شيئاً عظيماً كائناً نادراً له رقبة طويلة وساقان نحيلان وجناحان غزيران، أجل، حامل الدكتوراة كانت له في تلك الأيام أجنحة وهذا هو الفارق الذي كان يجعله مختلفاً عن غيره من الناس فهو يمشي في الشارع على رصيف وحده، أما الآخرون فعلى الرصيف المقابل له يمشون في محاذاته يتأملون الجناحين طبعاً وكشخة (1) العقال وخيلاء الخطوة، الدكاترة في عمومهم في تلك الأيام كانوا من ذوي السترة والبنطلون، أما دكاترة "الغترة" و "العقال" فقد كانوا ندرة الشوق وتطلع المستقبل.
- في ذلك الزمن الرغد بالحب، المخضل بالغبطة كان منصور وزملاؤه القليلون فاكهة المكان، كانوا يمشون على الرصيف وحدهم، يدخنون السجائر الفاخرة وحدهم والناس ينظرون إليهم من بعيد في كبرياء، أجل في كبرياء ولم لا؟ فقد كانوا نافذتنا الأولى على العلم يوم كان مطوع المسجد في قرانا النائية هو كل شيء هو المدرس الذي يعلم الأطفال والفلكي الذي يحدد مواقع الماء ومواسم المطر والقاضي الذي يحكم بين الناس والمأذون الذي يزوجهم والطبيب الذي يطرد عنهم الجن ويفك عن صدورهم السحر ويعلق في أذرعتهم الرقى والتمائم والتعاويذ، يومها بالطبع وغير الطبع كانت للدكتوراة شنة ورنة، وكان منصور الحازمي وزمرته – لاحظوا أنني أستخدم مفردة زمرته مكان زملائه لضرورات غير بريئة – كان منصور الحازمي وزمرته يفردون أجنحتهم في الفضاء ليشغلوه كله: في الإذاعة، في التلفاز، في الندوات، في المؤتمرات، لا تكاد ترى سوى أولئك الدكاترة منصور وزمرته في أثوابهم النقية وجباههم اللماعة، يفتون في كل شيء، ويدلون بالرأي في أي موضوع، ويقدمون المشورة في أي همّ أو مشكلة، يتحدثون في التاريخ وفي الأدب والجغرافيا والكيمياء والرياضيات، والفيزياء، وتلوث البيئة، والأمراض الفيروسية، وأوبئة المناطق الحارة، وعمليات التجميل، وصناعة العطور، أجل فهم دكاترة وقد أوتوا من العلم كثيراً، والناس في مقابلهم لم ينالوا من نور الفهم والعقل إلا القليل.
- لكن هذه الأبهة لم تلبث أن تلاشت فأضحى منصور الحازمي وزمرته يأخذون في المكان ركناً قصياً، الزحمة الزحمة فالأرض لا تنبت إلا دكاترة والسماء في عليائها لا تمطر هي الأخرى إلا دكاترة، والجميع يقفون بل يكتظون على أبواب التلفاز والإذاعة والصحف والأندية ينتظرون دورهم في الكلام وإسداء النصح وتقديم الفتوى.
- فجأة اختلط الحابل بالنابل والغث بالسمين، فتحت كل حجر دكتور وتأكد من حقيبتك اليدوية أو حتى جيبك فلربما عثرت فيها أو فيه على دكتور يخرج عليك فارداً جناحيه مادّاً عنقه مدلياً لسانه يريد أن يأخذ دوره في الكلام بينك وبين عائلتك.
- أجل منصور الحازمي وزمرته لم يعودوا يمشون وحدهم على الرصيف، بل لم يعد هناك رصيف أصلاً يمشي عليه الناس أو المواطنون التعساء، فالأرصفة كلها مشغولة بالدكاترة الجدد، جيل أكتوبر كما يسميهم الدكتور أحمد خالد البدلي زميل منصور وأحد دكاترة الكشخة في الزمن الأول، والحق قبل هذا وبعده هو أن منصوراً وزملاءه الأوائل قد غادروا المكان أو اتخذوا ذلك الركن القصي للزمن المناسب، أي عندما كثر الضجيج وتعالت الأصوات وتصاعد الغبار والدخان إلى عنان السماء كانوا يطلون من فوق أو من بعيد. صحيح أنهم ابتعدوا قليلاً عن منطقة الضوء لكنهم - وهذا هو المهم - صانوا وقارهم الأكاديمي من الابتذال، ظلوا كباراً وبأجنحة وافرة غزيرة، أما منصُور نفسه هذا الماثل أمامكم المنتظر عدلكم وإنصافكم فقد ظل إلى يومنا هذا هو وردة ذلك الجيل، إن زملاءه يشتركون معه في حيازة أدوات الأكاديمية لكنه ينفرد دونهم في حياكة الأدب المحض، في القصة وإن كنتم لا تصدقوني اقرأوا الرحلة في كتابه، في البحث عن الواقع، في الشعر الزلال أيضاً، وإن كنتم لا تثقون في ضائقتي الأدبية فاسألوا شاهداً من أهله، أقصد من جيله أو من زمرته الأولى، أعني تحديداً الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الطيب الأنصاري، فهو سيتفق معي على هذا الرأي، بل ربما تفضل وقال لكم شيئاً من شعر الحازمي القديم، ذلك الشعر الذي يمكن أن يمنع الحازمي من قوله الآن الوقار، وهو ليس وقار الأكاديمية هذه المرة بل هو وقار السن والشيخوخة التي ما فتئ أبو مازن وفقه الله يخفيها عنا في الكلية وعن أم العيال في البيت بمختلف الألوان والأصباغ، ولكن ذلك لا يجديه فتاريخه عندنا منذ أن كان وقلت قبل قليل كائناً نادراً له رقبة طويلة وساقان نحيلان وجناحان غزيران، أي منذ أن كان عضواً بارزاً في الجيل الأول من دكاترة الكشخة.
- ولكنني على الرغم من كل شيء سأظل أقول إن هذا "أبا مازن" كان وما يزال وردة ذلك الجيل وهو قمرهم الذي لا يغيب، كرِّموه هذه الليلة فهو أهل لذلك.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :642  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 65 من 196
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء التاسع - رسائل تحية وإشادة بالإصدارات: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج