شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كيف نملأ هذا الفراغ؟!!
للشاعر الكبير/ محمد حسن فقي:
- تفكَّرت في أمري، فلن ألق واحد
من الناس مثلي في الشجون الأوابد
لقد صرتُ منها بائداً، مثل خالدٍ
وقد صرتُ منها خالداً مثل بائد!!
• نحن - كمجتمع مسلم عربي - نحتاج كثيراً إلى قواعد هامة وثابتة.. تقف عليها علاقتنا، وأفعالنا، وتعاملنا... وحتى ممارساتنا!
• الالتزام، والروابط، والمواقف الواضحة، التي تغشيها المصالح، واضطرابات النفس والرؤية!
إن "الروابط" توفر لنا مناخ "الجماعة" التي تتماسك، وتعتصم، وتُنتج.
إن "المواقف"تجسد أفعال الأخلاق، والضمير، والنظافة، والحق.
إننا ما زلنا نضع هذه القواعد في مناهج الدين والتأريخ بالمدرسة.. ثم ننسى أن نعلم أبناءنا كيف يتبنون أصالتها!.. كما ننسى نحن - كجيل متقدم - كيف نستعيد بعض تلك المواقف للعظة وللاعتبار.. قبل أن تنحصر في "الفخر" فقط!!
إن الذي نعلّمه لأبنائنا ولبناتنا في المدارس والجامعات.. لابد أن تتعاطف معه: تصرفاتنا في الحياة الاجتماعية، وأخلاقياتنا في التعامل اليومي!
ولا بد أن يتفق ذلك.. بالتناسق مع أفكارنا وسلوكياتنا، التي نحب بها، ونعاشر، ونعمل، وننتج، ونختلط... وحتى نترفّه!!
لابد أن تكون هنالك دعوة.. لتمييز رواسبنا الاجتماعية، واختلاطها برواسبنا النفسية!
كذلك... فإننا - كمجتمع مسلم عربي - مطلوب منا أن نمتح ترسباتنا النفسية، التي تراكمت منذ أكثر من أربعين عاماً.. بالصدمة، وبالتغيير، وبالتطور، وبغربة الروح... وقبل ذلك: بالجهل، وبالعفوية، وبالطيبة... التي كانت تبلغ بالإنسان إلى درجة البلادة، أو التدجين!
إن ترسباتنا النفسية.. حافلة بها كتب التاريخ المعاصر!
إنها تلك الفترات.. التي حاولنا فيها، والتي جرّبتنا!
إنها تلك المراحل.. التي أحدثت - بلا شك - ردود فعل في نفسية الإنسان!
ولكنَّ تلك الردود للفعل.. كانت كمن يتحسس موطن الألم ويعرف وجعه..
غير أنه لا يعرف دواءه الشافي!
إن عالمنا اليوم تأخذه المراحل، وتطحنه التجارب.. فيتألم ويتوجّع، وربما يرفض ويعترض ويشكو ويصرخ.. ولكنه مازال يخضع لعملية الخلط بين الرواسب الاجتماعية، والرواسب النفسية!
إن عالمنا.. يتعلم، ويتثقف، ويُجرّب، ويحاول، ويطمح، وينسق، ويصنع الحجة بعد المنطق.
وربما هو عالم يحسن "الإعلان" عن قضاياه وهمومه ومطالبه، وذلك بتطور وسائل الإعلام!
وربما هو عالم يحسن، بل ويجيد "التخاطب"، والخطابة، والكلام!
لكن هذا العالم.. لم يصح بعد من أحلام تاريخية، ولم يتخلص بعد من الافتتان بـ "الأنا"، ولم يُذِبْ بعد رواسبه!
• • •
• الرواسب المتعددة:
إن الرواسب الاجتماعية: تتمثل في أشياء من التعود، ممزوجة بأشياء من الأحلام التي لم تستطع حتى الآن أن تتجسد!
إنها - أيضاً - مأخوذة إلى "اللعنة".. التي مازال العالم يئن منها، واسمها: لعنة التمزق، لعنة بَطَر القوة، لعنة الأطماع، لعنة الضعف!
وهذه الأشكال أو اللعنات.. تشكل قرارة تلك الترسبات الاجتماعية، التي منعت التاريخ العربي المنتظر أو المؤمل.. أن يطغى على التاريخ العربي من امتداد أربعين عاماً، وحتى الآن!!
• أما الرواسب النفسية: فهي تستقر في وعاء من الإرهاق، ومن اللهاث في ضمير الإنسان، ووعيه، وأمانيه.
وهذه الأعماق قد امتلأت بمرارة وحنظلية تلك السنوات التي تسمى: بدء التاريخ الحديث للعالم العربي!
وفي هذا التاريخ الحديث.. عَبَر بالإنسان: شعارات، ونداءات، ومحاولات، و"صرعات" وألعاب سياسية، وأحقاد قمعية!
وأهم ما بقي على الإنسان العربي حياً.. هو شيء واحد، تمثَّل في إخراج المستعمر القديم من الأرض العربية.
لكن ذلك "الإخراج" لم يتمخض عن ولادة توحيد الأجزاء العربية التي مزقها الاستعمار القديم.. ولم ينجح في صياغة إنسان عربي جديد، له فكر قادر على احتضان تاريخه القديم، ومزجه بصناعة تاريخ جديد.. يحقق تضامن الأفكار كلها، ويجعل منها قدرة، وقوة، ومنعة من التمزيق!
ذلك كله.. يجعلنا نجوس خلال بعض المواقف المعاصرة، وبعض الأفكار التي طُرحت.
ونتذكر - هنا - ما كتبه الوزير الفرنسي الأسبق "ميشال جوبير" قبل سنوات، بعنوان: "شعب الصمت"!!
وكنت - في البدء - أظنه يقصد الأقطار العربية، أو أن الشعب العربي في اعتباره، من شعوب الصمت!
لكن الوزير الفرنسي الشهير، الذي لعب دوراً غير عادي في الستينات، وفي الشرق الأوسط بالذات... كان يتكلم يومها، وكأنه موظف في "اليونسكو" أو في "غوث اللاجئين"!
لقد حدد في مقاله ذلك إجابته عن السؤال المطروح: مَنْ هم شعوب الصمت؟!
ـ قال: إنها شعوب كمبوديا، وأريتريا!
ثم ركز حواره - بعد ذلك - على القضية الأريترية(!!).
وقد نستطيع أن نشكر السياسي الفرنسي الشهير، لأنه أخرج الشعب العربي من صفة: الصمت.. ربما لأن الشعب العربي كثير الكلام بالفعل.. وربما لأنه يعرف عبارة تشرشل القديمة التي حاول بها شتْم العرب، بتعريضه لقُطر عربي، فقال:
ـ لو كانت الحرب بالكلام.. لانتصرت "....." على العالم!
ولكنها عبارة مجحفة بشعب ذلك القُطر العربي، ولعلها عبارة استعمارية لأسد جريح، أو لذئب مهزوم!
ثم يأتي سؤال يستطرد خلف ذلك العنوان الذي كتبه "ميشال جوبير" وهو:
ـ لماذا لم يشر "ميشال جوبير" إلى الشعوب العربية في مقاله ذاك؟!
بل إنه في بعض دلالاته.. اعتبر بعض الدول العربية سبباً في إدخال "أريتريا" إلى دائرة الصمت!!
ولكن التبرير: أن "جوبير" كان يكتب كمثقف، وليس كسياسي!
والمثقف اليوم - حتى لو كان عالمياً - تُهمُّه بلا شك هذه العناوين:
• اليونيسكو، منظمة الأغذية العالمية، مؤسسات الطفولة، مشكلات نزع السلاح!
أما "كيسنجر".. فإنه بعد ابتعاده عن الأضواء السياسية، لم ينس أن يحفل بالفن، وبالرقص "العربي"!... تماماً كما كان يحفل - عندما كان سياسياً - بالرقص السياسي الاستعماري في العالم العربي... بوصفه: المندوب السامي اليهودي الصهيوني في البيت الأبيض الأمريكي!!
ولا نستبعد بعد مرور تلك السنوات، أن يكون الدكتور كيسنجر قد تحول إلى رواسب نفسية، كم تلك الرواسب العديدة في أعماق الإنسان العربي!
• • •
• المشكلات الأسَرية:
• وحين نتحدث عن الرواسب الاجتماعية، والرواسب النفسية، والرواسب السياسية... فإن الحوار يتشعب بنا - بالضرورة - حتى يبلغ مناقشة المشكلات "الأُسرية" لأنها مرتبطة بتلك القواعد الأساسية: الالتزام، والروابط، والمواقف، والسلوك، والمتغيرات الاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية.
• وفي حوار مع "مثقف" ممن تنطبق عليهم صفة العلماء... قال لي:
ـ نحن مطالبون ببحث مشكلاتنا الأسرية في العالم العربي كله، كوحدة قومية، ومصيرية، ودينية، وأخلاقية!
إن الدعوة بالتخصيص تخاطب المثقفين، والمربِّين، والإعلاميين.. أي: المدارس، والجامعات، ووسائل الإعلام!
لقد شغلتنا هموم عصرنا، وإغراءات مصالحنا ومادياتنا، والمتغيرات من حولنا.. ورمتنا بعيداً مسؤولياتنا المباشرة، والمحددة في رؤية واحدة.. هي:
• كيف نوجد في الجيل الجديد القادم: القدرة على مواجهة مخاطر المستقبل، وتحدياته؟!
إن عصرنا الذي نعيشه... هو مقدمة المستقبل "الأخطر"، الذي تلوح من وراء غباره: مخاوف عديدة، تحمل في تضاعيفها نذر التشوهات المكتسبة من المتغيرات، والعودة إلى دوافع عصور الغاب بوسائل حديثة!
ـ قلت له: ألا تعتقد أنك تُضخِّم الكثير من التصورات.. حتى تبلغ بها حد التشاؤم؟!
• قال: ربما تظن ذلك... بسبب أن جيلنا يخايله العديد من المميزات، والفرص، وازدياد الوعي، ووسائل الحضارة التي تدفعنا لتصور عصر الرفاهية والرخاء.. عن الإبقاء على القيم والمعاني، أو الأهداف الإنسانية التي تهتم بـ "المجموع" قبل اهتمامها بالفرد، أو بالفئة، أو حتى بالجيل الواحد.. وترك الأجيال القادمة!
ـ قلت: إنها مهمة بالغة الصعوبة.. في وقت يمضي مسرعاً بعوامل كثيرة، منها: الأمراض المستعصية، والموت السريع، والإحباطات، والاكتئاب، وتفشي "تدليع!" الذات.
• قال: اتفق معك.. ولكن من الصعوبة أن تغمض عينيك في لحظة تعب، فتتصور قدوم عصر يرتكز على الفجائع، والخوف، والانحلال، والتفكيك، والتسيب، والمخدرات، والعبث!!
ـ قلت: إن أجدادنا وآباءنا.. كانوا ينظرون إلى العصر القادم - عصرنا اليوم - بمثل هذا التصور الذي تضعه الآن.. ولابد.. أن أشياء كثيرة تسبب لهم القلق والخوف من الجيل القادم - جيلنا هذا -!!
ولكن لا ننسى أن عصرنا هذا، هو بالفعل يأتي مقدمة، أو مدخلاً، أو مؤشراً لكل التصورات التي ذكرناها، والتي تلوح وكأنها تتسلل إلى معايشتنا في غفلة منا!
وسأعطيك مثالاً على ذلك:
• نحن.. قبل عشرين سنة، أو أقل، كنا نعيش طبيعة اجتماعية، أو شكلاً اجتماعياً يختلف تماماً عن الشكل الاجتماعي اليوم، إن لم يناقضه... وكنا نحيا طبيعة نفسية تقل فيها نسبة التوتر كثيراً!
إنني بهذا لا أدعو إلى التأخر، أو التوقف بلا تطور.. ولكنني أطالع شيئاً خطيراً.. فأنت ترى - في المجتمع العربي كله - أنه لم يتبق "وسط" في أشياء كثيرة، أو أنك ترى في طرف أفكار متقدمة، أو متطورة بلا رابط، وتركض إلى أقصى نسبة في التسيب، وترى في الطرف الآخر أفكاراً منغلقة، متعصبة... بلا ضوء، وتركض إلى أقصى نسبة العتمة، والكراهية!
بينما تكتشف أن ما بين الطرفين، هو: الفراغ؟!
قال: بترشيد الإعلام.. بالتشديد على مسؤولية المربي، والمدرّس.. فلا يكون الإعلام، ولا يكون المربي في أقصى درجات التعصب الديني والفكري.. لئلا يُرضعوا الطفل والشاب: الحقد، والكراهية لمجتمعها، ولعصرهما!
ـ قلت: هذا ما عنيته... إن سوء القراءة في أمور الدين والفكر، يؤدي إلى الانحراف، وهذا الانحراف، ينتج من خطأ التوجيه بالقراءات الخاطئة تلك!
كذلك.. فإن إغراق السوق والمكتبات بالمطبوعات (الملوّنة) غير الملتزمة.. يؤدي إلى الانحراف أيضاً، وهو انحراف ينتج من خطأ التوجيه بالقراءة الخاطئة!!
كذلك... لابد أن نفكر في سلوك الآباء، وسلوك المدرسين، وخطة الإعلام!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1011  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 481 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج