شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
العنف الأسري والحقيقة المغيَّبة؟!
استلقيت في ثمالة ليل يضج بالسكون، وقد سقطت على ملامح وجهي عبارة قرأتها من كتاب كنت ألتهم أفكاره، ونصها: "أستطيع القول أن الفكرة التي تأسرني، والحقيقة الإنسانية التي أرى الأشياء في ضوئها... هي: حس الإنسان في العالم الذي صار يكتظ بالغربة، ومدلول هذا الحس في الفرد المعاصر.. هو من الأسباب التي تُكثّف هذا الحس بالانتماء"!!
ونحسب أن معنى "الانتماء" في هذه العبارة: يلمس الانتماء إلى الوطن، والانتماء إلى روابط الأسرة، والانتماء إلى الدين - كعقيدة إيمانية تُعمِّق الطمأنينة_ والانتماء إلى متغيرات العصر!!
لعل هذا الفهم.. هو التوصُّل إلى الاقتناع: بأن غربة (الجيل) اليوم صارت هي المدلول الحسي.. وهي - أيضاً - التي تكثِّفه بالانتماء، وهي التي تبعثره بالفقد حتى يتحول إلى إنسان متوتر يمارس القسوة، وإلى إنسان أنويّ، أو أناني: يسقط كل مسؤولياته عن مَنْ حوله ويُشكِّلون أسرته، ومجتمعه... أي عالمه.
إن الإنسان يريد أن يفعل.. أن يركض أحياناً بلا حذر تحقيقاً لرغبات (الأنا) عنده، فيسقط في الركض متعثراً... ويكتشف - ربما بعد فوات الأوان - أن الضجيج من حوله وفي داخله، قد طفا على حفافيه، وفاض من نفسه وأعماقه!
والزحام الذي يدفع الإنسان بنفسه في لُجَّته: يفلسف الغربة... غربة الروح، أو غربة الوجدان، أو غربة التأمل والتفكير.. ويفلسف الكثافة في نفسه: كثافة الرغبات، والطموحات إلى درجة الأطماع... حتى تتدافع بعد ذلك أصداء من: الحب، والتواصل، والاتصال مع الناس حتى الأقرب إليهم... ولكنه لا يقدر أن يستوعب تلك الأصداء!!
• • •
• سؤال.. مبطن:
• ندخل بعد هذه "المقدمة" إلى تأمل شرائح، ومواكبة ظواهر، وحوار لا بد أن ننسج خيوطه لنصل إلى (معرفة) بكل ما أثَّر في: نفوس الناس، وحتى في وجدانهم داخل مجتمعنا... وذلك انطلاقاً من قاعدة تقول: إن الأسْر الأكبر للإنسان، يتمثل في قيود رغائبه، وقيود مصالحه، وقيود أنانيته... فمن يطيق أن يبقى وحده، وكل العالم يفيض بالزحام؟!
ولعلنا صرنا نعاني - عصرياً - من مشكلة حملت صعوبتين، هما: صعوبة التأمل ومتابعة ما صار يجري في مجتمعنا من متغيرات بلغت: السلوكيات حتى خلخلتها، وحتى التعامل الإنساني... وصعوبة الإصغاء إلى: الضمير، والعقل، والحكمة.. عند تفشِّي الإدّعاء والزيف!
ويتداعى سؤال خلف كل هذه المنطلقات إلى المشكلة.. نحسبه يتبطّن الفؤاد، وصفاء النفس، ويتبلور بهذه الصيغة:
ـ هل صار في مقدرة الإنسان أن يتخلى عن "الحب" بضغط من "الكراهية"؟!
ونضرب مثلاً: حكاية الطفلة "مريم" التي نشرت صحيفة "الندوة" تفاصيل تعذيب والدها وزوجته لها حتى الضرب المبرح.. هل كان والدها "يحبها" ثم كرهها بعد أن طلق أمها.. أم تراه يعاني من مرض نفسي كرَّس الكراهية حتى لابنته/ فلذة كبده.. أم أن نفسيته مجبولة على العنف، فتخلى عن "الحب" بضغط من "الكراهية" على جذور الأبوة فيه؟!
لقد غمر هذا "الأب" فكره وعواطفه في "الزحام" الذي يُضخِّم له: نفسه، ورغباته الخاصة... دون أن يجد الرادع الذي يوقف "شراسته" عند حد، وقد استغرق هذا الأب في مسافات حياته، وأمكنته، وقاعدة الأخذ بدون أن يعطي، والمواقف التي لا يخاف من رد فعلها... وبكل ذلك: وجد هذا "الأب" نفسه وحيداً إلاّ من عنعناته النفسية وتورُّم "الأنا" في ذاته.
لقد أشعل إنسان هذا العصر: أقدامه، بعد أن ترمّد قلبه وتجرّحت فكرته... ولم تعد الرؤية البعيدة للحياة ذات قيمة، بعد أن انتفت (القيمة) في الوقت الذي يقف فيه الإنسان على الشاطئ.. تضربه الأمواج العاتية، بعد أن حطّم الكثير من سُفنه، وتقاذفته الزوابع والأعاصير، ولم تعد للأيام قيمة إلا في ركضها أو الركض بها... بذلك الرهان على الموت المتعجل!!
• • •
• محاصرة العنف الأسري:
• وعندما أخذت صحافتنا في نشر بعض القصص المؤلمة التي تشير إلى دلائل على معاناة بيوتنا من (ظاهرة): العنف الأسري... نذكر أن "الجمعية الفيصلية الخيرية" بادرت إلى إقامة ندوة، كان هدفها: "محاصرة العنف الأسري"!!
وتواصلت فعاليات تلك الندوة أربعة أيام... شارك بعض المختصين وذلك لطرح: المشكلات داخل الأسرة في المجتمع السعودي، والتعريف بالعنف وأنواعه، وأسبابه، ومًنْ يمارسه، وتأثيراته الاجتماعية والنفسية، ومواجهته، وحكم الدين!
كانت الندوة مهمة جداً، استقطبت الجمعية الفيصلية للحوار فيها: متخصصين اجتماعيين، وناقشت الندوة: (العنف ضد الطفل)، و (العنف ضد المرأة)، و (العنف ضد المسنين)!
وكان المتحاورون قد التفّوا حول مناقشة: (المشكلات الأسرية والتداخلات أو المتغيرات المصاحبة لإيقاع العصر.. وكيفية الحماية والتصدي لذلك)؟!!
عن هذه الندوة الهامة جداً في رأينا: نشرت بعض الصحف أخباراً (إعلامية) عنها، ولكننا لم نقرأ في صحيفة: تغطية شاملة لفعاليات الندوة، ولفت انتباه المجتمع السعودي (القارئ) على الأقل... ولم يتبادر (التلفزة) إلى تغطية الندوة من مناقشات وحوارات... فكان جهد الجمعية الفيصلية كالمنادي في صحراء، قامت بمسؤوليتها تجاه المجتمع، وطبعت مختصرات عن الندوة!
• • •
• وتذكرني الإعلامية المعروفة والإذاعية الكبيرة/ السيدة "دلال عزيز ضياء" بتلك الندوة، وقالت لي في رسالة عبر الفاكس: إنك تقدم للقارئ دعوة للتفاعل مع الأحداث اليومية، خاصة ما كان يمس مشاعرنا وضمائرنا.
ـ وأضافت الأستاذة "دلال عزيز ضياء" تكتب في مداخلتها الهامة:
• قرأت - بتأثير شديد - تعقيبك على حادثة طفلة مكة المكرمة التي نشرت في صحيفة (الندوة) حول: التعذيب والضرب الذي مورس عليها وعلى جسدها الغض وطفولتها الوادعة من قِبَل والدها وزوجته، أو من قِبَل زوجة الأب بموافقة من الزوج الـ "محترم"... ربما انتقاماً وإذلالاً لمطلقته.
وهاتفتك - يا أستاذنا - منفعلة وباكية، ليس بالطبع لأني أسمع لأول مرة بحادثة كهذه، ولكنني انفعلت لأن مسلسل إيذاء الطفل مازال مستمراً، وقد سبق أن طالعتنا الصحف منذ أكثر من عامين على ما أذكر بحادثة مشابهة راح ضحيتها طفل بسبب عنف وقسوة أب ذي شخصية "سيكوباتية" كما يقولون في علم النفس.. وهذه الشخصية لا يجدي معها تقويم أو إعادة تأهيل نفسي، وأفضل طريقة للتعامل معها هي: العقاب الصارم من قبل السلطات المختصة.
أستاذي: كانت لي تجربة العمل في قطاع الشؤون الاجتماعية، عقب تخرجي من الجامعة، وقبل حصولي على الدراسات العليا وانتقالي إلى وزارة الإعلام... وفي تلك المرحلة العمرية المبكرة (عقب التخرج، وكنا أيامها نوظّف بعد التخرج بشهور لا تزيد على اثنين أو ثلاثة، وليس كحال أبنائنا الآن)!!! في تلك المرحلة: رأيتُ في دور "التربية الاجتماعية" نماذج لحالات أطفال وفتيات يتمتع أولياء أمورهم بدرجة قاسية من انعدام الضمير والوازع الديني والغل النفسي تجاه أقرب الأقربين!!!
ولعل العزيزة الأستاذة "نورة بنت عبد العزيز آل الشيخ" /مديرة مكتب الإشراف الاجتماعي النسوي بمنطقة مكة المكرمة: لديها رصيد من الحالات المماثلة التي تودع في دور التربية.. يكفي هذا الرصيد لإعطائك صورة لما يتعرَّض له قلة من الأطفال والفتيات والفتيان من قسوة مروعة، وعَنَتٍ جسدي يمارس عليهم من قبل أولياء أمورهم.. ومنها: حالة ذكرتها لي الأستاذة "نورة" مؤخراً وهي مودعة حالياً في إحدى دور التربية عن: فتاة من قرية ساحلية ظل والدها يمارس عليها أنواعاً من الإيذاء، كالضرب، والجلد وغيرهما.. كان آخرها: التعليق في مروحة السقف طوال مدة خروجه وحرمه المصون من المنزل، لدرجة أن الفتاة المسكينة كانت تضطر لضبط نفسها حتى يأتي الوالد ويطلق سراحها لتقضي حاجتها!!! إلى أن تدخلت الجهة المسؤولة ونزعت ولاية هذا الأب على ابنته وأودعت الدار.
• أستاذي الكريم: ما هذه النوعية من الآباء؟!! ونحن هنا نتحدث عن مجتمع إسلامي/ التوجيهات النبوية تخبرنا: أن خيركم خيركم لأهله، وكلكم راعٍ وكل راعٍ مسؤول عن رعيته، والأب راع.
وقد ذهبت امرأة في النار لأنها حبست هرةً، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من حشاش الأرض... فإذا كان التوجيه النبوي الشريف يرهبنا ويحذرنا من القسوة على الحيوان، فما بالك بالقسوة على فلذات الأكباد، أو الإنسان حتى لو كان طفلاً متسولاً بالشارع وليس ابناً لنا.. فكلهم أطفال؟!!
هذه حوادث أتمنى أن تكون نادرة في بلادنا التي دستورها الإسلام، ويحتكم أولو الأمر فيها إلى الكتاب والسنة.. ولذا أشعر بالطمأنينة إلى أن مثل هذه الحوادث تأخذ من اهتمام ومتابعة المسؤولين حقها.
وقد تمت إذاعة عدد من هذه المحاور الخاصة بالندوة فيما يخص "العنف ضد الطفل" و"المرأة المسن"، ضمن برنامج الندوة النسائية الذي أقوم بإعداده وتقديمه بالإذاعة.
وحول التوصية الأهم التي ذكرتها: أود أن أضيف من موقعي - كمواطنة، وأم، ومسؤولة عن برامج الأسرة في الإذاعة أيضاً - أنه من الضروري إذا ما تمَّ تقنين هذه النوعية من العقوبة المنتظرة... أن تنفذ العقوبة على مرتكب الجريمة أو الجاني علناً، ويذاع عنها في وسائل الإعلام المختلفة، لأن الجاني هنا كائن فاقد للضمير والرحمة التي أودعها الله الخالق في قلب الإنسان، ويحتاج أمثاله ممن لم يقعوا بعد في يد العدالة إلى الزجر والتخويف حتى يفكر كل منهم ألف مرة قبل أن يترك لانفعالاته العنان للفتك بهؤلاء الأبرياء.
• أستاذي: آسفة للإطالة، وأرجو أن تسامحني على ذلك... فالموضوع كبير ومتشعب، ومؤلم يحتاج من أولي الأمر في البلاد، وهم الساهرون على تلمس أمان كل فرد في المجتمع، والأمر يحتاج إلى وقفة صادقة وحازمة.
المطلوب: الحزم والشدة مع هؤلاء القساة من قبل الجهات والقنوات الشرعية والأمنية.
• • •
• و... بعد:
من يفيدنا ويشفي غليل كل هذه (الحقائق)، وهذه الأسئلة المتراكمة/ المتكاثرة، المتلاحقة، القاتلة لطبيعة مجتمعنا الخيِّر، الرحيم، المتكافل؟!
• ما الذي يجري في واقع مجتمعنا الذي نسميه: (الجديد)؟!
كل هذه النماذج مما عرفناه من الصحف عن: القسوة في التعامل داخل البيوت... تحتاج إلى مبادرات، وسرعة بحث، وعلاج يمنع انحدار النفوس إلى مزيد من هذا الزيغ العاطفي، وهذا التبلد الإنساني!!
وهاهو (الإنسان)... تسقط أقدامه في رمال الشاطئ الذي يركض إليه، يحسب أنه يُنجيه من غرق البحر.. يخبُّ وحيداً.. يتحاشى الرياح، ويتلفَّت بحثاً عن مَخْرج يؤدي به إلى وسط الحياة... إلى اكتشاف عواطف الناس من جديد!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :868  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 477 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج