أحلام اليقظة |
• شيء خطير يعصف بهذا الجيل الجديد في أنحاء العالم، ومجتمعاته، وبنائه الأسري... دون تمييز بين مجتمع متمَديِن حضاري، أو مجتمع متخلِّفٍ نَامٍ... ولا بين مجتمع ثريِّ موسر، أو مجتمع فقير مُدقَع! |
• وتتمثل الخطورة في عدة مراحل خطيرة.. من أهمها: |
• التفكك الأسري. |
• انشغال الأب والأم عن متابعة نشأة فلذات الكبد، ومراقبة تصرفاتهم، وطموحاتهم، وتشذيبها وتهذيبها. |
• تضاؤل دور المدرس والمدرسة أمام توجيه الشباب، منذ دخولهم المدِّرسة أطفالاً، وحتى بلوغهم السن الحرجة من دون معاناة المراهقة.. وفقدان صلة الحميمية المرشَّدة بين المعلم والطالب. |
• المتغيرات السياسية، والهزات الاقتصادية.. سواء ما سُمِي بـ (الطفرة)، أو بعد التراجع.. وتأثير المتغيرات والهزات على الحالة الاجتماعية، وحتى السلوكية داخل المجتمع! |
وقد يقال: إن بنية المجتمعات الإسلامية والعربية، وعاداتها، وقيمها، وموروثاتها... كلها مميزات تصد عن "الإنسان" فيها ما يمكن أن يحدث في شكل أو فعل (الغزو) لهذه التجمعات المتماسكة بمميزاتها تلك! |
وهذا صحيح إلى حد ما!! |
لكنَّ الـ "حد ما" هذا.. يخفي وراءه خطراً غير بيِّنٍ، ولا مباشر! |
لماذا؟! |
فيما نلاحظه على تطور السلوك الاجتماعي، والأخلاقي - العربي والإسلامي - يتضح: أن هذه المجتمعات أخذت تنجذب من وقت غير قصير نحو تلك العواصف التي أحدثت: الهزات، والتبدلات، في مجتمعات العالم الذي يملك أسباب الحضارة والمدنية، وينطلق بها نحو العالم بلا تمييز! |
وإذن... فإن العالم، الثالث أو النامي، أو المتخلف حضارياً وعلمياً، ومازالت تحكمه النسبة العليا من "الأمية"... هو عالم يستغرق في التقليد المُنْشَدِه أو المذهول.. ويسقط كالفراشة في اللهب! |
ولابد أن النار التي ستحرق "إنسان" هذا العالم.. تتمثل في تخلِّيه عن قِيمِه، وموروثاته، ومبادئه، وسمات مجتمعه.. بالإضافة إلى ضعف دفاعه عن الحق، وعن العدل، وعن المنطق، وتورُّطه في الباطل، والظلم، والافتئات، والافتراء، والذاتية المحضة! |
وبات إنسان هذا العالم.. يمارس التقليد الأعمى، أو الأغبى، مثل الغراب الذي يحجل! |
واندفع إنسان هذا العالم نحو "صرعات" مجتمعات الغرب.. دون تفاضل أو تميز! |
ولهذه الأسباب مجتمعة.. فإن إنسان هذا العالم، يشعر بعجز ملحوظ في شيء واحد، وهو: أنه لا يستفيد من التقدم العلمي، والتقني، والحضاري. |
وأبعاد هذه الخسارة تتضح.. في تفشي: البيروقراطية، والروتين، وجعل النظام عائقاً ضد مصالح الإنسان، بدلاً من أن يكون النظام خادماً ومسهِّلا لمصالح الإنسان، ولاحترام وقته، ولرفع الحيف عنه، ولإنصافه. |
ورغم أن المجتمعات العربية تحفل بأعداد هائلة من المثقفين... لكنّ أصواتهم مبدّدة أو مسروقة في الصراعات السياسية، أو في الخوف والحاجة، أو في معاناة أشكال الغزو الحديث لمصالح الشعوب، ولعقولها، وحتى لعواطفها... بالإضافة إلى: فقدان الأرض، وفقدان السلام، وفقدان التضامن الذي يُرسِّخ الإرادة! |
ورغم أن المجتمعات العربية تموج بأعداد مكثَّفة من المتعلمين الحاصلين على الدكتوراه، والمتخصصين في علوم عديدة... لكنَّ هذه الأعداد بدورها قد وُظفّت للركض وراء طموحاتها الذاتية تارة، ولشراء حماسها وقدراتها!! |
وتضيع بذلك جهودهم، في موجات هذا التدفق لكل جديد، وعصري، وتطوري من مجتمعات الغرب. |
وتضيع قدراتهم - أيضاً - في الإغراءات الذاتية، والطموحات الملوحة بالثراء، أو بالمجد، أو حتى بالخوف! |
• • • |
• نشرت مجلة فرنسية دراسة عن "الأحلام اليقظة" عند شباب هذا الجيل! |
ورغم أن الشباب يبدو متحمساً، أو انفعالياً، أو رافضاً لأشياء كثيرة، أو عاجزاً عن توفير رغباته... لكنه يجد اللحظة التي يغمض فيها عينيه، ويتخيل أنقى إحساس يختلج بين ضلوعه، وأهم فكرة يحاورها عقله. |
• وتساءَلت الدراسة: لماذا يعجز شاب هذا الجيل عن تجسيد الخيال، وعن إحياء الأحلام... لتتحرك؟!! |
ـ أجاب أحد الشباب قائلاً: إنني أحتار في فهم بعض النتائج التي نتحصَّل عليها!! |
وعليكم - إذن - أن تضعوا إجابة مُقْنعة عن بعض ما يدور في أعماقي، وتفكيري، وما تمور به أحاسيسي!! |
• مثلاً: هل ينضج شبابي، لأنني أُعدّه وأعطيه طُعْماً لشيخوختي.. فتكون الشيخوخة هي الهدف، والحصيلة، والعمر؟!! |
ولماذا نجد في مجتمعنا من يثبط طموحاتنا، وأفكارنا الجديدة.. باسم: التقاليد، والعادات، والقيم... لمجرد أن لا يحدث تطور، وأن لا يتجرأ إنسان ما على طرح سؤال مباشر وصريح يخص مشكلة يعاني منها المجتمع؟!! |
لماذا يحاول البعض أن يقتل في أفكار الشباب كل فكرة جديدة.. تحت مسمياتٍ، محظور أن نناقش فيها ونتحاور؟! |
• ويتحدث شاب آخر.. يعمل بمواظبة، ويمارس الأعمال الصعبة، ويعرق.. فيقول: |
ـ إن علماء النفس والطب يقولون: إن العمل يحقق شحنة من القوة والمتانة للجسد، بينما تستطرد أصوات وراء هذا القول.. لتمنع الشاب من الاستمتاع بوقته، ومن حقه في الترفيه.. فتطارد الحرية الشخصية للإنسان باسم الحفاظ على الأخلاق.. ولا يعني ذلك سوى تعميق المزيد من الكَبْت، وخنق التعبير، ودفع الشاب إلى الانحراف الحقيقي المذموم، والهادم لشخصية الإنسان الفعال في مجتمعه! |
إن العمل يهدّ العافية.. إذا لم تعقبه راحة النفس والضمير، والترويح عن هذه النفس! |
• وقال شاب ثالث: إذا لم أسهر، وأمرح، وأرفه عن نفسي.. أشعر بالاختناق، كأنني محاصر في عمق إنسانيتي وحريتي الشخصية.. شرط أن لا أتبذّل وأنحرف! |
لكنني أميل في أكثر أوقات راحتي إلى النوم المبكر لأصحو في موعد العمل غير مرهق.. وهذا الاستلقاء يرفع نظراتي إلى سقف الغرفة، أو يُلصقها بالجدار.. فأتخيل - للحظات - وجه أنثى يريحني، أو حُلمً غدٍ يحقق لي بعض طموحاتي.. ولكني أفكر بعد ذلك في العمل الذي ينبغي أن أؤديه في الغد! |
• • • |
• وهكذا.. شردت تأملاتي وراء كلمات أولئك الشباب! |
لقد جعلتني أقوالهم أتذكر عبارة سمعتها ضمن حوار فيلم فرنسي قديم، اسمه: (الهاربون من الموت.. بالموت).. تقول: |
ـ "يبهرني الهروب في الأحلام، والجنون"!! |
إن هذا الانبهار هو نتيجة المضض الذي يعاني منه إنسان هذا الجيل. |
وللانبهار أيضاً نتيجة حادة... هي: الجنون!! |
إن الجنون يتمثل في هذه الشواهد التي تطحن العالم، وتبعثر قدرات شبابه، وأخطرها: |
• جنس قذر، وحيواني مقزز. |
• مخدرات.. تأخذ الشباب إلى الضياع، والتفاهة، والعجز. |
• قتل متوحش، وجريمة بأسباب لا يندفع إليها حيوان الغاب. |
• انحلال، وتفكك.. من جراء القلق والمضض، والوحدة النفسية! |
أما الأسباب.. فإنها تضيع في حرائق عديدة من جنون الماديات، والرغبات، ومراوحة نسبة الأمية المرتفعة، والعوز والفقر، والظلم والغمط لحقوق الآخرين. |
ومن مستلخصات تلك الدراسة.. فقرة هامة تركز على: |
• إن الشباب يفتقر اليوم إلى "المعلومات العامة".. ذلك لأن الدراسة متخصصة، والمكتبات في العالم تشكو من انخفاض نسبة ما توزعه من الكتب! |
إن الشباب يطالع الصحف، والمجلات الملونة، ويهمل الكتاب. |
بمعنى: إن العالم يدور في حلقة المادة، والأرصدة المالية، ومحاولة إثبات حقوق الفرد، والعبث، والخوف!! |
|