دور الأسرة في التنشئة |
• ماذا يفعل هذا الجيل بحق؟! |
هل هو باقٍ: يُحدِّق في سقف الغرفة؟! |
هل يقضي ساعات الليل: ساهراً.. يمزق ساعاته الأولى في الشوارع، والأسواق التجارية، وأماكن النزهة (البريئة) بنظرات خلت من البراءة، و... يمزق منتصف الليل الأول في لعب الورق، أو الجلوس في منتزه لشرب المعسِّل أو الجراك... ثم يمزق منتصف الليل الآخر في مشاهدة فيلم أمريكي، أو قناة فضائية حتى بدء ساعات النهار... لينام - بعد ذلك - كل النهار إلى ما بعد الغروب؟! |
هل يفتش خرّيج الجامعة عن عمل... فيطوف على المؤسسات والشركات/ القطاع الخاص، وعلى البنوك... ليرتدَّ إلى بيته بخُفَّي حنين، فيُفَرِّغ الإحباط النهاري في إهدار الوقت الليلي؟! |
كل هذه الأسئلة تنطبق على جيلنا الصاعد الواعد... والمحزن أنها - أي الأسئلة - لا تحظى بأي حوار جاد و(مسؤول) نجد في نهايته: الحلول، أو الحل المناسب... لكننا نبرع كثيراً في (تجبير) مشكلاتنا وظواهرنا: إلى الغد، مثلما يُجيِّر الثري شيكاً لا يملك ما فيه!! |
بمعنى: أن المشكلات تتضاعف حولنا، والظواهر تتراكم... ومازلنا نحدق في سقف الغرفة! |
ونتذكر عبارة قديمة للكاتب الأمريكي "كرواك"، أو كما سموه: كاتب غضب الشباب... ولا بد أنه حين كتبها كان حزيناً بترف، أو أن الترف تعبير ملحوظ في كلماته التي يستمدها من الإرهاق النفسي الرازح فوق صدره، والملون لمرئياته، والمبدد لكل مشاكساته الباهرة... كأنه يُعبِّر عن نفسيات كثيرة من شباب هذا الجيل الراعص اليوم بأمنيات غير قادر على استخدام الصوت!! |
لقد قال: كرواك" الذين يحدِّقون في سقف الغرفة.. ينامون مبكرين! |
ربما كان ذلك الحال في أمريكا، أو في الغرب.. أما في العالم العربي، فإن الذين يحدقون في سقف الغرفة - وقد تكاثروا!! - جافاهم النوم!! |
وكان "كرواك" في رأي النقاد هو: "مبتدع أدب الغضب".. فكل ما كتبه كان: غاضباً، وكان غاضباً... والغضب هو معرفة، وقضية.... ورغم غضب "كرواك" فقد قال عبارته تلك، لتنزل كل العيون من "شعلقتها" في السقوف، وتبحث عن مصادر الرؤية الحقيقية لمطالب الحاضر في إطار: الوطن، والعمل، والإبداع، والقضية، والإنجاز! |
إننا نبحث عن "جديد" لا يسمح للشيخوخة أن تتسرب إلى طموح الشباب وأحلامهم وقدراتهم، وأن لا يكون محور حركتهم متأثراً بشعور محدد ضيق التحديد! |
• • • |
• ما الذي يحدث إذن؟! |
• هذا هو السؤال... فلا المفكرون، ولا الفلاسفة، ولا القانون، ولا حتى الشعراء... أصبحوا يمتلكون الإجابة عن هذا السؤال: ما الذي يحدث؟! |
من هنا.... ينبثق السؤال/ المحور: |
• هل هذا الجيل الجديد يبدو عاطفياً، أو واقعياً، أو........ أنانياً؟! |
نحن في عصر يلحُّ على التفوق والإبداع لمن يكتشف فيه قدراته وذكاءه وعطاءه.... وهو عصر يدفع - أيضاً - بالفاشلين إلى: الانحراف، والانفعال، والأحقاد.. عندما تظلم الحياة في وجهه، ويسقط في اللاقدرة والعجز! |
ولكنَّ التفوق بالعمل المبدع.. يعطي حصيلة تنظيف الأعماق من الترسبات والتكلسات التي قد تعلق بجدار النفس، ومن ثَمَّ تودي هذه النفس المشوشة بصاحبها إلى التهلكة، بعد الانعزال عن الناس، والرفض التام لتطور الحياة، والنظرة الضيقة المنغلقة التي ترى كل شيء: مُحرماً.. فيكون الوهن في (الرؤية) الأعمق ليُسر الدين، ولارتقائه بالإنسان وليس الهبوط به... بينما تتجسد روعة التشريع في تنظيم الدين لحياة الإنسان، وتشذيب الدين لسلوكيات البشر.. أي للرحمة والخُلُق الحسن في التعامل مع الآخرين! |
وما نلاحظه على الأكثرية من هؤلاء الذين أطلقوا أحكامهم الجزافية على مجتمعاتهم، وحتى على أهلهم داخل البيوت من: تكفير كل شيء، وتحريم ما لم يحرمه الله في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل، ولا في سنن نبيه صلى الله عليه وسلَّم... هذه الملاحظة التي تضخمت فيها نزعة العنف والقسوة من خلال: إطلاق الرصاص على الحياة قبل إطلاقه على الناس الأبرياء... ومن خلال الإمعان في محاولة تظليم الحياة، وإسدال ستار الظلام على ما تحفل به هذه الحياة من نور... في العلم، وفي التطور الذي لا يخدش نقاء المسلم، وفي التفاؤل والأمل بالغد! |
فمن أين حصل هؤلاء على هذه الوصاية المطلقة على المسلمين؟! |
وكيف أباح هؤلاء لأنفسهم: إصدار أحكام الإعدام على المسلمين بإخراجهم من مِلَّة الإسلام وتكفيرهم.. وحكم الدين معروف في من يسمح لنفسه بتكفير مسلم بغير وجه حق؟! |
وهذه الجماعات التي تُكفِّر المسلمين في مجتمعاتهم، وتحرق نهضتهم، وتقتل الأبرياء، وتتآمر بترويع الآمنين، وتدس المتفجرات بينهم... هل امتلكت حق تنفيذ كل هذه الجرائم التي يعاقب عليها الإسلام أولاً، وتعاقب عليها كل الأديان، وكل القوانين الوضعية، وكل الأعراف؟! |
لقد ظن هؤلاء: أن إطلاق اللحى بغير تشذيب، وتقصير الثوب، والزَّجر في الرد على أسئلة الآخرين، وإقحام الدين في تبرير عنفهم، وقسوتهم، وشذوذهم عن الناس... هو الذي يجعلهم فئة مميزة وذات مهابة.. أو فئة تملك - وحدها - حق الحكم على مجتمعها، وعلى أفراد هذا المجتمع بالصلاح أو بالضلال(!!) وهذه فئات اقتحمها أعداء للدين الإسلامي: بادروا إلى غسل أدمغتهم لإحداث الفتن والخلخلة في المجتمعات الإسلامية، ولتحطيم تنميتها، وللإساءة إلى رحابة الإسلام، ويسره، وصلاحيته لكل زمان ومكان!! |
إن دور "الأسرة" اليوم: هام في التنشئة التي تغرس الإسلام الحنيف في عقول الناشئة... وما ينبغي على الأب والأم الحرص عليه في التربية الدينية القويمة... مثل ما هو دور المدرسة من تسلُّمها للفرد طفلاً وطفلة، فالمجتمعات تحتاج إلى: أسوياء في التفكير، وحتى في العاطفة... ومحاربة كل محاولات إحداث مثل هذه (الإعاقة) في عقول الشباب!! |
• • • |
• الإجابة المقنعة.. ضائعة: |
• والذين في استطاعتهم اليوم أن يجيبوا عن الأسئلة.. هم هؤلاء الذين يعطون إجابات غريبة لا يفهمونها هم في الغالب، ولكننا نحاول أن نفهم لاحتياج هذا الجيل إلى إجابة عن أسئلة تحيّره، ولم يجد من يوفر لهم: الإجابة المقنعة! |
أما من حاول وضع الإجابة بنفسه، أو من عنده، أو من واقعه... فلا بد أنه يخرج علينا بإجابات مادية ذات أرقام، ومسافات، ومثلثات.. بمعنى: أنهم يرغبون - فقط - في تحقيق (الفرصة) المؤقتة أو العابرة.. ليموت الواحد منهم بعدها، أو يزهد في الحياة.. فينقلب إلى: ناقم على الحياة، وعلى الأحياء، وعلى مناهج الحياة التي يُحرِّم كل شيء فيها حتى التي لم يُصدر الدين بحقها أي تحريم.. ولم يبق له سوى أن يقول لك: ولماذا تعيش؟!! |
وبعض الذين زهدوا في (الحياة) اليوم.. نجد فيهم: المصاب بأمراض مستعصية، أو باليأس من الإصلاح، أو بشيخوخة النفس والروح.. ويبدو العثور على من يتحدث عن الغد مرتاحاً: أمراً صعباً يعني الخوف من فقدان الامتلاك لشيء واحد! |
وهذا يفسر: الشعور بالخوف... وفي لحظة تصعيد الخوف وتفاقمه، قد ينقلب إلى ما هو أفظع من الشجاعة والإقدام.. إلى: التهور، والجنون، والاندفاع. |
والبعض: يعالج خوفه بمزيد من الأحلام... يحلم لئلا يفكر في الموت، أو اليأس، أو الفشل... حتى يستغرقه الحلم، فيتحوَّل فيه إلى: شرود وهروب من الواقع! |
والبعض: لا يفكر في اهتماماته إلا بالقدر الذي لا يفقده شعوره بالانتظار للغد. |
• ويقول علماء النفس والطب: إن العمل يحقق شحنة من القوة للجسد، وانفتاحاً في النفس... لكنَّ العمل يهدّ الحيل والعافية، وبعد عمل طويل شاق يفتش هذا المتعب عن ترويح للنفس.. فلا يجد سوى التلفاز يزغلل به عينيه خاصة في هجمة أغاني الفيديو كليب، أو يركض إلى المطاعم التي تُطبق أضعاف التسعيرة، هذا إذا وجدت تسعيرة! |
• ويقول واحد من الكادحين في وظيفة لا يزيد دخلها على أربعة آلاف ريال في الشهر، بلا حوافز ولا علاوات من زمن طويل: |
ـ حتى هذه المطاعم لا أستطيع ارتيادها ولا مرة في الشهر، لأنها تقصم محفظة الفلوس.. فلا يبقى لي شيء من المحفظة.. فأستلف لأسدد فواتير الكهرباء التي زادت الضعف، والماء، والبنزين، والإسفلت المحفَّر الذي يرغمني على استبدال كفرات السيارة دائماً.. بينما أقرأ وأسمع عن الذين يتلاعبون بالملايين، وما أكثر حكاياتهم!! |
وهكذا.. كل شيء في عالمكم اليوم: صار يتطلب مزيداً من النقود، وأريد أن أكمل نصف ديني.. فأسهر فوق سريري وحيداً، أستلقي وأرفع نظراتي إلى سقف الغرفة، أو ألصقها بالجدار.. فأتخيل - للحظات - شيئاً من طموحي، وصورة للحياة التي أحلم بها، أو وجه الأنثى التي أحبها! |
• • • |
• ونلتقط صورة أخرى لشاب يدرس في الخارج، ليحصل على شهادة الدكتوراه في العلم الذي اختاره تخصصاً. |
• لقد أمضى أكثر من ست سنوات في التحضير لرسالة الدكتوراه... وكانت الفاجعة التي اكتشفها المسؤول الذي سيوقِّع على هذه الوثيقة ويعتمدها: أن الشاب لا يفقه شيئاً في ما ادعى كتابته!! |
وحتى لا يتسرع المسؤول.. طلب استدعاء هذا الشاب ليجلس أمام لجنة تتأكد من علم وثقافة هذا المتقدم في خطوته الأخيرة لنيل الدكتوراه. |
وفوجئت اللجنة: أن الشاب لم يحسن نطق عناوين كتب المراجع التي استند إليها في كتابة رسالته.. فكيف قرأ الكتب، وكتب الرسالة باللغة الإنجليزية التي استعصى عليه نطقها... وبأي حق سيطالب بمنحه درجة الدكتوراه؟! |
هذا الشاب (الدكتوراهي): سيعود إلى وطنه ليُدرّس في الجامعة، ولا بد أن ينعكس مستواه العلمي أو (الدكتوراهي) على فهم وتحصيل طلبته... ومن هنا نعرف أحد أسباب ضعف المستوى العلمي لدى الدارسين في الجامعات، والمتخرجين منها حديثاً... إذا كان هذا هو مستوى الأستاذ/ عضو هيئة التدريس!! |
ومن هنا - أيضاً - يستدعي السبب للتحديق في سقف الغرفة! |
|