شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أكثر عاطفية.. بلا انضباط
• ...... إن شباب هذا الجيل: يبدو أكثر عاطفية، ولكنها ليست العاطفة المنضبطة، والواعية، التي تستدفئ حنان الأم وترشيد الأب لابنه... بل هي "عاطفة" تجنُّ باندفاعة الشباب إلى "الأنا" وإلى استعلاء الابن أو البنت على الأم أو على الأب... في غياب حصافة العقل التي لم تنضج بعد في عقول الشباب بحكم السن والتجربة!
ويندفع شباب هذا الجيل إلى هذه العاطفة.. لأن الماديات أرهقته منذ طلائع عمره حتى يكاد يختنق بها.. ولأن "الجمال" أيضاً مازال يؤثر فيه، وإن انحرف أحياناً إلى المباشرة المادية مع هذا الجمال... لكنه شباب لم يفقد الروح بعد في هجمة الماديات، رغم أنه يعتسف هذا الجمال أحياناً، ويجرّه معه إلى الماديات المباشرة التي تغرقه!
وقد نشرت بعض الصحف والمجلات في العالم دراسات واستطلاعات عن "الأحلام"، والمقصود بها هنا: أحلام اليقظة عند شباب هذا الجيل... فرغم أن الشاب يبدو انفعالياً، أو متحمساً، أو رافضاً، أو عاجزاً عن توفير رغباته... فإنه يجد اللحظة التي يغمض فيها عينيه ويتخيل أنقى إحساس يختلج بين ضلوعه، وأنضر فكرة يحاورها عقله ثم تشوهها اضطراراته المادية أثناء المعايشة والممارسة.
• وتساءلت إحدى الصحف يومها: لماذا يعجز شباب هذا العصر عن تجسيد الخيال، وإحياء الأحلام لتتحرك؟!
ـ أجاب أحد الشباب قائلاً: إنني أحتار - حقيقة - في فهم بعض النتائج التي نتحصل عليها، وعليكم أن تضعوا إجابة مقنعة عن بعض ما يدور في أعماقي. مثلاً، هل ينضج شبابي لأنني أُعدُّه ثم أعطيه طعماً للشيخوخة؟!.. إنني أعمل بمواظبة، وأمارس الأعمال الصعبة، وأعرق، ولكن... من يوجهني علمياً، وما هو دور "الجامعة"، وأستاذ الجامعة الذي يزيدني إحباطاً، ولا يأخذ بيدي؟!
• • •
والموسيقى - على سبيل المثال - تهدئ أعصاب الإنسان، ولكنها أحياناً تزيده التهاباً إذا كانت صاخبة.
حتى الرسام العالمي "بيكاسو".. عندما أراد أن يحقق لنفسه انتصاراً برؤيته الشابة على ارتكاسات الحياة، لم يستطع.. وأحب الأنثى التي شعر أنها تنسكب بين أضلعه كألوان لوحاته السريالية، وأراد أن يُعمِّق ذلك الحب بارتباط عميق، ولكنه لم يستطع... فقد قالت له:
ـ خضت تجربة زواج واحدة، وأخاف الآن.. وأنت صاحب (سابقة) في الحياة تتمثل في البنت التي أنجبتها، ولكني أحبك.. وسيبقى هذا الحب هو الذي نريده ولا نستطيع!
ذلك هو فقر النفس العاجزة عن الارتفاع إلى مصيرها... إنه موت يقف بين رغبتنا في الحياة، وبين رغبة الحياة في تطويعنا لصيرورتها!
وقبل أن ينتحر "همنجواي" بعام.. وقف أمام زوجته متسائلاً:
ـ هل تشعرين نحوي بذلك الحب العظيم الذي كانت دموعك تنساب من أجله يوم اقترنّا؟!!
• أجابت زوجته: إنني لا أكرهك الآن، لكنَّ ذلك عهد الشباب... إنك لو مُتّ الآن لسبَّب لي موتك حزناً عظيماً، لكني لن أموت بذلك الحزن!
ـ قال همنجواي: إن هذه هي نِسَب شكوانا في الحياة.. إننا لا نستطيع أن نُقدِّر المسافة بين الأمس واليوم حتى في الإحساس... إننا نريد أن نمتلك كل المسافة، لكننا لا نستطيع!
ولكن الإنسان في مطلع شبابه لا يقدر أن يستوعب هذه الفلسفة، أو هذه الرؤية الناضجة!
وحتى لا يتضاعف خوف "همنجواي" من الموت.. وضع حداً له بتلك الطلقة، ولم يترك حرفاً واحداً يحدد معنى ذلك الموت الذي اختاره!
• • •
• نموذج سيئ جداً:
إن هناك أشياء تختنق في قبضتنا... فمازالت الأشياء المبتكرة والراقية: عاجزة أن تبلغ بنا إلى سلامة دائمة للإنسان.... وهذه الأشياء هي التي اندفع هذا الجيل يدافع عنها، ويتورط فيها!!
ولطرح مثال من واقع الحياة المعاشة اليوم... فقد كنت ذات مساء برفقة صديقي العزيز إلى نفسي/ د. فؤاد عزب، والطبيب المريح للنفس/ د. سامي مرزوقي، ونحن نهمّ بدخول مطعم.. وفجأة كان ذلك المنظر المخيف العجيب يلطم عيوننا، ويفتح أفواهنا: ذعراً:
• رأينا شاباً - من أولاد هذا الوطن - لم يتخط الخامسة والعشرين، وهو (يسحب) فتاة لا تزيد على العشرين متلفعة بعباءتها، وهو يضربها على رأسها، ووجهها، وكتفيها... وهي تجرجر عباءتها وترفض أن تدخل السيارة معه، وكانت تصرخ: يا عالم... أنقذوني منه، ضربني في المنتزه/ المطعم أمام الناس، وأنا الآن أرفض أن أركب معه!
أكَّدت هي، وأكد هو: أن المرأة (زوجته)... ويبدو أن زواجهما حديثاً، وقد اختلفا فلم يجد الشاب وسيلة يتعامل فيها مع زوجته، أو ربما عروسته سوى كفيه ليصمِّخها بكفوف متتالية بكل عنف وقسوة.. حتى قذف بها على السيارة، فتطوحت الفتاة/ المرأة، وسقطت بجانب الرصيف، ثم أوقفها ثانية، و..... "لطَّشها"، والناس يطلبون منه أن يتعقل، وهو يشتم كل من يحاول الاقتراب لمنعه من استمراره في ارتكاب هذه الجريمة!!
ولا بد أن تتولد أسئلة أمام هذا المشهد المخزي لشاب من هذا الجيل، لم يتورع عن ضرب زوجته في الشارع أمام الناس بعباءتها حتى سقطت عنها العباءة!
هل هو القلق... أم اللامبالاة.. أم غرور الشباب بالمال؟!
أم أن السبب يعود إلى: افتقاد شاب هكذا لتوجيه سليم من أبيه وأمه، ودور الأسرة في التحامها.. ثم افتقاره إلى "قدوة" يحتذي سلوكياتها الرفيعة والإنسانية؟!
أم أن السبب يكمن في غياب دور المؤسسة التعليمية/ الجامعة.. التي اكتفت بالحذف والتسجيل للمواد فقط؟!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1381  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 470 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.