ابتداء |
• بالأمس... كان هدف الإنسان: الأرض! |
واليوم... صار هدف الإنسان: فوق الأرض التي سقاها بعرقه، وبتاريخه! |
ومن أجل أن يحافظ على هذه الأرض، كان لا بد له أن يستفيد من حصيلة العلم، ومن مخاض المعرفة.. أن يستخدم الابتكارات، والاختراعات، والوسائل العلمية المتطورة التي تثبت استقراره! |
اليوم... تعب الإنسان من الحروب، ومن الدماء! |
تعب من الازدواج المرهق جداً.. فهو يقيم حضارة عظيمة، يقدّمها لقمة سائغة للأطماع، وللقنابل، وللدمار! |
وفي ضمير المعرفة الإنسانية: قلق على الهدف "الآتي" الذي يسعى إليه إنسان اليوم، وينفعل بحوافزه إلى درجة الكدح، والتصاعد ضد الخوف، وضد البراءة أيضاً! |
والمعرفة.. رغبة إنسانية يجتليها الإنسان، ليتقدم، وليسمو، وليشف. |
المعرفة: غذاء الروح.. وكَسْرٌ لحدّة الرغبات التي تمليها مادية العيش، وتتسلط بواسطتها نوازع البقاء... فكان العِلْم الإنساني الذي يبحث للإنسان عن وسائل ترفيه، استقرار! |
وكانت (الفنون) التي يهرع إليها الإنسان، لتخفف من غلواء مادياته، وتنسيه منافسة الحروب فيما بين البشر وأطماعهم! |
ولا بد أن يكون (العلم) هو طوق النجاة الذي ينتشل العالم من الغرق في محيطات التطاحن بسبب تلك الأطماع! |
ولا بد أن يأتي (الفكر)، وتأتي (الفنون).. ليرقرقا وجدان العالم من الجفاف الذي صنعته الحروب المتلاحقة، والمدمّرة لحضارة القرن العشرين! |
وتتعاقب الأسئلة.. حتى يتم تلخيصها في سؤالين هامين: |
• الأول: ما هو الهدف الذي يحكم انفعالات العالم اليوم، ويدفعه لإعدام طمأنينة النفس الإنسانية، ويسلط عليه شهوات من داخله، ومغريات تطوّح بأمنه، وبصحته؟! |
• والآخر: لماذا يستمر الإنسان يحارب.. حتى يموت؟!! |
• • • |
• الأرض: طوت في غبارها علامات كثيرة.. كان يمكن أن تكون بوارق أمل في تحقيق سعادة الإنسان! |
وضرب الإنسان خاصرة الأرض، بالتقافز فوقها.. بتمزيقها.. بشقّها سراديب، وخنادق، تتوارى فيها فوهات البنادق، وتنفث الموت، والدمار! |
إن الإنسان يزرع الأرض، ويسقيها... ثم يحرق الزرع بعد ذلك بانفعالاته، وعدوانيته على أرض الغير، أو على حق الغير! |
وما زال الإنسان يُعاني من: إخضاع فكرة الحياة الجميلة لهذه الفجوة الماثلة ما بين: الرغبة، والانتهاء منها(!!) |
دائماً.. يحاول الإنسان أن يجعل من هذه الفجوة: مواجهة ضد الخوف، وضد البراءة في آن!! |
إنه يريد - بذلك - أن يكسب جولة (حديثة) يعتبرها هي: الوقت السانح.. وهي المصطلح الإنساني، الذي يترجم قيم الحياة.. ولكنه يتعسف في الوقت نفسه: ضمير الأحياء!! |
إن الرغبة، والانتهاء منها.. هما: قلق الإنسان الآني، وهدفه أيضاً!! |
• • • |
• في الزمن القديم.. كان الهدف يتشكل بين كل اكتشاف، وما بعده... وبين كل رؤية، وما فوقها... وبين كل ممارسة، ومدى الراحة فيها!! |
لكنَّ "الهدف" الآن.. هو شعور يسقط في معنى: اشتمال الحياة على الموت.. وتصاعد "الرغبة" ضد الأمان والاستقرار! |
والأمثلة على ذلك كثيرة.. نجدها اليوم في هذا التغيير المفزع: |
• يستخدم الإنسان الموت.. للتعبير عن المتعة! |
يتمثل ذلك في تفشي المخدّرات.. بادعائه المتعة، والمزاج، والكيف، والخروج من دائرة الهموم، ونسيان الفقر، والفشل في تجربة من تجارب الحياة. |
• يستخدم الإنسان الحب.. للوصول إلى الموت! |
ولذلك.. فقد تبدلت مشاعر الناس.. وصارت الرغبة حباً، وموتاً في آن، ولاح مؤشر خطر جداً، ينذر بتفكك اللُّحْمَة الاجتماعية والأسرية! |
• يستخدم الإنسان القتل.. لإثبات القوة! |
وبذلك.. هانت "قيمة" الإنسان، في هذا التسيُّب السلوكي الأخطر! |
• وتجمعت عناصر فكرية في ضمير معرفة الإنسان، ولم يتحقق لها النمو! |
لقد وأدتها الإشكالات الجغرافية، والأطماع التي كشفت عن ركائز الهدف: بأن لا تكون للإنسان إلا جولته الأولى فقط.. انعطافاً على الحكاية التي يروونها للأطفال من قديم، عن مغارة "علي بابا"، وكلمة السر المعروفة: افتح يا سمسم!! |
ولا يمكن أن نستنبط فلسفة استمرارية من خلفية هذه الحكاية.. لتكون ملامح للهدف عند الإنسان! |
لقد جعل الإنسان في حياته: ضروريات.. وجعل من هذه الضروريات رحالاً يشدها إلى مغارات مجهولة! |
ومهما حذق الإنسان، وأرسى مضامينه... فإنه يتورَّط في انفعالاته، وفي تطلعه للاكتشاف! |
ويواصل نداءه على "الكنوز" التي يتخيّلها داخل مغارة الحظ، أو مغارة الرغبة التي تسيطر على كل قدراته، وعقلانيته، ووعيه! |
بمعنى: أنه مطلوب منك أن تسرق لذّتك. |
ومطلوب منك: أن تسرق لحظات فرحك. |
ومطلوب منك: أن تسرق الفرصة ذاتها، وتتوارى بها. |
ومطلوب منك: أن تستخدم ذلك كله ضد (الحدثية) في أشيائك، وقضاياك.. وضد مطاردة الآخرين لك!! |
• • • |
• لقد نجح الإنسان الحديث في اختراع ألوان من وسائل الراحة. |
وظن هذا الإنسان أنه قريب من الترف في العيش.. والترف في التفكير.. والترف في العاطفة! |
لكنه لن يستفيد من هذا الترف.. لأنه مرهون بالانفعال، وبمغارة الحظ، وبالرغبة التي قد تدمر كل شيء فيه! |
ومجرد شعور الإنسان أنه يعرف كلمة السر لفتح مغارة الحظ، أو الرغبة، أو اللذة.. في جولة واحدة من جولات حياته.. فإن ذلك يُخلِّف لديه الإحساس بالأخذ، أو بالمتعة، أو بالكسب... ولكنّ انفعالاته تتهيَّج من جديد، تأهباً لتحقيق جولة جديدة! |
ولا بد أن الإنسان يشعر ببراعته، لأنه نجح في جولة واحدة.. بأن جعل انفعالاته قادرة حتى على استخدام وسائل حضارية عديدة.. لكنه - بلا شك - عاجز عن استخدام: مواقفه الأخلاقية، أو صدقه الوجداني! |
إن "الحب" يكسر الكلام الثرثار، ويكسر الهجوم! |
ومن الصعوبة: أن تحب، وتهاجم، أو تهجم! |
ومن الصعوبة: أن تحب، وتُثرثر... لأنك ترغب أن تحب وتموت على هذه الرغبة!! |
إن "الرغبة" اليوم.. هي التي تُسخِّر الإنسان، وتقتله بعد ذلك!! |
|