شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ـ وكتب القاص المبدع (حسين علي حسين):
ـ قبل سنوات سيطرت عليَّ فكرة واحدة هي: أن أكتب مذكرات محمد حسين زيدان!
وفاتحته في رغبتي، لكنني وجدت الرجل ملولاً.. فقد كان من النوع الذي إذا زارك لن يمكث في مجلس أكثر من دقائق، ثم ينطلق إلى عمله أو منزله أو أي مكان آخر.. لكنه في كل مرة كان يملي عليَّ مجموعة من الذكريات، كنت أنشرها فوراً في مجلة ((اليمامة))، ثم انقطعت عن زيارة الزيدان، أو قل قلَّتْ رحلاته إلى الرياض، كان ذلك منذ أكثر من عشر سنوات، وقد كتبت في الصحف أطالبه بتسجيل ذكرياته، لكنه كعادة مبدعي الكلمة، يفضل أن لا تكون ذكرياته من ذلك النوع المدرسي الجاف.
كان أسلوبه سلساً ومتراقصاً، مفعماً بالموسيقى والحنان.
كان من الممكن أن يكون الزيدان شاعراً، لكنه فضل أن يعيش كالعصفور طائراً فوق كافة ألوان الشجر!
لقد فرحت بكتابه الذي صدر قبل سنوات ((ذكريات العهود الثلاثة))، فقد وجدت فيه بعضاً من رائحة أهلي ومدينتي، وكان بودي أن يكون لهذا الكتاب أجزاء متتالية، فذكريات الزيدان تشبه العطر فواحة وندية، وغالباً ما تعلق في النفس لأيام وشهور متتالية!
والآن تيقنت أن الزيدان لن يفي بوعده ويكمل ما تبقَّى من ذكرياته، فقد فتحت الصحف هذا الصباح لأقرأ نعي محمد حسين زيدان، لم يكن ما في الصحف محزناً فقط، فقد تعودنا على الحزن، وتعوّدنا على مفارقة الخلان، الذين يرحلون واحداً إثر واحد، وكأنهم يهربون من هذا الزمن الصعب، المليء بالغلط وعدم التقدير والأنانية، المليء بالمنغصات.
لكن مع ذلك الحزن الصباحي كانت وفاة رجل ملء القلب والنفس، فالزيدان ليس أي راحل، إنه من ذلك النوع الذي عندما يصلك نعيه تتوقف الدمعة في عينيك، ذهولاً وهلعاً، مع أن هذا درب الجميع، الكبير والصغير، فالجميع تأتيه فرصة الموت وليس له خيار في عدم اهتبال هذه الفرصة، لكن هناك من يموتون كما تموت الأبقار، وهناك من يموتون كما تموت الفيلة، وهناك من يموتون كما يموت الفرسان، ولكل موت خصائصه ومزاياه!
كنت أعد الزيدان أباً، فهو عاطفي تماماً، لا يستحي من دمعته، ولا يستحي من الحنو على الصغير وتقريبه وتلمُّس حاجته إلى العون والمساعدة، سواء كانت هذه الحاجة مادية أو معنوية، مع ذلك فإن هذا الرجل العاطفي الحنون، تكاد تتخيَّله أحياناً في قمة الغطرسة والكبرياء، وهو كذلك دائماً في مواجهة من يظنون به ضعفاً أو حاجة إليهم!
ومحمد حسين زيدان كان فناناً في عباراته، حتى لتظن أن مقالاته عقداً متواصلاً من اللآلئ!!
لقد خلَّف لنا الزيدان ثروة لا تنضب، فقد علَّم أبناءه وبناته وتلاميذه معنى الحب، وأخرج لنا من قبل ذلك وبعده مئات المقالات والخواطر والأحاديث والمؤلفات التي سوف تظل شاهدة على أن رجلاً من مدينة المصطفى ومن هذه الأرض الطيبة حفر اسمه في دفتر التاريخ بشكل ناصع ومتألق!!
رحم الله معلِّم الأجيال عدد ما هلَّ المطر.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :542  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 444 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.