ـ وكتب الدكتور ((هاشم عبد هاشم)) رئيس تحرير صحيفة (عكاظ): |
ـ بعض الناس يموت جسداً، ويعيش وجوداً كاملاً في أذهان الأجيال. |
ومن هؤلاء القلّة القليلة، الرجل الكبير الكبير في عقله، وأدبه، وفكره، وإنسانيته/محمد حسين زيدان - يرحمه الله - ويسكنه فسيح جناته. |
فقد ترك لنا إرثاً ضخماً من الآراء، والأفكار، والمقولات، والمشاعر، سيظل إلى مدى طويل من الزمن.. يمثل رصيداً هائلاً للأجيال المتعاقبة. |
بين كل الأجيال، فهو وإن عاش هذا الجيل إلاَّ أنه كان، محصلة أمينة لأجيال وثقافات ورؤى ماضية، وقد كانت له القدرة على أن يعيش ثلاثة أجيال كاملة.. الجيل الذي سبقه، والجيل الذي يعيش فيه والجيل الذي يخترقه كل لحظة بما أوتي من قدرة على القفز المتوازن إلى الغد. |
لقد كان الزيدان تاريخاً متحركاً، ورحلة ممتدة بين كل العصور.. كان كلمة حيَّة مجنحة، وفكراً متسامقاً ومتجدداً باستمرار، يكره التوقف عند اللحظة.. عند المشهد، لأنه ينتمي إلى جيل ولود ومعطاء.. كما يتميَّز - دون غيره - بروح متوثبة وشابة، وعاطفة جياشة جعلته قريباً من كل النفوس. |
والذين عرفوا الزيدان لفترات طويلة.. عرفوا - من خلاله - كل معاني الالتزام، والقوة، والصمود، حتى في أيامه الأخيرة كان قوياً، وشامخاً، لأنه عاش ومات وهو يكره الضعف، والتراخي، والتهاون. |
لقد كان الزيدان كبيراً.. لأنه لم يتغلب على شيخوخته فقط، ولم ينتصر على العزلة فحسب، ولكنه ظل صامداً أمام تحديات الزمن، وتقلباته، وعاش حياته كل حياته.. بِمثُله وقيمه، ومواقفه، وآرائه الخاصة، ولم يتنازل عن أي منها فكان محل احترام الجميع. |
والزيدان الذي أحب جيله.. عشق الأجيال الجديدة، ومد لها جسور العون والمساعدة والدعم، وكان يقول - رحمه الله -: |
لئن كان جيلنا هو جيل الصبر، فإن الجيل الجديد هو جيل اختبار الصبر.. إنه الجيل الذي ينمو في أرض رخوة ولكنها رغم تحركها من تحت قدميه إلا أنه قادر على ترسيخ هويته، وتأكيد شخصيته المستقلة. |
والزيدان الذي يحبُّ الغد، ويتعاطف مع صانعي المستقبل.. لم يعش منفصلاً عن هذا الغد، ولا ذلك المستقبل، حتى أنك تحسُّ وكأنه يعيش مجنحاً.. في آفاق أخرى باستمرار، رغم ثبات قدميه، وصلابة إرادته، وانتمائه الأصيل إلى ماضيه وحاضره. |
والذين يحبون بعمق، ويتفانون بإخلاص، ويضحون بكبرياء نادرون، ومحمد حسين زيدان من هذه القلة النادرة.. فقد عرفت فيه الكثير من الخلال والمزايا التي تدفعك إلى تقديره، وإكبار خطاه، والإعتزاز به، وتذكر مآثره، وتصرفاته، والاحتفاظ بها، وحثُّ الأجيال المتعاقبة على الاستفادة منها، والتأسي بها. |
أجل.. إن الرجال الذين يمنحون الحب للناس، بصفاء وصدق، هم الذين يعيشون في جوانح الناس وبين طوايا نفوسهم، ومن هؤلاء، أب الكلمة المجنحة، والصوت المؤثر، والإرادة الفولاذية، والتاريخ الحي المتحرك على لسانه، وبين ثنايا ذاكرته.. ذاكرته الحية والمتيقظة والمستوعبة بكل ما وعت، وقرأت، وشاهدت، وسمعت. |
لقد كنت أمنِّي نفسي بأن نسجل فترات مشرقة في تاريخ هذه البلاد من خلال ذاكرة الزيدان الحية، ومعاصرته الأمينة، ووعيه المدرك للكثير من تلك الأحداث، لكن التاريخ الشفهي يموت مع أصحابه، حين لا يجد من يعتنون به ويلتقطونه من بين ثنايا ذاكرة الكبار. |
لكن محمد حسين زيدان نفسه، يشكل تاريخاً موصولاً، سيكون من الوفاء للرجل أن نسجله، أو نرصده، أن نتتبَّعه، أن نصنع منه قاعدة انطلاق جديدة، نحو غد مضيء.. لأجيال تعترف بالفضل لأصحابه. |
* * * |
ـ وقال عن الدكتور ((هاشم عبده هاشم)): |
ـ رئيس تحرير عكاظ احترف الموهبة فإذا هو واهبها للعاملين معه. |
عمق الود فيه يحمل على الثقة به. |
* * * |
|