شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ـ وكتب الأديب الكبير ((عزيز ضياء)):
ـ هي معضلة، لأن الذين يتزاحمون على رثائه، ليسوا فقط القادرين على كتابة عبارات الرثاء، وإنما هم مئات وألوف من الذين شحن الزيدان - رحمه الله - أذهانهم، وقلوبهم، بل وأرواحهم، ليس فقط بالكلمة المجنحة.. وقد كان طوال أكثر من خمسين عاماً، والسدرة التي تنطلق منها هذه الكلمة، بتغريدها الشجي وألوانها الزاهية الخاطفة، لتحلق في أجواء الفكر، وآفاق تتزاحم فيها مشاعر الفن وأحاسيس الفنان، إلى جانب لمسات حانية رقيقة من عقل يشع ليضيئ سبلاً إلى ((الحقيقة)) التي لم يكن يجهل قط، أنها (الضائعة)، وإنها التي يخلق بقرائه أن يكتشفوا النثار منها،عسى أن يساعدهم على البحث عن الكنوز المخبوءة في جوف دنيا، كان يشعر دائماً أنه - وأعني هذا الجوف - يزداد امتلاء في كل ثانية من ليل ونهار.
رحيل الزيدان عن هذه الدنيا، لا يختلف عن رحيل العشرات أو المئات، ممن أختار الله لهم أن يرحلوا، ومنهم من كان في ميعة الصبا، وعصارة العمر، إلى جانب من بدا أنه قد استوفى نصيبه من رحيق العمر المقدور.. ولكن مما يظل من الطلاسم المغلقة على التقدير بالنسبة للولد والأهل، والرفاق والأصدقاء، الإصرار على استبعاد رحيل من نحب، حتى ولو كانت عناصر التأهب لهذا الرحيل تتلاحق على أجنحة تخفق يوماً بعد يوم، ولكن عيون الحب لها أجنحتها التي تتجاوز المشهود والمقدور، في آفاق أمل بأن يمن الله على الحبيب بالعافية ليمطره غيث حياة في رحاب الآجلة.. وإن كان إيمان الجميع أن العاجلة خير وأبقى.
ولقد كان هذا هو الرحيل الذي اختاره الله للصديق، والرفيق، والحبيب الأستاذ محمد حسين زيدان.. فلقد بدا منذ ذلك المساء الذي وقفت فيه إلى جانبه في سريره، وأخذت أتحسس يده وأسمع منه أن البرد الذي يشعر به، ليس من ارتفاع درجة التبريد من (المكيف) وإنما من داخله.. من الخلايا والأنسجة في جسمه - وكانت تلك التفاتة إدراك للحالة التي يعانيها رحمه الله - ولعلّي قد اقترحت أن يوقف (التكييف) وأن تزداد الأغطية، فإذا به يقول: (البرد من الداخل.. من الكيان كله.. فليكن ما يريده الله.. والحمد لله.. وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله..) ثم يقول: (سلِّم لي على دلال.. وضياء، وأمهما..) ثم يردف قائلاً: (لا أخفي عليك، إني أستثقل زيارة الأصدقاء.. قل للمستشفى إني لا أريد أن يزورني أحد، حتى ولو كان من أهلي)!!
والتفسير الوحيد لاستثقاله زيارة من يتزاحمون على زيارته في المستشفى، ثم في منزله أن روحه قد بدأت مرحلة التحليق فيما وراء هذه (الدنيا).. هذه الدنيا بكل ما فيها من الأهل والولد والأصدقاء والرفاق.. ربما كان في نفسه سؤال: (كيف يدركون أن ما بيني وبينهم على هذه الأرض، آفاق وآفاق، يصعب أن تصل إليها زيارة، أو يحيط بها عناق)؟
لقد كان الزيدان صديق عمر، ورفيق مسيرة بدأت منذ عهد بعيد سحيق، بقي من ذكرياته ما يذكرنا به، فهو هذا الأخ الذي ندر أن يفارق صديق عمره كله منذ أيام الصبا، وحتى اللحظات الأخيرة من سويعات الرحيل، وأعني الأستاذ السيد ياسين طه.. كان الذين يرون السيد ياسين، يرون معه الأستاذ محمد حسين زيدان، وإن لم يترافقا حضوراً أو مشياً في دروب الحياة.. فإذا كان هناك من تزجى إليه كلمات عزاء، ورثاء وإشفاق وحبٍّ فهو السيد ياسين طه، مثالاً للوفاء، وأعجوبة الود، تسللت ولم تهجر مضجعها الدافيء عبر علاقة الحب الموروث عن الآباء والأجداد.
وبعد:
فما أكثر ما ينبغي أن يقال في رثاء الراحل العظيم، ولكن ما أقل ما يتسع له الوقت، مع ما تذرفه العين من الدمع، وما يرتعد له القلب من الحزن والأسى، فالضراعة إلى الله سبحانه أن يتغشاه بالرحمة والرضوان، وأن يلهم المئات والألوف من عارفي فضله الصبر والسلوان.
أما الولد والأهل، فالعزاء لهم في ذكراه التي سوف تظل عطرة فوّاحة بالتقدير والتكريم .. رحمه الله.
ـ وقال عن عزيز ضياء:
ـ أبو ضياء عزيز يكتب بالموسيقى، لأن له أذناً أستغرب وهو يستعرب. له أسلوب علم نفسه فإذا هو من أهل الفوق.
ناثر جيد، ولكنه قد يصك أذنيه عن بعض ما يستجيده الآخرون!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :652  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 434 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج