شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ياسين طه.. صديق العمر
ـ ... والحزن يفيض عليَّ حقاً في الكلمة، ويتحول مزماراً..
نتَّجه إلى: صديق عمر ((زوربا)) القرن العشرين، ورفيق أكثر مشاويره على درب الحياة، وهو الأستاذ السيد ((ياسين طه)) كاتب العبارة الرشيقة، والمتأمل اليوم الذي تحوَّلت كلماته - في رحيل رفيقه، وصديقه، وزميله (محمد حسين زيدان) - إلى: وجد له دموع، ونبرة حزن، ووحدة عزَل نفسه في داخلها صامتاً مغذًّا في تأملاته.
ـ فكيف يسترجع السيد ((ياسين طه)) ذلك الشريط الطويل من رفقة العمر مع الأستاذ ((محمد حسين زيدان))؟!
ـ قال بنبرة الشجن والفقد: ماذا أتذكر من رفقة العمر كلِّه؟!
وما هو الذي يجب أن أبوح به.. وما لا يجب أن أقوله؟!
مهما قلت، أو كتبت، أو كُتِب عنه... فهو لا يعبِّر عن الأستاذ ((محمد حسين زيدان)) إلاَّ بمنحى من مناحي المعرفة التي عُرف بها، ومجالات الثقافة التي اتصف بها.
لهذا... فإنِّي أقرُّ، وأعترف بأنِّي عاجز كل العجز أن أكتب عن هذا العالَم العالِم الضخم.. عن الأستاذ، الزميل، والرفيق، والصديق.
* * *
ـ بداية التعارف معه:
ـ كان أستاذي من أول يوم التحقت فيه بالمدرسة الفيصلية بالمدينة المنورة، وحتى تخرُّجي منها.
وفي الوقت نفسه.. كان زميلي في الدراسة!
كنَّا - أنا وهو - ندرس على الأستاذ ((محمود الحمصي)): النسبة والتناسب، والربح البسيط، والربح المركب، واللغرتمات، ومبادئ الجبر.
فهو أستاذي في الدراسة، وزميلي في الدراسة، وصديقي في المُدارسة.
* * *
ـ مفاتيح شخصيته:
ـ كان القول المأثور عنده: (والعافين عن الناس).
ـ كان - يرحمه الله - يُفلسف المصائب، والمشاكل، والإساءات.. فتتلاشى بعد فلسفته لها.
ـ كان يقول لي: كبِّرها تكبر.. وصغِّرها تصغر!
ـ كان سبَّاقاً لمساعدة الناس.. لم يبخل قط بجاهه على من يطلب المساعدة.
ـ يفخر بتلامذته.. ويقول: هم الآن أساتذتي!
ـ تجرَّد تماماً من الكِبر.. فهو ضعيف أمام الضعيف، وواثق من نفسه أمام القوي.
* * *
ـ اختلاف الرأي:
ـ لا تظن أننا كنَّا متَّفقين في وجهات النظر!
بالعكس.. فكثيراً ما اختلفنا في وجهات النظر، وكنَّا: نتحاور، ونتناقش.. وربما نصل إلى حدِّ (النِّقار)، فإما أن يقنعني بوجهة نظره - وكثيراً ما أقنعني - وإما أن أقنعه، وقليلاً ما كنت أقنعه!
وكان - يرحمه الله - حينما يأتي بالدليل على صحة وجهة نظره.. يقول:
ـ إشْتَ كتاب مُذهَّب!
ويعني: الدليل القاطع من المراجع.
* * *
ـ متابعة الأخبار:
ـ عُرف عنه - يرحمه الله - حرصه الشديد على متابعة نشرات الأخبار، وحفظه لمواعيد إذاعتها من محطات الإذاعة المحلية، والعربية، والأجنبية الناطقة باللغة العربية.. حتى لو كان في زيارة لصديق، فإنه يستأذن منه في الخروج، وإمتطاء سيارته ليصغي إلى الأخبار!
ـ ويضيف السيد ((ياسين طه)) قائلاً:
ـ كلُ واحد منَّا يحلل بينه وبين نفسه تلك الأخبار، فإذا ما اجتمعنا: أبْدى كل واحد منَّا ما توصَّل إليه من تحليل، ثم يتم الربط والتنسيق بين تحليلي وتحليله.. ونتوقع ما سيكون، وكثيراً ما أصبنا في توقعاتنا.
ـ من ذلك مثلاً: توقعنا السوء من ((صدام حسين)) وقد كان يلهث إن تحمل عليه، وإن تتركه يلهث!
وكم كنا مشفقين ومتألمين من مساعدته في حربه مع إيران.
وكنا على يقين.. لو انتصرت إيران، فإنها لا تستطيع الإساءة إلى العرب، باعتبارها ليست عربية.. أما إذا انتصر ((صدام حسين)).. فإذا أساء إلى العرب، فإن شرذمة من الهلافيت تنضم إليه... وبذلك تحدث البلبلة!
ـ وتوقعنا السوء من ((القذافي)).. وقد كان ولو متأخِّراً، لأن تصرفاته كانت تدل على ذلك.
ـ وتوقعنا السوء من آخرين، وقد كان... وكنا نعجب من الذين يثقون بكل هؤلاء!!
* * *
ـ ذاكرته.. وعلمه:
ـ لقد وهب الله ((محمد حسين زيدان)) ذاكرةً، حافظة فوق المعتاد... حافظة تحفظ ما يسمع، وما يقرأ.. وذاكرة لا تخطئ إلاَّ نادراً.
ـ كان - كما قال الأستاذ عبد الله الجفري عنه - دائرة معارف.. تمشي على قدمين!
ـ كنا نقضي أكثر الأوقات مع سِيَر الصحابة رضي الله عنهم... وكان - يرحمه الله - ذو باع طويل في ذلك.
* * *
ـ من إعترافاته:
ـ أعترف: أنَّني لا أبذر في عواطفي، وإنما أكرم نفسي حين أكون متعاطفاً.
لهذا.. قالت لي إحدى حفيداتي:
ـ أنت كريم في عطائك.. جَبَان في أخذك!
* * *
ـ أعترف: أنَّني أسير لروعة في كل شيء.. ولو كلَّفني ذلك بعض الارتياع!
ـ أعترف: لا أحسب أن دمعة من عيني ذرفتها عن حزن.. فأكثر الدموع ما كانت إلاَّ عن: رحمة، أو عن: ألم حبٍّ!!!
* * *
ـ أعترف: أنَّني عندما أجلس.. يكون معي في أفكاري وأحلامي!
عندما كنت شاباً.. كانت معي أفكاري.
وعندما أصبحت الطفل/العجوز.. صارت معي: أحلامي.
وقد بقي لي من الطفولة: بسمة لا تضحك، وزفرة لا تبكي، وألم لا يشكو، وشكوى راقصة!!
كأنَّما الألم: عازف الكمان.
وكأنما الأمل: في خبرِ كان!!
* * *
ـ أعترف: أنَّني عشت المتعبات... فإذا أنا بهذه المتعبات قادر أن أحيلها إلى مسعدات.
* * *
ـ أعترف: أنَّه كان في إمكاني أن أكون ثريًّا.. ولكني لم أحترف مهنة الثراء!
أردت أن أكون ثريًّا مع نفسي على الأقل.. ولا تقدر نفسي على الثراء، لأن بعض الثراء جعل أصحابه من الـ ((تحت)) رغم البهارج!!
* * *
ـ أعترف: أنَّني لم أخسر نفسي بدفعها إلى الجري وراء ما تشتهي..
طلب العيش: متعة.. لكن اللقمة التي آكلها بهذا القلب: لها طعم لذيذ.
* * *
ـ أعترف: أنَّ راحة الضمير... إرتفعت بي إلى الأعلى دائماً.
* * *
ـ أعترف أنه كلما ارتفع إحساس الوجدان في إنسان مُحِس: زاد ألمه.. وهو يعيش مشكلته، وأحزانه، وتبعاته.. ويفهم الأسباب، وينكر الوسائل.. وكل ما يتمناه: أن يكون واقعه غير هذا، لأنه لا يريد أن يعيش المشكلة والأحزان، ليتفرغ للتبعات!
* * *
ـ أعترف: أنَّني لم أشْكُ لأحد، ولم أتبرَّم.. لأن كبريائي يمنعني دائماً.
أخشى الإشفاق أكثر من خشيتي للشماتة.. فالشماتة: صراحة واضحة، قد أستطيع رفضها، أو تجنبها، أو حتى هضمها!!
أمَّا الإشفاق.. فهو: شماتة مقنَّعة.. فيها إذلال من مواجهة لا أستطيع لها رداً، لأنها: باسم الصداقة!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :637  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 453 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج