حوار معه.. عن العاطفة الخيال |
ـ كان يناقشتي في العاطفة عندما تكون خيالاً.. |
وكان ((يُفصِّل)) الخيال، ويجزئه. |
لكنه تروَّى في منتصف الحوار.. لأن نبش العاطفة وتجسيدها بشواهد مادية، جعلا منه هذا الإنسان الذي يحنُّ في طغيان الشعور! |
وبعد صمت قصير.. وجدته يتلفت حوله. |
عرفت أن تلك الشواهد قد أحالته أيضاً إلى أحاسيس من: الغيرة، والعشق، والأنانية، ورهافة الشعور! |
وشعر أن صوتي قد تحول من نداء إلى رفض!! |
وكانت نبرة صوتي قد تصاعدت من الهمس إلى الصراخ.. لأنني قلت له: |
ـ عندما نحب.. ونعجز أن نجعل حبنا يتمرد على الخيال، أو ينطلق من حدود الرومانسية المغرقة في الصبر.. فإن حبنا يخلو من مسيره، ويتبلد نبضه، وتنهزم فيه كل حوافز التعبير الإنساني الذي يجعل من الإنسان مُبدعاً وحيوياً، ومتوهج العاطفة! |
ـ قال مندهشاً: وهل الحب مسيرة؟! |
ـ قلت: ولماذا نعتسف الحب بهذا التقليل؟! |
ـ قال: مسيرة الحب إلى الإنسان، أم الإنسان إلى الحب؟! |
ـ قلت: التلاقي هو النقطة التي لا تجعل فارقاً بين أن يسير الحب إلى الإنسان، أو أن يسير الإنسان إلى الحب! |
ـ قال: وكيف يتمرد على الخيال، وعلى التأمل.. فهل تقصد أن تربط العاطفة بالماديات؟! |
ـ قلت: الماديات واقع، والعاطفة شعور وأماني... فماذا تقصد؟! |
ـ قال: تريد أن يكون للشيء مقابل، وللفعل رد فعل.. أو للفعل أصداء تجعله ينمو أكثر وللشعور تجسيد يحوِّله من أحلام وخيالات، إلى صورة متحركة، وزمن ناطق! |
ـ قلت: ما هو المطلوب في الحب؟! |
ـ قال: أجب عني!! |
ـ قلت: العشق، الدهشة، الغضب، الرغبة، الحميمية، التجانس، الصدق. |
ـ قال: كأنك تربط ذلك كله بالبداية والنهاية!.. فأنت تعني أنه لا بد من الماديات في عواطف الناس، لتقول بذلك أنك إنسان تحيل حياتك إلى تجارب، وإلى حالات تتعدد وتختلف.. حسب نفسيتك ورغبتك، وحدودك، وسأمك أيضاً! |
ـ قلت: قد يكون الحب تجربة واحدة فريدة.. وقد تأتي تجارب عديدة تؤكد أصالة تلك التجربة الواحدة الفريدة، وأن لا بديل لها! |
ـ قال: ولكن هذا الذي تبرره يعني أنك توظِّف عواطفك.. أي تجعلها تعمل، أو تجعل عشقك ممارسة.. إذا غذَّتك عواطفك جيداً: شبعت، ومللت، واتجهت إلى عاطفة أخرى، و أنك بذلك قد خضعت للبداية وللنهاية! |
ـ قلت: مشكلة الإنسان أنه يتحدث - دائماً - عن إخلاصه، ونقاء روحه، وشفافية عواطفه.. ولكنه يُدلِّس في مرات عديدة حين يتحدث عن تلك الخصال، لأنه ببساطة يحتاج إلى التمازج.. إلى التجربة، والرؤية التي تجعله ينطلق أكثر! |
إن الإنسان الرومانسي هو الذي نقرأه، ونشاهده في الروايات.. وكاتب الروايات يكذب في تصوير أبطالها بهذا الاستغراق التام، لأنه يعرف أن الناس يلاحقون زمناً جديداً، وينسلخون من زمن قديم! |
ـ قال: ولكن.. ما قيمة الإنسان بدون روحه.. بدون عشقه، وبدون أن يصهره هذا العشق ألماً ومعاناة ورؤية.. تحقق له اكتشاف الإنسان فيه؟! |
ـ قلت: لم أطلب من الإنسان أن ينسلخ من روحه، ولكن لاعاطفة غذاء وإشباع، ولعلّها امتلاك تام.. فالذي يتمرد عليها أحياناً، ليس معنى تمرده أنه قد تحول إلى إنسان مادي.. ولكنها الحالات التي تتعدد، والصدود الذي يُخلِّف الصدأ، والانفعال الذي يرفع أحاسيس الإنسان إلى أعلى ذروة الوجدان، وفي المثاليات، ثم يهوي فيها، أو بها! |
ـ قال ضاحكاً: إن الإنسان قد يتحطم بعاطفة أصيبت بالصمم.. أو بروح غطاها الصدأ! |
ومن الصدأ يركض الناس من جديد إلى مادياته.. لينسوا، أي ليموتوا بالصدأ.. فتموت أرواحهم!! |
|