(( كلمة المحتفى به معالي الدكتور محمد عبده يماني ))
|
ثم تحدث الدكتور محمد عبده يماني فقال: |
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله الذي أكرمنا بهذا اللقاء، ورفع الحرج عن الأكل في بيوت الأصدقاء، وأعزنا بكل هذا الوفاء الذي نجتمع عليه الليلة، ولكني أقول: اللهم أنت أعلم بنفسي مني، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون. هكذا كان يتمثل هذا القول سيدنا أبو بكر الصديق ومن بعده سيدنا علي بن أبي طالب. |
- وفي هذه الليلة شعرت بسهام كثيرة: |
ولو كان سهماً واحداً لاتقيته |
ولكنه سهمٌ وثانٍ وثالث |
|
|
وبعض هذه السهام من رجال أخذوا بيدي في مدارج العلم ومدارج الثقافة، وكان لهم الفضل فأبَوا أن يردوا الفضل إلى أنفسهم وأخجلني حقاً تواضعهم، ولكنها ألسنة الخلق، فلعل أقلام الرب تتفضل علينا بكتابة ما يقولون وخيراً مما يقولون. |
- ولقد تفضّل أخي الكريم الأستاذ حسين نجار بالحديث ودبَّج بعض أوصاف جزاه الله عني خيراً، ولكن لعله لا يعرف جانباً من حياتنا في مكة فقد نشأنا في شظف من العيش ورغد من القيم ومناخ يعبق بالفضيلة، وبلدة يحفها الطهر، وأخذ بأيدينا الرجال والنساء يعلموننا ويعلِّمْننا محبة الله ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخذوا بأيدينا يعلموننا الأخلاق، وكل من كان في المجتمع كان يربي، البيت يربي، الأب يربي، والأم تربي، والأخ يربي، والمدرس يربي، وحتى الشارع يربي. ونشأنا في هذا الجو الكريم حتى إذا خرج أهل مكة إلى خارج مكة المكرمة وإلى الآفاق استقبلهم الناس وفرحوا بهم وتبركوا بهم لأنهم من مكة المكرمة، ولأنهم بركة بتلك التربية الكريمة التي نشأوا عليها، فكان ذلك الفضل كله يعود إلى تلك البيئة وإلى ذلك المناخ الكريم الذي نشأنا فيه، فالحمد لله على ذلك، وأسأل الله أن يمكّننا أن نربي أولادنا على ذلك النحو فنؤدي واجب الأمانة. |
- ولقد أكرمني الله بالتنقل والعمل في كثير من المناصب في وقت مبكر من حياتي حتى أنني أحمد الله أن من تحدث الليلة تحدث وأنا بينكم وإلا لظن الناس أنني شيخ أتوكأ على عصا، تلك هي فترة التنمية السريعة التي مرت بها بلادنا والتي شاء الله فيها أن نحمل المسئولية في وقت مبكر جداً، حتى أني أدرس على رجل ثم أدرّس معه كأستاذنا الجليل الدكتور رضا محمد سعيد عبيد الذي احتضنني طالباً ورعاني ثم زاملني ليواصل تلك العناية هو وأستاذنا الدكتور عبد العزيز الخويطر شفاه الله وأعاده سالماً. كل الذين تعاملت معهم أحاطوني بالوفاء وتعلق منهم الكثير من الأخلاق النبيلة، وحتى أصدقائي شاء الله أن تكون صفوة طيبة مباركة، لم تكن لدينا أطماع إلا أن نعيش حياة كريمة فقد تعودنا في ذلك المناخ في مكة المكرمة أن لا نمد أيدينا إلى مال أحد، ولا أعيننا إلى عرض أحد، ولا أن نطمع فيما لدى أحد من الناس، نشأنا على هذا النحو فملئت أنفسنا بقناعة طيبة، وفرحنا بتلك الحياة، ونشأنا على هذا النحو نشعر بسعادة غامرة في القليل وفي الكثير. وفي كل الظروف تعودنا أن نعيش ونحن نحمد الله عز وجل على ما نحن فيه. |
- والحقيقة أنني صادفت في حياتي الكثير ممن تحدثوا الليلة وكانوا رجالاً بمعنى الرجولة، حظي أنهم وقفوا معي، وحظهم معي أني كنت في المقدمة أحمل الاسم وتكون لي الدعاية والإعلام ولكنهم رجال من خلفي لولا جهدهم ولولا صدقهم لما حصل ما حصل ولما استطعنا أن ننجز بعض ما أنجزنا، ولكنهم رجال في التعليم، في الصحافة، وفي الإعلام، كل منهم كان يتصل بي ليقول قول حق أو ليعدل مسيرة أو ليغير مساراً، وكنت أستقبل كل ذلك بنفس طيبة، وبضمير مرتاح فكان لهم الفضل في كل ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه. |
- وعندما قدمت إلى جامعة الملك عبد العزيز قدمت على استحياء أقدم أوراقي لأعود مرة أخرى أستاذاً بالجامعة وفوجئت بأني قبلت بصورة سريعة ووجهت إلى كلية علوم الأرض حيث تخصصي، ورحت أبحث لنفسي عن مكان بين الأساتذة لأقيم فيه وإذا برجل من العاملين بالكلية يأخذ بيدي إلى غرفة صغيرة ويرشدني إلى أن هذا سيكون مكتبي غرفة لطيفة مناسبة، لكن ما استرعى انتباهي أن الغرفة مليئة بالمراجع، وبدأت أتفحصها فإذا هي مراجع في الجيولوجيا الاقتصادية، وفي علوم الأرض وفي جيولوجيا البحر الأحمر تخصصي. وعندما بدأت أستقبل الزملاء علمت أن فيهم مجموعة كبيرة من طلابي وأني نسيت أن زمناً طويلاً أخذني في الإعلام، تخرج من تخرج وعادوا أساتذة يعملون في كلية علوم الأرض، وقد كنت أظن أن السنوات لا تمر بهذه السرعة. |
- الحقيقة أن الحياة زاخرة بالفضل والتوفيق، والسنوات تُشعر الإنسان أنه يستطيع أن يعمل متى أراد أن يعمل لأن أهلنا عودونا على أن العمل فضيلة كالشرف والكرامة، عودونا على أن أفضل ما يعمل الإنسان أن يكسب رزقه بعرق جبينه، عملنا في كل شيء؛ عملنا في السقاية، عملنا في بيع البليلة، عملنا في كل شيء، لأنهم علمونا أن العمل كرامة وشرف، ولذلك أقبلنا على العمل في كل مراحلنا. |
- إنني أشكر لكم جميعاً هذه الكلمات التي لا أستطيع أن أَفِيَها بغير التوجه إلى الله عز وجل أن يجزيكم على كل ما قلتم خيراً، وأن يجعلني خيراً مما تظنون، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزي أخي الأستاذ عبد المقصود خوجه على هذه اللقاءات الطيبة التي نجتمع فيها ونلتقي بهذه الصفوة المباركة، وأشكر لكم حضوركم ومساهمتكم معي هذه الليلة وهذا الوفاء الذي أحسسته منكم، والذي حاولت أن أغالب فيه قطرات من الدمع أبت إلا أن تترقرق في عيوني ذلك لأني رجعت إلى سنوات طويلة وتذكرت وفاء الرجال، وتذكرت وفاء الناس وتذكرت تقصيري في حقوق الكثيرين، وتذكرت ظلمي لكثير من الناس في ظروف العمل الإعلامي القاسي؛ على قدر ما استطعت حاولت أن أسدد وأقارب ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. |
- أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لي ما مضى، وأن يوفقني فيما سيأتي، وأن يعينني وإياكم للأخذ بيد هذه البلاد نحو مستوى أفضل دائماً حتى تكون كلمة الله عز وجل هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى، وأن يربط على قلوبنا بمحبة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ويعلمنا الأدب معه عليه أفضل الصلاة والسلام، ومع آل بيته الطيبين وصحابته الكرام، وشكراً لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
|