شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الجبهة الإسلامية السودانية
ـ ما بال قومي يهونون على أنفسهم؟!
هذا سؤال يكبر، ويتضخم... كلما حاولنا إحصاء الخسائر الفادحة من حصيلة هذه الحروب ((الأهلية)) على إمتداد السنوات التي تفجرت فيها الثورات، والإنقلابات داخل العالم العربي!!
وكان الشعب العربي - الخارج بعضه من ربقة الاستعمار، والمناضل بعضه الآخر لكسر قيود الاستعمار والتبعية - هو ذلك الشعب المشرئب نحو دعوات الخلاص من القهر، والذل، والضيم.. والذي يستنهض وعي وقدرات قادته لبناء مستقبل الحرية، والكفاية، والعدل!
وكان الشعب العربي، في توجُّهاته الجديدة تلك، قد أحسن الظن بحركاته الثورية، التي فُجع في الكثير منها بعد ذلك، واكتشف أنها لا أكثر من ((إنقلابات)) يقفز ((العسكر)) فيها إلى السلطة، أو فوقها، ويتبارون في فتح السجون بدلاً من المدارس، وفي نشر المعتقلات بدلاً من الجامعات!!
وكانت ((حصيلة)) الأنظمة السياسية الفاسدة: انقلابات عسكرية ((تؤدلج)) الطغيان، فتجعله: ثورية، وتقدمية، وتدهوراً باقتصاد الأقطار، وتكريس الفقر لشعوبها!
وعلى الخط المُوازي ادِّعاءات (الإِصلاح الداخلي)... برزت: الأحزاب اليسارية، أو الثورية... والمليشيات التي لا تجد غضاضة في أداء دور (المرتزقة) حتى ضد الوحدة الوطنية داخل قطرها!!
ومخاضاً لكل تلك ((النتوءات)) في الممارسات السياسية على الساحة العربية... فقد اندلعت الحروب الأهلية، بتغذية مدروسة من الاستعمار ((الحديث!))، ومن الطامعين في ثروات واستراتيجية العالم العربي... فكانت الحرب بين: الفلسطيني، والفلسطيني... وبين اللبناني، واللبناني... وكانت خسائرها تتصاعد إلى حد الفجيعة بفقد من احتسبهم الشعب العربي: رجالاً في صفوف المجاهدين، والثوار، والشهداء بعد ذلك.. عندما يحاربون عدوّ الدين، والأرض، والإِنسان!!
ـ ومن فشل تلك الأحزاب اليسارية، والثورية، وسقوط تجاربها المتلاحقة في تدمير الاقتصاد العربي، والصناعة، والتنمية... كان لا بد أن يظهر خط موازٍ ثالث، ربما يُعلن عن دوره ((التصحيحي)) لادِّعاءات أصحاب الخط الأول من (الإنقلابيين)، وصَنّاع الثورات العربية الكرتونية، والذين ادّعوا ((الإِصلاح الداخلي))، ولكنهم ضاعفوا تخريب الداخل - إقتصاداً، وتطوراً، وتنمية - بينما كان العدو الإِسرائيلي يعمّق جذور إحتلاله للأرض العربية، ويتوسع بالحرب، وبالعدوان، والخديعة!
كذلك... فقد ظهر أصحاب الخط الثالث الموازي للانقلابيين، وللحزبيين الذين عجزوا عن تطبيق نظريّتهم، ومصداقية شعاراتهم... وأرادوا أن يقيموا قاعدة (النموذج) من خلال قيام: (جبهات) إسلامية.. تنادي بالاحتكام للشريعة الإِسلامية السمحة، والاقتداء بهديها، وتنظيمها، وكفالتها للحقوق والواجبات!!
لكنّ هذه ((الجبهات)) ما لبثت أن تحولت إلى ((تيارات)) تتصارع فيما بينها!
وتبلورت تلك التيارات، لتتجسد (أحزاباً).. بعضها قد استمر تحت مسمى: ((الحركة)) مثل: الحركة الإِسلامية ((القومية!)) السودانية.. وبعضها تحت مسمى: ((المنظمات الإِسلامية الشعبية))، مع ملاحظة أن: كلمة ((الشعبية)) صفة صارت تشترك في الإتِّصاف بها الحركات الإِسلامية، والحركات الإِشتراكية.. وهناك بعض تلك الحركات الإِسلامية قد وحَّد (نضاله!) ضد الإمبريالية، وانحيازاً إلى ضم العراق للكويت، مع حركات شيوعية ويسارية!!
وهكذا.. بسط ((البديل))، أو الخط الموازي الثالث، نشاطه، وتأثيراته، و ((نضاله)) أو ((جهاده)) الذي يصفه بالإِسلامي... لينتشر في أنحاء العالم العربي والإِسلامي، في خط ((سياسي))، وكوادر تقوم نشاطاتها على العمل السياسي، وإثارة الشارع العربي والإِسلامي، مثلما حدث في وقفتهم المؤيّدة للعدوان العراقي على الكويت!!
وقد حملت الأخبار الأخيرة إلينا.. ظهور ((جبهة إسلامية)) جديدة، أطلق مؤسسوها عليها اسم: (الجبهة العالمية الإِسلامية للتحرير) ومقرها: العاصمة الأردنية عمّان... وقد أضافت ((مهمة)) جديدة وبشعة إلى الركائز التي أعلنت الجبهات الإسلامية السابقة عنها، وهي مهمة: ((القتل)).. أو إصدار أحكام الإِعدام على مسئولين عرب، بعد إتهامهم بالخيانة، وهي أيضاً التي تتولى تنفيذ حكم الإِعدام، مثلما أعلنت هذه الجبهة ((الإِسلامية)) الوليدة، عن مسؤوليتها الكاملة بقتل الدكتور ((رفعت المحجوب)) رئيس مجلس الشعب المصري السابق (!!).
ـ أما ((الجبهة الإِسلامية السودانية))... فقد تجاوزت مهمتها الأساسية القائمة على: الدعوة للإِسلام، والترغيب فيه أمام هجمات البعثات التبشيرية الصليبية، في أفريقيا بالذات، والجهاد لتحرير المسجد الأقصى، والأراضي العربية... وباشرت العمل السياسي المحض، ولعْب الدور البارز في (اختيار) حكومة تتولى هي تشكيلها في السودان!
ونقلت مجلة ((روز اليوسف)) المصرية... تصريحات أدلى بها ((آية الله الترابي)) زعيم الجبهة، والمحرك الخفي لدمية الحكومة السودانية من وراء الستار... فقال:
ـ لوقت قريب.. إقتصرت اختصاصات الحركة الإِسلامية على دور المراقب، لكن... ((لجلال)) هذه الأزمة - يقصد أزمة الخليج - وللنمو النسبي الذي طرأ على الحركة الإسلامية.. ((نطمع!)) أن يكون لها صوت ودور!
ولعلّها ((فرصة!)) لانتقال الحركة الإِسلامية من دور المراقب إلى دور الفاعل، ومن دور المنعزل إلى دور العمل الإِسلامي الموحد!!
والسؤال المباشر هنا إلى ((آية الله الترابي)).. هو:
ـ هل تعتقد أن دور العمل الإِسلامي الموحد، ((يتشرف)) بتأييد، ومناصرة، ودعم عدوان جيش دولة عربية إسلامية على دولة مثلها، شقيقة، وجارة، ومسلمة.. وسرقة أموالها وحلالها، واغتصاب نسائها، وتشريد شعبها؟!
ـ وهل يعتقد ((فضيلتكم)) أن اعتماد نشاطات عملكم الإِسلامي، على أموال المؤسسات والبنوك في الجزيرة العربية، والخليج العربي... يجيز لإِسلامكم الحزبي، أو المتحزِّب، أن يدعو إلى نهب، وتحطيم، وسرقة هذه المؤسسات والبنوك في الجزيرة والخليج؟!
ـ قالت مجلة ((روز اليوسف)) في ريبورتاجها:
ـ مجموعة بنك البركة في لندن التي تدير مجموعات ضخمة من الشركات والفروع في أنحاء مختلفة من العالم تصل إلى أكثر من 250 فرعاً، تعمل في كافة النشاطات، من تأمين، وزراعة وسياحة، وخلافه... وساعد ذلك هذه التيارات على تحقيق قدر من الاستقلال الاقتصادي والمالي النسبي، ويُعد السودان أوضح نموذج لذلك، لدرجة أن أربعة من قيادات الجبهة الإِسلامية هناك يسيطرون الآن على أسواق ومقدرات الاقتصاد السوداني، ويذكر أن أحدهم كان يعمل قاضياً بمرتب موظف حتى نهاية الستينيات في السودان، بينما أصبح الآن أحد كبار رجال المال فيه بفضل تجارته في السلاح، وامتلاكه العديد من المزارع وشاحنات النقل!!
وفي يونيو الماضي باعت الحكومة السودانية بعض وحدات القطاع العام السوداني إلى أفراد من الجبهة الإِسلامية، وحاز ((عثمان خالد مضوي)) عضو القيادة التنفيذية للجبهة، وأحد أكبر رجال المال في السودان على مدبغة النيل الأبيض بالخرطوم، وصدقت اللجنة الاقتصادية ووزارة الطاقة السودانية للرجل نفسه باستيراد بترول من السوق الحرة بقيمة 15 مليون دولار، ومنحت تصديقاً آخر لبنك البركة (فرع السودان) باستيراد مواد بترولية بما يعادل 15 مليون دولار أخرى، واستيراد سماد بمبلغ آخر يعادل هذا المبلغ في مقابل محصول القطن للعام الحالي إذ حصل البنك على شهادات تخزينه للموسم الحالي.
ـ والسؤال المطروح في أعقاب هذه المعلومات، والممارسات:
هل يُسفر الغد عن تشكيل (تنظيمات دينية)، أو جبهات، أو حركات.. مناوئة لهذه الحركات التي سيَّست أدوارها، وأفعالها... وافتضحت توجُّهاتها؟!!
ـ إن السؤال يكبر، وينشرخ، ويدمي.. إذا ما ألحقناه بالأسئلة الصميمة التي فجّرت معنى سؤالنا الرئيسي هنا: ما بال قومي يهونون على أنفسهم؟!!
ـ إن قومي يهونون... لأن ((العربي)) يقتل أخاه العربي.. ولأن الدم العربي، يراق بيد يجري في عروقها الدم نفسه.. ولأن العربي يحرق أرضه، ويشتت أهله، وينسف داره بيده!
بينما تنقل لنا وكالات الأنباء المصورة: صورة مقيتة ومضخمة لتشريد الأم العربية/ المسلمة من دارها، وقتل الأطفال في مدنهم.. بما يعني: التفريط في (العِرْض) العربي!
هذا التفريط)) المخجل... نود أن نُواجه به ((آية الله الغنّوشي)) الذي وَصَفتْ الصحافة العربية تصريحاته بأنها: (تحمل أكثر المواقف تطرفاً).. خاصة في مضمون طَرْحه الذي ألبسه عباءة الإِسلام، وهو يتحدث في اجتماعات ما أسموه: (اللقاء الإِسلامي في عمان) من 12/9 إلى 15/9/1990!!
وتنقل لنا وكالات الأنباء العالمية، في أصداء (الفتنة) صوراً مخزية وأليمة لتشريد شعب عربي، مسلم آخر، وتغريب الطفل العربي عن حضن أمه، ورعاية أبيه... بما يعني: إهدار طاقات الغد العربي المسلم، المتمثل في هؤلاء الأطفال البذور، والطلائع.. وبما يعني: غرس الحقد والكراهية في صدر الطفل لقومه، ولمن ادّعوا أنهم أهله!
ولو أراد العدو)) أن ينفِّذ فينا هذا المخطط الإِجرامي.. لم يكن سينجح في حالة تضامننا، وتوحدنا، ومصداقيتنا مع بعضنا البعض.. ويقظة ضميرنا الوطني، الذي أغرقناه في أوحال من المزايدات، وادّعاء أخلاق الإِسلام!
لقد تبادل جيش ((صدام حسين)) مع العدو الصهيوني: مواقعه، وقام بتنفيذ جرائمه ومخططاته.. ضد الضمير العربي، وضد حقوق المسلم العادلة، وضد أعراضنا وأطفالنا، وضد الغد العربي!!
ولقد كَفَت تصريحات ((الترابي)) و ((الغنوشي)) و ((علي الفقير)) في الأردن.. ما أراده الإعلام الصهيوني، ومارسه طوال أربعين عاماً!!
بل إن هذه التصريحات، والمزايدات، والممارسات التي فعلها ((الترابي)) و ((الغنوشي)) قد أساءت إلى وحدة المسلمين، ولا نقول إنها: أساءت إلى الدين.. لأن ((الإِسلام)) أقوى، وأرفع، وأشرف، من أن يقوم أفراد، أو حركات، بتوظيفه لمطامع سياسية، وقيادية، وإقتصادية رطيئة الأهداف.. متخشّبة الغايات!!
* * *
ـ إن قومي يهونون على أنفسهم... لأن العربي، يُقنع الآن دول العالم بتفاهة (الهدف) الذي يحارب من أجله!!
إن العرب.. بالانشقاق، والاختلافات، وبالحروب الأهلية، والحزبية و ((الجبهوية))، و ((الحركية))... إنما يؤكدون للعالم: أن قضيتنا تنحصر في أهوائنا الخاصة، وفي مطامعنا الذاتية، والقيادية وتسلط الفرد، وانعدام ((الشورى))!
إن العرب اليوم - في تقييم النضال والكفاح - يتضاءلون بما حدث من (فتنة) وشقاق في الرأي، وقْفز أيضاً حتى فوق كرامة وشرف الإِسلام العظيم!!
إن العرب اليوم.. يرمون بأنفسهم في مجاهل: العصبية، والقبلية، والجهالة، والتوحْش... بينما نحن العرب نفاخر: أننا أمة حضارية، أهدينا للعالم كله الحضارات الرائدة، والعلوم، والفنون، والآداب، والمحارب الفارس، والشجاع، الأمين، الشهم!!
ـ إن قومي يهونون على أنفسهم... لأن نتيجة هذا الصراع الذاتي، والأناني، لن يطلع منها منتصر، ومنهزم!!
ولأن إضرام النار في قش البغضاء، وتضخيم الفوارق الطبقية، وتقسيم العرب إلى: أغنياء، وفقراء... وتقدميين، ورجعيين.. وإسلاميين يتوحّدون مع علمانيين وشيوعيين لهزيمة أشقَّاء لهم مسلمين... إنما يُصعِّد المعاناة على المدى الطويل من ضعف مواقفنا، ومن تفتيت صفوفنا، ومن ضياع حقوقنا المشروعة... فنكون نحن المنهزمين وحدنا، وبأيدينا!!
ـ ولا بد أن نجد ((المتنبي)) أخيراً، ودائماً... وهو يقول:
ـ من يَهُن.. يَسْهلُ الهوان عليه.
ما لِجَرح بميت: إيلام!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1120  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 409 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ديوان الشامي

[الأعمال الكاملة: 1992]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج