شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
المثقفون العراقيون البعثيون!
(1)
ـ سقط بعض المثقفين العرب، ممن ((امتهنوا)) الكتابة، في مستنقع: الغياب عن الوعي.. حيث جَيَّرتهم أنظمة الحكم العربية التي تاجرت بالشعارات، ووظّفتهم أبواقاً.. تخدم أغراضهم الزعامية، وأطماعهم الديكتاتورية!
وجاء سقوط هذه الفئة ((الغائبة عن الوعي)): مُهيناً، وارتطامياً... في مواصلة تبرير التسلط من وراء قناع الديمقراطية، وفي الدعاوة لبسط نفوذ (فرد) حاكم، بإيهام الشعب العربي من محيطه إلى خليجه: أن هذا (الفرد) هو الزعيم القومي، الفارس، الوحدوي، الذي سيحرر الأراضي العربية المحتلة، ويسترجع الكرامة العربية إلى وجهها العربي!!
وجاء سقوط الفئة المثقفة ((الغائبة عن الوعي))... إستطراداً في مراحل التاريخ العربي، منذ بدء أول ((انقلاب)) عسكري في الوطن العربي، عام 1936 بقيادة (( بكر صدقي )) في بغداد... وحتى هذه المرحلة التي ظهر فيها - من بغداد أيضاً - الرئيس (( صدام حسين ))، وهو يقود (الفتنة) العربية في الثاني من أغسطس/آب 1990م، في شكل (( انقلاب )) عسكري أيضاً... تحت شعارات وهمية، زائفة، صمغية، عفنة... تُردد كلمات فاسدة عن: الوحدة، والقومية، والحرية، والثورية!!
وهكذا... سقط الشعب العربي كله في معاناة أليمة من الانقلابات العسكرية المتلاحقة، بدءاً بعام 1936م، حتى اختتمها حاكم العرق (بفتنة) عاصفة، عام 1990م، من شأنها أن تبذر في التربة العربية من المحيط إلى الخليج: بذور الشقاق، والنفاق!!
وفي كل انقلاب: ((ينط)) من داخل الأرض العربية مثل ((عفريت العلبة)) كما يصفونه في الأوساط الشعبية... أحد قادة ((الانقلاب)) ممن يسارعون دائماً للاستيلاء على الإذاعة، ودور الصحف، كخطوة أولى وأساسية.. وذلك بهدف: الهيمنة على عقول وعواطف الشعب، واستمالته إلى الانقلاب!
ونجدهم - أيضاً - قد شكلوا فريق عمل انقلابي، ثوري من (المثقفين) الذين يُغْرونهم بشعارات الثورة، والحرية والعدالة الاجتماعية، واحترام الرأي، وأماني الوحدة... ثم ما يلبث هؤلاء المثقفون أن يتحولوا إلى: عسكر، وسجَّانين، ومتطرفين في ولائهم (للثورة) التي وظَّفتهم.. فأغرتهم بالمناصب، والأموال... أو أرهبتهم بالوعيد، والثبور!
ولكن كل ((انقلاب)).. ما يلبث أن يتهاوى مثل قلعة من كرتون، أو من قش، بين ليلة وضحاها... ويضيع أولئك (المسخَّرون) للانقلاب البائد من المثقفين البائسين.. الذين يزج بهم قادة الانقلاب الجديد في السجون، والبعض تتم تصفيته بالقتل.. بعد صدور الحكم عليه بالعمالة، والذيلية، والانبطاحية!!!
ولو أردنا أن نحصي نسبة (المثقفين)، أو المشتغلين بالكتابة الصحافية في العالم العربي، وبالذات في منطقة الانقلابات العسكرية، فإننا نكتشف أعداداً كبيرة منهم، قد انتقلوا إلى رحمة الله الأوسع بشتى طرق الموت، والقتل... وفي أقل نتيجة، بطريقة: القهر، والإحباط، والاكتئاب!!!
ولو حاولنا اليوم أن نحصي أسماء المثقفين، والمبدعين، الذين شرّدهم النظام البعثي، الصدامي، التكريني من وطنهم العراق، وقذف بهم في صقيع الغربة، والهرب من البطش.. فإننا نجد هؤلاء، على سبيل المثال لا الحصر:
ـ سعدي يوسف، بلند الحيدري، مظفر النواب، عبد الغني الجميل، عارف الشاوي، خليل عزيز (أعدمه النظام العراقي فيما بعد)، عبد الباقي العمري، الشاعر العراقي الكردي: حميد سعيد حسن، وغيرهم كثير!
أما الذين اشتراهم النظام العراقي، و ((صبّهم)) كتماثيل في صفوف المنحنين للسيد الرئيس ((المهيب)).. وما زالوا يمجِّدون بحمده، ويزوّرن الكلمة، والحقيقة... فإنهم أولئك الذين سجنوا ضمائرهم وراء قضبان الذيلية للنظام الحاكم، ووأدوا عقولهم في مقابر الكبت الفكري، وطوّحوا ((بالتاريخ)) الناصع لأرض الرافدين في جرائم ((البعث)) التكريتي، العلماني التي تفشت فضائحها!
ونجد أمثلة من هؤلاء الذيليين الذين شغلوا الرأي العام العربي، وندوات المثقفين ومهرجانات العرب الإبداعية.. واستخدموا الإعلام السياسي الصدامي، الذي كان (يطنّ) في آذان الشعب العربي بشعارات: الوحدة، والقومية، والديمقراطية.. وحاولوا أن يبرزوا مثل سدنة لهذا الفكر التقدمي، الثوري، الجماهيري... واستقطبوا الإعلام العربي - بجانبه الثقافي الأدبي - لما كانوا يكتبونه ويروِّجوه بمسمى: الإبداع، والحداثة، والتقدمية، وتصوير أوجاع الجماهير العربية، والتلاحم مع قضيته الكبرى/فلسطين.. فكان من أبرز هؤلاء الذين تسنَّموا مناصب رسمية في الجهاز الإعلامي، الثقافي، الصدامي، البعثي، التكريتي:
ـ عبد الرزاق عبد الواحد، حميد سعيد، سامي مهدي، علي جعفر العلاق!!
(2)
ـ ومما يجري على ساحة المثقفين العرب... قد يتخذ في بعض الأحيان مسمى: (الانفصام) الذي يتسلط على العقل، والعاطفة معاً!
وهذا الانفصام قد استشرى في ((وعي)) بعض المثقفين العرب، وتطور ليُحدث في أعماقهم ما نُسميه: ((الردَّة)) النفسية.. التي تمثل العائق الذي يفصل النفس، ويدخلها في التوتر، والانحناء، والتقوّس!
إن ((الردة)) النفسية تتضخم بسبب مناقشة حادة بين التفكير/أي ((العقل))، وبين النفس/أي الوجدان، والضمير.. أو بين المنطق، والجدل.. أو بين الأصالة، والتهجين أو التطويع... وقد يطلق عليها البعض في عنفها: الضمير!!
إن (( الضمير )) يتخذ أحياناً فعل ((الردة)) النفسية... إذا استطاع التأثير في سلوك الإِنسان، وأهوائه، وإذا أتى بفعل التغيير المسلكي.
ويوصف أحياناً أخرى بأنه: مخاض التجربة، والثقافة... لكنه لا يعدو أن يكون تغييراً مسلكيًّا في الأصل.. إذا انتصر فيه الضمير، أثمر رد الفعل الايجابي!
لكننا نجد في هؤلاء (( الغائبين عن الوعي )): إنخذال الضمير.. الذي يحصرم رد الفعل الإيجابي، ويُفسده!
ومن الأمثلة على: انخذال الضمير، وإحداث ((الردة)) النفسية السلبية... هذا الذي صرح به (شبلي العيسمي) مساعد الأمين العام لحزب البعث العراقي.. وجعل تصريحه يتخذ إيقاع المثقفين، أو المنظّرين الذين يدعون لمنهاج الحزب، وتطلعاته، فقال:
ـ ((إن الحزب... يؤمن بأن ضم الأراضي العربية بالقوة: وسيلة مشروعة لتحقيق الوحدة العربية))!!!
إنه ((كلام)) لا يليق بمنظّر، أو مثقف، أو ((أمين حزب))... بل إن إطلاق صفة ((الكلام)) على هذه اللجاجة، إجحاف بالكلام ذاته... فما قاله ((أمين)) الحزب المساعد ليس كلاماً، بل هو قد تنكَّب به كل الكلمات العربية، وانحطّ باصدق المعاني في هذه اللغة الشاعرة العظيمة التي تشرفت بأن تكون: لغة القرآن!
ـ ونتساءل: أية وحدة عربية يحققها بعث العراق باستخدام: الاجتياح الغادر لبلد مجاور شقيق.. يطعن أهله في ظهورهم على حين غرة، ومع أذان الفجر.. ويدّعي: أنها وحدة عربية؟!
ـ وأية وحدة عربية ((يسيء)) إليها بعث العراق.. وجنوده: يغتصبون الحرائر، والأمهات والبنات الصغيرات.. ويسلبون الأموال العامة والخاصة.. ويحرقون، ويدمرون، ويعيثون في الأرض فساداً؟!!
ـ وأية ((مصداقية)) في دوافع وحدة كهذه.. تدمر اقتصاد قطر عربي، وتستبيح كل شيء.. وتقلب الموازين في كل الأقطار العربية.. وتسيء إلى مسيرة النضال للشعب الفلسطيني المكافح بالحجارة في الأراضي المحتلة؟!!
فهل كان هدف (( حزب البعث التكريتي )) أن يدفع جميع العرب إلى الكفر بالوحدة العربية، والإجهاز حتى على بوارق الأمل في إمكانية تحقيقها؟!!
إنه منطق ((الغائبين عن الوعي))... من هؤلاء الذين يمارسون (الثقافة) كالعادة السرية، عبر تنظير فج، ورخو، لا يستقيم فيه منطق، ولا يستند على ثوابت، ودلائل ترتبط بمصلحة الوطن العربي، ولا يخدم الخطوات الصعبة التي حرص العرب على التقدم بها نحو أبواب السلام، وإقرار الحقوق المشروعة!!
(3)
ـ وابتداء من عام 1936م الذي شهد تفجير أول انقلاب عسكري في المنطقة العربية، مندلعاً من بغداد... ووصولاً إلى عام 1990م، الذي يقف شاهد عصر على تفجير أخطر (فتنة) في المنطقة العربية، مسددة من بغداد إلى: التضامن العربي.. وإلى خطوات التنمية، وجذب ((الوفاق)) العالمي إلى أهم قضية عربية، لمناقشة حلول عادلة..
من التاريخ المبتدئ للقلاقل والشروخ في الوطن العربي.. وحتى التاريخ الذي سجّل أقذر طعنة ((عربية)) للوطن العربي... فإننا - بالاستقراء الثقافي، والتاريخي - نود أن نتوقف عند كتابين صدرا في وقتين مختلفين:
ـ الكتاب الأول: صدر - فيما أظن - في مطلع الثمانينات للفيلسوف (جان جيتون) بعنوان: (( إيقاظ الذكاء )) ... فماذا كان يعني المؤلف من العنوان في البدء؟!
ـ خايلني السؤال القائل: هل تريد أن تكون ذكياً؟!
ـ أجبت: الآن... لا بد أن نكون أذكياء جداً... حتى لا يتفوق الأغبياء، الذين يعتبرون أن ((القوة)) هي وحدها: كل الذكاء!!
أما المؤلف (( جان جيتون )) ... فقد ركّز على ثلاثة مور، من شأنها - وحدها - أن توقظ الذكاء في الإنسان.. وهي:
ـ ((المطالعة بشكل أفضل.. المناقشة بشكل أفضل.. التفكير بشكل أفضل))!!
وأحسب أن الأمرين: الثاني والثالث.. يرتبطان بالأمر الأول حتى يحسن الإِنسان التفكير!!
وإذا تلفَّتنا إلى حال المثقفين العرب من (( الغائبين عن الوعي )) ... نكتشف أنهم يعانون في هذه الفتنة من: التفكير الأسوأ، ويفتقدون نعمة التفكير بشكل أفضل!!
ـ بمعنى: أن هؤلاء الغائبين عن الوعي، بسقوطهم في غيبوبة الوعي، لم يعودوا قادرين على ((إيقاظ ذكائهم))... فاستمرأوا التبعيَّة وراء مبررات تزيِّف المنطق، وتتصدى بعار الكلمة وعهرها.. وتُدلّس التاريخ العربي، بكلمات تطفح عاراً وعهراً!!
ولكنهم - رغم ذلك - ما زالوا يتحدثون عن الذكاء، وأنهم - وحدهم - الأكثر ذكاء!
لقد حوّلوا (( الذكاء )) إلى: شعارات بعثية تكريتية، وإلى كلمات متجلطة عن ((الضم)) الذي يعني: الوحدة العربية، وعن تشريد شعب عربي.. الذي يعني في ((ذكائهم)) وعرفهم: القومية العربية، والديمقراطية!
وحوّلوا (( الذكاء )) أيضاً إلى وشاح من الزعامة الصدامية المزركشة، الذي يدثرون به صفات قبيحة، مثل: الخبث، والمكر والدهاء... بهدف خلط المعايير، والصفات.. ويصبح من السهل: اختيار الصفة المفصّلة على الموقف، والمصلحة، والمكسب!!
ـ أما الكتاب الآخر: فقد أصدرته ((دار سينا)) للنشر، بترجمة ((بدر الرفاعي))، ومن تأليف شخص صهيوني اسمه (( اليعازر بعيري )) !
وهو الكتاب الذي سجَّل فيه مؤلفه: مسيرة الانقلابات العسكرية في الوطن العربي من عام 1936، إلى عام 1966م... واستعرضه الأستاذ ((علاء الديب)) في مجلة (( صباح الخير )) مدوّناً أهم ركائز هذا لكتاب، وهي:
ـ الكتاب يُعْلِم عن وجهة النظر الإسرائيلية في العرب.. بحقد اليهود المعتاد، والدفين تاريخياً.
ـ ((يقدم صورة مغرضة - لكنها هامة - للتاريخ العربي الحديث، بحرص يُلح فيه على ربط الحركات السرية العربية بالنازية، وأيديولوجيتها.. ليصل إلى إثبات أن: الصراع العربي/ الإسرائيلي.. هو صراع أيديولوجيات))!
ـ ((يرفض الكتاب فكرة القومية العربية، ويعتبرها عائقاً أمام التقدم الحضاري.. باعتبار المؤلف يروج حيناً للمنهج الاشتراكي العلمي، ويروج حيناً آخر للحلم الصهيوني بتقسيم الوطن العربي إلى كيانات قزمية))!!
ولكنها - في النهاية - تتضح حصيلة الانقلابات العسكرية، بدءاً بعام 1936م/ إنقلاب ((بكر صديقي)) في بغداد.. وانتهاء بعام 1990م/ فتنة ((صدام حسين)) من بغداد!!
و... يسقط ذكاء المثقفين العرب!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :741  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 406 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.