شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ـ ناي.. قتيل الصدى!
ـ أمَّا الأماني..
ـ فَما عُدْنا نطيق لها ذكراً تُطّبق أُولاَها على الثاني!
ضِقْنا بكل الأماني..
حيثما انسفحت!
فأين رنَّة عود..
عند مثكال؟!!
ـ حسين سرحان -
(1)
ـ في مساء مشبّع بالاندهاش..
في حقول مزروعة بالانتظار لذلك ((الشيء)) الذي يأتي، ولا يأتي.. مع قرعات ((أنكيدو)) في جنبات العالم الموصوف بالتوتر.. الخائف من: الحروب المدمرة والمستنزفة، ومن الأمراض المستعصية، ومن تفشّي الكراهية..
في ظلالٍ نديّة بالذكرى، وبالتطواف.. إلى درجة الإِغراء لخطوات الرحيل إلى: ((الدرب الممل))..
في أبعاد الصمت/ المتكلم.. تحت نجمة صحراوية حرّانة..
في هذا كله: مازال الناس يتحدثون عن (الثمن)!!!
حتى أنهم صاروا يُثمِّنون: الملل، والفراغ، والتفاهة، والبغضاء، والعزلة النفسية!
إنه من الصعب أن يحيا الإِنسان في عصر يُعْنَى بـ ((اللاممكن))!
ولعلّ في معنى هذه العبارة القادمة، ما يبرر الصدمة:
ـ (من المتناقضات العجيبة: أن يكون أول ما يهتم به الإِنسان.. هو أن يُعلِّم طفله الكلام، ثم - بعد ذلك - يُعلمه: كيف يسكت)!!
إن الإِنسان بات يُغنّي عبر فتحات ناي: قتيل الصدى!
تواجَدَ الناس في هذا العالم على شطآن انبساط الملح.. في ضجيج ((اللاممكن))!
تضاحَكَ الناس تحت سقف الليل.. كأنّ الليل: عمر الحب.. وكأنّ النهار: تُهمة الحب!!
وفي هذا المساء.. يوقفني صوت قديم رفعته ((سيمون دي بوفوار)) كجندي الحدود الذي يفتِّشك، وقد يمنعك من العبور:
ـ ((كل شيء في هذا العصر يبدو ممكناً))!
صحيح.. إن كل شيء يبدو ممكناً، في ضجيج اللاممكن.
وفي هذا المساء.. يمازحني صوت شاعر اسمه ((كمال عمار)).. كأنه آهة طالعة من أي عمق.. يقول:
ـ ((حينما تسأم ألوان المساحيق العتيقة..
كنتُ أسعى لك حيناً.. من حنيني للحقيقة))!
(2)
ـ أتلفّت بعد ذلك.. لأكتشف: أن عَجْز الإِنسان - أحياناً - يبدو كبيراً!
عَجْز الإِنسان عن تحقيق شيء..
وعَجْزه عن إمكان شيء واحد في داخله!
إن كل شيء يبدو ممكناً الآن.. في ضجيج اللاممكن!
قد تنفجر باكياً، وبقايا ابتسامة لم تتلاش من فوق شفتيك.
قد تُقهقه فجأة.. ودموعك تغسل وجنتيك، وتملأ حدقتيك، وحلقك!
قد تفهم بعض ما في داخلك، ولا تفهم أكثره.. وتتساءَل:
ـ لماذا فهمت ذلك.. وكيف فهمته، ولم تفهمه؟!!
ترى.. هل هي الخيبة، أم اللذة؟!
ـ لذة ماذا؟!
تساءلت.. واستطردت أثرثر بصمتي:
ـ لذة الخيبة.. لذة الحزن.. لذة القسوة.. لذة الوحدة!
وإذن.. فإن الإِنسان لا يستمر شكلاً واحداً، ولا حالة واحدة، ولا شعوراً واحداً، ولا سلوكاً سرمدياً!
هذا طبيعي.. ولكنّ الإِنسان يرفض، ويحتج، ويبكي، ويحقد، ويفرح.
إنه يتشكّل بالحالة النفسية.. وهي مرض العصر، على أكثر من صورة، وفي أكثر من شعور، وبأكثر من سلوك.. فالحالة تقوده، ولا يقودها.. وهذا هو الحزن، وهذا هو الإِرتطام بالخيبة، وبأبعادها فيما بعد!
إننا لا تقدر أن نتعرّف على ((القيمة))، ثم على ((اللذة)) - كنتيجة: إيجابية، أو سلبية - إلا إذا كان فهمنا لعطائها، ولحجمها كبيراً، ودقيقاً.
أو كأنّ القاعدة المطلقة اليوم، تؤكد:
ـ إن من حق اللذة أن تمارسك، لا أن تمارسها.. لتتواصل في أبعادها، ولا ينبغي أن تتحكم في الأشياء التي تؤثر فيك، حتى لا تخضعها للشيء الأقل في نفسك.. وحتى لا تبعثرها بالأشياء الأكثر من نفسك!!
إن ((الممكن)) قد صار في أكثره، هو: التعبير عن الملل!
بينما يتضخم ((اللاممكن)).. ليكون هو: التوتر.. حتى يبلغ في تجربتنا إلى (الفجيعة) من الغدر، أو من الأطماع!!
(3)
ـ ضحكت.. بل قهقهت!
إنها ((المتاهة)) التي يأخذنا إليها الملل، وتُجرِّحنا بها الفجيعة.. بعد أن كنا نقرأ صفحات كتاب في التاريخ.. وننتقل بعدها إلى قراءة عدة أعمدة في مجلة، وصحيفة.. تتحدث عن بيوت الطين في العصر القديم، وبيوت الزجاج، و ((الريمونت كونترول)) في العصر الحديث!
إن ((المتاهة)) تعني: عدم العثور على آخر المطاف في الحياة عموماً.. أو على آخر الركض في العمر، الذي لا نعرف: هل هو طويل/ أم قصير، أم ((مربوع)) المسافة؟!!
ضحكت.. بل قهقهت، حينما وجدت كاتباً فرنسياً: شديد التشاؤم، وهو يصف تلك ((المتاهة)) بعبارات لها ضجيج المصانع.. ومع ذلك، فقد كان يفتش عن ((وردة)).. عن ساق زهرة أخضر.. عن إبتسامة إنسان!؟
واقتحمتني واحدة من عباراته التي تُصارع، حين قال:
ـ (في نهاية المطاف.. هناك هدف واحد نسعى إليه، وهو: أن نفعل كما فعل الفراعنة تماماً.. نتمدد كالجثث الكبيرة.. نرتدي آخر صرعات أزياء الزمن.. ونضع إلى جانبنا كل ثرواتنا!!
ولو قُيِّض لي أن أفعل ذلك.. لَوَضعْت الريح إلى جانبي، ولكانت الجثة اختفت تماماً)!!
كأن ذلك الكاتب الفرنسي يريد أن يلقي التحية على ((جنكيزخان))!
ولست أدري.. لماذا لم يرد أن يلقي التحية المميزة على ((شامير))، أو ((بيريز))، أو ((بوش))، أو ((جورباتشوف))، أو ((صدام حسين))؟!!
ـ وقال ذلك الكاتب الفرنسي ساخراً، وربما ضاحكاً بغير ضحكتي:
ـ ((إن جنكيزخان.. كان منهمكاً في دفع رواتب جنوده))!!
حسناً.. كل العالم منهمك اليوم في دفع رواتب الجنود.. لأننا في عصر حربي!
الحكومات: تجهز جيوشها، وتستعد..
والبعض: يعتدي، مثل إسرائيل.. ومثل العراق فاجعاً!
والشعوب: في خوف شديد على الأرض، وعلى ساق الزهرة، وعلى غرسة الحنطة!
وهكذا.. قذفْتُ بالقصاصة التي كنت أحتفظ بها من صحيفة عربية، ترجمت عبارات ذلك الكاتب الفرنسي: ((ريجيس دوبريه))!!
(4)
ـ أخذني الملل من جديد.. كأنّ أنفاسي، وصوتي، ورؤيتي، يخرجون من فتحات ((ناي)) قتيل الصدى!
مللت حتى من القراءة.. وشعرت أن كلمات مختصرة، ومعينة: تتراقص في ذهني!
خُيِّل إليّ أن ((الكاتب)) أحياناً: لا أكثر من ((ثور)) في حلبة مصارعة، أو ملاكمة.. يدخل إلى الحلبة مندفعاً، متحفزاً، منطلقاً.. ولكنه ما يلبث أن يصطدم بكثير من الحقائق، والسيوف، والرصاص، والألوان المزركشة في مقبض نَصْل يتسدد إليه!
إنّه - بالضرورة - سيجد في حلبة المصارعة أو الملاكمة، مشكلات عديدة، ومتناقضة، ومن أهمها:
ـ مشكلة الشرق الأوسط، وعربدة إسرائيل، ونَهْب ((صدام حسين)) لأرض الكويت!!
ـ إحتلال ((الشيوعية)) بأنظمتها وأيديولوجيتها لأفغانستان المسلمة!
ـ غرور، وصلف، وعدوانية النظام العراقي الحاكم، وتعطّشه للدماء، وللفوضى، ولضرب العرب بعضهم ببعض!
ـ إحتلال الجنوب اللبناني، وتمزُّق الوحدة الوطنية اللبنانية.
ـ الحقد على العرب في الخارج.
ـ الحقد بين العرب.. في الداخل!!
ـ الإِنسان العربي المطحون بواقع الإِعتداء عليه.. والخلخلة النفسية.
ـ التاريخ: البعيد، والقريب، والماثل.
ـ المتغيرات الحضارية، والسياسية.
ـ التكنلوجيا: الحل، والمشكلة!
ـ ((النوم الأبيض، والموت الأبيض))!!
((فانتازيا)) من المشكلات التي تلفُّ العالم كله.. دفعتني أن أقذف الورق الأبيض، وأسترخي!
وتطلعت بجانبي.. رأيت المذياع.. أدرت المؤشر فيه!
حتى في المذياع.. وجدت ((صوت إسرائيل))، و((هنا لندن)) الذي يثق الكثير من العرب في أخباره (!!).
ـ ويعلن هذا الصوت الإِسرائيلي، أسماء عربية:
ـ مِنْ علي إلى حسن ونعيمة، ومن محمود إلى ياسمين وبهية، ومن حسين إلى فوزية وحليمة: نحن بخير.. طمِّنونا عنكم!
ـ ويعلن مذياع عربي إذاعة أغنية عربية مطلوبة من: صفية، وعيوشة، إلى فيفي، وطيطي، وعيعي، ومن عليوه إلى جميل، وجمالات، وحسنية.. وإلى جميع الأصدقاء.. نقدم أغنية: أضنيتني بالهجر!!
ويعلن مذياع بغداد التكريتي: البيان (المخالف) للعالم وللأعراف.. بدون رقم!!
أقفلت المذياع.. فالأغنية العربية ما زالت تراوح بين معنى واحد!
ـ قلت: يبدو أن كتابة البكاء.. تخصص عربي!!
نقدم أعمق الاعتذارات إلى قلوبنا.. لأنها كلَّت بسببنا!
ويبدو أن كتابة الضحك.. صارت بحبر من الدمع.. فإذا لم يكن كذلك، فإن النكتة قد تعرّت إلى درجة الخجل!
كان آباؤنا إذا شعروا بالملل، ذهبوا إلى مقهى.. والمقاهي اليوم تحولت إلى ((كازينوهات))!
تطور.. يُعبِّر عن ((فانتازيا)) الإِحساس الهضمي!!
(5)
ـ انتهت ((المتاهة)).. ولم ينته الملل في العالم الثالث، ولا حتى في الحاسة السادسة!!
انتهت ((المتاهة)) .. وبدأت الفجائع، والأحقاد!!
يقول ذلك الكاتب في العالم الحضاري، أخيراً:
ـ ((في العالم الثالث.. يتساءلون عن فائدة الجهاز الهضمي))!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1044  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 392 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج