شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
واحد صيفي.. جداً
ـ المكان: على شفة خط الاستواء الساخنة!
ـ الزمان: برج السرطان!
ـ الصوت: ((مشعور)).. فيه فجوة سقطت منها كلمة، وضاعت.
ـ الإضاءة: ضياء القمر قبل بلوغ القمر وسط السماء.
ـ المناسبة: رشح عرق، وهروب إلى الطائف: (المصيف):
ـ قلت له: إلى أين. ثوبك ينحسر عن ساقيك، ورأسك بلا غطاء؟!
قال: إلى تلك الصخرة.. أناجي النسمات الرقيقة، وأجفف عرق جسدي، وأشعر أنني وحدي!
ـ قلت: ما بالك ((تهرول)) وكأنك قادم حقاً من خط الاستواء؟!
ـ قال: ألم يلفحك سَموم ((تهامة)).. ألم تلتصق ثيابك بجسدك؟!
ـ قلت: أبداً.. لم يحصل أي شيء من هذا!
ـ قال: غريبة.. تكون عامل تكييف داخلي في جسدك؟!
ـ قلت: لست بارداً! أنت إنسان مخاطي تجف بسرعة!!
ـ قال: أنا لا أشبه الصمغ، أو بياض البَيْضُ. أنا عرق يتساقط على أرض الشوارع، وعلى الأرصفة، إنسان، عملي في الشارع.. مصالحي في الشارع. منذ بكور الصباح أخرج من بيتي، وعلى كتفي منشفة صغيرة، وألف وأدور.. أبحث عن رزقي.. عن الريالات، والكسب الحلال، وعندما أعود إلى البيت ظهراً أعصر المنشفة، وأجففها على الحبل، أما أنت فتخرج من بيتك ((المكيف))، وتخرج من المكتب البارد إلى بيتك المكيف، وفي السيارة ((مكيف)) أيضاً!.
ـ قلت: حتى هذا فيه تهويل، فالجو في جدة لم يصل إلى هذه الدرجة الحرارية القايظة في داخلك. إنني أخرج إلى الشارع، وأشعر بالحرارة حقاً، ولكن ليس بهذه الصورة!
ـ قال: لأ.. حرارة. أنا لا أحتمل. في كل صيف أحمل أمتعتي، وأصحب أهلي وأبنائي إلى الطائف، وأنبسط على مثل هذه الصخرة الحلوة التي تراها.
ـ قلت: وكيف تقضي الصيف هنا؟!
ـ قال: ((أشم هوا)).. آكل هوا.. إنت مالك؟!
ـ قلت: أقصد ماذا تفعل طيلة الصباح، وفي العصر، وفي الليل؟!
ـ قال: شوف يا أخ.. يا لِتِح.. يا فضولي!
ـ قلت: لأ.. بلاش لماضة!
ـ قال: يعني أنا اللمض بس؟ ما يهم.. شوف: في الصباح الباكر.. مع الفجر يعني: أركب سيارتي وأخرج إلى طريق الحوية.. إلى ((الردف)). إلى شهار.
ـ قلت: ابْرَدْ لك!!
ـ قال: أرْيَح.. بس لو الناس تفهم!
ـ قلت: وبعدين؟!
ـ قال: النسمة حنيّنة، ورقيقة، وتقول غزلاً لا أجمل منه في هذه اللحظات من الشروق. دنيا تانية.. حب.. صفاء.. أمل. تحس أن صدرك يتسع.. يتسع حتى يمتلئ بكل الحلوين.. بكل جمال الحياة، أقضي حوالي ساعة وأكثر، حتى أشعر بالشمس فأعود إلى البيت لأنام، وقبل انتصاف النهار بساعة أصحو وأخرج إلى السوق.
ـ قلت: وفي العصر؟!
ـ قال: العارف لا يعرّف - بتشديد الراء - طبعاً موعد مع البشكة، وجلوس على كرسي الشريط وأربعة أسود وعبي حجر، وطق حنك حتى يخيم الظلام.
ـ قلت: احك لي مثلاً من ((طق الحنك)) الذي يدور فوق كرسي الشريط!
ـ قال: ما أنت عارف؟!
ـ قلت: لا.. ما أعرف إلا النادر، والقليل، أود أن أستمع إليك!
ـ قال: مثلاً يا أخ.. يعني أمس كنا نتكلم عن ((بيليه)) وكيف لعب في المباراة الأخيرة على كأس العالم.. المباراة اللي أخذت فيها البرازيل الكأس، بيليه فلتة.
ـ قلت: لكن البعض الذي شاهد المباراة قال إن بيليه لم يلعب جيداً في هذه المباراة؟!
ـ قال: هيا بلا فلسفة.. دي ((رجله)) أكلت الكورة!
ـ قلت: هذا رأي البشكة طبعاً؟!
ـ قال: يعني لازم فيه شواذ علشان يكون فيه موضوع للاستمرار في الكلام.
ـ قلت: وإيه كمان؟
ـ قال: نتكلم يا أخ عن حلقات التلفزيون التمثيلية، أقصد المسلسلات، ونحن ننتظر من التلفزيون أن يقدم مسلسلات جديدة ومسلية، كمان نتساءل: فين البرامج التلفزيونية المحلية، فين الأفلام الطويلة الجميلة؟!
ـ قلت: وإيه كمان؟!
قال: نتكلم عن الصحافة، وحضراتكم اللي بتكتبوا، آه.. تعال يا أخ.. هو احنا على كيفكم، بالله قول لي: إيه في جرايدكم نستفيد منه؟!
ـ قلت: تتكلم عن أي جريدة؟!
ـ قال: ها؟!.. يا شيخ بلا مجاملة نحن نقرأ واحدة بس و(نجري الإحاطة) ببعض الجرائد!
ـ قلت: بدأنا المجاملات؟!
ـ قال: لا صحيح.. بس الصحافة يا أخ تنقصها حاجات!
ـ قلت: مثلاً؟!
ـ قال: إن بعض اللي بيكتبوا فيها ما يكتبوا!
ـ قلت: تود أن أتوقف أنا لإرضائك!
ـ قال: طيب أوقف يعني إيه.. المهم يكتب واحد أحسن منك.
ـ قلت: طيب.. وفي الليل كيف تقضي وقتك؟!
ـ قال: أضرب صحن فول، وبراد شاهي، وأجلس أتفرج على التلفزيون.. أحياناً تطلع في رأس البشكة تعمل ((سليق))!
ـ قلت: طيب.. هذا كله برنامج عادي، إيه الجديد.. إيه اللي ممكن تستفيد منه في الصيف.. في إجازتك.. في الجو المنعش والحلو؟!
ـ قال: آه.. لو كنت أعرف أركّب - بتشديد الكاف - شعر!!
ـ قلت: تركِّب شعر؟!
ـ قال: أيوه.. يعني أشعر.. أقول كلام حلو!
ـ قلت: قصدك تصوغ شعر؟!
ـ قال: هو كده بالنحوي، أصل عندي كلام كثير بدي أقوله بالشعر!
ـ قلت: تقوله لمين؟!
ـ قال: أقوله للعيون الحلوة.. للشعر الحرير.. للقامة الممشوقة، الهيفاء.. للجمال المتحرك على الأرض..
ـ قلت: أهو إنت بتقول شعر؟!
ـ قال: روح يا شيخ أتلهي.. ليه أنا بالع صوتي، وإلا بالع ذوقي. يعني تبغى تخليني زي بعض ((غرض حميد)) اللي بيكتبوا أغاني، وشعر ليس له وزن، ولا موسيقى، ولا حتى إحساس. أنا صحيح مستوايا على قد حالي بس أفهم يا أخ.. أنا في صدري ناي يغني للجمال وللحب!!
ـ قلت: الله.. وكمان موسيقار!
ـ قال: بس ما هو على طريقة بعض الألحان الروبابيكيا اللي يعملها بعض المطربين، أو الملحنين بأسلوب ((فرَّقنا)) خمسة بريال!
ـ قلت: انت ليه لسانك طويل؟!
ـ قال: بالعكس لساني أصغر مقاس في المقاسات المتوفرة في داخل أفواه الناس. بس أنت زي الدبوس تشكني بكلمة وما تبغاني انِزْ!
ـ قلت: بلاش المواضيع دي.. قل لي: إيه أحلى وقت ممتع في الطائف؟!
ـ قال: كأنه يحلم: آه.. أدخل البساتين في الصباح المبكر.. أجلس على رمل أسمر لوحدك، وحاول إنك ما تتكلم ولا مع نفسك. وفي الليل اندس في الظلام.. في الصحراء، وفكّر.. التفكير لحظتها ممتع جداً!
ـ قلت: إنك خيالي وعاطفي!
ـ قال: لا أستطيع أن أبقى طول يومي أضع يدي في جيبي!
ـ قلت: أين تضعها في بعض ساعات يومك؟
ـ قال: أضعها على حياة جميلة.. أحس أنني شرايين تنبض، وقلب مسموع الخفق.
ـ قلت: وتتكلم كده ليه؟!
ـ قال: علشان أعلّم مثالك!
ـ قلت: رجعنا للتلبيخ؟!
ـ قال: يا أخ.. عواطفي ليست شيئاً حراماً، المهم أن لا تفعلها وأنت تترصد الناس وتستحي منهم في نفس الوقت!
ـ قلت: ما هي هوايتك؟!
ـ قال: أرسم بالفحم!
ـ قلت: وليه الفحم بالذات؟!
ـ قال: لأن الفحم شيء قبيح في رأينا، ونستعمله في أغراضنا التي نحبها!
ـ قلت: هل تحاول أن تقرأ غير الجرائد؟!
ـ قال: قلت لك أنا لا أقرأ الجرائد.. أتصفحها بس، وعلشان أنت وغيرك اللي من أصحابي اقرأ لكم!
ـ قلت: لكن هذه استهانة بالآخرين!
ـ قال: يمكن استهانة بكم أنتم أيضاً!!
ـ قلت: أنت لاذع، ماذا تقرأ من الكتب؟!
ـ قال: أقرأ هذه الأيام كتاب ((فلسطين جريمة.. ودفاع)) من تأليف أرنولد توينبي..
ـ قلت: هل أنت مثقف؟!
ـ قال: هأ.. هأ.. أنا قارىء، من فضلك حددوا معاني كلماتكم!
ـ قلت: ما هي مؤهلاتك العلمية؟!
ـ قال: درست في ((كُتَّاب)) - بتشديد التاء - الخوجه خديجة صيرفية وبعدين في المدرسة الرحمانية، وبعدين درست في لبنان، وبعدين درست في أمريكا، ومبسوط أني الآن تاجر في النهار.. أعقد صفقات تجارية وفي الليل أقرأ، وأشرب شاي وتعميرة جراك، وأسمع كلام فاضي!
ـ قلت: خلاص ((طفشتني)) .. نفسك في إيه قبل ما انهي الحديث؟!
ـ قال: نفسي يخلص الحبر من قلمك، وتكتب هذا الحديث بقلم روج على طريقة ((فرانسواز ساجان)) قبل ما تتزوج.. علشان يسيح باعتباره مع واحد ((صيفي)) جداً؟!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :970  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 383 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالله بلخير

[شاعر الأصالة.. والملاحم العربية والإسلامية: 1995]

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثاني - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (2): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج