شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
واحد مجنون... جداً
ـ ((مجنون وأعطوا له حجر))!
قول قديم من الأقوال الشعبية التي تعاقبت جيلاً وراء جيل.. حتى استقر ذلك القول عند قدمي هذا الجيل النابت.. كما ((الفول النابت!))، ولا أقصد الجيل النابت في حدودنا الإقليمية فقط، بل في كل العالم.. العالم مليئ بالجيل النابت، وهذا طبيعي، وصفات الجيل النابت: الابتكار والنزوع إلى الجديد، وهذا مطلب.. وتصرفات هذا الجيل مجنونة، شاذة، متمردة.. تكسر، تجنح. توغر أشياء كثيرة في النفس، وهذا هو الواقع الغريب!
والجنون.. هو موضة العصر الحاضر.. الجنون موضة.. ولو!!!
وفي مجتمع المجانين يقولون للذي يبدي تصرفات غير لائقة: ((خليك مجنون.. إيش بك عقلت))؟!
* * *
ولا يتسرب إلى ذهنكم وظنكم أن السطور السابقة هي مقدمة حديث عن المجانين والعقلاء، أبداً.. فهذا كلام لم أقله، وإنما كتبته إملاء. آملاه عليّ مجنون أردت أن ((استضيفه!)).. وأردت أن أعقد معه في البداية صداقة حتى لا يضربني في النهاية لسبب من الأسباب: كثرة الأسئلة مثلاً، أو ((زلاقة)) لساني، أو تعرضي لشئونه الخاصة فيما لا يعنيني.. تصادقت معه على سنة مجتمع العقلاء، وقلت له: ما رأيك في حديث نتناقش فيه حول مجتمعكم وطبيعته؟
فسكت لحظات، ثم قال: كل تلك المقدمة التي جاءت في أول هذه السطور!
ـ وقلت له: إذن نحن في اعتباركم مجانين؟!
ـ قال غاضباً: لا.. نحن نرفض. أنتم عقلاء فقط. المجانين نحن بكل فخر!
ـ قلت: وماذا يشينكم لو كنتم عقلاء؟!
ـ قال: تصرفاتكم يا عقلاء لا تغري المجانين أن يترسَّموها!
ـ قلت: ماذا يضايقك كمجنون في العقلاء؟!
ـ قال: أشياء لا تحصى، وبلاش نشر الغسيل!
ـ قلت: لأ.. أنشره.
ـ قال: هذه إحدى طبائعكم الوحشة.. دائماً تنشرون غسيل بعضكم، وبالذات الغسيل الوسخ اللي ما اتنظف!
ـ قلت: الله يسامحك.. لكن أنا صحفي ((عاقل)) أريد من ((متحدث)) مجنون أن يعرب عن مشاعره نحو العقلاء!
ـ ضحك وقال: قلبك طيب والله يا صحفي.. يعني لو لم تكن لك حاجة عندي.. كمان ما استنظفت تقرب بجانبي.. فضلاً عن أن تحدثني!
ـ بالضبط.. فنحن العقلاء نخاف المجانين.. أصل تصرفاتهم أحياناً تقتل!
ـ لا يا صحفي.. اللي يقتل هو خوفكم فقط، لأنكم تخافون.. تقتلون غيركم وتقتلون أنفسكم!
ـ ولماذا نخاف يا مجنون؟!
ـ الخوف يا عاقل سببه التكالب على الحياة.. على الأشياء التي نحبها. وكل ما أحببنا شيئاً أكثر من اللزوم خفنا حتى لا نفقده!
ـ قصدك تظهر لي أنك فيلسوف؟!
ـ يا شيخ اتلهي.. يعني اللي عندكم في كل العالم دا فلاسفة؟!.. أفرض أنا معاك أنهم فلاسفة، ولكن إلا تقولون عنهم مجانين.. عندما لا يعجبكم رأي من آرائهم؟!
ـ بالضبط!
ـ شيء ثاني.. أنتم تقولون أن العبقري مجنون، فلماذا تعطون أبرز إنسان، وأنظف عقل، وأذكى ذهن صفة الجنون. أليس الجنون إذن الذكاء واللماحية والثقافة؟!
ـ تقصد: من فمكم أدينكم؟!
ـ لا يا صحفي.. فنحن المجانين لا يهمنا أن نقنعكم.. بقدر ما يهمنا فعلاً أن تقنعونا أنكم عقلاء في أكثر تصرفاتكم!
ـ طيب.. وإيه اللي تدلل به على جناننا؟!
ـ جننكم؟!.. إسحب كلمتك يا أستاذ بسرعة، فقد قلت لك نحن نرفض انتماءكم إلينا.. أنتم عقلاء فقط!
ـ قلت: بس يا شيخ بلاش كلام فاضي.. يعني مثلاً فيه جماعة من الشبان في أمريكا اسمهم شباب ((الهيبي)).. تصرفاتهم شاذة، مسلكهم فاضح ونتن، تقاليعهم تقزز النفس.. فهل نعتبرهم عقلاء؟!
ـ قال: نعم.. عقلاء مائة بالمائة، فالمجانين لا يفعلون تلك التصرفات.. إنهم على الأقل إن فعلوا شيئاً ترون فيه سخفاً، فهم قد فعلوه بتبرير ومنطق.. يعني واحد مجنون يقذف عاقل بحجر لأن العاقل أذاه، ولو لم يؤذه أحد ما قذف الحجر، ولو لم يصادف حرباً نفسية من عشرائه وأهله ومجتمعه ما كان أتجنن أصلاً.. أنتو يا عقلاء تجننوا القرد!!
ـ قلت: وإيه يضايقكم مننا ايضاً؟!
ـ قال: إدعاءكم العقل، وأنتم لا عقلاء!
ـ مجانين يعني؟!
ـ لأ.. بأقول: لا عقلاء. أبحث لكم عن صفة أخرى تنطبق على حالتكم ومسلككم فالمجانين في قمة عقدتهم النفسية لا يفقدون إنسانيتهم والرحمة في قلوبهم!
ـ معليش.. قل لي ماذا يضايقكم؟!
ـ وما تزعل؟!
ـ ولو.. أزعل ليه؟!
ـ إسمع إذن.. أنتم العقلاء تقفون على ظهر قرش كبير في محيط لانهائي، وتحسبون أنكم تقفون على يابسة!
ـ عجيب.. كيف، أفادك الله؟!
ـ تسخر؟.. إن تعاملكم - بعضكم لبعض - يقوم على الخداع، وعلى القوة، وعلى الخوف، وعلى المنطق الذي يبحث عن اللامنطق!
ـ وأنتم.. على أي شيء يقوم تعاملكم؟!
ـ يا صحفي يا عاقل.. يوجد كاتب ((عاقل!)) أصدر كتاباً من زمن طويل عنوانه ((عقلاء المجانين ومجانين العقلاء)) واسم المؤلف أحمد أمين...
ـ قاطعته قائلاً: أحمد أمين تريد أن تطعن فيه أيضاً.. كل شيء مباح إلا الكتَّاب والمفكرين.. لا أسمح لك أن تطعن في عقولهم!
ـ ضحك وقال: مفكرين، كتّاب.. إن كل من في عالمكم (العاقل) يكتبون وهم ينشدون الجنون!!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1179  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 372 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج