السؤال.. المقدمة! |
ما الذي يحدث الآن؟! |
سؤال صعب جداً.. يطرحه المفكرون، ويطرحه الفلاسفة، ويطرحه الفنانون أيضاً والشعراء.. ولكنهم جميعاً لا يجدون الإجابة عليه، أو لعلّهم لا يمتلكون القدرة على وضع إجابة صحيحة، ودقيقة، وشافية! |
كان الفنان يضع اللوحة أمام نفسه بيضاء.. لتنعكس عليها بعد ذلك الألوان والظلال والملامح، من العابرين أمامه، ومن المتأملين للبياض وللفراغ، ومن الضائعين في زحام التراكض! |
فكان الفنان يرسم ويمنح قلبه نبضاً جديداً! |
الآن.. أصبح الفنان يرسم، ويسقط قلبه، أو كأنه أخفى قلبه، وعامل الناس بالتحديق، وبالصمت الأبكم! |
وكان المفكر يحلل، ويبدع وينسكب كقارورة عطر.. والآن أصبح يعيش الذهول، والنظرات الحائرة المبددة! |
لقد بلغنا مرحلة التعبير الغارق في ترف الحزن تارة، والتعبير الغارق في حزن الأمل تارة أخرى.. وكنا نحيا بالتعبير الذي يشغله الألم، ويصهره، ويحرقه، ويجدده! |
أو كأننا نحيا في زمن الراحة المخدرة، أو الراحة المنومة مغناطيسياً! |
فهل نخرج من زمن هذه الراحة.. لنستطيع أن نجيب على هذا السؤال العصيب: |
ـ ما الذي يحدث الآن؟! |
إن الذين في استطاعتهم أن يجيبوا على هذا السؤال اليوم.. أصبحوا هم هؤلاء الذين يخترعون الأسلحة المدمرة، والذين ملأوا حياتنا التي كانت بسيطة بكميات هائلة من ((الأزارير)) التي يتحكم فيها أصبع واحد! |
وهم هؤلاء العلماء الذين يخترعون الجديد للقضاء على الإنسان.. أكثر من اختراعهم للجديد الذين يدعون إنه يوفر الراحة والرفاهية للإنسان.. وهؤلاء يعطون إجابات غريبة لا يفهمونها.. ولكنك أنت تفهمها لاحتياجك إلى إجابة واحدة فقط على سؤال يحيرك! |
أما إجاباتهم.. فهي مادية بحتة، ذات أرقام، ومثلثات، ومسافة، ومساحة.. إنهم لا أكثر من أناس يحققون لك الفرصة المؤقتة، لتموت بعدها فجأة بأي مرض حديث يقتحم أمانك، أو غرورك، أو ركضك خلف الطموح والضوء والثراء! |
فالذين زهدوا في مغريات حياتنا الحاضرة.. هم - في الغالب - أولئك الذين أصابتهم الأمراض وعرفوا بها.. ففزعوا حيناً، واستسلموا بعدها.. كأمراض السرطان، واليأس، والشيخوخة النفسية!. |
والذين لم يزهدوا في مغريات الحياة، ولكنهم يعيشون الخوف.. هم أولئك الذين يكتشفون ظهور أمراض جديدة وخطيرة، وربما مخجلة.. ((كالإيدز)) مثلاً الذي طلع - كموضة - ولكنها موضة تقضي على ما يسري من مبالاة، ومن فقدان الحصانة الصحية، ومن انشغال بالمادة وبالعبث! |
ولكنك - أيضاً - ستتعب من أجل العثور على من يتحدث مرتاحاً عن الغد! |
* * * |
ولا يعني هذا الاستعراض السريع للفواجع.. أن نجسد التشاؤم ونسقط فيه.. لكنه يعني الخوف من فقدان الامتلاك لشيء واحد واضح وحقيقي وثابت لا يتموه، ولا يتبدل، ولا يبهت! |
والبعض يعالج خوفه بمزيد من الأحلام! |
والبعض يحلم.. لئلا يفكر في الموت أو الفشل! |
وبعض ثالث.. لا يفكر في اهتماماته، إلا بالقدر الذي لا يفقده شعوره بالانتظار للأماني، أو للغد! |
إننا نتوق للتفاؤل دائماً.. ولكننا نتطلع أكثر إلى الدلالات التي تحقق ذلك التفاؤل، وتصنعه كمعايشة لهذا العصر الخطير والفاجع! |
* * * |
وخلاصة لهذا الاستقراء.. تبقى ((الكلمة)) في فعلها وتأثيرها وتسددها.. هي ((الإجابة)) على كل الأسئلة الصعبة.. هي هذه ((الأبواب)) المشرعة لـ ((الريح والشمس)).. ننفذ منها إلى الحقيقة، ويؤدي بنا إلى الرؤية الأرحب. |
وهل هناك أبواب تؤدي هذا.. أكثر من ((الكتب)) التي تأخذنا في رحلة الوعي والفهم.. وتعيدنا إلى الحقيقة، وإلى نفوسنا، وإلى الصفاء؟! |
لقد جمعت هذه ((المطالعات)) في عصر التعبير الغارق في ترف الحزن - كما قلت - وهي حصيلة لبعض ما قرأناه في جيلنا، فغذانا، وبهرنا، ولكز خاصرة الفهم والوعي فينا، ولعلّنا تعذبنا به أيضاً!! |
وكأنني بهذا الكتاب.. أصر أن أواصل الحوار مرتاحاً عن الغد!! |
وكل ((غد)) لا يشرق أبداً إلا بالكلمة.. بالكتاب!! |
|
|