شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حوار.. مثلث!!
حوار ((1))
ـ المنظر: ساحة واسعة عريضة.. يغيب النظر في مداها.. تهاوت حدودها.. استطالت دروبها.. لا شيء يتضح فيها.. لا شيء يتلاءم وسطها.. ترتفع داخلها المباني والمنشآت الضخمة الشاهقة.. الأضواء فيها حارقة وتستحيل إلى دكنة.. تتناثر على أديمها جثث البشر، تلك التي قذفتها الحروب الطويلة.. تتعالى أنغام الموسيقى الهادئة المتلائمة مع كلمات قصيدة غزلية.
ـ صوت: إبتعد أيها الواقف وسط هذه الساحة، إنك تبدو قزماً. فماذا تريد من تجوالك هذا.. من وقوفك هنا. أغرب.. فمن المستحيل أن تتفرج ولا تضحك وتبكي!
ـ من أنت.. من أي منفذ أتيت؟
ـ صوت: أنا الذي تنتظره هذه الساعة.. أنا نتائج أشياء كثيرة في حياتكم. أنا وعودكم وإحتياجاتكم.
ـ كأنك مهاباً.. كأنك قوة لا تكترث؟؟
ـ صوت: ولم تعرف من أنا؟ أنا أطفالكم.. وأحلامكم.. وغروركم.. وموتكم ومولدكم.
ـ أنت مفاجئ. أنت مذهل، فهل تعتقد أن الإنسان في حاجة لما هو أكثر من الإنشداه، أو لما هو ابعد من الذهول؟
ـ صوت: الإنسان اليوم يمتلئ بالصدمات، يعاني من خسائر جسيمة في القيم، وفي فقدانه لكثير من شواهد إنسانيته فهو يؤبن محسوساته.
ـ فمن أنت؟ كأنك القاضي، والمحامي، كأنك السيف، والعفو. كأنك الأمل، وحصاد الفشل.
ـ صوت: أنا الغد.. غدك.. غد هذا العالم الذي يتصادم حولك في هذه الساحة، ويختلط أمامك ما بين جثث متناثرة، وحضارة مترافعة عن مصيرها، وسأنظف هذا المكان.
ـ مم تنظفه؟.. من الجثث التي خلفتها الحروب.. أم من الانتصارات العلمية التي حققها القرن العشرين؟
ـ صوت: ((يقهقه بصوتٍ عالٍ))..
ـ هل من الضروري أن تضحك؟
ـ صوت: أنظفه منكم. أنتم جيل قد هرمت إنسانيته فأصبحت شوهاء. أنتم لا تصلحون أدلة أقدمها ضمن مستنداتي.. لا تقدرون على تصديق ما سأقدمه..
ـ أنت أيها الغد.. ماذ ستفعل في الحياة.. ماذا ستعطي. كيف تنظف ساحة الحياة هذه من التناقضات داخلها؟.. أنظر إلى هذه الإحصائية التي قرأتها: ((لقد قدمت مؤسسة كارنيجي إحصائية أظهرت أنه عبر السنوات منذ عام 1496ق.م وحتى عام 1891م وهي دورة زمنية طولها 3357 سنة.. لم يكن بينها إلا 227 سنة من السلام.. بينما تخللتها 3130 سنة من الحرب. فهناك 13 سنة حرب في مقابل كل سنة واحدة من السلام.. فماذا ستفعل.. هل ستحقق السلام على هذه الأرض، أم تدمرها ليأتي بشر يختلفون في كل شيء؟.. ماذا تحمل أيها الغد؟
ـ صوت: لقد جعلتم النهاية حلاً لكل مشاكلكم.. لكل أعمالكم لكل حضارتكم. أنتم تمتلئون بالعقد، وبالأطماع، وتقدمون معزوفة السلام وهماً لأنفسكم..
ـ ماذا تريد أن نفعل؟
ـ صوت: لم يعد في إمكانكم أن تفعلوا.. انغمروا.. ذوبوا.. انغمروا!!
وتلاشى الصوت، وسقطت الظلال الكثيفة على الساحة، وتعالى صوت موسيقى صخبة طغى على كل شيء..
* * *
حوار ((2))
ـ طفلة في السادسة من عمرها تدغدغ قدم أمها وتضحك ببراءة، وتستمرئ الضحك، ثم تتوقف فجأة عن هذا العبث، وتقول لأمها:
ـ ماما.. متى سيعود بابا؟ إنني جائعة..
ـ الأم: سأطعمك.. فإن بابا يا حبيبتي لن يعود إلا إذا توسط القمر السماء.. ستكونين نائمة، ويطبع قبلة على جبينك وينام هو الآخر..
ـ الطفلة: ولماذا يتأخر.. فلا يأتي إلا في الظلام، ولا أرى وجهه؟ أنا أخاف الظلام.
ـ الأم: إن عمله بالليل يا صغيرتي، وهو يحب الليل.
ـ الطفلة: ألا يخاف من الظلام؟
ـ الأم: لن يكون هناك ظلام.. فهو يعمل في الضوء ويعود بالخبز في الليل، وتظهر ضحكته الجميلة في الليل.
ـ الطفلة: ماما.. أيقظيني إذا جاء.. أريد أن أرى ضحكته الجميلة في الليل.
وتنام الطفلة، وتنام الأم، ولن يعود الأب.. فقد مات ذات ليلة والقمر يتوسط السماء، وكانت ترتسم على شفتيه ابتسامة غامضة في اللحظة التي كان يحسس بأصابع يده على بطن زوجته الحامل.
حوار ((3))
ـ قالت: لا تصعد عدد كلماتك معي بالمترادفات.. فإنها تضايقني، وتجعلني لا أفهمك!
ـ قال: لم أكن أحرص على هذه المترادفات في كلامي لو أنك تفهمين أول كلمة أقولها لك. أو لو أنك عندما تفهمينها لا تفتعلين الخرس في إحساسك. لو تعلمين أن كل كلمة أقولها.. أقدمها من صدري ومن صدقي لاسترحت أنت، ولأرحتني من إضاعة وقت طويل في الكلام!
ـ قالت: إنني أركض خلف كلماتك، ولكني أحرص أن أجد الجديد في كل كلمة.
ـ قال: لكننا لا نستغني عن المترادفات في حياتنا.. في كلامنا.. في إقتناعنا.. في نتائجنا. لا بد أن تعرفي أن الكذب لا يكلف سوى كلمة واحدة.. أما الصدق فيضطرنا إلى عدة كلمات لنجعله ينتصر!
ـ قالت: لكني لم أفكر يوماً إنك تكذب!
ـ قال: فلماذا تحرضينني على الكذب بالكلمة الواحدة؟!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :855  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 302 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.