شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة المحتفى به الشيخ محمد علي بن جميل الصابوني ))
ثم ألقى المحتفى به فضيلة الشيخ محمد علي بن جميل الصابوني الكلمة التالية:
- بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، اللهم اجمع قلوبنا على الخير والهدى، ووفقنا إلى العمل الصالح الذي يقرّبنا منك يا ربّ العالمين. لست أدري أيها الإخوة وقد طوقتم عنقي هذه الليلة بهذا المديح الذي لا أستحقه، لست بعالم ولكنني طالب علم ولا أقولها تواضعاً، وإنما شعوراً ينبعث من قلبي، أستشعر في نفسي أنني بدأت في طلب العلم لم أنته بعد، أتمثل في هذا قول إمامنا الشافعي رحمه الله:
كلما أدبني الدهر أراني نقص عقلي
وإذا ما ازددت علماً زادني علماً بجهلي
 
- فالعلم بحر لا ساحل له ونحن طلاب علم. فالعالم الحقيقي هو الذي يتدفق علمه كالينبوع لا يتوقف، أسلافنا رحمهم الله كانوا على هذه الشاكلة، كان الواحد منهم موسوعة في شتى العلوم، كانوا من أثر الإخلاص وأثر الصدق مع الله عزّ وجلّ، يُجري الله على لسانهم الحكمة، ويجري على لسانهم البيان، وكانوا أئمة أعلاماً رضوان الله عليهم، ولكنني أقول ما قاله الشاعر، أقول ذلك البيت الذي ذكره أحد الشعراء حين قال:
لعمر أبيك ما مُدِح المعلى
لمكرمة وفي الدنيا كريم
ولكن البلاد إذا اكفهرت
وصَوَّح نبتها رعيَ الهشيم
 
- فأمثالنا طلاب علم، ولكن يقول الناس علماء، وأما العلماء حقّاً فهم أولئك الأعلام الأفذاذ.
 
- أذكر حادثة لأحد هؤلاء الأئمة الأجّلاء: الإمام شمس الدين السرخسي رحمه الله، غضب عليه السلطان لأنه كان لا يفتأ عن كلمة الحق يبينها ويوضحها بكل جرأة فأدخله السجن. فطلب تلامذتُه ألاَّ يُحرَموا من علمه، فأذن لهم بأن يأخذوا العلم عنه وهو في السحن. فأملى عليهم كتاباً كاملاً من حافظته، من ذاكرته ثلاثين مجلداً اسمه "المبسوط" في الفقه الإسلامي على مذهب الإمام أبي حنيفة. مثل هذا العالم يقول عنه الناس لم يصل إلى درجة الاجتهاد وإنما هو مرجِّح بين الأقوال، والواحد منا لا يعرف كيفية الاستنجاء على الوجه الشرعي يصبح إماماً مجتهداً مجدداً، يقول: هم رجال ونحن رجال، أية كلمة هذه؟! إنه تطاول؛ وعدم معرفة بحقيقة الإنسان كالهر يحكي -انتفاخاً- صولة الأسد. ونسيت أن أذكر لأخي الفاضل الذي احتفى بي وأحسن بي الظن ولإخواني الأفاضل الأدباء والعلماء والشعراء الذين أثنَوا عليَّ هذه الليلة وبخاصة قصيدة أخي الشاعر الذي يكبرني بأربع سنوات وإن كانت لحيتي تطول أكثر من لحيته، لكنه أكبر مني سناً أقول:
 
لم يَبْنِها (1) جمع الخلود وإنما
هي سترة الدنيا لأهل المنزل
- أقول لأخي السيد عبد المقصود وفقه الله لكل خير ونسأل الله أن يجعل هذا عوناً له على طاعة الله عزّ وجلّ، أقول له: أنت لست في جنة، أنت في سجن مهما تنعم المؤمن في هذه الدنيا فلن ينال جزاءه، وكما قال رسولنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر"، ولكن ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، قال المفسرون: الحسنة في الدنيا هي الدار الواسعة والمركب الهنيء والزوجة الصالحة، فالمرأة الصالحة هي سبب سعادة الإنسان في هذه الدنيا فهذا القصر إن شاء الله يكون له عوناً على طاعة الله، ولكنه الآن في هذه الدنيا في سجن، أتدرون كم يأخذ المؤمن أقل أهل الجنة منزلاً؟ بقدر هذا القصر أم أضعافه؟ لقد أخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن آخر من يخرج من النار ويدخله الله الجنة بعد كلام طويل قال: يقول الله عزّ وجلّ له: اذهب فادخل الجنة. فيذهب فيخيل له أن الجنة مملوءة لا مكان له فيها فيقول: يا رب جئتها فوجدتها ملأى، فيقول له: ارجع فادخل الجنة، فيرجع فيجدها كما يتخيل أنها ملأى لا يجد فيها مكاناً يسعه فيرجع، في المرة الثالثة يقول الله عزّ وجلّ: ارجع وادخل الجنة فإن لك فيها قدر الدنيا وعشرة أمثالها، هذا أقل أهل الجنة منزلاً. فنسأل الله ألاّ يحرمنا نعيم الجنة. قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم من ضحك الله عزّ وجلّ قال: فيضحك الله عزّ وجلّ منه فيقول: يا رب أتهزأ مني وأنت الملك ما لي مكان فيها، تقول لي لك قدر الدنيا وعشرة أمثالها يقول صلى الله عليه وسلم: ويضحك ربنا له فنسأل الله ألاّ يحرمنا نعيم الجنة.
 
- العلم أيها الإخوة كما يحدثنا الإمام الحسن البصري رضي الله عنه في أثرٍ رَفَعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، يقولون: إن هذا الأثر مرسل يعني سقط منه الصحابي فإذا روى التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى هذا الحديث مرسلاً. يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "العلم علمان؛ علم في القلب فذلك العلم النافع، وعلم على اللسان فذلك حجة الله على ابن آدم" فلا بد لنا في علمنا أن نتقي الله عزّ وجلّ، والعلم وحده أيها الإخوة لا يكفي، لا بد أن ترافقه الخشية: إنما يخشى الله من عباده العلماءُ لا بد أن يُرافقه إخلاص النية والصدق مع الله عزّ وجلّ، وإلا فالله شرّف العلماء وكرّمهم ورفع قدرهم، ولم يكرم الأذكياء ولا الحكام ولا العظماء وإنما كرم العلماء يرفعِ الله الذين أمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات.
 
- ومع هذا فأشنع مثل وأقبح مثل ضربه القرآن الكريم لمن لم ينتفع بعلمه، الذي يتعلم ويكون علمه وبالاً عليه، ضرب له القرآن الكريم أشنع وأقبح الأمثال، ضرب له مثلاً بالحمار تعرفون الحمار صاحب الصوت الرخيم "تهكماً"، قال عنه القرآن الكريم: إن أنكر الأصوات لصوت الحمير.
 
- الله تبارك وتعالى حكى لنا عن علماء بني إسرائيل الذين خانوا الأمانة ولم يؤدوا واجبهم في تبليغ دعوة الله عزّ وجلّ قال: مثل الذين حُمِّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً الحمار لو أتينا بخزانة من الكتب وحمّلناها على ظهره، هل يصبح أستاذ كرسي يستطيع أن يدرّس في جامعة، يبقى حماراً، ماذا انتفع من حمل هذا الثقل العظيم، إنما جاءه العناء والتعب ولم ينتفع بشيء. هذا أقبح مثل ضربه القرآن والمثل الآخر مثّل له بالكلب: واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه، فمثلُه كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث هل رأيتم كلباً تحمل عليه الأثقال؟ لا، الأثقال تحمل على الحمير والبغال أما على الكلاب فلا تحمل، والآية المراد منها ها هنا: إن تحمل عليه، أي: إن تهجم عليه، إن تفزعه، إذا زجرته وجريت وراءه فإنه يلهث أو تركته يلهث، فهذه طبيعة في كلب وهو مثل بالغ الشناعة في هذا التصوير لمن لم ينتفع بعلمه.
ففز بعلم تعش حيّاً به أبداً
إني أموت وأهل العلم أحياء
 
- يحضرني هنا محاورة لطيفة جرت بين العلم والعقل، ولا شك أننا جميعاً نقول: العقل فوق العلم، لكن هذا الشاعر بلطفه وبداهته أتى لنا ببرهان فضل فيه العلم على العقل. هذه المناظرة ذكرتها في كتابي "روائع البيان في تفسير آيات الأحكام من القرآن" يقول فيها:
علم العليم وعقل العاقل اختلفا
مـن ذا الذي منهمـا قـد أحرز الشرفـا
فالعلم قال أنا أحرزت غايته
والعقل قال أنا الرحمن بي عرفا
فأفصح العلم إفصاحاً وقال له
بأينا الله في فرقانه اتصفا
فبان للعقل أن العلم سيده
فقبّل العقلُ رأسَ العلم وانصرفا
 
- فمثل هذا، الله عزّ وجلّ كرم أهل العلم، ودلّ القرآن الكريم بآيات عديدة على تكريم هذا النوع فنشكر الأخ الذي احتفى وأحسن الظن بي، فاحتفى بنا في هذه الأمسية الكريمة، ونسأل الله أن يجزيه عنا خير الجزاء ونقول له: بارك الله فيك وفي إخواننا الأساتذة الأفاضل، فقد كرمت العلماء في زمن طغت فيه كرة القدم على كرة الرأس، فلو ذهب الإنسان ليشاهد كرة قدم لرأى آلآفاً من المشاهدين ولو حضر مجلس محاضرة علمية أو أدبية لما وجد إلا بضع عشرات من الناس فكل هذا ضيّع ثروتنا العلمية، لأن الناس أصبحوا ينظرون إلى الأقدام ولا يبالون بالرؤوس. نسأل الله أن يكرم الإخوة الذين احتفَوا بنا، ونسأل الله أن يجعلنا عند حسن ظنهم، ونجدد شكرنا لكل من تحدث في هذه المناسبة الكريمة وأثنى علينا بما لا نستحقه، ولكن الله يجزيهم بنياتهم، ونسأله أن يرزقنا الإخلاص في القول والفعل والعمل، إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :714  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 27 من 196
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.