الليل الأول.. في صحراء النفس |
هربني الصقيع في طائرة المساء.. |
عدت إلى قمر الصحراء.. أناديه: |
ـ ((يا ليل الصب متى غده))؟! |
تضاحكت. تماوجت. تنافرت.. رأيتها نافورة من ألوان الطيف. قزحية كانت في ابتساماتها ودلها. |
وجدت نفسي أمام وجهها الأسمر. ذكرني وجهها بلحظة كان ((السياب)) فيها يموت، وينادي: |
((تعالي.. فما زال نجم المساء.. |
يذيب السنا في النهار الغريق))! |
دائماً... يتبقى للإنسان في داخله ما فقده، وما عجز عن تحقيقه.. يدور في صدره حتى يفنيه! |
لماذا تفنينني - إذن - بهذا التصاعد مني إليك.. بهذا التباعد منك إلي؟! |
* * * |
ـ هذا دوري الآن! |
ـ هل لك دور، ولي دور؟! |
ـ ألا تتذكر؟ لقد رحلت قبل ذلك وتركتني أتجرع الوحدة. أتلفت حتى تعود! |
ـ هل هذا عقاب الوجدان؟! |
أنت ((تسخنين)) العاطفة بالفراق، بالنوى، وتجمرينها بالانتظار! |
ـ اهدأ... لا تمارس التلفت في ندائك علي! |
ـ كل شيء أتلقاه منك.. يتحول إلى نسمة. يرتفع صارية. يجن خفقة، إلا هذا الشيء الوحيد: الخوف. إنه صقيع يفوق ثلوج جبال ((الألب)) في كانون! |
* * * |
عندما بدأ ((الليل الأول)) في صحراء نفسي.. صرخت عتمة الوحدة: |
ـ لا تصادق الريح! |
أيتها ((الأثيرة)) الشموخ، المتعاطفة كموال يرجع خفقة القلب: |
لقد وجدتك ((أخيراً))... فكيف تضيعينني ((أولاً))؟! |
* * * |
أوه... ودي أسمع ((حدري)) نغمة التراث والوادي.. لأني حزين، والأفق يقتاده التعب! |
أقصد: أفق الإنسان. أفق الشعوب. أفق الغد! |
إنني أتصاعد الآن، وغداً.. إلى بهاء وجهك. |
كل الوجوه في عيني: وجهك! |
* * * |
أصبحنا أصدقاء.. في قمة جنون العشق! |
أصبحنا عشاقاً.. فوق التنكر والنسيان الحضاري! |
كأننا - في هذا العجز والانسياب مع الظروف - نبتة صابرة، متحدية، عطشى. |
كأننا هذا الجنون المسكون بهزائم الناس الذين انتهوا من الحب.. إلى ممارسة ((التناسل))! |
أليست أفكار الناس مصبوبة دوماً في فكرة: استمرار الحياة بواسطة الإنجاب؟! |
الصعب أن تستمر الحياة في هذا العصر بواسطة الحب.. بفكرة مختلفة عن ((التعود))! |
* * * |
لم تعد أسماك القرش تلتهم الإنسان.. |
بل الإنسان هو الذي يلتهم الإنسان، أو يلتهم نفسه!! |
|