| الرسالة الحادية والعشرون |
| ـ ((أماه.. ليتك لم تغيبي خلف سور من |
| حجار لا باب فيه لكي أدق.. ولا نوافذ |
| في الجدار |
| كيف انطلقت على طريق.. لا يعود |
| السائرون))؟! |
|
| ـ سيدتي: |
| في عيني تلمع سخرية الحقيقة.. وأنا أرفع شعار: الرزانة!! |
| في سمعي.. تنغرز كلمات من الحراب الخشبية، وأنا أضحك، وأغني مع صوت جديد.. تخرج نبرته من: الحزن، والحب، مردداً: |
| ـ ((أنا مطحون.. والدنيا دي رحاية))! |
| ومع ذلك... حاولت أن أجمع لحظات فرحي، وأضعها داخل ((مرجيحة)) وأهدهدها، وأغني لك: حبيبتي! |
| وجدت تلك القدرة التي تجعلك - كإنسان - تنجح في جمع كل أشيائك النفسية، وأفكارك المؤقتة و ((المزمنة)) معاً، ومشكلاتك الساخنة والباردة.. وتضع كل ذلك فوق أو داخل ((مرجيحة))، وتقف لتمرجحها وأنت تبتسم، أو تقهقه بجنون! |
| وجدت أنني بذلك.. قد أعود طفلاً، أتطوّح في الهواء، ولا أخاف من السقوط! |
| وبعض الناس يشبهون ((المرجيحة)).. يطوحون بك وبأنفسهم، ثم تغيب الشمس، وتغيب معها الصورة التذكارية!! |
| أعذريني - يا طفلة قلبي - الكبيرة. |
| بعيداً عنك.. تراكمت أنا أمام الأشياء الباردة! |
| حاولت أن أتأمل.. لعلّني أستريح قليلاً! |
| ولكني اكتشفت.. أن حكاية الشوق والحزن ما زالت تطوف في دنيا الناس.. كأنها وعد الإنسان الراحل دوماً إلى الغربة.. حتى وإن لم يتغرّب، أو يسافر! |
| صرخت: آه لهذا الصمت الملتمّ فوق الأصداف.. يرعف هوى! |
| صرت أصرخ... منادياً على ((اللحظات القليلة)) التي لا يمكن أن تنتهي، ونطعنها من أجل أسباب كثيرة!! |
| في الحب.. نحن نخضع كل أسبابنا لتلك ((اللحظات القليلة))... فالذي نأخذه ونعطيه، هو لحظتنا الصادقة.. تلك التي تشعلنا حياة، وتضيئنا حساً، وتدعنا نفيض كشلال نقي غامر! |
| صرت أصرخ منادياً... فما أتعس أن يرتدّ النداء بلا صدى! |
| ملأت صوتي إنشاداً.. وخرجت إلى الحقول، أغني للشوك وللنوى، وللنهار. |
| قلت لطيفك: بعض الأشياء.. لا يوجد أكثر من مرة واحدة في حياتنا! |
| * * * |
| لست أدري - يا سيدتي - حين تأملت طيفك في هذه الوحدة.. كيف خطرت ((أمي)) أمامي.. كأنني أسترجع طفولة عمري يوم حُرمت منها، وأسترجع طفولة حبي يوم حرمني البعاد منك! |
| شعرت الآن.. أن طفولتي شاخت! |
| أن عاصفة مجنونة.. طوّحت بهذا ((الجندول)) الذي حملني بكل العمر إليك! |
| تساءلت: كيف يمكن لنا أن نعود الآن إلى طريق.. كثرت فيه حوادث مرور الأيام؟!! |
| كيف نقدر أن نترك الضفاف، والحقول التي زرعناها بابتساماتنا.. وقد وجدنا في بهائها أصدق لحظات العمر؟! |
| هاأنذا.. أتكئ على شيخوخة طفولة العمر.. أخاف على طفولة الحب من الشيخوخة! |
| هاأنذا.. يحملني الزمان، وأخاف أن لا أقدر على حمله! |
| حبة رمل أنا... تحولت فوق وقفتي أمام بوابة الانتظار لإيابك! |
| أدعو الشمس الدافئة أن ترحل إليك، لتدفئ شتاءك الذي يمطرني ثلجاً من الوحدة. |
| شتاء وحدتي طويل.. ينادي ربيعك البعيد! |
| فهل رآك الزمان.. وأنت تخطّين على صدري، وترسمين فوق كفي: حروف اللقاء/الانتظار؟! |
| هل يراك الزمان القادم.. تزرعين أرض أعماقي من جديد: ربيعاً من ضحكتك في غابة أحزاني؟! |
| لا أملك الآن إلا أن أشكوك إلى خفقة قلبك... فهل تسمعني خفقة القلب؟! |
| * * * |
| يا طفلة قلبي/الكبيرة: |
| أيتها المغيّبة في الفراق، والقسوة، والأصداء! |
| أيتها المضيئة دوماً في الحنين، والشوق، والعهد.. |
| يتلفت دمعي إلى سرك.. فأجدك. |
| تغوص آهتي في صدري.. لتخلد ((الآهة)) بذكراك، وفي انتظار إيابك.. طالما بقي نبضي يتواصل! |
|
((آه))... أناديك بها وحيداً.. من داخل زحام البشر البشع، والتافه. |
| أنا - بعدك - أبقى هذا الصوت المكسور بمساحة أيامك.. بمسافة أشواقي إليك! |
|
((آه))... أصونك بها حياة، لكل النبض في صدري! |
| وأحمل دموعي إلى طفولتك التي كانت لحظاتي، وكانت طفولة حبي. |
| وأنتمي إلى حزني.. في كل لحظة أفقد فيها نضجك وإنسانيتك.. فإن حزني هو حرية جراحي!! |
| نقشت ضحكتك الصافية تلك التي أحببتها.. فحفرتها بين ضلوعي. |
| وبقيت أصداء ضحكتك ترن في أمسياتي.. فيفيض الشجن على حفافي الليل الباهت بدونك. |
| هذا الليل الذي ((اغتنى)) بمعطيات وجدانك لي.. وبعد رحيلك بتّ فقيراً إلى الحنان، وإلى الاحتواء الدافئ.. إلى الجدول، وحتى إلى الخصام الذي يشعل المزيد من براكين الحب في صدري لك! |
| فرحي غادر عالمي.. عندما غادرت المكان الذي ضم أول غرسة حب لنا. |
| ضحكتي... تشردت في المتاه. |
| أيامي... أصبحت عبوراً إلى اليوم الذي نلتقي فيه من جديد! |
| أريد أن أطمئن عليك.. وأحزن حين تقولين لي: |
| ـ لا أريد منك شفقة!! |
| اندهش حين تعنونين الحب.. بالشفقة!؟ |
| فكيف هو الحب؟! |
| أليس هو الخوف على من نحبهم؟! |
| الشفقة تكون بين اثنين غريبين. وأنت وأنا هذا الشخص الواحد. |
| المسافة التي بيني وبينك.. هي: كلمة صادقة! |
| البعض يقول كلمة طويلة، طويلة.. لكنها لا تؤكد إلا ((اللحظة)) فقط. |
| والبعض الآخر.. يقول كلمة قصيرة، تخلو من التأكيد، ولكن نبرة الصدق فيها.. تحيلها إلى جزء يلتحم بأعماق النفس، وإلى زمن يواكب كل العمر! |
| والفرق بين الكلمة الطويلة، والكلمة القصيرة.. يتجسد في الإحساس بمعناها.. وفي الوفاء بكل ما تحمله، وما تلده! |
| * * * |
| وحين مرّ عام ((عمري)) الأول في حبك.. تلفتُّ عاشقاً، وممحَّضاً فيك! |
| فإذا نبضي نهر، ودمعتي جوهرة، وخفقتي ولاء! |
| حدقت في البعيد.. فإذا رؤياي ترمز، ولا تشير مباشرة! |
| ناديت ((العمر)) في زحام الخفقات، قائلاً: |
| ـ يا كل العمر... ليت الطرقات لا تتفرع إلى عدة دروب! |
| لنذهب إلى المنتهى... حيث القرار، والوصول، والمرفأ الواحد! |
| حيث التصاعد - بعد عام آخر - إلى تمجيد الذاكرة!! |
| وتساءلت - ثانية - بهمس جوانحي: |
| ـ هل كان هذا العمر: حلماً.. وسنفيق منه، أم تراه واقعاً وسنحفظه؟! |
| من يحكي ((الأحلام))... كأنها وقائع؟! |
| إن أشياءنا الغالية كالأحلام.. تأتي بلا موعد، ولا انتظار. |
| إنها تنغل في شراييننا كالفرح.. كالحريق. وتختفي بلا توقيت، وبلا انتهاء.. كمن يسري في أضلاعه كلها ضوء! |
| إن مقدار مسافة الهناء التي نحياها.. بمقدار مساحة القدرة على تقبّل تعب المسافة، وطول الطريق. |
| في الحب - يا حبيبتي - تتحول المسافات إلى إحساس. بحجم الحياة، وحوافزها وقيمتها. |
| وهكذ تبقى كل المسافات إليك: إحساس نحوك بحجم الحياة، وقيمتها!! |
|
|