الرسالة السابعة عشرة |
ـ ((هل أبلغوك يوماً: أنني أستعين |
بالقهقهات على فضول الآخرين.. لئلا |
يسرقوا حزني من صدري))؟! |
|
ـ سيدتي: |
قادم - أنا - إلى النشوة المستطيلة بفرحي... نحوك - أنت - المكبّلة بزوايا يومك! |
متورط في ((تفاؤلاتي)) العابرة. |
مهدر - أنا - فوق أفراح الآخرين المؤقتة.. كضياء متكسر في حدقات الأمسيات! |
جئتك في ليلة صيف، تآكلت نجومها من الأطراف.. وأصيب القمر فيها بالإغماء!! |
جئتك شاعراً، منحوت الأضلع.. سهري إبحار فوق أمواج اللحظات، وأغني! |
أنا الرجل... الذي ينتضيك: عروس خرافة. |
وتومض عيناك الرائعتان.. تساؤلاً. شوقاً. مخاطبة. عناقاً: |
ـ من أنت.. حين طلوعك في عمري؟! |
ولا أعرف من أنا.. كاليتيمة معانّي، يحملها رأسي المتعب، وتحتمل قلبي المضني، وتنطفيء - بعد ذلك - في برودة الحزن! |
اضطررت أن أنحني بالمعاني حيناً... يلاعبني ذلك ((الاغتنام)) من الأيام... فقد تمادى التأمل والترقب، حتى أوجعني اندهاشاً، واحتراقاً! |
في العهد المستمر لك.. تأتين في الرؤى: عروس خرافة. |
وتبقى المشاهد اللانهائية: سرمدية مع استطراد النبض.. ويبقى الانتظار دوماً لطلوعك، كأنه سطح مياه الميناء عند الفجر! |
يبقى العهد المستمر لك وفاء: تَعاقُب أيام، وصدى كلمات لا تخون! |
حاولت أن أزفّ مللي إلى ضحكاتك التي لا تدوم. |
حاولت أن أربط بين مشاعر لا محدودة، وبين إلحاحات نفسية، وظروف حياتية، فتناثرت قصائدي عنك.. كأنها أغنيات فراغية، أنهارت في الوقت الكالح. |
أنت - يا سيدتي - التي تغيظك لفظة: ((أنثى)) حين أصفك بها.. تفرضين معنى: ((الإنسانة)) على أنوثتك، وتتوهجين ((إمرأة)) تحفل بعطاء الإنسان: عقلاً، ووجداناً، وقدرة، وحركة. |
أنت ((الإنسانة)) إذن!! |
كل الدنيا الممتلئة بالنجوم، وبالرمال.. بالمطر وبالعطش.. بالقناعة وبالرغبة.. باللذة وبقرارها الحاد! |
ثمة غربة في أصداء الأمسيات المثقوبة عيونها حيناً، والمعصوبة عيونها حيناً آخر! |
ثمة أمسيات حبلى بالشجن، ولا تلد على مر السنين. |
إنها تلك الأمسيات التي تتأوه بألم حمل رغائب الحياة وأمانيها.. في وحدة الإنسان الجديدة! |
أذرع تمتد إلى نوافذ الدنيا.. هي تلك التي تبحث عن الشمس، والمطر.. عن النجوم والقمر، في كثافة السحب التي تمارس الاحتكاك.. فتدوي الرعود! |
تعبير عن ((لذة)) تتوالد بين هذه الكائنات التي يسيِّرها الخالق، ويستفيد منها المخلوق فوق الأرض... كأن اغتصاب ((اللذة)) في معايشة الإنسان وممارساته: أجمل... أجمل!! |
اليوم... لم يعد هنالك اغتصاب للذة. |
إننا نتلفّت، ونعاني، ونحس، ونتألم.. ونجد أن ((اللذة)) هي التي تغتصبنا لنمارسها كأن العرق الذي ينداح من جبين الإنسان، ويتفصد فوقه.. هو ثمرة عمل يؤديه هذا الإنسان بجهده المرهق... وكأن ((اللذة)) تأتي بعد ذلك الجهد العظيم: صعبة كأن الإنسان هو الذي اغتصبها حتى أدناها منه، وامتصها! |
وتلك هي اللحظة المجروحة في أعماق نفس تحتضن الألفة، وتنسكب عاطفة، وصراخاً، ودفئاً.. وتذهب إلى الحنان المندهش! |
إننا نمخر عباب الحياة وأمواجها.. ونحكي الكلام الصعب.. |
نحكي عن ((فكرة)) ارتفاع الإنسان فوق ابتغاءات الحياة المادية، ونستغرق في المناسبات التي تسلخ الإنسان من حميميات كثيرة، وتجعله ضرورة كدح، وهوية تدل على الأمكنة المطروقة! |
ويطوف سؤالي حول إصغائك الأحياني: |
ـ كيف نفتش عن قدراتنا في أسى لواعجنا.. في الحزن المتواصل.. في تناقضاتنا، وضعفنا.. وكيف نحترم - بعد ذلك - تلك القدرات؟!! |
الإجابة شاسعة.. إنها مخاض معرفة وتجربة، وثبات فوق الموج، والمرور من تحت الرياح. |
ولكن الغد.. سيكون منتظراً دائماً. |
ولكنك - حين تكونين معي - ونتقابل.. لنقتات حكايات عمرنا، فلا بد أن تشدنا رحابة الحياة، وتفاؤل الحب! |
إننا نفتش عن قدراتنا.. بمقدار ما نحمله من طاقة، ومن إصرار، ونحترمها بمقدرتنا على اكتشاف طاقاتنا، وتجسيد الأماني. |
إنني أمام وجهك/الضوء: مضطرب، متهدج.. وأحرص أن تكون هذه قطرة مطر، فوق أرض خصبة.. أينعت بالحب، وتفتحت بمحتواها!! |
* * * |
أيتها ((اللؤلؤة)) في عمق بحاري الممتدة: |
كانت ((الفكرة)) التي تؤم الذهن وتملؤه.. هي غزل راقٍ لكل نظرة نعطيها للحياة، ونمتحها من الأحياء. |
كانت ((اللذة)) دائماً في تواصلنا: مخاضاً يجسّد الفكرة! |
ذلك أن ((اللذة)) تستقر في شعور الإنسان بكل صعوبتها، لتريحه، وتصهره، وتحرقه.. ثم تبعثه - مجدداً - طاقة هائلة. |
((اللذة)) التي تميت وتقتل.. هي تلك الرغبة الحيوانية، أو المادية التي يسقط الإنسان بعدها: غائراً! |
كان العشق الذي يهز أعماق الإنسان كما بركان.. هو أنبل ما يشعر به دلالة على قيمة الحياة. |
وكانت اللذة: عيوناً من إسفنج.. تمتص تعب العشق وحصيلته، ثم تتسدد إلى أعماق الإنسان.. كما سهم يرتد! |
وحين يصد الإنسان هذه اللذة في قمة عشقه، وفي أوج مكاسبه.. فكأنه يغتصب اللذة، وهي لا تقدر أن تغتصبه! |
* * * |
ويشغلني ((ابني)) عن التأمل في عينيك.. بسؤال! |
إبني.. يرسم لي من خلال ملامح وجهه أبعاد المستقبل، ويسألني: |
ـ تقول تجاربكم، وتبرهن نقاط ضعف الإنسان.. إن ((اللذة)) هي محور الحياة، وإذن... ما هي اللذة التي يشعر بها هذا الإنسان ويريدها؟!! |
لا أضحك. لا أعبس. سؤال ((ابني)) عفوي، ولكنه مسدد كرمح! |
أعاود التأمل في عينيك.. فأكتشف السؤال الدائم، والانتظار، والدهشة! |
أقول لابني بصوت مسترخٍ.. في مراسم الأبوة. |
ـ اللذة يا بني في كل الأشياء.. في الثروة.. في المنصب.. في حياة الترف.. في الشجاعة والبطولة.. في الحوار أيضاً عندما تحسنه.. في الإصغاء حينما تستفيد، في عدم فقدانك للأمل.. في قدرتك على تحقيق ما تصبو! |
سألني ((ابني)) بمباشرة دقيقة للكلمة، وللمعنى: |
ـ واللذة التي تعارف عليها الناس؟!! |
ـ أجبته: هي التي تحيلك إلى جسر التنهدات.. لتعبر من فوقك، ومن تحتك: آلاف النساء الفاتنات، و ((الممكيجات!)).. وتنتهي بك لحظات ((اللذة)) إلى وسادة تنام فوقها بحبة ((فاليوم))! |
ربما كانت كل هذه الأشياء مليئة باللذة.. لكنها تغتصبنا في اليوم مئات المرات، وننسفح تحتها مرهقين بالتنازل عن مشاعر كثيرة. |
لكن.. يختلف ذلك كله، لو كنت أنت الذي يغتصب اللذة حتى تطوعها لك.. لحظتها تصبح ملكاً لك: إحساس يملؤك بالنشوة والعطاء.. فالمال لذة تغتصب راحتك وهدوءك.. والقلق والتزاحم مع الأحياء، وفي الأحياء: لذة تغتصب فيك تأملاتك وتفكيرك وعفويتك، وأحياناً وعيك الكامل. |
والاستمتاع باللحظة، وبالشهوة المجردة: لذة تغتصب معانيك الكامنة في إنسانيتك، وتغتصب روحك وروابطك الإنسانية، وعاطفتك لمن تحب. |
إنها ((لذة)) تحيلك إلى مجرد حيوان، يمارس شيئاً يمتد فيه، ويحتد. |
إنها ((لذة)) تغتصبك، ولا تقدر أن تغتصب جزءاً منها، لشيء عميق في جوهرك، ولمعانيك الأصيلة! |
* * * |
ويلفني النداء من جديد.. فأعود إليك شاعراً، منحوت الأضلع! |
تغريني ضحكاتك في قاع الأمسيات الراحلة مع الفجر.. |
تشيلني النسمة المجروحة بغيمة.. حيث مشاتل الشوق الحزين. |
ومعك... أردد عبارة الشاعر الأميركي ((كينث باتسشن)): |
ـ ((لقد مضى وقت طويل علينا يا حبيبتي... ونحن وحيدين))! |
فات زمان القدمين المثقوبتين على المياه... |
وحولنا... وحول ما نعرف من أشياء: أذرع يائسة، وقلوب كالتماثيل! |
ومعك... نتحاشى هذه العيون: عيون من إسفنج.. تمتص اللحظة المؤقتة!! |
|
|