الرسالة الثانية عشرة |
ـ ((هذه الأرض التي أسقط عليها ميتاً |
كل يوم.. هي الحب! |
الحب.. إذا أردت أن تعرفه على |
حقيقته))!! |
|
ـ سيدتي: |
هاأنذا.. أسلخ نفسي من درعها وآتي إلى نبضك مثخناً بالعزلة! |
بدونك.. تجرحني فراغات الساعات، وأنا.. واحة ادخرت أجمل الأغنيات لإصغائك، وأحلى الهمسات لبوحك. |
قبلك.. كنت قد أفرغت العمر من الأماني، والضوء. |
أخذت حقيبتي، ومضيت جوالاً، مسافراً... تندس أحزاني في زحام الدنيا، وأنسى: كيف تندمل؟! |
قبلك.. كان فطامي هو: العجز الذي يحيل العشق ((تعوّداً))! |
قبلك.. كان صيامي هو: ذلك التبلد الذي يصنع الفراغ في حدقاتنا. |
وفي كل مشوار.. تأخذ ((الآه)) مدارها في نفوسنا، وترتطم باليباس! |
قبلك.. ودعت دروبي، في مساء توقفت فيه الضحكات. |
تركت الروح والنجوى، والجوانح في القفار.. وعدت إلى وجوه الناس: يتيم الروح! |
في غيابك.. كنت أرهن صبري في بنك التفاؤل، وأرخي ستائر نفسي كلما انتصف الليل.. وأبقى وحيداً، أنتظر بزوغ طيفك كالهلال! |
بدونك.. صرت مثل شجرة ((نيم)) موغلة الجذوع.. تنشر شذاها الليلي، وتتساقط ورقة ورقة.. في انتظار الصباح الذي يسجن نفحها ولهفتها! |
الليل عمر حقيقي... في الحنين. في الوجع. في الشوق. في الانتظار.. ومع ميلاد الحنين المتجدد بين الضلوع كل مساء، أناديك: |
ـ أنت الشاطئ الذي أحتضن أمواجي، وغسل رمالي.. وأنا هذا البحر الذي استلقى هياجه على صدر الشاطئ.. قريراً! |
* * * |
أعلن لك... من أجلك سيدتي: أنني قد توقفت عن السفر! |
بحثت عن أنفاسي اللاهثة.. أود أن استردها منك بعض الوقت، لأعيدها إليك كل الوقت.. حتى لا ترمينا لحظة النوى المفاجئ عند شاطئ مهجور! |
أعلنت لك رفضي لهذا ((الزمن الصغير)).. حين بدأت به التخفي في التعب! |
أعلنت لك: إن خفقاتي لم تكن ضالة، طوال بحثها عنك، ونداءها عليك.. لكنني أمامك دائماً: أفرغ جروحي، وأبلسمها، وأنظمها... وأتوحد في عينيك! |
كان تعبي يكسر ساعاتي، ويذرو أغنيتي في أجران الحزن. |
كان اختبائي يطمس روحي، ويبدد أنفاسي في مبخرة المساء. |
وحين انتشر وجهك - حبيبتي - في لا مدى سمائي.. وجدتك القمر، وأنا ضوؤك.. وجدتك الوطن، وأنا مساحتك.. وجدتك السماء، وأنا رعودك وسحبك ونجومك.. وجدتك المطر، وأنا الأرض التي تهطلين عليها.. وتتلقى ارتواءك فتزهر! |
وعندما احتضنت كفاي يدك الدافئة/اللجوء... سكبت شفتاي عليها قبلة الرجاء/العهد! |
وعندما سكنت يدك في دفء كفي كعصفور.. كنت أزرع في حدقتي عينيك الأمان والوعد، والغد! |
قلت لك.. حين طال جلوسك في دائرة الشك بحبي لك: |
ـ إنك تفرين مني إلي.. وفي كل مرة أنحني لألتقط جلوسك هذا، ولا أسأم. ولا أشك في عودة يدك إلى كفي! |
أنتِ التي فتحت خزائن قلبي، وجوارحي... وامتلكت كنوزها. |
صرت معك.. أكتب أغنيتي: كلمات من شموسك. |
صرت معك.. أبدع لحنها: أنغاماً من ظلال أمسياتك. |
ـ وتسأليني حيناً: لم كل هذا السكوت؟! |
ـ وأجيبك كل حين: لأنني أتوالد في صوتك.. كالبروق، لأنني أحمل همساتك في صدري القديم.. كالمزن! |
فهل كنت تعلمين - يا حبيبتي - أنني سيد جنونك؟! |
فهل كنت تعرفين - يا حبيبتي - أنني هاجس استراحتك المتخفية في التعب؟! |
وأنت أيضاً: طريقي إلى اختراق الأزمنة.. أنت التي رضيت أن أستريح في جنونك، وأن أحترق في هروبك ((الأحياني))، وأن أضيء في غضبك العاشق لي... حتى تشرق ابتسامتك صبحاً على شواطئي! |
* * * |
تعالي - أيتها الحبيبة - المسكونة بك أضلعي! |
انظريني - في غربتنا - أخاصم الابتسامة، وأتآكل لحظة.. لحظة! |
أنشر الهمسة في أصداء الليل.. من بوحك... من اختيالك، وتتبعثر الهمسة داخل النقاط البيضاء... فترجع إلى صدري مثقلة بالحنين، وبالوداع، وبالموج الذي يعربد بين أضلعي! |
وأتلفَّت.. أنادي الاكتشاف. |
كأنني أقف على سور عالٍ.. يشرف على ساحة، هجرتها بيوتها القديمة، وفوانيس شوارعها، وخطوات السائرين فيها... وهجرها القمر، والنجوم، والهمسات الخليلة! |
وفي كل خطوة من دخول ليل... كانت تحمل إلى مساحاتي: وجهك! |
والليالي لا تطول، ولا تقصر.. نحن الذين نطول بالإحساس، ونحن الذين نقصر بالتبلد، وبالفقد، وبالتنكر! |
كان الجميع يقف على ابتكار أمانيه، ويلون تلك الأماني.. كذيل طاووس يختال، وعندما يفقد الطاووس ذيله الزاهي.. لا بد وأن يتحول إلى غراب! |
* * * |
وبعد الدخول إلى جزر البهاء في عالمك الأثيري.. اكتشفت أرضاً تنبت الربيع من صدرك. |
كنت أمشي إلى البحر البعيد.. أحمل رموش عيني، وصدري: محارة ضائعة فوق رمال السنين. |
صرت الآن أناديك: وعداً لا يخون.. فهل خنت؟! |
بعد الدخول إلى وعد منك ينتشي بحنانك.. صرت أنادي المسافات إلى مدنك المعشبة بالحياة وبالعطاء. |
صرت أنادي القلب الذي يضم وجهك: |
ـ أرجوك أيها الخفاق.. تريث، فالحياة الأجمل معها. |
حتى صارت الكلمة الصادقة، ما بين قلبي وكفيك.. ما بين قلبك واحتوائي! |
حتى صرت هاهنا.. أجلس فوق الرمال، وأرسم وجهك: تعويذة الأمل في ارتقاب الصباح: |
أتوخّى ترنيمة يزرعها ((الحلم)) في صدري فألاً. |
أطارد النجوم لتركض.. فألحق بها، حتى تبلغ حدود.. فيسقط الشمال والغرب في عناق البحر والموجة! |
* * * |
لقد انتصف الليل يا حبيبتي.. |
وما زلت أرتقب ((بَدْري)) يطلع من وراء المسافات. |
زجاج النوافذ مغطى بالطلّ.. |
وأخترق هذا السكون إلى خارج المدى... حيث يكون وجهك/حبيبي! |
ترى.. من يحدثني عنك الآن؟! |
أهدابك.. ماذا تحمل؟! |
خرافاتك.. كيف تكبر؟!! |
رعودك.. متى تتحرر من أنينها؟! |
أنت طفولتي، ورائحة فجري، نزق غجريّتي! |
أنت خيولي التي تصهل فوق أرضي التي أضاعت مسافاتها في نواك. |
تعتادين نظرتي.. كأنك الربيع في غصوني.. كأنك وأنا سُهَّار الحنين، نعبر إعياء النهر! |
نحن - إذن - ننتظر اللحظة التي يتعرى فيها القمر من غيومه. |
هنا.. بقيت حكاية أصيلة. |
بقيتِ - يا حبيبتي - أنت: السيف والغمد.. الكلام والصمت. |
وبقيت أنا.. أحكي عنك، تحت هذه النقاط البيضاء!! |
|