الرسالة السابعة |
ـ ((يطلب الرجل من المرأة ثلاثاً: |
الفضيلة في قلبها، والوداعة على |
وجهها، والابتسامة على ثغرها))!! |
|
ـ سيدتي: |
كيف تبدو ((الأماني)).. عندما لا يجد الإنسان في داخله سوى معاول ترتفع أو تنخفض... وعندما تغيم رؤاه، فلا يبصر سماء دربه، وإنما يتوارى دائماً خوفاً من الرعد والبرق والصواعق؟! |
أعرفك من قرب.. أرى داخلك ((بانورامياً))! |
أنت لست مغرقة في تدليل نفسك، والتربيت على كل آمالك.. |
فأنت مرة تحبين زرقة السماء، وتحلقين مع وصوصة النجوم! |
وأنت مرة.. تتنهد أضلعك مع زخات المطر... وتترقبين ظهور ((قوس قزح)).. يلوّن سماءك! |
ولكنك - في مرات - تكونين قاسية على نفسك.. تقسرينها على النظر إلى الأرض، وما عليها من حفر، ومطبات! |
وأحياناً.. أنتِ تصفعين الكثير من آمالك.. باعتبار أن ما تحقق، جاء نتيجة جهد، ومراس معيشي، وإصرار بشري! |
* * * |
يا سيدتي الأغلى: |
أردت أن أنتشل من أعماقك فكرة ((الترسب)) الدائمة التي تلح عليك وتهتمين بها.. كأنها ((القرع))! |
سألتك مرة، وأنت تشردين بخواطرك بعيداً عني: |
ـ لماذا تحيلين أعماقك إلى خندق عميق.. تتراكم فيه رواسب نفسك، على شكل أنقاض؟! |
أنت تعرفين أن أعماق النفس تترسب فيها: الذكريات، والأيام الحلوة التي يعيشها الإنسان: فرحاً، أو حزناً، و ((موقفاً)) أضناه! |
إن الأعماق تلك... قالوا عنها: العقل الباطن، ومحتواها جعلوا له إسماً، هو: اللاشعور! |
ـ وقالوا: إن ذلك ((اللاّشعور)) يطفو أحياناً على السطح.. يرتفع حتى يصل إلى الحنجرة، ويتربع في سواد العين، ويملأ التفكير.. فنجد ذلك الإنسان: مهوّماً، شارداً.. كمن أخذت منه ذاكرته، فأصبح يفكر: من هو، وكيف كانت حياته؟! |
ثم يهزّه ((اللاشعور)) الذي طغى على سطحه.. يذكّره بماضيه، ويعيد عليه شريطاً لحياته التي ترسبت بعض أحداثها في أعماق نفسه! |
* * * |
ذات يوم - يا سيدة البال - أردت أن أصحح النظرة عندك نحو تفهّم محتوى العمق... وبلا شعور منك، قذفتني إلى أعماقك، لتجعلينني أتفرج.. ويا للمأساة!! |
أرجوك لا تغضبي.. فنحن في محاورة عقل، وارتفاع بالعاطفة! |
في أعماقك - يا سيدتي - أنقاض!! |
اندهشت.. كيف ترسمين تلك الابتسامة الصافية دائماً على محيّاكِ! |
أقول: ((محياك)).. لأن لك وجهاً، إذا فقد البسمة على الشفتين، تحول إلى نظرة ضبابية.. تشيع من أعماقك الحزن، والشرود! |
حتى هذه الابتسامة.. اصطبغت بالحزن، وبالشرود. فإلى أين يكون شرودها؟! |
في أعماقك - يا سيدتي - أطلال!! |
وفي الأطلال.. أنت تعيشين، وليست الأطلال هي التي تعيش فيك! |
أقول لك: ليست كل الذكريات ((أطلال))! |
أنت تحبين باندفاع.. بكل ذرة في كيانك.. بأعصابك.. بفرحك، وبغضبك تحبين. |
وحبك هذا.. تودين أن تُنهضي به نفسيتك التي تسقط أحياناً في الانكسار، بسبب بعض المواقف الارتطامية.. وبعض الخوف، وبعض الفجيعة في الذين نمنحهم أغلى خفقة، فيطعنونها بالكذب، أو بالخيانة، أو بالممارسة التافهة في حدود وقت معين! |
لكن حبك هذا - حبنا كلنا - هو حاضر لنا مهما كان.. هو نهدة الصدق التي تشيع بين ضلوعنا.. نخاف عليه، ونحرسه من العبث و((الشاقولية))! |
حبنا.. يناشدنا في جلوته، وازدهاره.. وفي ارتطامه وجروحه، فيقول: |
ـ لا أرضى أن أكون حاضراً مؤقتاً في العمر.. |
أريد أن أكون حاضراً مستمراً مع الأيام.. فأنا اليوم حاضر، وفي الغد مستقبل يتواصل حاضراً! |
وتصغين إلى هذا النداء - يا سيدتي - لكنك تستمرئين التجول في أطلال نفسك، منساقة وراء اللحن.. وراء الأصداء، وإيقاع الذكرى الحزين! |
ولعلّك تقعين تحت تأثير شدو ((أم كلثوم)).. يوم كنّا - معاً - نصغي إلى الشجن عبر نبرة صوتها، وهي تغني: |
يا فؤادي..لا تسل: أين الهوى؟! |
كان صرحاً من خيالٍ.. فهوى |
إسقني.. واشرب على أطلاله |
وارْوِ عني.. طالما الدمع: روى! |
كيف ذاك الحب.. أمسى: خبراً... |
وحديثاً.. من أحاديث الجوى؟! |
فهل تتأملين ((أطلالك))؟! |
لكن.. لا تدعيها تستقر في ((اللاشعور)).. فإنك بهذا تقبرين حتى ذكرياتك! |
* * * |
|
أما الآن - يا سيدتي - فتلوح البوادر الأولى لعاصفتك! |
وفي الصحراء.. مساحات كثيرة من الرمال، تستجيب فوراً لأول بوادر العاصفة! |
خوفي على أعماقك.. أن تحيلينها إلى: صحراء! |
وصحراء النفس... تعني: الحقد، والبغضاء، والارتطام، والجفاف! |
ولكنني أعرف رغد نفسك المترعة بالمحبة، وبالعطاء الإنساني، وبهذا الوقوف الشامخ في وجه النوازل والإحباط!! |
أعرف كيف ينسكب الحنان من نفسك، فيتغلب على الجفاف! |
كيف يتفتح نداء الحب بين ضلوعك.. متفوقة على ((طقس)) هذا العصر الجاف، والمتوتر الذي نعيشه! |
المحبّون يعانون - يا سيدتي - من عواصف الحقد في هذ العصر. |
والحقد... هو نتيجة تولدت من التأثير المضاد.. فالذين يعيشون بنفسيات تصفو دائماً من قتار العواصف، ترصدهم النفسيات التي تعصف بها الأهواء وهناك مثل ياباني، يقول: |
ـ (( الواثقون دائماً يخسرون دائماً ))! |
صرنا نشكّ حتى في الثقة... لأن البعض صار يكذب على نفسه، وهو يرتدي الحب! |
لكن الحب... هو ((تميمة)) المحبين.. إذا تمسكوا به، حملهم إلى تلك الشواطئ الجدد! |
* * * |
فيا سيدتي: |
أكتب لك هذه الرسالة، بعد صمتٍ طال واستغرق في الانتظار لدخولك إلى سمعي، وحدقتيّ. أنتِ لم تغيبي مطلقاً عن أصدائي، ولا عن رجع الأيام الأجمل من عمري، أحتفظ بك شاهداً على حبّ لم يكذب، ولم يخن، ولم يتعب من الصبر والانتظار! |
جنونك ترسب في اعتزازك بنفسك إلى درجة الخوف عليك من الغرور! |
ولكني كتبت لك الآن.. وبعض الرسائل نكتبها بالشوق، ومن أجله.. وبعضها للذكرى ونزفها، ورجعها، وبعضها: للاستزادة من العواطف التي تجعل ((البشر)) أسرة واحدة!! |
لكن أغلب الرسائل.. نكتبها في مناسبة: الغياب!! |
واتفق سواد الناس الأعظم، ومنذ ظهور أول كاتب رسائل مشتاق، على أنها: ((نصف المواجهة))! |
والآن... انظريني وأنت: نتواجه ((نصفياً))!! |
|