شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الرسالة الرابعة
ـ ((إن أسوأ ما في الحياة: أن يحيا المرء
عمره، دون أن يتذوق الحب الحقيقي..
ويموت دون أن يطرق باب قلبه
العشق))!
ـ سيدتي:
يا حزن النجمة في أمسيات الضباب..
أيتها الطالعة في سماء رحبة المدى.. فوق أرض باتت تضيق بالحب!
أيتها الحائرة في العمر.. في اللحظة الغارقة ما بين دخول ليل، وخروج نهار رمادي!
أيتها الرفيفة.. كأنك العصفور المرح في شروق الربيع..
أيتها ((الأنثى)) بوجه طفلة... الطفلة بجاذبية أنثى!
يا شروداً من الصدفة، وأنت ((الصدفة)) التي نبتت في حقولي غرسة مطر.. فطلعت أكبر من بذرة، وانت ((صُدْفَتك)) أروع من بحث!
أرجوك - الآن - لا تطوي هذه الورقات.
عفواً.. أعرف أن أجمل ما يسعد ((الأنثى)): قراءة سطور كُتِبَتْ إليها وحدها.. مهما كانت غضبتها، أو حتى نقمتها على الرجل الذي كتب إليها!
أعرف أنك ستحتفظين بأوراقي هذه.. حتى تسمعين صوتاً جاذبيته تفوق جاذبية صوتي التي كانت تشدك من آخر الدنيا!
لكنك لن تنسين صوتي.. هذا الذي كان أول صوت جريء، ومرتفع، ومقتحم لانتباهتك، ولجمالك، ولشواطئ نفسك التي كانت منشغلة بلعبة الأمواج... حتى رسوت فيها بسفني!
* * *
يا ضمير وجداني في سماحة الأشواق:
ما رأيك في هذا السؤال الذي أطرحه على ((قدومك)) الغائب، أو المنتظر:
ـ هل فزنا بالحياة.. حتى نبادر إلى فقدانها، أو إلى تبديدها؟!
ـ ستجيبين: أنت الذي بددتها.. لا أنا. أنت الذي سجنت قدومك إليّ.. حتى ظننته الفقد لك!
سأدافع عن نفسي.. عن حبّنا.. عن لحظات السعادة القصيرة التي أحيتنا وكأنها الزمن الكامل.. فأقول حزيناً:
ـ إنني مشروخ ومضطرب.. وهذا هو اعترافي لك الآن!
ـ ستسألينني: ولماذا... ما الذي أوصلك إلى هذا الحال؟!
ـ سأجيبك باقتضاب: أشياء كثيرة.. لا مجال الآن لتفصيلها. هناك - فقط - خوف من إلصاق تهمة تُطلق على البشر في هذا العصر المادي!
أصبح في هاجس الناس - مع طبيعة العصر - أنك حين تحصل على ما ركضت إليه وسعيت إلى امتلاكه.. فلا بدّ أن تسقط في الملل منه، أو في رغبة التجديد بغيره، وفي النظر إليه على أنه القديم.. المملوك.. المضمون!!
صدقيني.. لست هذا الرجل، ولست بهذه البشاعة في الأخذ!
لأنك أنت هذه ((الأنثى)) التي تتحول إلى شاطئ في حياة رجل أرهقته الأمواج، فاستراح عندها، وسكن، وغرس بذرة الوفاء، وأمان الحياة!
لأنك أنت هذه الحبيبة/الاكتشاف.. طلعت في ((احراج)) العمر: نداء، وشمساً، وهمسة، وفيْئاً، ودفئاً!
لكنني - يا سيدتي - مشروخ، ومضطرب!
كأنّ كياني من الداخل يتداعى.. وهذه الأفكار مضطربة، أعجز أن أوحدها.. لأجيبك على السؤال.
لا أريد أن أدافع عن نفسي عندك.. لا أريدك أن تدافعي عن نفسك عندي.
ذات يوم توحّدنا.. فأصبحنا هذه النفس الواحدة عندك، وعندي.
الإجابة على أي سؤال.. باتت صعبة في زمان الشروخ!!
الشروخ ليست في الزمان، ولكنها في البشر ومنهم.. يشرخون وينشرخون، والنزيف يستمر.. مختلطاً بالضحكة، وبالسخرية، وبالآهة، وبالخطوات الراكضة!
* * *
هل أذكّرك.. يا حزني السعيد؟!
كنا في لحظات الصفو البرّاقة مثل ((فلاش)).. يطالع كل واحد منا وجه الآخر، وبتلك الابتسامة من ضوء.. على وجهك الحنطي، تقولين لي:
ـ أنا التي فزت بك!
وبتلك الابتسامة من فرح.. على وجهي المتفائل، أقول لك:
ـ بل أنا الذي فزت بك!
وكان ((الفوز)).. يتشكل من معاني: العطاء، والفهم، والحنان، وقراءة أعماق النفس، والغيرة المشتعلة حتى مرحلة الخصام والغضب.. ثم الصلح والرضا!
لم نكن مثل عاشقين عاديين.. في الثانية الأخيرة لانطفاء ((الفلاش)) يتخبطان في الحيرة المجلوبة بالقلق، ويتساءل كل واحد بينه وبين نفسه: من الذي فاز بالآخر؟!
الحب لم يكن معركة في مشاعرنا.. بل كان بناء، وصخب موج، ووهج ضوء، واشتعال حرائق، وهطول مطر ينتشي بعده الزرع في صدرك وصدري!
هل تذكرين تلك اللحظات.. بقهقهاتنا، وغضبنا، وسخفنا، وقضايانا؟!
عام.. تزاحمت فيه الخفقات بين ضلوعنا.. وما انتشينا!
كأنّ الزمن خرافة.. أيتها المزنّرة بالظلال!
لكني أسترجع - الآن - أجمل خرافة فاض بها عمري. صرت أنظر إليها وكأنها فترة ممنوحة لي من خارج الزمان.. إما أنها استبقت عمري، وإما أنني أنا الذي استبقتها!!
وها أنذا ابتسم من وراء حزني.. حينما أتذكر هذا الزمن/الخرافة؟
كنا نحلم بتتويج هذا الحب.. بطفل يواصل حياتنا معاً.. بمعنى الميلاد الآخر، والمخاض، والعمار.. بهذه ((الوثيقة)) التي نوقعها معاً - أيضاً - للاعتراف بالحياة الرابطة، وترسيخها!
هل تبتسمين، وأنت تسترجعين أصداء مشاكساتنا:
ـ أريده طفلاً.. يعينني عندما أكبر وأشيخ!
ـ بل أريد طفلة.. تضفي على الحياة عبقاً، بشرط أن تشبهك!
تخيلت الآن كل شيء مستمداً من الذكرى.. حتى حجارة البيت الذي ضمنا، كل ركن. الستائر، توزيعك لنبات الظل، والإضاءة.. كأن الجدران الصمّاء تنادينا لنتوحد من جديد!
ترى.. هل تعرفين أن الحجارة تشتاق؟!
هل تلاحظين على الزرع أنه يموت، ويضمر، ويجف.. حزناً في الفراق؟!
تخيلت ذلك المكان في طرف المقعد الوثير.. وكيف تطلبين من افراد البيت وحتى من صديقاتك الابتعاد عنه، والجلوس بعيداً.. لأنه مكاني وحدي؟!
ذلك المكان - أيضاً - أصبح من بقايا الزمن/ الخرافة!
* * *
ها هو الزمن يتجمد.. يا حزن النجمة في أمسيات الضباب!
هل غادرنا زمن الحب.. زمن التوحد، أم ترانا نحن الذين غادرناهما؟!
الإنسان هو الذي يغادر غالباً.. وينادي بعد ذلك على الأصداء!
ـ قلت لك يوماً: منتهى الألم والفقد.. أن ((الذكريات)) أيضاً، لم يعد يملكها الإنسان!
ـ سألتني بدهشة وحنق: كيف.. هل ستتنازل عن ذكرياتنا؟!
ـ أجبتك: بل أتشبث بها، لكني رأيت مرة جدار بيت كان عليه نقش يدل على تراث قديم، وقد هدموه من أجل التوسعة الحديثة، والمباني الشاهقة... فحزنت. ورأيت شجرة كبيرة ممتدة الظلال والفيء.. حفر على جذعها اسمان وقلب، وقد اعملوا فيها الفؤوس، واكتسحتها الآلة بعد ذلك.. فحزنت، وكان ذلك منتهى الفقد!
والإنسان مرتبط بهذه الشواهد.. وفي صدره أيضاً شواهد أخرى مماثلة.. من الصور، والمواقف، والكلمات.. يهدمها الإنسان أيضاً!
ـ أسمع صوتك يقول: لا... هناك أشياء ذات جذور عميقة لا يمكن أن تتهدم!
ـ وما زلت أتذكر.. أستعيد أصداء صوتك/ صوتي من البعيد الذي رحل!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1302  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 204 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج