البارحة.. نهض في داخلي إنسان.. |
بلغ به العمر مشارف الثالثة والأربعين! |
فكرت أن أجمع عدداً من الشموع لأطفئها.. |
فتلفت في أعماقي.. |
ها هي شموع كثيرة بين جوانبي تضيء، وتضيء.. |
حتى يأتي الموت الحاسم.. |
وها هي شموع في ثمالاتها.. |
ذابت وسقطت مع الماضي، والذكريات، والمكابدة.. |
أعطت دورها، ولم يتبق منها سوى الأثر! |
أشجاري تتعرى يوماً بعد يوم... |
وتسقط الأحلام في ذاكرة صماء! |
* * * |
تولد الساعات وتموت... |
وكل شيء من نفوسنا، وإليها: |
مؤقت، أو ممنوح، أو يعاني من التعب، |
ولكنه يلمع أحياناً في الفرحة التي نصنعها لمن نحب.. |
لنراهم سعداء! |
لقد بلغ قلبي سن الهدوء.. |
وينطوي هذا الهدوء غالباً في جنح النسيان.. |
كأنّ ما بيني، وبين النهر التزام، |
وما بيني وبين الأمسيات أصداء وحنين، |
يسترخي ولكنه لا يخبو! |
كأن الالتزام هو خيط ((الفكرة)).. |
تلك التي نواصل بها الاجترار لكل ما أكلته الليالي! |
وكأن الأصداء والحنين.. |
هما نبض القلب.. |
ذلك الذي نحب به بقية العمر، ونحيا فيه الذكريات! |
* * * |
تكاد الثلوج أن تأكل ضلوعي.. |
ويكاد عطر الحياة أن يتجمد في ابتسامتي الحزينة! |
فما هو العمر.. يا ذكرى الميلاد؟! |
قلت لأجمل حنين: |
ـ إن العمر هو الحزن مبتسماً! |
وفجأة.. |
أخذني صوت جمال عمري يمرجحني في الحزن المبتسم.. |
ويقول لي: |
ـ إن الإبحار هو اللامدى في النظرة.. |
هو الصفاء في الرؤية.. |
هو اتساع المسافة في التأمل.. |
هو استمرار الأمل في التحديق! |
إن الإبحار.. هو السفر الدائم خلف الأفئدة، والعواطف، |
والعقول! |
فلن يصل المرء إلى النهايات التي يحددها. |
فالناس كما يقول بول فاليري: |
ـ ((لا يذهبون أبداً إلى النهاية)). |
ذلك لأنهم لا يقدرون، |
أو لأنهم لا يحتملون عظمة النهايات! |
إن حاجة الإنسان واحدة لا تتغير.. |
هي: أن تصل كل أشيائه إلى النهاية! |
لكننا نعجز غالباً أن نصنع النهايات، |
ولكن النهايات هي التي تصنع حياتنا أو تتوقف بها! |
إننا نفاجأ بالنهايات.. |
مرت سارة تغمر حتى النسيان، |
ولكنها كثيراً ما تكون تفسيراً لبشاعة الزحام، |
ولتفاهة دوافع الركض! |
* * * |
كنت أغوص وأطفو.. |
أرفض أن أتحول إلى مجرد مشاهد يعبر أمامه العديد من |
الصور. |
إنني أبحر في ركض من أحب، |
وأتورط في شجني! |
وهناك.. في مكان اتوقف فيه فجأة... |
هناك ليل أبيض.. |
أتعلم فيه محبة الناس، |
محبة العشق عندما لا تتكرر صورة واحدة بشتى المشاهد! |
أتعلم أن أبقى مبحراً خلف الحنين والشوق.. |
لا أتطلع إلى نهاية الإبحار.. |
في صدري شجني، |
وفي عيني: الركض وعيناها!! |
* * * |
إنني أتغرغر بحزني! |
ويبقى أفقي كله يمطر وجهك دوماً دوماً دوماً!! |
* * * |
بت غريباً في هذا الليل.. |
الذي يمحوني ويطلعني موعداً شكاكاً.. |
كأنني حجة ضد الفرح.. |
كأن ساحراً في صدري يهز أضلعي ويكسرها بالحدس.. |
ويجعل الريح سريري، |
ويجعل الانحناء غروري! |
أحيا بين الأثمار والجفاف.. |
أبدل محاراتي ببيوت عنكبوت. |
أتوجس من الوقفة التي طالت في انتظار أن تطلعي كالهلال! |
كأنك الزمان المندهش، |
وأنت أكبر من أشجاري، |
ومع ذلك فما زلت أنا الغابة الممتلئة التي لا حدود لها.. |
أمتلئ بالغموض، |
وبالأسرار وبالبوح.. |
بالميلاد وبالتاريخ. |
أبحث عنك في داخلك.. |
فأنا لقاؤك تحت المطر، |
وفوق الثلوج، |
وداخل الحرائق.. |
أنا عمرك الحقيقي.. |
أما أنت فما زلت معنى العمر كله!! |