شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
شموع العمر
البارحة.. نهض في داخلي إنسان..
بلغ به العمر مشارف الثالثة والأربعين!
فكرت أن أجمع عدداً من الشموع لأطفئها..
فتلفت في أعماقي..
ها هي شموع كثيرة بين جوانبي تضيء، وتضيء..
حتى يأتي الموت الحاسم..
وها هي شموع في ثمالاتها..
ذابت وسقطت مع الماضي، والذكريات، والمكابدة..
أعطت دورها، ولم يتبق منها سوى الأثر!
أشجاري تتعرى يوماً بعد يوم...
وتسقط الأحلام في ذاكرة صماء!
* * *
تولد الساعات وتموت...
وكل شيء من نفوسنا، وإليها:
مؤقت، أو ممنوح، أو يعاني من التعب،
ولكنه يلمع أحياناً في الفرحة التي نصنعها لمن نحب..
لنراهم سعداء!
لقد بلغ قلبي سن الهدوء..
وينطوي هذا الهدوء غالباً في جنح النسيان..
كأنّ ما بيني، وبين النهر التزام،
وما بيني وبين الأمسيات أصداء وحنين،
يسترخي ولكنه لا يخبو!
كأن الالتزام هو خيط ((الفكرة))..
تلك التي نواصل بها الاجترار لكل ما أكلته الليالي!
وكأن الأصداء والحنين..
هما نبض القلب..
ذلك الذي نحب به بقية العمر، ونحيا فيه الذكريات!
* * *
تكاد الثلوج أن تأكل ضلوعي..
ويكاد عطر الحياة أن يتجمد في ابتسامتي الحزينة!
فما هو العمر.. يا ذكرى الميلاد؟!
قلت لأجمل حنين:
ـ إن العمر هو الحزن مبتسماً!
وفجأة..
أخذني صوت جمال عمري يمرجحني في الحزن المبتسم..
ويقول لي:
ـ إن الإبحار هو اللامدى في النظرة..
هو الصفاء في الرؤية..
هو اتساع المسافة في التأمل..
هو استمرار الأمل في التحديق!
إن الإبحار.. هو السفر الدائم خلف الأفئدة، والعواطف،
والعقول!
فلن يصل المرء إلى النهايات التي يحددها.
فالناس كما يقول بول فاليري:
ـ ((لا يذهبون أبداً إلى النهاية)).
ذلك لأنهم لا يقدرون،
أو لأنهم لا يحتملون عظمة النهايات!
إن حاجة الإنسان واحدة لا تتغير..
هي: أن تصل كل أشيائه إلى النهاية!
لكننا نعجز غالباً أن نصنع النهايات،
ولكن النهايات هي التي تصنع حياتنا أو تتوقف بها!
إننا نفاجأ بالنهايات..
مرت سارة تغمر حتى النسيان،
ولكنها كثيراً ما تكون تفسيراً لبشاعة الزحام،
ولتفاهة دوافع الركض!
* * *
كنت أغوص وأطفو..
أرفض أن أتحول إلى مجرد مشاهد يعبر أمامه العديد من
الصور.
إنني أبحر في ركض من أحب،
وأتورط في شجني!
وهناك.. في مكان اتوقف فيه فجأة...
هناك ليل أبيض..
أتعلم فيه محبة الناس،
محبة العشق عندما لا تتكرر صورة واحدة بشتى المشاهد!
أتعلم أن أبقى مبحراً خلف الحنين والشوق..
لا أتطلع إلى نهاية الإبحار..
في صدري شجني،
وفي عيني: الركض وعيناها!!
* * *
إنني أتغرغر بحزني!
ويبقى أفقي كله يمطر وجهك دوماً دوماً دوماً!!
* * *
بت غريباً في هذا الليل..
الذي يمحوني ويطلعني موعداً شكاكاً..
كأنني حجة ضد الفرح..
كأن ساحراً في صدري يهز أضلعي ويكسرها بالحدس..
ويجعل الريح سريري،
ويجعل الانحناء غروري!
أحيا بين الأثمار والجفاف..
أبدل محاراتي ببيوت عنكبوت.
أتوجس من الوقفة التي طالت في انتظار أن تطلعي كالهلال!
كأنك الزمان المندهش،
وأنت أكبر من أشجاري،
ومع ذلك فما زلت أنا الغابة الممتلئة التي لا حدود لها..
أمتلئ بالغموض،
وبالأسرار وبالبوح..
بالميلاد وبالتاريخ.
أبحث عنك في داخلك..
فأنا لقاؤك تحت المطر،
وفوق الثلوج،
وداخل الحرائق..
أنا عمرك الحقيقي..
أما أنت فما زلت معنى العمر كله!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1152  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 197 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.