شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
هات عينيك
قرص الشمس ينحدر عند الأفق..
قانياً، مضرجاً بحصيلة النهار كله.
الشاطئ أخذ يستعيد أنفاسه..
وهو يتخلص رويداً من الأقدام التي ركضت فوقه،
وجرت فوق رماله،
وتقافزت على حصاه.
الزحام في كل مكان..
حتى عندما تنحدر الشمس للمغيب!
نظراته - تلك اللحظة - ضائعة...
ترحل خلف الغروب..
ممتزجة.. مطوية بين المياه الزرقاء الداكنة..
وبين ترددات الموج الخفيف..
وهو يصطدم هيناً بحجارة الشاطئ..
لا شيء في العينين مما كان مرئياً:
لا الزحام، ولا الانطلاق،
ولا حتى ذلك التواجد المؤقت في الوقت..
بل كل الشيء الآن - في العينين -
هو ذلك الكل المازال في الضلوع..
من المحسوس، ومن الرجع.
ومن أصداء الزمان الذي تفوّق على الوقت،
وكبر بالعمر وبالوفاء!
إنه هذا الصمت النبيل..
* * *
حينما تغرورق العين بدمعة لا تهون..
وفي الدمعة تختال صور الذكرى،
وتكبر الأيام،
وتضيء النفس براحة العهد للحفاظ على الغالي..
فهل الصمت حزن..
هل الصمت إدانة لعبث الإنسان بصدقه، وبقيمه؟!
كان الصمت حوله،
وكان على امتداد البصر..
شعاعاً في البصيرة،
ودفقاً دافئاً في القلب.
* * *
أما سرحة النظر..
فقد كانت تطارد ذلك (الذي يأتي ولا يأتي).
أما الرجع..
أما الإصغاء للمترسب بين الضلوع وهو يطفو الآن..
فقد كان تذكراً لعبارة ترددت في زمان لا مثيل لعنفوانه..
وتمتد يد هذا المبحر في مكانه مع الصمت والتأمل..
وتدير مؤشر الراديو،
فيأتيه الرجع ثانية من البعيد..
من خلال أغنية لا يطيق سماعها حتى لا تضطرب قدرته..
حينما يربط الأمس بالغد..
لكنه مشدود إلى النداء العفوي والصادق فيها:
ـ ((هات عينيك ترتاح في نظرتهم عينيه))!!
ويسارع..
فيفر بمؤشر الراديو من جديد..
يركض به هارباً من دمعة لا يستطيع احتمالها..
إنه يبحث عن برنامج ضاحك..
عن نكتة سخيفة جداً..
لقد امتلأت أغنيات العرب بالدموع..
بينما تكاد تنضب مآقيهم من الدموع!
* * *
وتمتد نظراته إلى البحر من جديد -
في رمق النهار الأخير - يتأمل..
كيف يغرق هذه النظرات..
وكيف يدع ما يختال في الدمعة يسبح حتى يبلغ الشط؟!
إنها سرحة من الشعاع الروحي..
تتهادى فوق مياه البحر.. حافظ الأسرار!
إنها لحظة من إمتاع الذهن أيضاً..
كما فلتر ينقي من أوشال الألم،
ويشذب الحزن..
عندها يقدر العقل على الانطلاق بعيداً..
حتى يتصل مداه بمدى الأحلام العريضة..
تلك التي تسقط غالباً مع قرص الشمس الآفل!!
* * *
لكن الزمن يتحول إلى مجرد ((وقت))..
عندما يخلو من الانتظار..
ومن الوعد،
ومن الكلمة ذات الصدى..
فالزمن هو عهودنا..
وهو قيمنا..
وهو معاني الإنسان في الوجد وفي الفكرة!
وبذلك تبقى موانئ النفس مضيئة..
رغم غارات الكراهية في عالم الإنسان..
رغم التفاهة!
إنها ما زالت..
هذه الموانئ التي تستقبل أشرعة بيضاء قادمة..
بينما البحار تقذف الأصداف والوشل،
((وما زال الحنين لظى))!
* * *
ترى - يا أيها الإنسان -
هل في إمكان التجربة الإنسانية..
أن تعبر بإحساس الإنسان من ارتطاماته،
وما حوله من إحباطات..
إلى قناعة بجدوى الزمن؟!
إنه يسكن الموانئ،
ويرضع من سحابة تلوح بالغيث!
إنه - كما يرى نفسه -
يقف فوق صارية رست سفينتها..
وكلهم يرحلون،
ويبقى وحده يستقبل الوقت،
ويودع التجربة خلف التجربة،
والموج يقهقه، والبحر يعلو وينحسر،
والصارية تنتشر على وجه البحر،
وما زالت السفينة تتمايل بلا تعب!
* * *
وعندما كانت النفس كمحارة تائهة في الموج..
كانت ضلوعه تستقبل النداء المتجدد..
في دعوة للحياة.. للأمل.
إنه لا شيء يقدر أن يتحول إلى فراغ..
طالما حافظت نفوسنا على عمار الحب لها.
الفراغ الحقيقي..
هو أن لا يبقى لك شيء تفكر فيه.
ولا يبقى لك من تحبه، ويحبك..
لحظتها يتحول الزمان إلى وقت،
وتكف الحياة عن الحياة!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1435  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 180 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثالث - النثر - مع الحياة ومنها: 2005]

جرح باتساع الوطن

[نصوص نثرية: 1993]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج