شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لا شيء كاللهب.. لا شيء كالحرير!
إنني أعترف.. أعترف،
ولكننا - جميعاً - بماذا نعترف؟
بالأنانية التي تنتعش..
في سريرة البعض،
وتلازم طموحاته، وسلوكه مع الاخرين؟!
بالجروح..
التي تزداد تفتحاً فوق الأرض الواسعة..
حيث يتوسد مشردون من ديارهم.
الرمل، والحصى،
ويتيه مبعدون من بيوتهم وأرضهم..
فوق الأمواج وملوحة البحار؟!
* * *
بالأحلام المترفة..
التي تقتحم فجأة صدور البعض،
فتحيله إلى جنون،
أو تحيله إلى مجرم،
أو تدعه بعد بعد كما حامل الصخرة: ((سيزيف))!
* * *
بالاشتهاء...
الذي لا نملك لحظته..
أم بالأوهام التي منعت إنسان القرن العشرين..
عن البكاء؟!
* * *
أحياناً..
أبحث عن (الحضور) كشخص..
كفكرة..
كحلم.
أجسِّده وأخاطبه كسمع، وبصر،
وأبحث في الكتب عن الأساطير القديمة،
وكيف كانت تبلور (الحضور) وتمثله!
* * *
الإنسان اليوم..
هذا الحاضر الغائب:
حاضر في مادياته، وركضه،
ومقتنياته، وتطلعاته الذاتية المحضة..
يعمل كآلة،
ويجعل التنافس والحرب ضد الحاجة...
حسداً، أو ضغينة، أو حقداً!
وينام بالحبوب،
ويصحو على المنبه،
ويواصل ركضه!
غائب عن روحه، ونفسه، وإنسانيته،
وقناعة الآخذ والمعطاء..
يحك قلبه عندما يؤلمه.
من كثرة التدخين أو الكحول..
وليس من شدة الحب أو التعاطف.
* * *
الغياب أيضاً..
يأخذ البعض عن وطنه،
فلا يتذكر ((عريشة)) العنب..
التي كانت عند مدخل بيته القديم،
ولا يتذكر شجرة ((النيم))..
التي كانت ترسل عبقها بعد منتصف كل ليلة..
كان فيها يفكر في الثراء،
ولا يتذكر النغم القديم..
ذلك الذي كان يحفر ضلوعه،
فيعيده إلى مراتع صباه!
* * *
ابحث في هؤلاء عن (الحضور) بالحب للناس.
والحضور بالألفة مع الذكرى والحنين،
والحضور في وريد الوطن..
يغذيه عشقاً وانتماءًا!
* * *
فيا سيدي.. أيها الحضور:
في حضورنا أمام حلم،
أو أمام اشتهاء،
أو أمام وهم..
نحن ضعفاء عرايا،
بارزة فينا التشوهات التي أحدثتها الماديات.
فماذا نفعل عندما نقف أمامك أيها ((الحضور))..
وننادي على ما نرغب، أو على ما يأسرنا؟!
* * *
المعين بلا حافة..
فنحن نقلد ((نيرجس))..
عندما نحاول رؤية وجوهنا دائماً على الماء..
فنسقط غرقى في حضورنا..
غرقى في الأشياء التي تتغير في داخلنا،
... ونتأسن!
أود أن أعترف - إذن -
أنني لست وحيداً،
فهل هذا ممكن؟!
أن أعترف بأنني أفر من الحقد،
وأنفر من الكآبة،
وأهرب من الذاتية.. فهل أنجح؟!
أن أعترف بحاجتي إلى الدموع الصافية..
تلك التي لا يختلط فيها الغياب بالحضور..
فهل يصدقني أحد؟!
* * *
أصبح الحضور مرهقاً..
فكلما حضرنا أمام ما نشعر،
أو أمام ما نرغب..
تبين لنا أن الصدق يهرب،
وأن النقاء يتلوث،
وأن الإنسان يرتكب ما ليس فيه، وما ليس له!
إننا صيد مستمر..
في شبكة الهروب من أشيائنا الحميمة،
ومن نفوسنا..
نحن شكوى متراخية،
وفي رؤوس المعترفين أصداء هذا الاعترف القائل:
ـ ((إن في المكان شيئاً مميتاً.
لكن الزمان فيه تفسير ذلك الشيء..
فالزمان أقسى من الأمكنة))!
ولكن الزمان لا ينكمش..
بل هو المكان،
وقد فسر أحد الفلاسفة هذه الرؤية..
في حوار له مع نفسه،
وكان لا يذكر الزمان..
لأنه - كما يقول - موصول مستنسخ.
أما المكان.. فهو الأجيال،
وهو الأحداث، وهو محن الكراهية،
وهو ازدهار العشق والتوالد العاطفي!
* * *
أحتاج - إذن - أن أقهقه،
فبعد كل حكيم،
وفي كل زمان..
يمتلئ العالم بالفلاسفة والمجرمين.
يتسع جرح العالم أعمق..
والإنسان يتواضع بكل أحزانه وفقده!
الإنسان.. يحتاج أن يخاطبه أي إنسان،
ولكنه لا يفعل ذلك إلا أمام البقالات،
وفي عيادة الطبيب،
وعندما يموت!
* * *
فيا سيدي ((الحضور))..
تجدد..
فلم يعد بداخلك شيء لم نتعود عليه!
تعودنا على الأحلام..
فسئمناها!
وتعودنا على الجروح والأحزان..
فدبغتها التفاهات،
وتكرار المواجع في كل مساحة الكرة الأرضية!
وتعودنا على الاشتهاء..
فلم يعد يجذب،
بل أنه أصبح مقرفاً!
* * *
تجدد..
فأنت ((حضور)) سعيد الاسترخاء،
ونحن ما زلنا نتحدث عن ((بروميثيوس))،
ونعانق رومانتيكية هاملت،
ونصفق بحرارة لديدمونة المقتولة، والقاتلة!
فلا شيء كاللهب...
لا شيء كالحرير!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2275  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 172 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

التوازن معيار جمالي

[تنظير وتطبيق على الآداب الإجتماعية في البيان النبوي: 2000]

ديوان زكي قنصل

[الاعمال الشعرية الكاملة: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج